إستراتيجية استعمارية جديدة.. هكذا تستغل فرنسا نيجيريا كرأس حربة في إفريقيا

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

بعد الصفعات المتوالية التي تلقتها في دول الساحل الإفريقي، يبدو أن فرنسا بدأت توجه بوصلتها تجاه دول جديدة تسعى عبرها للحفاظ على نفوذها الاستعماري بالقارة السمراء.

وفي هذا السياق، تسلط مجلة “جون أفريك” الضوء على إستراتيجية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للتوجه نحو نيجيريا، في محاولة لإعادة تموضع فرنسا اقتصاديا وسياسيا في إفريقيا بعد التحديات التي واجهتها في منطقة الساحل. 

وتركز المجلة في تقريرها على تعزيز الشراكات الاقتصادية بين فرنسا ونيجيريا تحت قيادة الرئيس النيجيري بولا تينوبو.

وترى فرنسا في نيجيريا فرصة اقتصادية كبرى، حيث تتمتع البلاد بسوق واسع وسكان متزايدين يجعلونها واحدة من أكبر الاقتصادات الإفريقية.

في المقابل، تجذب نيجيريا أيضا اهتماما دوليا بفضل استثمارات ضخمة من دول وشركات عالمية أخرى.

وفي هذا الإطار، تشير المجلة إلى أن الزيارة الرسمية الأخيرة للرئيس تينوبو إلى فرنسا كانت فرصة لتعزيز العلاقات بين البلدين.

كما كانت هذه الزيارة رمزا للتحول الفرنسي من التركيز التقليدي على مستعمراتها السابقة إلى دول ذات أهمية اقتصادية وإستراتيجية أكبر.

ومن خلال هذه الإستراتيجية، تسعى فرنسا لمواجهة التحديات التي فرضتها القوى الدولية الأخرى مثل الصين والهند وتركيا، التي أصبحت تنافسها بقوة في إفريقيا. 

وبشكل عام، يناقش التقرير "كيف يمثل هذا التحول بداية لعصر جديد في العلاقات الفرنسية الإفريقية، حيث تعتمد باريس على القوة الاقتصادية والثقافية لتعزيز مكانتها".

الخروج من الساحل

في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وكما تصف المجلة الفرنسية، في الصالون الذهبي المشبع بالضوء بفندق ماريني، الملحق بقصر الإليزيه، حيث كان الرئيس النيجيري بولا تينوبو بجانب ماكرون لجلسة عمل مع المجلس الاقتصادي الفرنسي-النيجيري. 

في هذا اللقاء، تبادل رؤساء تنفيذيون فرنسيون، مثل باتريك بويانيه وأنطوان دو سانت-أفريك، الرؤى مع شخصيات بارزة نيجيرية، مثل أليكو دانغوتي وجيلبرت شاغوري.

ومن وجهة نظر المجلة، يشكل هذا اللقاء لحظة بارزة خلال زيارة الدولة التي قام بها تينوبو إلى فرنسا، وهي الأولى لرئيس نيجيري منذ زيارة أولوسيغون أوباسانجو قبل أربعة وعشرين عاما.  

وبالنسبة لماكرون، تقول المجلة إن "التعاون مع نيجيريا يمثل فرصة لإحياء اقتصادي البلدين". 

وبهذا الشأن، قال الرئيس الفرنسي أمام المشاركين إن "الأسواق وسكان المستقبل موجودون في نيجيريا، وليس في منطقة الساحل". 

وأضاف: "ليس من الطبيعي بالنسبة لرؤساء الشركات الفرنسية أن يطرقوا أبواب نيجيريا، ولكن في المستقبل، سيكون هذا هو الخيار الواضح".

وفي هذه الأثناء، تلفت المجلة الفرنسية النظر إلى أن الإعلانات تسيطر على المشهد.

فعلى سبيل المثال، شركة "JBS"، عملاق اللحوم البرازيلي -كما وصفتها المجلة- الذي يديره الأخوان باتيستا، أعلنت استثمار 2.5 مليار دولار في قطاعي الدواجن والماشية في نيجيريا. 

وفي موازاة ذلك، تبرز أنباء ذات طابع سياسي تفيد بأن "تشاد تعلن عن رحيل القوات الفرنسية، والسنغال تعلن أنها لم تعد ترغب في وجود قواعد عسكرية فرنسية على أراضيها"، وفق ما ورد عن المجلة.

مرحلة جديدة لماكرون

وفي إطار ما ذُكر سابقا، تتساءل "جون أفريك": "هل يمكن اعتبار زيارة تينوبو بمثابة "جولة ثانية" في السياسة الإفريقية لماكرون بعد الانتكاسات في منطقة الساحل؟"

وهنا، تخلص المجلة إلى أنه "من الصعب التقليل من حجم النكسات الإستراتيجية التي تعرضت لها باريس، حيث أطاحت انقلابات بأنظمة نصبت نفسها علنا معادية لفرنسا".  

ولكن في الوقت نفسه، تؤكد المجلة الفرنسية أن الانفتاح على نيجيريا يندرج أيضا ضمن إستراتيجية طويلة الأجل.

وتتمثل هذه الإستراتيجية -بحسب المجلة- في إعادة إدماج الشركات الفرنسية في سباق العولمة. 

