الصين تعزز نفوذها في المحيط القطبي الشمالي.. هل تلتزم روسيا الصمت؟

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من تحالفهما البارز خلال الحرب الدائرة في أوكرانيا، إلا أن خطوط صدع بدأت تظهر في جدار العلاقات الروسية الصينية، وفق مؤسسة "جيمس تاون" البحثية.

وأرجعت المؤسسة الأميركية ذلك إلى مساعي الصين المتواصلة لتعزيز نفوذها في القطب الشمالي، الذي يحد روسيا من شمالها.

نفوذ متصاعد 

وقالت المؤسسة: لقد أعلنت موسكو منذ فترة طويلة أن دور الصين في تطوير طريق القطب الشمالي هو جزء أساسي من تعاونهما الإستراتيجي.

وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن للكرملين أن يشعر بالارتياح الكامل إزاء توسع أنشطة بكين في القطب الشمالي

كما أنه لا يمكن لموسكو أن تشعر بالارتياح إزاء العلاقات المتزايدة بين الحكومة الصينية وحكومات الأقاليم الروسية في أقصى الشمال وعلى طول ساحل القطب الشمالي.

وشددت على أنه "إذا فعلت أي دولة أخرى غير الصين الشيء نفسه، فمن المؤكد أن موسكو ستدين مثل هذه الأعمال بوصفها استعمارا جديدا".

ونظرا لنظام العقوبات الدولية المفروضة على روسيا، فليس أمامها خيار سوى السماح للصين باتخاذ هذه الخطوات.

وتحمل مثل هذه التصرفات خطرا على التحالف الروسي الصيني، إذ إنه قد يبدأ في الانهيار مع تزايد مخاوف الروس من تراجع نفوذهم لصالح الصينيين.

وقد أعرب محللون ومسؤولون الروس عن مخاوفهم بشأن هذه التطورات، بوتيرة متزايدة على مدى السنوات العديدة الماضية.

ورصدت المؤسسة أنه منذ القمة التي عقدها الرئيس الصيني شي جين بينغ مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مارس/آذار 2023، نشر محللون روس مقالات أقل حول تصرفات الصين في القطب الشمالي.

وترى أن "هذه التهدئة تعكس الموقف الصعب الذي تجد القيادة الروسية نفسها فيه، في ظل العقوبات الدولية وتضييق حكومة بوتين بشكل متزايد على الروايات التي تتحدى الخطوط العريضة لسياستها الخارجية والداخلية".

مخاوف حقيقية

لكن أكدت المؤسسة الأميركية أنه "من الخطأ الافتراض أن المخاوف التي أعرب عنها الروس في الماضي قد تلاشت".

فمن المحتمل أن يكون للأنشطة الصينية المتزايدة في القطب الشمالي تأثير عكسي، حتى لو كانت الإشارات المعلنة على ذلك قليلة.

وذكرت أن تحركات بكين في القطب الشمالي منذ ربيع عام 2022 اتخذت شكلين أساسيين:

الأول: زيادة البحوث العلمية في المحيط المتجمد الشمالي نفسه، والثاني: وتوسيع الاتصالات مع رؤساء المناطق الساحلية الروسية.

وتعتقد أن الشكل الأول أقل حساسية من الثاني من منظور سياسي، فمن المحتمل أن يكون البحث العلمي في الصين أكثر أهمية على المدى الطويل، لأنه سيوفر لبكين الفرصة لرسم مسارها الخاص في القطب الشمالي.

وقد يكون هذا هو الحال أيضا مع احتمال إنشاء الصين طريقا بحريا قطبيا مختلفا تماما، إلى الشمال من منطقة المحيط المتجمد الشمالي.

وعلى هذا النحو، ستكون الصين قادرة على أن تكون مركزا لنقل البضائع بين الشرق والغرب، عبر القطب الشمالي، بشكل مستقل عن روسيا.

وأوردت المؤسسة الأميركية أن الصين ركزت على توسيع جهودها البحثية في مياه القطب الشمالي.

فخلال فترة الملاحة هذا الصيف، أرسلت بكين كاسحة الجليد الأكثر تقدما "Snow Dragon 2" لإنشاء قاعدة بحث مؤقتة عند خط العرض 84 شمالا، بعيدا عن المكان الذي يمر به طريق القطب الشمالي.

