رغم حظره في دول عديدة.. لماذا أصر ابن سلمان على عرض فيلم باربي في السعودية؟

12

طباعة

مشاركة

قبل تولي محمد بن سلمان ولاية عهد السعودية، وتحوله إلى حاكم فعلي للمملكة عام 2017، ونشره انفتاحا غربيا لا أخلاقيا في بلاد الحرمين، كان السعوديون الراغبون في مشاهدة أفلام السينما المحظورة في بلادهم، يذهبون إلى البحرين.

كانوا يعبرون جسر الملك فهد على الخليج العربي، ويقطعون مسافة 500 كيلومتر إلى البحرين لمشاهدة فيلم واحد.

لكن المفارقة هذه المرة أن سكان البحرين ودول خليجية أخرى، هم الذين تدفقوا على المملكة لمشاهدة الأفلام الممنوعة في بلادهم، بعد منع المنامة عرض "باربي".

الفيلم الأميركي المثير للجدل، الذي يتضمن أفكارا تناهض قيم الأسرة ودعم الشواذ، حظرته البحرين والكويت ودول عديدة وسمحت السعودية والإمارات بعرضه.

إلهاء الشباب 

عرضته السلطات السعودية في أكثر من 60 صالة سينما سعودية، بحسب صحف الرياض، لضمان مشاهدة أكبر عدد له من السعوديين والخليجيين القادمين للمملكة.

ويصل مجموع عدد صالات السينما السعودية إلى 66، بإجمالي 607 شاشات، وأكثر من 62.5 ألف مقعد، تمولها 7 شركات من مشغلي دور السينما، تتوزع في 20 مدينة سعودية، بحسب "هيئة الإعلام المرئي والمسموع".

وتكلفت الحملة التسويقية للفيلم في السعودية 150 مليون دولار، بحسب صحيفة Arab News الحكومية الناطقة بالإنجليزية 16 أغسطس/آب 2023.

وتدور أحداث الفيلم حول الدمية الشهيرة التي ظهرت لأول مرة قبل أكثر من 60 عاما. ووجهت انتقادات له من ناحية "تقويضه المعايير التقليدية للجنسين" حيث يظهر بطله "كين" في الفيلم تابعا لباربي يأتمر بأوامرها.

ويسخر الفيلم من الرجولة، وتحلم بطلته (باربي) فيه بعالم تحكمه النساء يتمتع فيه الجنسان بالمساواة"، وفق "وكالة الأنباء الفرنسية" 14 أغسطس 2023.

وتخطت عائدات "باربي" مليار دولار منذ بدء عرضه في 21 يوليو/تموز 2023، حسبما أعلنت "وارنر براذرز بيكتشرز"، وهي وحدة تابعة لشركة "وارنر براذرز ديسكفري".

صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية ذكرت في 17 أغسطس 2023 أن ابن سلمان سمح بعرض فيلم باربي، لأنه يرغب بإلهاء شباب المملكة عن الاحتجاج على تردي الوضع المادي والحقوقي، بالإضافة إلى أنه "يريد ربطهم بالاتجاهات العالمية العلمانية".

أكدت أن نظام ابن سلمان "لم يسمح فقط بعرض فيلم باربي بشكل هادئ، بل نظّم احتفالات ليلية كبيرة قرب صالات السينما، مع أغاني دي جي، ووحدات تصوير، ومكان لتصفيف الشعر، وبيع إكسسوارات الدمية لجذب مزيد من الشباب والشابات".

أكدت أن المملكة التي لطالما كانت رمزاً للإسلام المحافظ، سمحت بعرض فيلم باربي في صالات السينما، بينما جرى حظره في دول إسلامية أخرى بسبب انتقادات لمحتوى الفيلم حول الشذوذ الجنسي، ومزدوجي الميول والمتحولين.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية 14 أغسطس 2023 إن استقبال الجمهور السعودي لفيلم "باربي" يعكس المشهد المتغير في المملكة، التي كانت خالية قبل ثماني سنوات فقط من دور العرض السينمائي.

وتجاهل المسؤولون السعوديون انتقادات عرض الفيلم، وتفاعل الشباب معه وارتدوا الأزياء الوردية، ووضعت الفتيات طلاء الأظافر الوردي، لدى توجههم لصالات العرض السينمائي.

