أمام زحف التنين الصيني.. ما فرص نجاح أميركا في الحفاظ على قيادة النظام العالمي؟
بطموحات معقدة، يسعى الرئيس الأميركي، جو بايدن وإدارته للحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة وقيادة النظام العالمي، وسط حديث عن أربعة مرتكزات وجب اتخاذها للاستمرار في تلك الهيمنة.
ولضبط هذه الاتجاهات يتطلب ذلك، وفق خبراء، خطوات طموحة من السياسات والأهداف، خاصة وأن الولايات المتحدة ستدخل في غضون أسابيع قليلة الحملة الانتخابية الرئاسية الأكثر غموضا واحتمالا للانفجار في تاريخها.
الفرصة الذهبية
وأوضحت صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية في نسختها الفرنسية، هذه الاتجاهات الأربعة، ويتجلى الأول في هزيمة روسيا بعد الفرصة الذهبية التي قدمها الرئيس فلاديمير بوتن بغزو أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، وهي الخطة التي أُعدت ونُفذت بشكل سيئ خلال الـ18 شهرا الماضية.
أما الاتجاه الثاني، ترى الصحيفة أنه يجب على واشنطن احتواء الصين سياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا لمنعها من أن تصبح القوة المهيمنة في القرن الحادي والعشرين.
وهذا يتطلب جمع حلفاء الولايات المتحدة الآسيويين والأوروبيين مهما كان الثمن، مع إعادة التأكيد على شعار "إما معنا أو علينا".
في نفس الوقت، أشارت الصحيفة إلى أهمية الاتجاه الثالث، الذي يتضمن إنقاذ ما تبقى من السلام الأميركي في الشرق الأوسط، وهو ما يتطلب إبقاء الصين خارج المنطقة والاستمرار في عزل إيران وجذب السعودية عبر ترتيب ثلاثي معقد مع إسرائيل.
وأكدت أن "تحقيق ذلك يجب أن يتم من دون مطالبة الأخيرة بتقديم تنازلات كبيرة بشأن القضية الفلسطينية".
أما بشأن الاتجاه الرابع والأخير، قالت الصحيفة إنه "يتعين على الولايات المتحدة منع ولادة نظام جديد متعدد الأقطاب من خلال مغازلة الهند بشكل وثيق"، هادفة بذلك بشكل رئيس إلى تفكيك مجموعة "البريكس".
ومن ناحية أخرى، لفتت "ميدل إيست آي" إلى أن "المؤسسة السياسية الأميركية تتمسك بشكل أعمى بفكرة مفادها أن المشاكل الكبرى التي تواجهها البلاد تأتي من الخارج".
واستطردت: "بينما تبرز لنا حقيقة أن الواقع القاسي يشير إلى استقطابها الداخلي، فهناك بالفعل حرب ثقافية يمكن أن تتحول بسهولة إلى حرب أهلية داخل الولايات المتحدة".
توقعات غير واقعية
وقالت الصحيفة إن "هزيمة روسيا في أوكرانيا كانت أمرا بديهيا بالنسبة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة".
وأوضح أنه "كان من المفترض والمتوقع أن تجبر العقوبات الضخمة بوتين ورفاقه على الركوع في الصيف الماضي، لكن تأثيرها كان ضئيلا".
وأضافت: "علاوة على ذلك، تبنت أوروبا هذه العقوبات بشكل حماسي وأعمى، وهو الأمر الذي أدى إلى وقوع الكارثة الثالثة المتمثلة في إيذاء النفس".
وذهبت الصحيفة إلى أن "ردة الفعل العكسية الناجمة عن التخلي عن إمدادات الغاز الروسية الرخيصة، فضلا عن سياسات الحماية الأميركية مثل قانون خفض التضخم الأميركي، تدفع القارة العجوز إلى حافة التراجع في التصنيع".
وفي النهاية، بعيدا عن الافتراضات والتوقعات، "يبدو أن كلا من روسيا وأوكرانيا سيستمران في النزيف"، وفقا للصحيفة.
من ناحية أخرى، سلطت الضوء على مسألة احتواء الصين، موضحة أن نجاح السياسة الأميركية في احتوائها "لا يزال يحمل علامات استفهام كبرى".
وأشارت إلى أن "الولايات المتحدة كانت راضية للغاية لعقود عديدة عن الاستعانة بمصادر خارجية لسلاسل التوريد الأساسية الخاصة بها في الصين".
لكن في الوقت الحالي، أصبحت الصين هاجسا يؤرق الحزبين الجمهوري والديمقراطي في واشنطن، حيث تعمل إدارة بايدن بشكل متزايد على مضاعفة أشكال السياسات التي تهدف إلى وقف بكين وعرقلتها، مثل الحوار الأمني الرباعي "الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا".
وأخيرا أضاف بايدن زعماء اليابان وكوريا الجنوبية في كامب ديفيد لتعزيز التنسيق الثلاثي الذي يهدف إلى إبقاء الصين في مأزق.
