غاب قآني وحضر عراقجي.. لماذا تراجع دور عسكر إيران في المنطقة لحساب السياسي؟

يوسف العلي | منذ ٥ أيام

12

طباعة

مشاركة

"توارت طهران الثورة عن الأنظار، وتصدّرت إيران الدولة".. هكذا كان المشهد خلال الأحداث الأخيرة في سوريا التي انتهت بسيطرة المعارضة على البلاد، وإسقاط نظام بشار الأسد، بعد 13 عاما من ثورة، استعان خلالها الأخير بالجنرالات والجنود الإيرانيين لقمعها.

في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أعلنت روسيا بشكل رسمي وصول الأسد، إلى موسكو بعد فراره من العاصمة السورية دمشق، وأنها منحته مع عائلته حق اللجوء الإنساني، بأمر من الرئيس فلاديمير بوتين.

حلقتان مترابطتان

ومنذ انطلاق عمليات "ردع العدوان" في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني وحتى الإطاحة بنظام الأسد في 8 ديسمبر، لم يُلحظ نشاط لأي شخصية عسكرية إيرانية في سوريا، وإنما تصدّر ذراعها الدبلوماسي المشهد بالكامل، ممثلا بوزير الخارجية عباس عراقجي.

هذه الصورة تناقض ما كانت عليه إيران إبان اندلاع الثورة السورية عام 2011، التي كان فيها قائد فيلق القدس الإيراني السابق، قاسم سليماني، هو من يتحرك على الأرض في سوريا، ويتنقل منها إلى العراق ولبنان لإنقاذ نظام الأسد.

الأسباب وراء تواري جنرالات إيران، خصوصا قائد "فيلق القدس" الحالي إسماعيل قآني، والاكتفاء بالخيار الدبلوماسي لإدارة الأزمة في سوريا، عزاها عراقجي نفسه إلى طلب الحكومة السورية، و"بالتالي الإيرانيون مستعدون للتدخل العسكري في حال طلب منهم ذلك".

وأوضح عراقجي، خلال مقابلة تلفزيونية في 7 ديسمبر، قائلا: “أعتقد أن الميدان (الخيار العسكري) والدبلوماسية في إيران يكمل بعضهما الآخر”.

وأردف: "الآن الميدان تؤدي عملها، والدبلوماسية الإيرانية أيضا تقوم بعملها".

وأضاف الوزير الإيراني في حينها أن "التدخل العسكري يعتمد على طلب الحكومة السورية، ونحن أعلنا أننا لطالما دعمنا سوريا، والآن ندعمها حكومة وشعبا، لكن نوع وكيفية هذا الدعم يعتمد على دمشق وكذلك على الخيارات المتوفرة".

وأثناء تقدم قوات المعارضة السورية، أجرى عراقجي زيارة إلى دمشق في الأول من ديسمبر، التقى خلالها الأسد، وأكد له وقوف إيران إلى جانبه، واستعدادها تقديم شتى أنواع الدعم إليه، مشددا على ضرورة التصدي بحزم لمن وصفهم بـ"الإرهابيين".

عراقجي انتقل في اليوم التالي إلى أنقرة، واجتمع مع نظيره التركي هاكان فيدان، الذي رفض أي تدخل خارجي فيما يجرى في سوريا كونه "شأنا داخليا"، مفندا في الوقت نفسه ما تروج له إيران من أن المعارضة السورية المسلحة تحركت بدعم إسرائيلي وأميركي.

بعدها أجرى زيارة إلى بغداد في 6 ديسمبر، اجتمع خلالها مع نظرائه من سوريا والعراق، وخرج ببيان وصف بـ"الفضفاض" كونه اكتفى بالحديث عن المشاورات الدبلوماسية والتحذير من مخاطر ما يجري، ولم يتطرق إلى التحرك العسكري لدعم الأسد.

وفي 7 ديسمبر، وقبل ساعات من الإطاحة بالنظام، وُجِد عراقجي في الدوحة مع وزراء خارجية قطر والسعودية والأردن ومصر والعراق وتركيا وروسيا، وصدر عنهم بيان يدعو إلى "حل سياسي وإيقاف للعمليات العسكرية"، لكن سيطرة المعارضة كانت أسرع من تطبيق ذلك.

مقاربة جديدة

وعن أسباب غياب جنرالات طهران، قال الأكاديمي والباحث العراقي، مؤيد الدوري، إن "إيران بعد هزيمة حزب الله اللبناني والخسائر التي لحقت به في حربه مع الاحتلال الإسرائيلي، لم تستطع إرسال أي شخصية عسكرية ثقيلة الوزن إلى سوريا، لأن إسرائيل ستستهدفها".

وأضاف الدوري لـ"الاستقلال" أن "إيران تسعى في الوقت نفسه إلى تصدير رسائل إلى الخارج، لا سيما الدول الغربية، أنها تتحرك ضمن أطر القانون والأعراف الدولية، والمضمار الدبلوماسي، وليس العسكري تجاه أزمات المنطقة".

