يستهدفون الفلسطينيين والسياح.. لماذا يبصق الصهاينة على المسيحيين بالقدس؟

حسن عبود | a year ago

12

طباعة

مشاركة

عادت ظاهرة بصق اليهود المتطرفين على المسيحيين في القدس، إلى الواجهة من جديد، واستهدفت هذه المرة السياح القادمين من خارج الأراضي الفلسطينية. 

وأظهرت مقاطع مصورة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تعرض مجموعة من الحجاج المسيحيين القادمين من شرق آسيا إلى القدس، للبصق والشتائم من المستوطنين.

وكان المستوطنون في ذلك الوقت يتجولون في البلدة القديمة بالقدس، بزعم الاحتفال بعيد العُرش الذي بدأ في 29 سبتمبر/ أيلول وحتى 6 أكتوبر 2023.

وهذا العيد يعد آخر الأعياد اليهودية الثلاثة (الفصح، الأسابيع، العرش) ويرتبط بذكرى ضياع اليهود في صحراء سيناء وسكنهم تحت المظلات وفي الخيام.

وعادة ما تزداد وتيرة اقتحامات المسجد الأقصى خلال فترات الأعياد اليهودية، ويجري فيها الاعتداء على المسلمين، لكن الشتم والبصق طال المسيحيين أيضا هذه المرة.

ماذا جرى؟

وظهرت مجموعة من المتدينين اليهود في البلدة القديمة بالقدس يبصقون على مسيحيين كانوا قد خرجوا من الكنيسة يحملون صليباً كبيراً؛ ما أثار غضباً واستياءً واسعين بين المسيحيين.

واشتكى مسيحيون فلسطينيون وأجانب، ورجال دين، ورهبان وقساوسة من المقدسيين وممن يحجون إلى القدس من تعرضهم لاعتداءات متكررة من المستوطنين، وتحديدا خلال الأعياد اليهودية.

وبعد هذا الاعتداء، قال منسق مجلس الكنائس العالمي بالقدس يوسف ظاهر لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، إن الحجاج المسيحيين بالمدينة المقدسة يتعرضون لاعتداءات متكررة في العامين الأخيرين، وتحديدا في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية.

وأوضح في 3 أكتوبر أنهم حذروا باسم مجلس الكنائس من هذه الاعتداءات التي يتعرض لها المسيحيون، ومنشآتهم، وأراضيهم، مشيرا إلى استياء رؤساء الكنائس من عدم تدخل العالم لوضع حد لهذه الاعتداءات، التي تتكرر بشكل كبير، خاصة أن مجسما للمسيح قد تعرض قبل ستة أشهر للاعتداء والتكسير.

وضرب ظاهر مثلاً بأحد رجال الدين من الطائفة الأرمنية في مدينة القدس، الذي "تعرض للبصق في وجهه 90 مرة خلال عام واحد".

وفي الثاني من فبراير/شباط 2023، أفادت وسائل إعلام عبرية باعتداء متطرفين إسرائيليين على كنيسة "جلد المسيح" في طريق الآلام بالبلدة القديمة في القدس، حطموا خلاله محتوياتها وحاولوا إحراقها.

وفي 12 يناير/كانون الثاني 2023، هاجم مستوطنون كنيسة الأرمن في القدس وخطوا عبارات تدعو لقتل المسيحيين. كما اعتدى آخرون في 4 يناير على مقبرة مسيحية إنجيلية في المدينة المحتلة وعملوا على تخريب 30 قبرا.

وطالب رؤساء الكنائس مرارا السلطات الإسرائيلية بوضع حد للاعتداءات التي وصفوها بـ"جرائم الكراهية".

ومنذ نهاية عام 2021 حتى اليوم ازدادت بشكل ملحوظ الاعتداءات على المسيحيين، وأصدرت الكنائس 12 بياناً على الأقل تدين فيها هذه الظاهرة، لكن مع وصول الحكومة الإسرائيلية اليمينية إلى الحكم أصبح الأمر لا يطاق بالنسبة للمسيحيين.

بدوره، قال منسق منتدى الكنائس في الأراضي المقدسة، وديع أبو نصار، إن حاخامات يهود ضالعون في التحريض للقيام بمثل هذه الأعمال المقيتة، محذرا من أن ظاهرة البصق التي أخذت في الاتساع أخيرا قد تتطور إلى ضرب، ومن ثم إلى جريمة قتل.

وأوضح في حديث لإذاعة "كان" العبرية، أن "المسيحيين لا يطلبون مِنّة من أحد، بل يطالبون بما يجب القيام به لاجتثاث هذه الظاهرة".

وفي أبريل/نيسان 2023، قال رئيس الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في الأراضي المقدسة، إن صعود حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة إلى السلطة جعل الحياة أسوأ بالنسبة للمسيحيين في مسقط رأس المسيحية.

