اختلاف طرق استخدام الهند وباكستان لأسلحتهما النووية يعزز فرص المواجهة.. كيف؟

12

طباعة

مشاركة

الجميع يعرف أن كلا من الهند وباكستان، الجارين اللدودين، يمتلكان أسلحة نووية، لكن قليلا من يعرف ما الاختلافات التي تتعلق بإستراتيجيات استخدامهما لهذه الأسلحة الفتاكة.

وفي هذا السياق، يسلط معهد تحليل العلاقات الدولية الإيطالي، الضوء على قصة امتلاك البلدين لأول قنبلة نووية، وحتى وصولهما إلى قدرات تقارب نحو 200 رأس نووي فتاك.

دمار شامل

وذكر المعهد الإيطالي أن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 1968 تعترف بوجود خمس قوى نووية رسمية وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة. 

ولفت إلى أن ذلك لم يمنع دولا أخرى أيضا من امتلاك أسلحة نووية فيما لم يتم الاعتراف رسميا بوضعها. 

وتشمل هذه القوى كلا من الهند وباكستان وكلاهما رفض الانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وما يزالان إلى اليوم غير عضوين.

وأشار  إلى أن الهند أصبحت قوة نووية في 18 مايو 1974 عقب إجراء الاختبار الأول للقنبلة الذرية المعروفة باسم تجربة بوكران الأولى "عملية بوذا المبتسم". 

وجرت التجربة بعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب الهندية الباكستانية عام 1971، والتي تم خلالها إدراك أن الردع النووي، الذي كان يتمتع به كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي حينذاك، يشكل أكثر أنظمة الدفاع فعالية، وفق المعهد الإيطالي.

من جانبها، أدانت باكستان بشدة التجربة وأدركت منذ ذلك الحين أهمية امتلاك ترسانة نووية لمواجهة تهديد نيودلهي التي كانت حكومتها قد وصفت التجربة بأنها "تفجير نووي سلمي".

 على الرغم من أن باكستان ادعت بشكل غير رسمي أن لديها سلاحا نوويا فعالا منذ عام 1987، إلا أن نقطة التحول الحاسمة في هذا الاتجاه جاءت بعد أكثر من 10 سنوات تحديدا في عام 1998، يشير المعهد. 

وذكر أن الهند أجرت في 11 و 13 مايو من ذاك العام، سلسلة تجارب نووية تضمنت تفجير خمس قنابل نووية في موقع بوكران للتجارب النووية حملت الاسم الرمزي بوكران الثاني ("عملية شاكتي").

بعد بضعة أيام في 28 و 30 مايو، أنهت باكستان تجاربها النووية الأولى المعروفة بالاسم الرمزي شاغاي 1 وشاغاي 2، بتفجير ست قنابل ذرية لتعلن أنها باتت قوة نووية. 

ويشرح المعهد الإيطالي أن السبب الرئيس الذي دفع البلاد إلى الرد بحزم شديد للمبادرات الهندية يكمن في "عدم التناسق فيما يتعلق بالأسلحة التقليدية التي تتفوق فيها نيودلهي".

وأثارت التجارب النووية المذكورة أعلاه ردود فعل دولية قاسية، أبرزها مصادقة مجلس الأمن الدولي بعد أيام قليلة من إجرائها تحديدا في 6 يونيو، على قرار يدين الهند وباكستان ويطالبهما بالامتناع عن إجراء مزيد من التجارب. 

بالإضافة إلى ذلك، فرضت عدة دول، بما في ذلك الولايات المتحدة واليابان، سلسلة من العقوبات الاقتصادية الشديدة ضد كلا البلدين.

تشابه واختلاف

على مر السنين، يشير المعهد الإيطالي، إلى أن القوتين النوويتين اتبعتا إستراتيجيات متشابهة في بعض النواحي لكنها مختلفة في جوانب أخرى. 

