بعد هجوم أنقرة.. ما هو مستقبل العلاقات بين أميركا وقسد؟ وماذا لو ثبت عبور المهاجمين الحدود السورية؟ 

12

طباعة

مشاركة

نفذ حزب العمال الكردستاني "بي كا كا"، المصنف إرهابيا لدى تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، هجوما انتحاريا، مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2023، على مديرية الأمن العامة التابعة لوزارة الداخلية التركية في العاصمة أنقرة.

وذكر وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا، أن إرهابيين وصلا بسيارة تجارية صغيرة أمام مدخل المديرية العامة، حيث فجر أحدهم نفسه، فيما تمكنت قوات الأمن من تحييد الآخر، وأصيب اثنان من عناصر الأمن التركي بجروح طفيفة جراء إطلاق النار.

وفي تقرير له، تساءل موقع "المونيتور" الأميركي: هل يمثل هذا الهجوم تحولا في إستراتيجية الحزب، الأمر الذي من شأنه أن يُعَرّض الشراكة العسكرية بين فرعه السوري (قوات سوريا الديمقراطية "قسد") والولايات المتحدة للخطر؟

تداعيات مكلفة

وأفاد المونيتور بأن هذا الهجوم الذي نُفذ في الداخل التركي هو الأول لحزب العمال الكردستاني منذ عام 2016، مشيرا إلى أنه أثار مخاوف بشأن شراكة واشنطن مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

وأصبحت هذه القضية أكثر إلحاحا -حسب التقرير- بعد أن جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعهداته، بعد ساعات من الهجوم بإنشاء حزام أمني خارج الحدود الجنوبية للبلاد، بعمق 30 كيلومترا على الأقل.

وتصر تركيا على أن "قسد" الحليف الأكبر للولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم الدولة تشكل تهديدا للأمن القومي؛ لأن مكونها الرئيس المعروف باسم وحدات حماية الشعب (واي بي جي) يرتبط ارتباطا وثيقا بـ"بي كا كا".

وانطلاقا من ذلك، شنت تركيا عدة عمليات عسكرية ضد "قسد"، التي تحتل أجزاء كبيرة من شمال شرق سوريا، كما تهدد أيضا باستمرار هذه العمليات حتى انتهاء خطر التنظيم.

وأشار الموقع إلى أنه "في نفس يوم التفجير، نفذ الجيش التركي موجة جديدة من الغارات الجوية على ثكنات "قسد" في جبال قنديل التي تفصل إيران عن العراق، وضربات منفصلة بطائرات مسيّرة على عناصر للحزب في مدينة القامشلي، شمالي شرق سوريا".

وأعلنت وزارة الدفاع التركية أن هذه الضربات "حيدت" مزدلف تاشكين، الملقب بـ"أصلان صامورا"، وهو أحد مقاتلي "بي كا كا"، مشيرة إلى أنه تسبب في استشهاد 12 جنديا تركيا وإصابة 16 في منطقة "داغليجا" بولاية هكاري، جنوب تركيا، عام 2007.

وأضافت "الدفاع التركية" أنها دمرت 20 هدفا لإرهابيي "بي كا كا" شمالي العراق بغارات جوية استهدفت معاقلهم في متينا وهاكورك وقنديل وكاره، مؤكدة أن "النضال سيستمر حتى تحييد آخر إرهابي".

وخلال السنوات الأخيرة، لم يتمكن "بي كا كا" من تنفيذ هجمات كبيرة داخل تركيا؛ نظرا لافتقاره إلى القدرة العملياتية، بسبب القبضة الشديدة لأجهزة الاستخبارات التركية، وفق المونيتور.

لكن أفاد الموقع بأن هناك دافعا آخر يتمثل في رغبة "بي كا كا" في عدم إعطاء أنقرة سببا يقوي حججها، في أن الولايات المتحدة يجب أن تقطع علاقاتها مع التنظيم الانفصالي.

هذا في الوقت الذي يطلق فيه "بي كا كا" حملة تهدف لرفع اسمه من قوائم الإرهاب الأميركية.

وأوضح الموقع أنه "إذا انسحب أفراد العمليات الخاصة الأميركية من سوريا، المقدَّر عددهم بـ900 فرد، فمن المرجح أن ينهار الكيان الذي تقوده "قسد"، المعروف باسم الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا".

لكن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تستبعد الانسحاب، قائلة إن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة سيواصل الشراكة مع "قسد"، للتصدي لتنظيم الدولة.

الموقف الأميركي

ومع ذلك، تتزايد تساؤلات المسؤولين الأميركيين خلف الأبواب المغلقة عن مزايا الحفاظ على هذا التحالف، وخاصة على حساب استعداء تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، والتي زادت أهميتها منذ الصراع في أوكرانيا.