نيويورك تايمز أشارت إلى "غضب داخل السعودية بسبب عرض فيلم باربي، لأنه يحمل رسائل تتناقض مع قيم المجتمع"، من قبيل الترويج لثقافة الشذوذ الجنسي، والنسوية المتطرفة.

قالت: "يتردد العديد من السعوديين في التعبير علناً عن رفضهم لعرض الفيلم؛ خوفاً من تداعيات الاعتقال من قبل نظام ابن سلمان".

وذكر تقرير نيويورك تايمز أن المشاهدين في السعودية تفاعلوا مع أسئلة ذكورية في الفيلم مثل: "أنا رجل بلا قوة، هل هذا يجعلني امرأة؟".

لكن الصحيفة الأميركية قالت إنه رغم تخلص ولي العهد، من العديد من هذه القيود المجتمعية منذ صعوده إلى السلطة، فقد زاد في الوقت نفسه من "القمع السياسي"، و"سجن" رجال الدين المحافظين والناشطين.

تشجيع المحظورات!

لم يسمح نظام ابن سلمان فقط بعرض الفيلم، بل روج له إعلام الحكومة على نطاق واسع، على الرغم من الانتقادات الشعبية التي رفضت عرضه في صالات السينما داخل المملكة.

صحف وفضائيات سعودية نشرت عشرات التقارير لتشجيع الإقبال على الفيلم وحث الخليجيين، الذين منعت بلادهم عرضه مثل الكويت والبحرين، للسفر إلى المملكة لمشاهدته.

صحيفة "الشرق الأوسط" التابعة للحكومة، نشرت أكثر من 13 مقالاً حول فيلم باربي، والذي بدأت صالات السينما السعودية بعرضه منذ 10 أغسطس، للترويج له، وسط موجة من غضب وانتقاد المجتمع السعودي لمحتواه.

لتشجيع الخليجيين على الحضور، كتبت في 12 أغسطس 2023 إن "صالات السينما السعودية .. ملاذ الخليجيين الهاربين من القيود الصارمة".

وصفت عرض الفيلم بأنه من "مكاسب الانفتاح الثقافي الذي تعيشه المملكة حالياً" وأنه لا ينعكس على السعوديين فحسب، بل يجني ثماره الخليجيون أيضاً، ممن وجدوا في صالات السينما السعودية متنفساً للفرار من القيود الصارمة المفروضة في بلدانهم.

وحرصت "الشرق الأوسط" على نقل رأي للناقد السينمائي السعودي "أحمد العياد"، يشيد بالسعودية كأول دولة خليجية وشرق أوسطية تعرض باربي وينتقد "دولا أخرى يُمنع عرض الفيلم فيها بشكل رسمي وبخطابات شعوبية تحاكي أزماناً عتيقة".

صحيفة Arab News التابعة لحكومة المملكة نشرت أيضا تقريرا بعنوان: "حمى باربي تضرب السعودية"، تزعم فيه أن هناك شعبية للفيلم بين الجماهير.

وأجرت في 16 أغسطس 2023 لقاءات مع مواطنين زعمت أنهم تأثروا بالفيلم، على الرغم من الانتقادات التي طالبت بحظره.

وأشادت قناة "العربية" بالسينما السعودية لأنها سمحت بعرض فيلم باربي "وبتمكين مواطني دول الخليج التي منعته، من مشاهدته".

وكتب الصحفي السعودي "أيمن الغبيوي" في موقع "إندبندنت عربية"، السعودي 15 أغسطس 2023 أن "باربي فرضت هجرة عكسية (من دول الخليج التي تحظر الفيلم) نحو السينما السعودية".

في المقابل، أورد ناشطون تغريدة لمواطنة غربية تنتقد فيلم باربي لأنه مخالف للأخلاق والأعراف الاجتماعية ويشوه العلاقات الأسرية.

دفع هذا مغردين خليجيين بينهم أستاذ العلوم السياسية الإماراتي المقرب من دوائر الحكم عبد الخالق عبد الله للإشادة بما أسماها "شجاعة السعودية والإمارات لعرض فيلم باربي".

وقال ساخرا: هل الكويت ولبنان أكثر حرصًا وحفاظا على القيم والأخلاق من السعودية والإمارات؟، قبل أن يحذف التغريدة لاحقا.