فالهند طورت ما يسمى بقدرة الثالوث النووي، أي هيكل عسكري يتكون من صواريخ نووية تطلق من البر، وغواصات مسلحة بصواريخ نووية وطائرات قادرة على إسقاط القنابل النووية والصواريخ من الجو وذلك لخلق حد أدنى من الردع الموثوق به. 

من جهتها، تواصل باكستان، على حد قول المعهد، جهودها لبلوغ قدرة الثالوث النووي.

في الوقت نفسه، بينما التزمت الهند بسياسة "عدم الاستخدام الأول"، والتي بموجبها تتعهد بعدم استخدام الأسلحة النووية أولاً، مع الاحتفاظ بالحق في استخدامها ردًا على أي هجوم.

لم تعلن باكستان أبدًا التزامها بنفس السياسة، كما أنها تدعم الاستخدام المشروع للقنابل الذرية في حالة وجود تهديد.

من ناحية أخرى، أكدت إسلام آباد أنها تؤيد تصعيدا نوويا "بالدرجات" أي أنها تختار طريقة الرد بناء على حجم التهديد. 

على العكس من ذلك، لم تقبل الهند أبدًا هذه الإستراتيجية واختارت سياسة "الانتقام الجماعي" ضد أي استخدام للطاقة النووية بغض النظر عن مدى أو طريقة استخدامها.

في السنوات الأخيرة، أشار المعهد  إلى وجود تغييرات في السياسات النووية لكلا الدولتين. 

ويذكر بأن الهند نفذت في عام 2019 تفجيرات استهدفت معسكرا  لمتشددين في باكستان بعد هجوم على جنود هنود في كشمير تبناه تنظيم "جيش محمد" الباكستاني.

 وفي اليوم التالي، أسقطت باكستان طائرة هليكوبتر هندية وقامت بأسر الطيار قبل أن تفرج عنه بعد مفاوضات مطولة.

نتيجة لهذه الأحداث، بدت لبضعة أيام فرضية نشوب نزاع نووي بين البلدين ملموسة، على حد تعبير المعهد.

إلا أن هذا التصعيد لم يحدث ويبدو أن ذلك يصب في صالح موقف باكستان، يقول الموقع مضيفا أن الأخيرة باتت مقتنعة بإمكانية فرض كلمتها دون أن تستفز رد الفعل النووي الهندي الملتزم بـ "عدم الاستخدام الأول" أو ما يعرف بالضربة الأولى. 

احتمالية المواجهة

لهذا السبب، في أغسطس 2019، قامت الحكومة الهندية بمراجعة السياسة المذكورة أعلاه وفقًا للظروف، يوضح المعهد الإيطالي.

بالإضافة إلى ذلك، قال الجنرال خالد كيدواي،  أحد أكثر أعضاء النخبة العسكرية الباكستانية نفوذاً، في تصريحات صحفية أخيرا إن البعد العمودي للردع النووي الوطني سيشمل نطاقا "من صفر متر إلى 2750 كيلومترا". 

وبحسب المعهد، إدخال صيغة "صفر أمتار"، التي لم تستخدم من قبل، يشير إلى نية إسلام آباد نشر أسلحة نووية تكتيكية على الخطوط الأمامية بما في ذلك الألغام النووية على الحدود مع الهند.

 وعلق بالقول إنه "من غير الواضح ما إذا كان هذا يمثل إنجازا تقنيا فعليا أم مجرد دعاية لكنه يظل تطورا من شأنه أن يخلق مزيدا من التوترات بين البلدين".

وبحسب التقديرات، تمتلك نيودلهي حاليا حوالي 164 رأسا نوويا وإسلام آباد 170 واستناداً إلى معدلات النمو الحالية، يمكن أن تتجاوز ترسانة كل منهما 200 في غضون سنوات قليلة. 

في الختام، أكد المعهد ضرورة استئناف الحوار بين البلدين للحيلولة دون الانتشار النووي غير المنضبط خصوصا "أنه لا يمكن لهما ولا بقية العالم تحمل اندلاع صراع نووي في شبه القارة الهندية".