بعد ألمانيا.. هل تنجح أوكرانيا في ابتزاز إسرائيل للحصول على أسلحة وتقنيات؟
سلطت صحيفة "فزجلياد" الروسية الضوء على السياسات التي تنتهجها أوكرانيا تجاه دولة الاحتلال الإسرائيلي في الآونة الأخيرة.
وأشارت إلى ما نشر في صحيفة "كييف بوست" الأوكرانية الناطقة باللغة الإنجليزية، والتي أوردت أن كييف تدرس إمكانية إلغاء منح التأشيرة للإسرائيليين، واستبعاد تل أبيب من "رامشتاين".
ورامشتاين قاعدة عسكرية أميركية مقرها ألمانيا، تعقد فيها اجتماعات لبحث تزويد أوكرانيا بالأسلحة والمعدات.
ووفقا للصحيفة الأوكرانية، تخشى كييف من تسرب معلومات للروس إذا ما شاركت إسرائيل.
ورأت أن في ذلك إشارة ضمنية مفادها أن القيادة الإسرائيلية "عملاء للكرملين"، حسب وصف "فزجلياد".
وأشارت إلى المقولة المشهورة منذ التسعينيات: "إذا أردت تجريم خصمك بشيء ما، بينما في الواقع لا يوجد ما يستحق تجريمه، فأعلن أنه عميل للكرملين".
هل توالي روسيا؟
وتقول الصحيفة إنه "للوهلة الأولى قد تبدو أوكرانيا تتصرف مثل الصبي الصغير"، حيث إن "كسر نظام التأشيرات مع إسرائيل، أو تدهور العلاقات معها بشكل عام، سيتسبب في خسارة كييف أكثر بكثير مما ستخسره تل أبيب".
فأوكرانيا اليوم باتت "دولة شحاذة" تطلب المال من العالم بأسره، وفق وصف الصحيفة الروسية.
وقد قدمت إسرائيل مساعدات إنسانية ميدانية كبيرة لأوكرانيا، كما أن لاجئيها من غير اليهود تلقوا مزايا كبيرة حين نزحوا إلى تل أبيب.
ولم تتوقف إسرائيل عن تقديم الرعاية الطبية المجانية لهم إلا منتصف أغسطس/آب 2023، حسب الصحيفة.
وأبدت "فزجلياد" استغرابها من "التصريحات التي تتهم إسرائيل بموالاة روسيا"، في خضم الحرب التي تشنها الأخيرة على أوكرانيا.
وعللت ذلك بعدد من الأسباب، منها أن إسرائيل تعتمد على الولايات المتحدة بشكل كبير، كما أنها تتلقى مساعدات مالية عسكرية منها، قد يبلغ مقدارها أكثر من 3 مليارات دولار (سنويا)، إضافة إلى دمج المجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي بشكل كبير مع نظيره الأميركي.
هذا فضلا عن العلاقة التاريخية بين الجانبين، ومنها الأحداث التي وقعت قبل 50 عاما، حيث كان الإمداد المستمر بالأسلحة الأميركية فقط خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 (بين مصر وسوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى)، هو ما أنقذ البلاد من الدمار، وفقا للصحيفة.
وأتبعت: "ولذا، فإن إسرائيل ستتبع أعقاب الولايات المتحدة في السياسة الخارجية، وفي المرحلة الحالية لا يمكن أبدا أن تكون موالية لروسيا".
ولفتت إلى أن حكومتي نفتالي بينيت السابقة وبنيامين نتنياهو أعلنتا باستمرار دعمهما لأوكرانيا.
كذلك صرح وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، في يوليو/تموز 2023، أن إسرائيل تدعم أوكرانيا في الأوقات الصعبة وتساعدها بعدة طرق.
كما رأت أن "غض طرف القادة الإسرائيليين عن تمجيد المتواطئين مع النازيين في أوكرانيا، كان أحد العوامل التي ساعدت الدعاية الغربية التي تنفي وجود نازية جديدة في كييف".
وهو ما يعني أن تل أبيب لم تنحرف مطلقا عن الخط العام للسياسة الأميركية، حسب الصحيفة.
لماذا الآن؟
وهنا تتساءل الصحيفة: "لماذا إذن أوكرانيا مستعدة لتدمير علاقاتها مع إسرائيل؟"، مع الإشارة إلى عدم وجود بيانات رسمية من الخارجية الأوكرانية أو مكتب الرئيس فولوديمير زيلينسكي حتى الآن.
لكن مثل هذه المقالات المهاجمة لإسرائيل "لا يمكن أن تظهر بالصدفة في ظل ظروف السيطرة الكاملة على وسائل الإعلام الأوكرانية"، وفقا لمزاعم الصحيفة الروسية.
