في ظل التحديات الاقتصادية.. ما فرص صمود أنور إبراهيم على رأس حكومة ماليزيا؟
في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أدى زعيم تحالف الأمل، المعارض الماليزي المخضرم أنور إبراهيم (75 عاما)، اليمين الدستورية كرئيس وزراء جديد، بعد جمود سياسي شهدته البلاد عقب انتخابات نتج عنها برلمان منقسم.
ولم يتمكن الطرفان الرئيسان المتنافسان، التحالف الذي يقوده أنور إبراهيم، أو الذي يقوده رئيس الوزراء السابق محيي الدين ياسين من الفوز بالعدد الكافي من المقاعد التي تؤهله لتشكيل الحكومة بمفرده، وهو ما تسبب في خروج حكومة هشة للنور لا تزال تواجه تحديات كبيرة حتى اليوم.
وفي هذا الإطار تناولت وكالة أنباء "بينار نيوز"، المختصة بالشأن الآسيوي، التحديات التي تواجهها حكومة إبراهيم، مشيرة إلى أنه يواجه معارضة شرسة، قد تستغل الانتخابات المحلية القادمة للإطاحة به.
ونشرت الوكالة -التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها- مقالا لـ"زكاري أبوزا"، الأستاذ في الكلية الحربية الوطنية بواشنطن، وجامعة جورجتاون الأميركية، أكد فيه على اضطراب حكومة إبراهيم بالوقت الراهن.
تصفية حسابات
وقال أبوزا إن "حكومة أنور إبراهيم قد تواجه تصفية حساب قريبا، عندما تتوجه ست ولايات ذات أغلبية مالاوية إلى صناديق الاقتراع في 12 أغسطس/ آب 2023".
حيث سيخوض تحالف الأمل بقيادة إبراهيم، انتخابات مجالس الولايات، إلى جانب شريكه في الحكومة الاتحادية، حزب "المنظمة الوطنية المالاوية المتحدة"، المعروف اختصارا باسم (أمنو).
وأوضح أنهم "يواجهون معارضة شرسة من "التحالف الوطني" الماليزي، بقيادة محي الدين ياسين، والذي يقدم نفسه على أنه حامل لواء مسلمي الملايو، وهم قاعدة انتخابية، تصوت تاريخيا لحزب "أمنو".
وأفاد بأنه "بعد الانتخابات العامة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، تنافس التحالفان على تشكيل الحكومة، ولعدة أيام، كانت أعمال البرلمان شبه معلّقة".
وكان "تحالف الأمل" قد فاز في الانتخابات الأخيرة بـ82 مقعدا، بينما فاز "التحالف الوطني" بـ 74 مقعدا.
وأضاف أنه "بالنسبة للتحالف الوطني المعارض، فقد كان عضوه الائتلافي، "الحزب الإسلامي الماليزي"، الذي يتبع نهجا متشددا، أكبر حائز على الأصوات، حيث فاز بـ 49 مقعدا، بينما استحوذ التحالف على نحو 60 بالمئة من أصوات الناخبين الملايو".
وأفاد "أبوزا" بأن "كلا الائتلافين سعى للحصول على دعم الأحزاب الرئيسة الأخرى المنتمية للملايو، الذين لم يجدد معظمهم ثقته في حزب "أمنو".
"وبالكاد، حصل حزب "أمنو"، المتحالف مع إبراهيم في تشكيل الحكومة، على 26 مقعدا".
وتابع المقال أنه "بعد مساومات طويلة، خرج إبراهيم منتصرا، وشكل ائتلافا يضم 148 مقعدا، من أصل 222 مقعدا، وعُين رئيسا للوزراء".
وأردف أن إبراهيم "وافق على التحالف مع "أمنو"، الحزب ذاته الذي عارضه في الانتخابات العامة لعام 2018، عندما شن تحالف الأمل حملته الانتخابية على أساس تطهير الحكومة من الفساد المستشري".
"لكنه كان دائما تحالفا هشا، مكونا من أطراف لا تثق في بعضها بعضا"، وفق المقال.