ولأغراض عملية، فقد تم التخلي عن سياسة "صين واحدة" التي اتبعتها الولايات المتحدة طيلة 40 عاما.
في المقابل، لفتت الصحيفة إلى أن هذا "يعني ضمنا بالنسبة للقادة الصينين حربا محتملة على مستقبل تايوان، حيث تعد الجزيرة المنتج الرئيس للمعالجات الدقيقة الضرورية للثورة الصناعية الرابعة الحالية".
وتعتقد "ميديل إيست آي" أن هذه المواجهة مع الصين "ستكون لعبة طويلة الأمد، فتاريخيا وثقافيا، تتفوق الصين في هذا النوع من الألعاب، وهذا ليس حال أميركا".
وضع مأساوي
وتعتقد الصحيفة أنه من البديهي القول إن "الانفصال عن الصين أمر صعب التنفيذ".
واعترف أحد أبرز المدافعين عن المجمع الصناعي العسكري الأميركي، جريج هايز، الرئيس التنفيذي لشركة رايثيون، أن "الولايات المتحدة لا تستطيع أن تنأى بنفسها عن الصين، بما في ذلك قطاعها العسكري"، حيث إن "إعادة إنتاج الرقائق إلى الولايات المتحدة، وهي الأولوية القصوى لبايدن، تمثل صداعا".
وأوضح أنه "سيكون من الصعب العثور على المهارات اللازمة لإنشاء منشأة تصنيع متطورة في الولايات المتحدة".
وأضاف: "قامت شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات بتأجيل خططها لبناء مصنع في ولاية أريزونا بسبب نقص العمال المؤهلين".
أما في ما يتعلق بالشرق الأوسط، فقد عرضت أميركا نفسها خلال العشرين عاما الماضية لصدمات متتالية، كما توضح الصحيفة.
ودللت على ذلك: "لم تؤد الحروب في أفغانستان والعراق إلى أي شيء، كما لم تؤد سنوات العقوبات والضغوط القصوى ضد إيران إلا إلى تدهور المعادلة الإستراتيجية لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل".
ومن خلال التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015، التزمت إيران بعملية تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 3.67 بالمئة تحت مراقبة وثيقة من قبل وكالة الطاقة الدولية.
ووفق الصحيفة، تسعى الولايات المتحدة حاليا إلى التوصل إلى اتفاقيات مؤقتة مع إيران بحد أقصى 60 بالمئة، تزامنا مع تزايد مخزون اليورانيوم بشكل هائل.
وأشارت إلى أن "واشنطن تحاول تهدئة الوضع الخطير مع إيران من خلال ترتيبات مخصصة، بما في ذلك تبادل السجناء ورفع بعض العقوبات المتواضعة".
وتابعت: "وفي الوقت نفسه، تحاول إغراء السعودية للانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم، التي لا تحظى بشعبية متزايدة في العالم العربي بسبب سياسات إسرائيل الوحشية تجاه الفلسطينيين ونشاطهم الاستعماري المستمر".
في المقابل، أوضحت الصحيفة أن الرياض تريد الحصول على اتفاقية أمنية على غرار حلف شمال الأطلسي مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى إمدادات ضخمة من الأسلحة ودعم أميركي لتطوير برنامج نووي مدني وبعض "التنازلات" الإسرائيلية للحفاظ على حل الدولتين للفلسطينيين.
فبشأن ما يتعلق بتوريد الأسلحة والبرنامج النووي المدني السعودي، يمكن لإسرائيل ومؤيديها في الكونغرس الأميركي أن يثيروا أكثر من اعتراض.
من ناحية أخرى، ذكرت الصحيفة أن الاتفاق الثلاثي له هدفان محددان؛ زيادة عزلة إيران وتعقيد العلاقة المتطورة بين السعودية والصين.
لذا، تسعى إدارة بايدن إلى وقف التصعيد مع إيران وتأجيل أي قرار رئيس إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية عام 2024، وفي الوقت نفسه، تنتهج سياسات تهدف إلى عزل طهران.
وفي هذا الصدد، قالت الصحيفة: "لا ندري ما إذا كانت إيران والصين ستقفان موقف المتفرج بينما تحاول الإدارة الأميركية تخريب الجهود السعودية-الإيرانية والسعودية-الصينية".
وأضافت أن "إسرائيل التي تمثل حجر الزاوية في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تنجرف هي الأخرى ببطء نحو الاستبداد، من خلال الإصلاحات القضائية المثيرة للجدل التي يفرضها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو".
وتابعت: "ولكن إذا تمكنت الدبلوماسية الأميركية من حل هذا الإشكال المعقد وإتمام الاتفاق بين السعودية وإسرائيل، فإن ذلك يعني أن القدرات الدبلوماسية لفريق بايدن أعلى بكثير مما كان متصورا سابقا".