ولفت إلى أن “الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان، يمثل تيار الدولة وليس الثورة في إيران، والتي يعبر عنها الحرس الثوري وفيلق القدس الإيراني”، مبينا أن نظام ولاية الفقيه مضطر في الوقت الحالي للانحناء للعاصفة الغربية ضده".

وخاصة مع قرب عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، والذي يتبع سياسات متشددة تجاه إيران.

ورأى الباحث أن "المشروع الإيراني في المنطقة يواجه أسوأ حالاته منذ نصف قرن؛ لأن ذراعه في لبنان قطعت بعد تدمير حزب الله، واليوم يودع ذراعه في سوريا، وربما يأتي الدور على العراق واليمن، بالتالي إيران الثورة لا تصلح للمرحلة الحالية، وإنما عندما يزول عنها التهديد".

وفي السياق ذاته، ثبّت الإعلامي الفلسطيني المختص بالشأن الإيراني، عبد القادر فايز، ملاحظات وصفها بأنها "لافتة جدا" فيما يتعلق بالمقاربة الإيرانية تجاه ما جرى في سوريا، وكيفية تحرك طهران على وقع مجريات الميدان السوري.

وكتب فايز على منصة "إكس" في 7 ديسمبر، قائلا: إن "عراقجي هو من يقود المرحلة الراهنة، وهو تقريبا صوت طهران شبه الوحيد الآن الذي يتحدث بلسان السياسة والعسكر والأمن القومي ويتحرك على رقعة الشطرنج السورية بمعناها الإقليمي".

وفي تقدير فايز،  فإنه "قرار ومحل إجماع في دوائر صنع القرار. ولافت أيضا أن هذا التحرك لا يواجه بأي انتقادات حقيقية داخل إيران خاصة في الصحافة أو بعض المنابر الدينية - السياسية، ومن يعرف طهران جيدا يدرك الأهمية الوازنة لذلك".

ورأى الخبير في الشأن الإيراني، أن ما يحصل هو "بداية مقاربة إيرانية تبدو مختلفة في التعامل مع مستجدات ما يجرى في سوريا، ومن الصعب جدا طرح فكرة أن طهران تفعل ذلك وتتبنى هذه المقاربة دون سيناريوهات تلبي الحد الأدنى من مصالحها القومية هناك".

خشية إيرانية

وفي 9 ديسمبر، كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، أن "عراقجي أخبر الأسد في دمشق أن وضع إيران لا يسمح بإرسال قوات لدعمه".

وبحسب الصحيفة، فإن التوترات بين طهران ونظام الأسد تصاعدت "وسط اتهامات بتسريب معلومات عن القادة الإيرانيين بسوريا"، في إشارة إلى جنرالات إيرانيين استهدفهم إسرائيل خلال حربها الأخيرة مع حزب الله اللبناني.

ونقلت عن مصدر إيراني (لم تسمه) القول إن "إيران كانت محبطة من الأسد منذ نحو عام"، مشيرا إلى أن "عراقجي عندما زار دمشق أخبره رئيس النظام السوري (السابق) أن الانسحاب من حلب كان تكتيكيا، وأنه لا يزال مسيطرا".

وقال المصدر المقرب من الحكومة الإيرانية: "لقد أصبح الأسد يشكل عبئا أكثر منه حليفا"، مضيفا بالقول: "الاستمرار في دعمه كان من شأنه أن يؤدي لتكاليف باهظة".

وفي 8 ديسمبر، أكد عراقجي، خلال مقابلة تلفزيونية، أن الأسد "لم يطلب أبدا" مساعدة طهران عسكريا، موضحا أنه "فوجئ" بـ"سرعة" هجوم الفصائل و"عجز" الجيش السوري عن صدّه.

عراقجي أعلن أن الأجهزة الأمنية الإيرانية والسورية كانت على علم بنشاط تشكيلات المعارضة المسلحة شمال سوريا، مشيرا إلى أن طهران تلقت معلومات عن تحركات في إدلب ونقلتها إلى دمشق.

وأردف: "فوجئنا بعجز الجيش السوري والوتيرة غير المتوقعة لتطورات الأحداث". ووصفت “فايننشال تايمز”، سقوط بشار الأسد، الذي حكمت عائلته سوريا لأكثر من خمسين عاما، بأنه "ضربة مدمرة" للسياسة الخارجية الإيرانية.

وفي رده على سقوط نظام الأسد، قال عراقجي خلال حضوره جلسة للبرلمان الإيراني في 9 ديسمبر، إنه "لم يكن الهدف أن تحل القوات الإيرانية محل الجيش السوري أو تنخرط في صراع مع المعارضة"، حسبما ذكر موقع "إيران إنترناشيونال" المعارض.

من جهته، وجه المحلل الإيراني المقرب من النظام أصغر زارعي، انتقادا شديدا إلى الأسد، مشيرا إلى "المعاناة التي سببها" في العلاقة مع طهران، وذلك خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة “خبر” التابعة للتلفزيون الإيراني الرسمي.

وعن خسارة النظام الإيراني لسوريا، قال زارعي إن "إعادة بناء موقع إيران سيكون أمرا في غاية الصعوبة"، مضيفا: "يجب أن نتأكد من أن هذا لن يحدث في العراق أو اليمن".