وأجرت بكين بحثا من شأنه أن يسمح بتحسين التنبؤ بالطقس ورسم خرائط المنطقة، وهما قدرتان أساسيتان لفتح ممرات في أقاصي الشمال أمام سفن الشحن.

وهذه التطورات ستسمح للسفن بالمرور خارج المناطق التي تسيطر عليها روسيا إلى حد بعيد، وقد توفر الأساس اللازم لتحدي مزاعم موسكو في أحقيتها في القطب الشمالي أمام الأمم المتحدة.

وقد أدت هذه المزاعم إلى تفاقم العلاقات بين روسيا والقوى القطبية الشمالية الأخرى.

خطوط الصدع

وترى المؤسسة الأميركية أن "جهود بكين في استضافة ثم زيارة قادة المناطق الروسية المطلة على المحيط القطبي الشمالي هي الخطوة التي من شأنها زعزعة العلاقات بين الصين وروسيا".

وقالت إنه منذ ربيع 2023 أضافت بكين أو أرسلت ممثليها الدبلوماسيين والتجاريين لزيارة زعماء منطقة مورمانسك، وأرخانجيلسك أوبلاست، وجمهورية كومي (التابعة لروسيا)، وأوكروغ نينيتس ذاتية الحكم.

وأوردت أن حكام هذه المناطق كانوا متفائلين -كما هو متوقع- بشأن الانخراط الصيني المتزايد، حيث خفضت موسكو الدعم المالي لتلك المناطق بسبب تكاليف الحرب في أوكرانيا، في حين أن بكين على أتم الاستعداد لتقديم دفعات نقدية إضافية.

من جانبها، التزمت روسيا الصمت حيال هذا "الهجوم الدبلوماسي الصيني"، وتجاهلت وسائل الإعلام الروسية الحكومية، إلى حد بعيد، هذا التواصل بين المسؤولين الصينيين وحكام تلك الأقاليم الروسية.

وعقد كبار المسؤولين من روسيا والصين اجتماعا، في موسكو في 7 سبتمبر/ أيلول 2023، ناقشوا فيها قضايا مثل مستقبل المنظمات الدولية كـ"مجلس القطب الشمالي"، لكنهم فشلوا في التوصل إلى اتفاق بشأن أي من القضايا التي نوقشت، وفق المؤسسة الأمريكية.

وكان الإنجاز الوحيد الجدير بالملاحظة، هو الإعلان عن أن الدولتين ستعقدان اجتماعا ثنائيا آخر في عام 2024، لكن هذه المرة سيكون في الصين.

وأكدت المؤسسة أن "لدى موسكو سببا مقنعا لمثل هذا الحذر، إذ من المرجح أن يتبع تدفق الأموال الصينية إلى هذه المناطق تدفق للعمال الصينيين".

ومما يزيد أهمية ذلك أن عدد السكان الروس في هذه المنطقة صغير وفي تراجع، كما ينطوي الوجود الصيني المتنامي في الإقليم على خطر التأثير على المواقف السياسية لمختلف النخب الموجودة هناك.

كما أن المهاجرين الصينيين قريبون من أن يصبحوا أكبر مجموعة عرقية في بعض مناطق الشرق الأقصى الروسي، وهو تطور من شأنه أن يمنح بكين نوعا من النفوذ الذي طالما أبدى الروس مخاوفهم بشأنه.

وقالت المؤسسة: "بعيدا عن كون عدد سكان هذه المناطق صغيرا للغاية، فإن الروس يغادرون بأعداد هائلة، مما يسمح لما قد يبدو أنه مجموعات أصغر من المهاجرين الصينيين بإحداث تأثير كبير".

وأوضحت أنه "ما من شك في أن مثل هذه المخاوف تدور في أذهان الكثيرين في موسكو، ومع ذلك، قد يكون لدى الكرملين مصدر قلق أكبر".

فمع انخراط الصين في مناطق روسية أخرى، فإنها بذلك تمنح زعماء هذه المناطق رأس المال السياسي لتجاهل مطالب موسكو.

وختمت "جيمس تاون" بالقول: "إذا استمر هذا النمط في القطب الشمالي، فسوف تصبح موسكو أكثر حذرا، ومن المرجح أن تَظهر المزيد من خطوط الصدع في التحالف الروسي-الصيني".