وفي هذا الصدد، يقول مارك-أنطوان بيروز دي مونكلو، من معهد البحث من أجل التنمية: "هناك فجوة كبيرة بين الاستثمار السياسي والعسكري المفرط لفرنسا في "الفناء الخلفي" الفرانكفوني لمستعمراتها السابقة من جهة، وبين واقع استثماراتها الاقتصادية التي تتركز بشكل أساسي في إفريقيا الناطقة بالإنجليزية، بدءا من نيجيريا من جهة أخرى".

وفي هذا السياق، تشير المجلة إلى أنه على مدى العقدين الماضيين، كافحت فرنسا لتعزيز حضور شركاتها في الخارج. 

منوهة أنه في الوقت نفسه، أصبحت الشركات الصينية، إلى جانب الشركات الهندية والتركية، منافسين شرسين.  

وبالإشارة إلى ما يصفه بـ "سذاجة" أوروبا خلال العشرين سنة الماضية، يقول مسؤول فرنسي رفيع المستوى، وهو مفاوض مع الصين بشأن قضايا سياسية واقتصادية: "إن أوروبا ترددت في فتح الأسواق، بينما تبنت قوى ناشئة مثل الصين نهجا تجاريا عدوانيا". 

لافتا إلى أن "الأميركيين أدركوا ذلك، سواء ترامب أو بايدن، بينما تظل أوروبا متأخرة في هذا الإدراك".

استثمارات جديدة

وتنقل المجلة الفرنسية عن مصدر مسؤول عن تنسيق السياسات الحكومية قوله: "نحن أفضل حالا بدون النيجر". 

وأشار المصدر إلى أن شركة "أورانو"، المجموعة التعدينية التابعة للدولة الفرنسية، كانت تحصل على 20 بالمئة فقط من اليورانيوم من النيجر قبل إعلان تعليق أنشطتها هناك، حيث أصبحت تكلفة العمل في البلاد مرتفعة بشكل متزايد.  

وفي هذه النقطة، تتساءل "جون أفريك": “هل هذا مجرد محاولة لتقليل حجم الفشل؟”

وتجيب قائلة: "من الممكن، ولكن الحقيقة أن الناتج المحلي الإجمالي الإجمالي للدول الخمس في الساحل التي طردت فرنسا لا يتجاوز 100 مليار دولار، وهو ما يعادل خمس الناتج المحلي الإجمالي لنيجيريا البالغ 470 مليار دولار".  

وفي المقابل، تسلط المجلة الضوء على أن افتتاح عدة بنوك نيجيرية في فرنسا يعكس تحولا نحو تعاون اقتصادي أكثر نشاطا. 

وبحسب المجلة، يقول جولز ترينير، المدير العام لشركة "مادروما بارتنرز": "إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي شكل فرصة جيلية لفرنسا"، مشيرا إلى الجهود التي تبذلها باريس لجذب الخدمات المالية التي غادرت مدينة لندن.  

ومن ناحية أخرى، تضيف المجلة الفرنسية أنه خلال زيارة الرئيس النيجيري لفرنسا، افتتح بنك "زينيث" فرعا تابعا لفرعه البريطاني في باريس. 

وفي هذا الصدد، صرحت أداورا أوميوجي، المديرة العامة المساعدة لمجموعة "زينيث" قائلة إن "فرنسا تمتلك اقتصادا قويا، إذ إنها المكان المثالي للتواصل مع الأسواق الفرنكوفونية مثل الكاميرون وساحل العاج".  

ومن جانبه، أكد بنك "أكسيس"، الذي نقل فرعه اللندني إلى باريس عام 2023، على أن "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفر "فرصة جيلية" لفرنسا". 

علاوة على ذلك، توضح المجلة أن توني إلوميلو، رئيس مجلس إدارة بنك "UBA"، وقع اتفاقية مع وزير المالية الفرنسي، أنطوان أرماند، لافتتاح بنك كامل الخدمات في فرنسا. 

وقال إلوميلو: "نريد رؤية المزيد من التفاعل بين الشركات الفرنسية والنيجيرية، نريد أن نكون الرابط بينكم وبين إفريقيا".

شراكات طموحة

وبالحديث عن الاستثمارات الفرنسية التي تتوسع في نيجيريا، تذكر المجلة أن باتريك بوياني، الذي كان قد صرح في مايو/ أيار 2024، بأنه يفضل استثمار 6 مليارات دولار في أنغولا بدلا من نيجيريا، أعلن أنه "يلتزم الآن بإنفاق حوالي مليار دولار سنويا في نيجيريا خلال العقد المقبل".  

وفي النيجر، تتعاون شركة "شنايدر إلكتريك" و"سباي" مع شركة "فلاور ميلز" لبناء مصنع للميثانول بقيمة 1.6 مليار دولار، والذي يهدف لإنتاج الأمونياك للأسمدة، بحسب ما ورد عن المجلة. 

وبالإشارة إلى أن مجموعة "سويز" نشطة أيضا في المنطقة، تقول "جون أفريك" إنه "بعد تزويدها بالمعدات لمدينة إيكو أطلس سيتي، وهي مدينة جديدة مبنية على بعد 10 كم² من البحر، تقدمت الشركة للحصول على عقد إدارة المياه في ولاية لاغوس". 

أما شركة "دانون"، فقد كثفت -بحسب المجلة- جهودها بعد استثمارها على مدى عشر سنوات في شركة "فان ميلك". 

وفي نهاية التقرير، في إطار ما ذُكر سابقا، لا سيما بعد قول ماكرون إن "نيجيريا وفرنسا لا يتخلفان أبدا"، تتساءل المجلة "هل تُولد "شراكة خاصة" جديدة؟"