فمع تشكيل الحكومة المذكورة أواخر العام 2022، صعدت تيارات ما تسمى "الصهيونية الدينية" إلى السلطة وأصبحت تتولى الحكم وبدأت إجراءات فعلية على الأرض لزيادة رقعة الاستيطان وطرد الفلسطينيين من أراضيهم والاعتداء على المسيحيين والسياح المتضامنين.

وتضم الحكومة في عضويتها حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف برئاسة وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، وحزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف برئاسة وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، إضافة إلى أحزاب يمينية دينية.

"تقليد يهودي"

بعد الحادثة الأخيرة، انبرى متطرفون صهاينة للدفاع عن البصق على المسيحيين، قائلين إنه "تقليد قديم يجلب البركة".

وقال وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير: "البصق والاعتداء على المسيحيين في القدس تقليد يهودي قديم يجب ممارسته ضدهم".

وتابع: "هناك عادة يهودية قديمة، أن تبصق عندما تمر بالقرب من دير أو كاهن، يمكنك أن توافق على ذلك أو لا توافق، ولكن لماذا نحول البصق على المسيحيين لمخالفة جنائية؟".

بدوره، علق اليميني المتطرف، إليشع ييريد، على مقطع فيديو ليهود أرثوذكس يبصقون على حجاج مسيحيين بالقول: "إن عادة البصق بالقرب من الكنائس والأديرة تقليد يهودي قديم"، حسب ما ذكرته صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية في 3 أكتوبر 2023.

 وقال ييريد، وهو متحدث سابق باسم نائبة الكنيست (البرلمان) ليمور سون هار ميلخ من حزب "عوتسما يهوديت" اليميني المتطرف، إن اليهود لديهم كذلك ذكرٌ للثناء على الله يُفترض أن يردده اليهودي عند المرور بالكنيسة: "تبارك الذي يصبر على المخالفين لمشيئته"، بحسب قوله.

وأوضح أن اليهودي "يثني على الله (في هذا الذكر) لأنه لم يعاقب عبدة الأوثان في الحال على أفعالهم الشريرة"، وفق تعبيره.

تابع ييريد: "ربما نسينا تحت تأثير الثقافة الغربية ما هي المسيحية، لكنني أعتقد أن ملايين اليهود الذين شهدوا الحروب الصليبية، واضطهاد اليهود، والمذابح الجماعية لن ينسوها أبداً".

وكان ييريد اعتُقل في أغسطس/آب 2023 في أعقاب هجوم شنه مستوطنون إسرائيليون على قرية برقة الفلسطينية شرق رام الله، للاشتباه في كونه أحد المسؤولين عن مقتل الشاب الفلسطيني قصي معطان (19 عاماً) إلا أن سلطات الاحتلال أفرجت عنه بعد ذلك.

وطالب وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، بمنح "وسام تقدير" للمستوطن الذي قتل معطان، ومنحه الحصانة القانونية.

وبدورها، تقول الباحثة الإسرائيلية يساكا هاراني، وهي من منظمي مؤتمر "لماذا يبصق اليهود على الآخرين" إن هذا التقليد الذي يستهدف المسيحيين يعود في جذوره إلى القرون الوسطى، وكان مبرره آنذاك الانتقام من "الاضطهاد الذي مارسه المسيحيون -خاصة رجال الكنيسة- ضد اليهود في أوروبا".

وهاراني كانت من منظمي المؤتمر المذكور الذي عقد في منتصف يونيو/حزيران 2023 بهدف "بناء التغيير وتنظيف القدس من البصق، وليس إهانة أو معارضة المجتمع اليهودي الحريدي المتطرف"، وفق ما قالت آنذاك.

وأردفت هاراني في ذلك الوقت في حديث مع الإذاعة العامة الإسرائيلية أن البصق على المسيحيين "سلوك يرتكبه الأطفال والشبان والرجال والنساء من الحريديم (طائفة دينية متطرفة) وكذلك من التيار الديني القومي الاستيطاني.

وتقول وسائل إعلام عبرية إن هذا التقليد نشأ في الشتات ويهدف وفق المتطرفين الصهاينة إلى "إبعاد النجاسة المسيحية" لأنه "باسم الكنيسة، جرى ذبح عشرات الملايين من اليهود واعتقالهم، لذلك كان الرد اليهودي منذ البداية بالبصق"، وفق ادعائهم.

وينظر الكثير من الحاخامات الصهاينة إلى المسيحية على أنها ديانة وثنية، لا يجوز السماح بالتعبد بها بأرض فلسطين المحتلة، لذلك أفتت بعض المرجعيات الدينية بجواز إحراق الكنائس.

غطاء رسمي

ومن خلال جرائمها المستمرة بحقهم، تسعى حكومة الاحتلال الإسرائيلي لدفع المسيحيين للهجرة خارج فلسطين وهو الهدف الذي تحقق بنسبة كبيرة نسبيا، كما تحاول ردع السياح منهم عن القدوم وزيارة الأراضي المحتلة.