كما لفتت إلى أن نشر المقال في الصحيفة الناطقة بالإنجليزية يعني أن المقصود بالرسالة موجود خارج أوكرانيا، زاعمة أنها موجهة إلى القادة الإسرائيليين.
وتنفي الصحيفة أن يكون هدف الرسالة تدمير العلاقة مع إسرائيل بالفعل، لكنها تقول إن الحكومة الأوكرانية تستخدم حاليا طريقتها المفضلة في السياسة الدولية، وهي الابتزاز.
وأتبعت: "عام 2022، نجحت هذه السياسة مع ألمانيا، فبعد سلسلة من الاتهامات بالجبن، وكيل الاتهامات لبرلين، أرسل المستشار الألماني أولاف شولتز أسلحة إلى كييف لم يكن يريد إرسالها من قبل".
وأكملت: "صحيح أن محاولة ابتزاز قادة الولايات المتحدة قبل قمة الناتو (حلف شمال الأطلسي) في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، يوليو 2023 انتهت دون جدوى، وتلقى زيلينسكي نفسه عدة صفعات سياسية على وجهه".
"لكن هذا لا يعني أن حكومة كييف تخلت عن الابتزاز كوسيلة لتحقيق أهدافها، كما تفعل مع ألمانيا ومن ثم مع إسرائيل".
ويأتي ذلك في وقت يخرج عشرات الآلاف في إسرائيل بمظاهرات واحتجاجات عارمة ضد الانقلاب القضائي الذي بدأته حكومة بنيامين نتنياهو.
لذا، فإن الخطوات الأوكرانية، مثل إلغاء نظام التأشيرات أو استبعاد إسرائيل من رامشتاين، سيمنح ورقة رابحة للمعارضة في تل أبيب، وستتهم حكومة نتنياهو بالإساءة إلى كييف واللعب لصالح موسكو، حسب ما أوردته الصحيفة الروسية.
وحول أسباب استخدام أوكرانيا لهذه السياسة، تقول الصحيفة إن الحكومة الأوكرانية تريد، منذ عام 2022، تسلم أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي والقمع الإلكتروني من إسرائيل، وأضيف لهذه القائمة، قذائف عيار 155 ملم، التي تعاني أوكرانيا من نقصها.
في المقابل، ترفض حكومة نتنياهو منح كييف احتياجاتها المذكورة، وهو ما فسرته الصحيفة بأن "إسرائيل تدرك جيدا أن تدهور علاقاتها مع روسيا أسوأ كثيرا من انهيار علاقاتها مع أوكرانيا".
وأوضحت: "يمكن لروسيا الرد بشكل مماثل، وذلك من خلال تعزيز الدفاع الجوي للجيش السوري، كما يمكن لإيران والقوى القريبة منها الحصول على أسلحة حديثة ستسبب لإسرائيل الكثير من المتاعب".
الأميركيون وراء ذلك
وتعطي الصحيفة احتمالا آخر، حيث تقول إنه "من المحتمل ألا يكون مكتب زيلينسكي فحسب، بل الأميركيون أيضا وراء نشر كييف بوست لمقالها".
وذلك لأن نتنياهو يعتبر مؤيدا للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وكلما اقتربت الانتخابات الأميركية (في نوفمبر/تشرين الثاني 2024) أظهر تعاطفه معه بشكل أكبر، وفق تقدير الصحيفة.
واستدركت: "لكن البيت الأبيض لا يريد ذلك، حيث يمكن أن يكون لمنصب رئيس الوزراء الإسرائيلي تأثير على الجالية اليهودية في الولايات المتحدة".
وأضافت: "وفوق ذلك، يعارض الديمقراطيون الأميركيون الإصلاح القضائي في إسرائيل".
ولذا فإن كل ما من شأنه إحداث أزمة برلمانية جديدة في تل أبيب وإسقاط حكومة نتنياهو سيكون في صالحهم.
وفي الختام تتساءل الصحيفة: "هل ستذهب كييف إلى مواجهة حقيقية مع تل أبيب؟".
تشكك "فزجلياد" في حدوث هذا الأمر، حيث إن ذلك -حال حدوثه- سيدفع إسرائيل إلى الشروع في استدعاء خطاب "تمجيد النازية في أوكرانيا"، وتلفت انتباه العالم كله لذلك، وهو ما سيضع الحكومة الألمانية في موقف غير مريح.
كما أن ذلك سيعطي أيضا ورقة رابحة لمؤيدي ترامب في الولايات المتحدة، حيث يمكنهم إطلاق حملة إعلامية تتهم إدارة جو بايدن بدعم النازيين الجدد، وإنفاق المليارات على الحرب، وفق تقديرها.