وكانت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية (كونا) نقلت عن وكيل وزارة الإعلام رئيس لجنة رقابة الأفلام السينمائية لافي السبيعي، تأكيده حرص اللجنة "على منع كل ما يخدش الآداب العامة أو يحرّض على مخالفة النظام العام والعادات والتقاليد ويدعو لأفكار دخيلة على المجتمع"، حسب قوله.

وفي لبنان، تحرك وزير الثقافة عباس مرتضى، لمنع عرضه قائلا إنه "يروج للشذوذ والتحول الجنسي ويتعارض مع القيم الأخلاقية والإيمانية".

ترفيه مقابل الصمت

وقال موقع "هوليوود ريبورتر" 11 أغسطس 2023 "إنه انقلاب كبير، ومشهد متناقض أن تسمح السعودية بعرض فيلم باربي في صالات السينما، بينما يجري حظره في بعض دول الخليج والعالم الإسلامي، والتي عدت هذا الفيلم خادشاً للآداب العامة، ويدعو لأفكار دخيلة على المجتمع".

تندر التقرير من أنه قبل أقل من 10 سنوات، كان على السعوديين الراغبين في الذهاب إلى السينما السفر إلى الدول المجاورة.

ولكن بعد التساهل الرسمي والانفتاح أصبح الخليجيون يسيرون الآن في الاتجاه المعاكس ويذهبون للمملكة لمشاهدة الأفلام المحظورة.

وكانت صحيفة وول ستريت جورنال تحدثت 27 ديسمبر/كانون أول 2021 عن عقد اجتماعي جديد يسعى إليه ابن سلمان بمنح الشباب السعودي حريات اجتماعية مثل الذهاب إلى السينما والرقص وارتداء الملابس غير التقليدية، مقابل السكوت عن قمع الحريات السياسية وعدم انتقاد الحكومة".

قالت: "في هذه المملكة الإسلامية المحافظة تراهن الحكومة على أن مهرجانات الأفلام والموسيقى والرقص والاختلاط بين الجنسين، ستمنح الشباب السعودي منفذاً للترفيه، لتساهم بهدم الأعراف الاجتماعية الراسخة".

لكنها رأت أن "التغييرات الاجتماعية التي يجريها ابن سلمان لا تعالج قضايا حقيقية عميقة، لأنها تغييرات مصطنعة ومفاجئة للأعراف الاجتماعية، وستصطدم بمجموعة من التحديات".

كما أشارت مجلة فورين بوليسي الأميركية 20 ديسمبر 2021 إلى أن "التغييرات الاجتماعية التي أجراها ابن سلمان تسببت في حدوث صِدام ثقافي جعلت بعض الشباب السعودي يبتعد عن أسلوب الحياة الإسلامية، ويجري دفعه إلى تقليد الثقافة الغربية، مما زاد من تعاطي المخدرات والانحلال".

وبدوره، علق موقع سي إن إن الأميركي على استضافة المملكة مهرجان ميدل بيست (MDL Beast) ‏للموسيقى والرقص ثلاث مرات أعوام 2019 و2021 و2022 وسط انتقادات حادة من جانب السعوديين لتزايد الانحرافات الأخلاقية المصاحبة له.

وقال الموقع في 30 نوفمبر/تشرين ثان 2022 إن "هذه الحفلات أصبحت جزءا من مبادرة التحرر التي يقودها ابن سلمان، وتحويل الدولة التي اشتهرت بأنها مهد الإسلام".

وأكد أن ما يحدث في بلاد الحرمين كان لا يمكن تصور وجوده في السعودية، ليس لأن المملكة تضم أقدس أماكن الإسلام فقط، بل لأن هذه الحفلات تنتهك الأعراف الاجتماعية أيضاً، وتسمح بالاختلاط بين الجنسين بحرية تامة.

ولذلك، فإن عرض السعودية فيلم باربي رغم مخالفته للأخلاق والأعراف والترويج له وتشجيع الخليجيين على زيارة بلاد الحرمين لمشاهدته، يحمل برأي العديد من الناقدين والمعارضين دلالات خطيرة.

وأخطرها على الشباب الذين يستهدفهم ابن سلمان ضمن خطته لإفساد السعوديين وإلهائهم عن الانتهاكات الحقوقية وضمان ولائهم للتغطية على القمع والفساد.