ولا تتجاوز نسبة المسيحيين في الأراضي الفلسطينية 1 بالمئة، بعد أن كانوا يشكلون قبل نكبة عام 1948 حوالي 11.2 بالمئة، بفعل الهجرة، حسب إحصاء للسلطة الفلسطينية لعام 2022.

وتعود بدايات الاعتداءات الإسرائيلية ضد المسيحيين لعام 1948، إذ هجرت العصابات اليهودية خلال النكبة العديد من القرى المسيحية ودمرت العديد من الكنائس فيها، وفق تقرير سابق نشرته صحيفة الاستقلال.

وكشفت وثائق إسرائيلية نشرت عام 2016، عن أن الجيش الإسرائيلي عمد إلى انتهاج سياسة تقوم على تدمير وتخريب والمس بقدسية الكنائس في فلسطين عشية وخلال وبعد حرب عام 1948، إضافة إلى عمليات سلب وتخريب الكنائس التي كانت موجودة في المدن والبلدات والقرى الفلسطينية.

وحسب إحصائية للجنة شؤون الكنائس في فلسطين، فمنذ عام 1948 وحتى نهاية عام 2015 اعتدت قوات الاحتلال والمستوطنون على 100 كنيسة ومقبرة في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة بحرق وتدمير وتدنيس وسرقة، إلى جانب قصف كنائس ومقابر مسيحية في غزة.

ولذلك، فإن الاعتداء على المسيحيين سواء  الفلسطينيون أو السياح يجرى بغطاء رسمي ممنهج، على الرغم من الأصوات الرسمية الإسرائيلية التي تدعي إدانتها للاعتداءات.

وقال منسق مجلس الكنائس العالمي بالقدس يوسف ظاهر ضاهر بعد الاعتداء الأخير: "يوجد اضطهاد يهودي إسرائيلي يتم تشجيعه سواء من خلال إهمال الشرطة أو بالكلام الذي يصدر عن وزراء الحكومة الإسرائيلية".

وأردف: "الأمر مرتبط بالحكومة الإسرائيلية وإهمال الشرطة والسلطات، لأنه لو أدت الشرطة دورها، فلن يجري الاعتداء على ممتلكات كنسية ولا الاعتداء على المسيحيين بالبصق".

ولفت إلى أنه "على مقربة من مكان الاعتداء الأخير، كان يتواجد عناصر شرطة وأمن إسرائيليون بشكل دائم".

وتابع: "لو كانت الشرطة الإسرائيلية جادة لما كانت تسمح بمثل هذه الاعتداءات، هناك إهمال من السلطات وهذا يشجع هؤلاء المتطرفين".

وتعد منظمتا "تدفيع الثمن" و"لاهافا" من المنظمات التي تستهدف المسيحيين وتدعو إلى حرق كنائسهم في جميع أماكن وجودهم، وتنتهك حرمات المقدسات الدينية، في ظل دعم حكومات الاحتلال المتعاقبة لها، ورفض وصف تلك الجماعات بـ "الإرهابية".

وطالبت منظمة "لاهافا" علنا بحرق الكنائس وتهجير المسيحيين، ووصفهم وثنيين لا وجود لهم في الأراضي المقدسة، وهي تعمل على زرع تلك الأفكار في أوساط الفتية اليهود.

وقال رئيس حركة "لاهافا" الصهيونية بنتسي غوفشطاين عام 2015، أمام ندوة لطلاب المدارس الدينية، إنه "يؤيد حرق الكنائس"، كما دعا إلى منع احتفالات عيد الميلاد، ووصف المسيحيين بأنهم "خفافيش" و"مصاصي دماء".

وأكد رئيس التجمع الوطني المسيحي في القدس دميتري دلياني، في يونيو/حزيران 2023 أنه: "منذ قدوم حكومة نتنياهو اليمينة المتطرفة ازدادت نسبة الاعتداءات الإرهابية على الرهبان والمسيحيين وعلى السياح أيضًا، والتي يرتكبها عصابات المستوطنين، الذين يستهدفون التواجد المسيحي في البلدة القديمة".

وبين في تصريحات لوكالة سبوتنيك الروسية أن ازدياد الاعتداءات جاء بدعم من"التصريحات التحريضية من قبل حكومة الاحتلال، وتعد غطاء سياسيا لهؤلاء المتطرفين لممارسة جرائمهم ضد المسيحيين في البلدة القديمة".

ويضيف دلياني: "فضلًا عن التصريحات التحريضية من قبل حكومة نتنياهو، هناك غطاء حكومي يدعم هذه الاعتداءات من خلال وجود وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير، الذي أعطى مزيدا من الدعم والتغطية على جرائم المستوطنين، ووجود وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي رفع الموازنة المقدمة للمستوطنين".