"وفي الوقت نفسه، لم يتخل التحالف الوطني أبدا عن آماله في تحقيق انقلاب آخر، كما فعل في عام 2020".
"ففي ذلك الوقت، دفع التحالف الوطني العديد من الأحزاب المالاوية للانشقاق عن تحالف الأمل، الذي قاد في ذلك الوقت أول حكومة معارضة في تاريخ البلاد"، حسب المقال.
وتساءل الكاتب: "هل يمكن للتحالف الوطني تكرار ذلك مرة أخرى؟"، مجيبا: "للأسف نعم".
وأوضح الأستاذ الجامعي قائلا، إنه "على الرغم من بعض الأخبار الجيدة على الصعيد الاقتصادي، وبعض الاستثمارات الأجنبية الجديدة، وعودة السياحة، وتحقيق نمو بنسبة 5.6 بالمئة في الربع الأول من عام 2023، فلا يزال هناك مجال للحذر".
"حيث ما زال التضخم مرتفعا إلى حد ما، وتكلفة المعيشة في ارتفاع، ومستوى الصادرات ثابتا"، وفق المقال.
وأضاف : "كذلك، فإن الاستثمارات الأجنبية التي تعهدت بها الحكومة -بما في ذلك 39 مليار دولار من الصين- لم تظهر بعد وقد لا تظهر أبدا".
وحسب "أبوزا"، فإن "ضعف العملة الماليزية (الرينغت) قد يساعد المُصدّرين، لكنه يجعل كُلا من خدمة الديون والواردات مكلفة".
قضايا خلافية
وأوضح المقال أن "الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة أثرا على الزراعة بشدة، هذا فضلا عن أن الحكومة تواجه مجموعة من القضايا الخلافية".
أول هذه القضايا هي العفو المحتمل عن رئيس الوزراء الأسبق، نجيب عبد الرزاق -الذي يقضي عقوبة بالسجن لمدة 12 عاما، بتهمة نهب صندوق "1 إم دي بي" الحكومي- إذ إن تبرئته أعطت دفعة لمؤيديه.
أما القضية الثانية فهي أن حكومة إبراهيم سحبت استئنافها على حكم محكمة يسمح لغير المسلمين باستخدام كلمة "الله" للإشارة إلى "الإله".
"وقد شجعت هذه الخطوة "التحالف الوطني" بشكل عام، والحزب الإسلامي الماليزي بالأخص، على التصريح بأن إبراهيم ليس راغبا في الدفاع لا عن الإسلام، ولا عن مصالح المسلمين الملايو"، وفق المقال.
ووفق "أبوزا"، فإن "هناك مجموعة من القضايا الاجتماعية الأخرى التي ستثير اهتمام التحالف الوطني، بما في ذلك حقوق الأقليات الدينية، لا سيما بعد إغلاق مهرجان موسيقي؛ بسبب قبلة بين مطرب وزميله على خشبة المسرح".
ففي يوليو/ تموز 2023، ألغت الحكومة الماليزية مهرجان "Good Vibes" في كوالالمبور، الذي كان من المفترض أن يستمر ثلاثة أيام، بعد أن انتقد المغني الرئيس في الفرقة البريطانية "The 1975"، ماتي هيلي، القوانين الماليزية.
ورأى هيلي -في خطاب وُصف بأنه "مليء بالشتائم"- أن القوانين الماليزية مناهضة لمجتمع الشواذ، وقبّل زميلا له في الفرقة على خشبة المسرح.
وقال الكاتب "الأهم من ذلك كله هو أن محيي الدين ياسين، لديه حافز قانوني، لإسقاط حكومة إبراهيم، علاوة على حافزه السياسي".
ففي 9 مارس/ آذار 2023، أوقفت "لجنة مكافحة الكسب غير المشروع" الماليزية ياسين -الذي شغل رئاسة الوزراء من 2020 إلى 2021- لتُهَم تتعلق بسوء استخدام السلطة وغسيل أموال، مرتبطة بمشاريع حكومية أثناء حكمه.
