اعتراف إسرائيل بـ"مغربية الصحراء".. هل يغير مستقبل الإقليم الغني بالموارد؟
بعد إلحاح مغربي لم ينقطع منذ تطبيع العلاقات أواخر عام 2020، اعترفت إسرائيل أخيرا بـ"سيادة" الرباط على أراضي إقليم الصحراء، في خطوة أثارت تساؤلات عن جدواها.
وينقسم المغاربة أنفسهم فضلا عن العرب، حول قيمة هذه الخطوة ومدى أهميتها، كونها صادرة عن كيان قائم على احتلال أراض عربية ولا تعترف الشعوب العربية بشرعيته.
وأعلن الديوان الملكي المغربي خلال بيان له في 17 يوليو/ تموز أن الملك محمد السادس تلقى رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "تتضمن قرار إسرائيل الاعتراف بسيادة المغرب على أراضي الصحراء".
وأضاف البيان الملكي أن نتنياهو أكد "أن موقف بلاده هذا سيتجسد في أعمال ووثائق الحكومة الإسرائيلية كافة ذات الصلة".
وأفاد بأن نتنياهو شدد أيضا على أنه سيجري "إخبار الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية التي تعد إسرائيل عضوا فيها، وكذا جميع البلدان التي تربطها بإسرائيل علاقات دبلوماسية" بهذا القرار.
كما جاء في البيان أن إسرائيل تدرس "فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة في إطار تكريس قرار الدولة هذا". ولاحقا أكدت تل أبيب مضمون هذا الإعلان.
وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا بإقليم الصحراء تحت سيادتها لإنهاء النزاع القائم منذ عام 1975.
بينما تدعو الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب "بوليساريو" الممثلة للإقليم إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الصحراء.
وتأسست جبهة البوليساريو بعد ضم المغرب الصحراء إليه بعام لترفع السلاح في وجهه وتطالب بانفصال الإقليم الغني بالثروة السمكية والفوسفات والذي يُعتقد بأنه يحوي مكامن نفطية.
هرولة مغربية
وجاء اعتراف نتنياهو بمغربية الصحراء، بعد نحو شهر على دعوة رئيس الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) أمير أوحانا، الحكومة الإسرائيلية إلى دعم هذه الخطوة "بشكل رسمي وواضح".
وتوقع أوحانا وقتها أن يقدم نتنياهو على هذه الخطوة قريباً، وذلك خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) رشيد الطالبي العلمي، عقب مباحثات جمعتهما في الرباط في 8 يونيو/حزيران.
وتعمل المملكة المغربية وإسرائيل على تمتين علاقاتهما منذ تطبيعها في ديسمبر/كانون الأول 2020 من خلال اتفاق ثلاثي، توسطت فيه الولايات المتحدة الأميركية.
وتضمن الاتفاق أيضا اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المملكة على الصحراء المتنازع عليها مع جبهة "البوليساريو" المدعومة من الجزائر.
ورغم الخطوة الأميركية وتطبيع العلاقات، لم تعلن إسرائيل موقفها بشكل صريح من الصحراء إلا في 28 مارس/آذار 2022، حينما عبّر وزير خارجيتها الأسبق يائير لابيد، خلال "قمة النقب" التي جمعته بوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونظيرهما الأميركي أنتوني بلينكن، عن دعم إسرائيل مقترح الحكم الذاتي الذي أطلقته الرباط عام 2007.
وقال لابيد في ذات المناسبة، إن الرباط وتل أبيب ستعملان معاً لمواجهة "محاولات إضعاف سيادة المغرب ووحدة أراضيه".
ومنذ ذلك الموقف الإسرائيلي، توقف الحديث قليلا عن اعتراف إسرائيل بـ"مغربية الصحراء"، لكنها عادت لطرح الأمر في شكل "ابتزاز" للمملكة في 3 يوليو/ تموز 2023.
وفي هذا التاريخ، ربطت إسرائيل، قرارها الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء باستضافة الرباط "قمة النقب" التي تأجلت أكثر من مرة، ويشارك فيها وزراء خارجية الدول العربية الموقعة على اتفاقات تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، برعاية أميركية.