وأورد التقرير أن الولايات المتحدة سارعت إلى إدانة الهجوم، وتزامن ذلك مع تزايد الغضب الشعبي في تركيا، بعد أنباء عن قتل الجناة طبيبا بيطريا في ولاية قيصري، من أجل الاستيلاء على سيارته التي قادوها إلى أنقرة.

وأعلن "بي كا كا" مسؤوليته عن الهجوم الانتحاري في بيان، مشيرا إلى أنه اختار هذا التوقيت ليتزامن مع افتتاح البرلمان.

وأضاف بيان الحزب أنه "كان بإمكانه إلحاق أضرار أكبر بكثير، لكنه امتنع عن ذلك، واختار بدلا منه إرسال "الرسالة المطلوبة" وتوجيه "تحذير جاد".

وأفاد المونيتور أن "بي كا كا" لم ينفذ أي هجمات داخل العاصمة التركية منذ عام 2016، العام الذي شنت فيه القوات التركية أول توغل بري لها ضد التنظيم في شمال سوريا.

ومع ذلك، فإن الهجوم الانتحاري الذي نفذته جنديتان في الحزب، في 26 سبتمبر/أيلول 2023، على مبنى للشرطة التركية في ولاية مرسين، جنوبي تركيا، ربما كان بمثابة تحذير لما هو آت.

وأكد الموقع الأميركي على أن "لتركيا اليد العليا في حربها المستمرة منذ 39 عاما ضد "بي كا كا"، بفضل طائراتها المسيرة المصنعة محليا، التي اكتسبت شهرة عالمية".

حيث قُتل المئات من كوادر التنظيم الانفصالي في غارات بطائرات مسيّرة في العراق وسوريا، في الوقت الذي تسعى فيه أنقرة إلى القضاء على الصف الجديد من القادة المحتملين للتنظيم، وفق التقرير.

وأشار الموقع إلى أن الزعيم المؤسس لـ"بي كا كا"، عبد الله أوجلان، القابع في سجون تركيا منذ عام 1999، وكبار قادة التنظيم المتحصنين في الجبال النائية في كردستان العراق، في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من أعمارهم".

كما أن "خطبهم الثورية اليسارية تبدو منفصلة بشكل متزايد عن الأجيال الشابة من الأكراد المتمدنين".

مستقبل التنظيم

وأكد التقرير أن "بي كا كا" يفكر في مستقبله، حيث تشكك بعض كوادره في الجدوى من الرضى الأميركي عن امتناع التنظيم عن العنف داخل تركيا، في وقت تضع فيه واشنطن إصلاح علاقاتها مع أنقرة على أولوياتها".

وتابع: "تواصل واشنطن رفض الانخراط الدبلوماسي الذي من شأنه إضفاء الشرعية على الإدارة الذاتية التي يقودها "قسد" في الشمال السوري".

هذا مع التزام الصمت إلى حد كبير عندما تستهدف تركيا مواقع "قسد"، بما في ذلك قائدها الأعلى، مظلوم كوباني، حسب التقرير.

ويرى الموقع أن "فوز أردوغان في الانتخابات بدد آمال الحزب في استئناف "محادثات السلام"، التي من شأنها أن تمنح مسلحيه بعض الوقت للتنفس على الأقل".

وأوضح المونيتور أن البعض في "بي كا كا" يرى أنه ما لم يصقل الحزب مؤهلاته العسكرية، فسوف يُنظر إليه على أنه ضعيف، وستتآكل باضطراد أهمية وجوده.

ولكن كما أشار إلهامي إيشيك، وهو أحد الشخصيات الكردية التي برز اسمها كوسيط سابق للسلام بين أنقرة وأوجلان، فإنه "بفضل التكنولوجيا المتطورة وشبكة التجسس التركية، لم تعد تكتيكات حرب العصابات التقليدية لها نفس التأثير".

وهذا بدوره "يترك لـ"بي كا كا" خيارات قليلة، منها الهجمات داخل المدن التركية"، حسب إيشيك.

لكن تنفيذ هجمات داخل المدن لا يلقى قبولا لدى الجزء الأكبر من الأكراد؛ وكلما زاد عدد القتلى من المدنيين، كلما تضاءل الدعم المقدم للمتمردين، وفق المونيتور.

وختم الموقع بالتشديد على أنه إذا تمكنت أنقرة من إثبات أن أيا من المهاجمين عبر من سوريا بغض النظر عن انتمائه، فسوف يصبح من الصعب على واشنطن الحفاظ على موقفها العلني بأن "بي كا كا" و"قسد" مختلفان.