ووجهت إليه ست تهم إجمالا، لكنه قال إن "الاعتقال كان لدوافع سياسية"، وهي وجهة نظر يشاركه على نطاق واسع أنصار تحالفه، وفق المقال.
وأوضح الكاتب أن "حكومة إبراهيم تمتلك في الوقت الحالي 148 مقعدا من 222 مقعدا، وهذا ليس هامشا مريحا كما قد يعتقد البعض، فما على التحالف الوطني إلا أن يسلب تحالف الأمل 38 مقعدا".
وأشار إلى أن "ما يقرب من نصف أعضاء "أمنو" البالغ عددهم 26، والذين عارضوا الانضمام إلى تحالف الأمل في البداية، قد هددوا بالفعل بالانضمام إلى تحالف محيي الدين".
وأضاف: "إذا كان أداء التحالف الوطني جيدا كما هو متوقع في استطلاعات الرأي الحكومية، فسيكون لذلك تبعات على المستوى الوطني".
وتابع: "سيدّعي حينها محيي الدين أن لديه تفويضا بتشكيل حكومة جديدة، وسيدفع "أمنو" نحو الانشقاق عن إبراهيم".
"وهذا قد يفتح الباب على مصراعيه للأحزاب الصغيرة لتلعب دورا أكبر، خاصة إذا كان غالبية أعضاء "أمنو" يدعمون هذا المنحى، وحينها ستنهار الحكومة"، حسب "أبوزا".
مدرك للمخاطر
وأكد الكاتب أن رئيس الوزراء الماليزي مدرك لهذه المخاطر، حيث قام بحملة في الولايات، عرض فيها منجزاته الاقتصادية، وروج للاستثمار الأجنبي.
من ذلك إعلانه أن شركة السيارات الكهربائية الشهيرة (تيسلا)، والتي يرأسها الملياردير الأميركي إيلون ماسك، ستطلق مقرها الرئيس الجديد في ولاية سيلانجور في 2023، وهو مشروع سعت إندونيسيا للفوز به.
"كما أنه من المحتمل أيضا أن يُجري تعديلا وزاريا، ويعيد توزيع المناصب البارزة، ويوقع عقودا حكومية، للحصول على دعم سياسي كاف من شركاء التحالف"، وفق "أبوزا".
كذلك ذكّر "إبراهيم" الشعب بعدم الاستقرار السياسي الذي نجم عن ما يُعرف بـ"حادث شيراتون"، حيث تضرر الاقتصاد بشكل كبير جراء تغير الحكومات".
واندلعت الأزمة السياسية الماليزية 2020-2022 بعد أن غيّر العديد من أعضاء البرلمان ائتلافاتهم الحزبية، مما أدى إلى فقدان الأغلبية البرلمانية، وانهيار حكومتين ائتلافيتين متتاليتين، واستقالة رئيسين للوزراء.
وأكد الكاتب أنه "من المرجح أن تكون الحكومة الجديدة بقيادة التحالف الوطني المعارض غير مستقرة بتاتا، مثل الحكومات التي جاءت بعد عام 2020 وحتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، والتي اتسمت بالاقتتال السياسي المستمر".
وأضاف أن "وجود حكومة يقودها "الحزب الإسلامي الماليزي" الأصولي، من شأنها أن تضع الأقليات والفئات السكانية الضعيفة في البلاد على حافة الهاوية، ما سيؤول إلى تضرر الاقتصاد بشدة".
"ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه المآلات المُكلفة، فلا تزال سياسات الهوية هي القوة الدافعة في البلاد"، وفق المقال.
وختم بالإشارة إلى أن "تحالف الأمل" الحاكم، متعدد الإثنيات، يتعرض لهجوم مكثف، بينما يؤيد الملايو -ممن يُعرفون كذلك باسم "البوميبوترا" أو أبناء الأرض- أحزابا ملتزمة بتعزيز مصالحهم".