وردا على سؤال في إفادة لوسائل إعلام أجنبية عما سعت إليه إسرائيل مقابل الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، وما إذا كانت تخطط لفتح قنصلية في الإقليم، ربط وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين القرار بانعقاد منتدى النقب في المغرب.
وقال وزير خارجية إسرائيل "نعمل حاليا على هذه القضية وخطتنا هي اتخاذ قرارنا النهائي في منتدى النقب"، مضيفا أنه من المتوقع أن تستضيف المغرب المنتدى في سبتمبر/ أيلول أو أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
لكن المغرب لم يتحدث عن هذا الاشتراط، وأرجأ في يونيو/ حزيران 2023 ما يسمى بمنتدى النقب لإسرائيل والدول العربية، بسبب ما أسماه "السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين".
وقالت مصادر دبلوماسية لوكالة رويترز البريطانية إن المغرب "قد يقيم علاقات كاملة مع إسرائيل" من خلال ترقية البعثات الدبلوماسية الحالية متوسطة المستوى إلى سفارات، مقابل اعتراف إسرائيلي بسيادة المغرب على الصحراء.
ما الجدوى؟
وعن مدى جدوى هذه الخطوة، يقول أستاذ العلاقات الدولية المغربي خالد الشيات: "هناك محددات أساسية في هذا الموضوع حيث جاء اتفاق التطبيع في إطار يتضمن أيضا الاعتراف بمغربية الصحراء من واشنطن ولم يكن مستبعدا أن يوازيه ويواكبه اعتراف إسرائيلي".
وأوضح في حديث لـ"الاستقلال": "الاعتراف بمغربية الصحراء وإن لم يجر تضمينه في الاتفاق، ولكنه استنتاج أساسي له، وهو إقرار بواقع وحق موجود في إطار تدافع على المستوى الدولي والقانوني".
وأشار إلى أن "هناك دولا تدعم الجزائر لتقسيم المغرب، وأخرى تدعم المملكة والحفاظ على وحدتها الترابية، ومهم أن يكون (للرباط) أصوات داعمة نوعا وكما على المستوى الدولي".
وعرّج على آلية قياس مدى قرب أي دولة من المملكة بالقول: "ليس هناك بلدان سيئة وأخرى جيدة، ولكن المغرب يتبنى معيارا يحدد على أساس الدول الداعمة له من غيرها".
واتهم الشيات من أسماها "أطرافا معادية للمغرب" وأبرزها الجزائر بربط الاعتراف بمغربية الصحراء بالقضية الفلسطينية وتشويه الاتفاق "وهذا ليس صحيحا"، بحسب رأيه.
وتابع أنه "في الأمم المتحدة دولة تسمى إسرائيل، ورغم الخلافات بشأن تصوراتها السياسية، فهي قائمة ولها موقعها"، كما قال.
وأضاف في هذا الشأن: "المغرب أعطى موقفه النهائي من القضايا المتعلقة بالشأن الفلسطيني فهو يدعم قضية القدس واللاجئين و(يدين) المستوطنات، كما أن احتلال الأراضي الفلسطينية يقع ضمن المواضيع الخلافية بين المملكة وإسرائيل".
ودلل على ذلك بأن "المغرب لا يصف ما يجري في فلسطين بأنه عادي، بل يتعامل مع الوضع على أنه غير طبيعي وأن هناك احتلالا، وأن الخلاص يكمن في حل الدولتين"، وفق قوله.
ويعتقد أن هذا الاعتراف يمثل بداية تحدٍّ للمغرب الذي يجب عليه استغلال "المنظومة المحترمة المحيطة بإسرائيل دوليا وخاصة في إفريقيا".
وبين أن الأمر يتعلق بأهمية تمثيل موقف المغرب (من قضية الصحراء) لاسيما في إفريقيا، "وهو ما قد يقزم جبهة البوليساريو ويدفع إلى طردهها من الاتحاد الإفريقي، المنظمة الدولية الوحيدة التي توجد فيها هذه المجموعة".
