"حصان خاسر".. لماذا ترفض الإدارة الأميركية دعم أرمينيا ضد أذربيجان؟

12

طباعة

مشاركة

رغم ضغط لوبيات أرمينية على واشنطن من أجل دعم يريفان ضد أذربيجان، إلا أن الإدارة الأميركية تجاهلت ذلك لأسباب سياسية وإستراتيجية بحتة. 

ولعدة أشهر، لاقت مناشدات İاللجنة الوطنية الأرمينية الأميركية الموجهة لصانعي السياسة الأميركيين İآذانا صماء"، وفق مراقبين.

ويتمحور النزاع بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم "قره باغ"، الذي أعلن انفصاله عن جمهورية أذربيجان، أثناء انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991.

ولم يعترف المجتمع الدولي بـ"قره باغ"، ولا أرمينيا نفسها، رغم احتلال الجنود والقوات الأرمنية للإقليم منذ ما يقرب من ثلاثة عقود.

ولا يزال المجتمع الدولي يعترف بـ"قره باغ"، كإقليم أذري ذي سيادة، بما في ذلك أكبر حلفاء أرمينيا، روسيا وإيران.

وفي 27 سبتمبر/ أيلول 2020، اندلعت حرب استمرت 44 يوما، تمكنت خلالها أذربيجان من استعادة إقليم "قرة باغ"، بعد 30 عاما من الاحتلال الأرميني.

استغلال الحرب

وفي مقال نشره موقع "جيوبوليتيكال مونيتور" الكندي، قال الباحث في مركز جنيف للسياسة الأمنية، جورج موناستيرياكوس، إن "تورط روسيا في حرب أوكرانيا دفع باكو لاتخاذ خطوات أخرى، لبسط سيطرتها على الإقليم، الذي لم تعترف لها أرمينيا باستعادته رسميا حتى الآن".

وأوضح أن "المجتمع الدولي يفتقر إلى القوة الجمعية، والإرادة السياسية، والالتزام الأخلاقي المطلوب لفعل أي شيء بشأن الحصار المفروض على باكو".

"وفي الوقت نفسه، فإن أميركا -الدولة الوحيدة التي تمتلك هذه المقومات الثلاث- مترددة في مساعدة يريفان لحسابات جيوسياسية"، حسب الكاتب.

ويرى أن "أعظم حلفاء أرمينيا هما روسيا وإيران، إذ إنها عضو في المؤسسات الرئيسة التي تقودها روسيا مثل منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO)، ورابطة الدول المستقلة (CIS)".

وبدلا من الدخول في اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، انضمت أرمينيا إلى "الاتحاد الاقتصادي الأوراسي" الذي تهيمن عليه روسيا.

علاوة على ذلك، وقعت يريفان أخيرا مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الطاقة مع إيران، كما حصلت على طائرات مُسيّرة وصواريخ من طهران، في انتهاك لـ"قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات"، حسب موناستيرياكوس.

في المقابل، تحتفظ أذربيجان بعلاقات ثقافية واقتصادية وأمنية وثيقة مع تركيا، الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

ووصف المقال الغاز والنفط الذي تمتلكه باكو بأنه "يغذي شهية أوروبا النهمة للطاقة".

وأضاف "بما أن عدو عدوي هو صديقي، فإن خلافات أذربيجان مع إيران قد تُرجمت إلى شراكات إستراتيجية مع إسرائيل والولايات المتحدة".

وأفاد الباحث بأن "إسرائيل حلت محل روسيا، كمورد رئيس للأسلحة لأذربيجان، هذا فضلا عن أن الجيش الأذري يتلقى تدريبات على يد الجيش التركي".

وتابع: "تظل أذربيجان شريكا إستراتيجيا لا يقدر بثمن بالنسبة للغرب".

الموقف الأميركي

وأكد موناستيرياكوس أن "الولايات المتحدة ليست متحالفة مع أرمينيا".

وأضاف: "صحيح أنهما يحتفظان بعلاقات دبلوماسية ودية، إلا أن واشنطن ليست ملزمة قانونا تجاه يريفان بأي اتفاقيات أمنية ثنائية أو متعددة الأطراف".

وأردف: "في حين أن الولايات المتحدة لا تدين بأي شيء لأرمينيا، فإنها مع ذلك قدمت مليارات الدولارات من المساعدات الإنسانية والمساعدات التنموية إلى يريفان منذ استقلالها".

ويرى موناستيرياكوس أن "هناك ضرورات أخلاقية ملحة، ولكن لسوء الحظ، هناك القليل من الحوافز الإستراتيجية لدى أميركا لمساعدة أرمينيا أو أرمن قره باغ؛ بسبب تحالفات يريفان مع طهران وموسكو، وهما من الأعداء اللدودين لواشنطن".

واستطرد: "أرمينيا تعزز حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بطريقة أخرى، وهي مساعدة موسكو على التهرب من العقوبات الغربية".

وفي حين تجني أرمينيا "فوائد اقتصادية هائلة من تنسيقها مع روسيا في هذا الشأن، فإن هذا الموقف سبب في ألا تتعاطف واشنطن مع يريفان، إذ إن سخاء الولايات المتحدة له حدود في نهاية المطاف"، حسب الباحث.

وأفاد بأنه "من غير المرجح أن تخرب واشنطن شراكتها مع باكو، من أجل دولة عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، تنتهك القانون الأميركي، وتعرض المصالح الوطنية الأميركية للخطر".

وأردف: "بل إن يريفان محظوظة -في الواقع- لأن واشنطن لم تفرض عقوبات عليها بعد، في حين لم يكن حلفاء آخرون للولايات المتحدة -مثل تركيا والإمارات- محظوظين بالقدر نفسه".

جسر جوي

وطالب كثيرون -حسب المقال- بإنشاء جسر جوي إنساني بقيادة الولايات المتحدة إلى إقليم "قره باغ"، لدعم أرمينيا.

ورغم أن هذه العملية ممكنة وضرورية، إلا أن هناك مشكلتين على الأقل تتعلقان بمثل هذه العملية، وفق موناستيرياكوس.

الأولى هي أن هذه المسؤولية تقع على عاتق إيران وروسيا، حليفتي أرمينيا، ولا ينبغي لها أن تقع على أكتاف أميركا.

غير أن الأمر ليس كذلك؛ لأن طهران وموسكو تفتقران إلى النزعة الأخلاقية لأداء مثل هذه المهمة، والأسوأ من ذلك أن هذا النوع من العمليات من شأنه أن يضر بالمصالح الوطنية لكل منهما، حسب الكاتب.

أما المشكلة الأخرى فهي أن الجسر الجوي الإنساني سيكون بمثابة ضمادة للجرح فقط، لكن جذور المشكلة ستظل قائمة، إذ ستظل أذربيجان تسعى إلى تحرير واستعادة أراضيها.

وشدد موناستيرياكوس على أنه "مع مرور كل يوم، تضعف يد أرمينيا، بينما يتحسن موقف أذربيجان التفاوضي".

ومنذ انتهاء حرب قره باغ الثانية، تطور خطاب الرئيس الأذري، إلهام علييف، من منح "وضع خاص" للأرمن في الإقليم إلى "الاندماج الكامل" في المجتمع الأذري.

وأشار إلى أنه "حال اندلاع حرب ثالثة واسعة النطاق في جنوب القوقاز، فإنها ستكون مدمرة بالنسبة لأرمينيا".

وقال الباحث: "لكي نكون واضحين، لقد حبست أرمينيا نفسها في تحالف جيوسياسي مع روسيا وإيران، وهذا يضر بمصلحتها الوطنية".

ويخضع كل من حليفيها الاستبداديين لعقوبات شديدة، كما أنهما لا يتقاسمان نفس القيم ولا المصالح طويلة المدى مع أرمينيا، وفق موناستيرياكوس.

وتابع: "من منظور جيوسياسي، تمكنت أذربيجان من التغلب على أرمينيا منذ سنوات، ولقد حان الوقت لكي تقرأ يريفان ما هو واضح منذ زمن، وتحل نزاع قره باغ، وتصنع سلاما مع باكو".

ولفت إلى أن "السياسيين يرتكبون الأخطاء، ككل البشر، لكن مضاعفة الرهان على الحصان الخاسر هو سلوك مَن أدمن القمار، وليس وصفة للنجاح على المدى البعيد".

وشدد موناستيرياكوس على أنه "يجب على أرمينيا أن تغازل الغرب، ويشمل ذلك انسحابها من منظمة معاهدة الأمن الجماعي؛ لأن الإستراتيجية الروسية لا تعالج مخاوف الأمن القومي لأرمينيا".