المحلل السياسي المغربي، محمد شقير يتفق مع سابقه على "أهمية هذه الخطوة الإسرائيلية"، والتي أكد أنها "تدخل ضمن مشمولات الاتفاق الإبراهيمي الذي قام بالأساس على الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء أوتوماتيكيا".
غير أن التأخير الذي حصل بهذا الشأن أثار جدلا حول إمكانية ربط ذلك بابتزاز إسرائيلي أو مقايضة بين الرفع من مستوى التمثيل الدبلوماسي وهذا الاعتراف، بحسب ما يقول شقير لـ"الاستقلال".
وتابع: "لعل التصريح الأخير لوزير الخارجية الإسرائيلي الذي ربط عقد الاجتماع الثاني لمنتدى النقب واعتراف الحكومة الإسرائيلية بمغربية الصحراء والذي اثار جدلا بهذا الصدد، قد دفع نتنياهو للإسراع بإرسال رسالة تتضمن الاعتراف الرسمي بمغربية الصحراء بل والتأكيد على إمكانية فتح قنصلية بالداخلة".
وهو ما يعكس، من وجهة نظر شقير، "الرغبة الإسرائيلية بإزالة أي التباس والاستجابة لتفاصيل الاتفاق الإبراهيمي".
ولعل هذا الاعتراف سيقوي بلا شك من موقف المغرب فيما يتعلق بتأكيد مغربية الصحراء مما سيثير حنق الجزائر والبوليساريو، وفق قوله.
وتوقع شقير أن "يستغل الطرفان ذلك (الاعتراف الإسرائيلي) لاتهام المغرب بخيانة القضية الفلسطينية خاصة في هذه الظرفية السياسية التي صعدت فيها قوى الاحتلال سياسة التقتيل والتجريف في الأراضي الفلسطينية".
شرعنة من المحتل
بدوره، يختلف الناشط السياسي الصحراوي الطالب علي سالم مع سابقيه، ويقول إن "الموقف المغربي خائن للفلسطينيين والشعوب العربية، حيث يُستقبل الوزراء الإسرائيليون في المغرب، ويجري الترحيب بهم في (المملكة)".
وتابع في تصريحات تلفزيونية بعد الاعتراف الإسرائيلي: "الموقف المغربي بات واضحا لكل المغاربة الأحرار الذين يرفعون الأعلام الفلسطينية وينادون بشعار تحرير الأراضي الفلسطينية".
وتوقع أن يزيد الاعتراف الإسرائيلي التوتر بين المغرب ودول مغاربية من بينها الجزائر وموريتانيا "لكنه يعطي للقضية الصحراوية ديناميكية جديدة".
وعن أهمية هذه الخطوة، قال إننا "نتحدث عن كيان محتل (إسرائيل) يحاول أن يشرعن دولة محتلة أخرى (المغرب)"، وفق تعبيره.
ولفت إلى أن إقرار تل أبيب "يوضح ضعف إسرائيل وفشلها في تمرير احتلالها وضعف الدولة المغربية في احتلال الصحراء، وهو ما سيؤثر على الحكومة المغربية التي باتت أكثر صهيونية من الصهاينة أنفسهم"، بحسب قوله.
مداخلتي اليوم في برنامج هذا المساء على قناة I24news حول الاعتراف بما يسمى "السيادة المغربية" على الصحراء الغربية.#محتل_يدعم_محتل pic.twitter.com/RgUlU5xHtm
— Taleb Alisalem (@TalebSahara) July 17, 2023
بدوره، علق أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر زهير بوعمامة بالقول: "كيان محتل يلهت وراء الاعتراف به منذ حقب ولم يحصل إلا على القليل، يعترف باحتلال أرض غيره من قبل كيان محتل آخر يكاد يشبهه في كل شيء".
وتابع في تغريدة على تويتر: "لا حدث، والقضية باقية ما بقي الشعب الصحراوي متمسكا بأرضه وحقه في تقرير مصيره، أما تلك الرسالة التي يتحدثون عنها، فمكانها سلة المهملات"، وفق قوله.
ولم تقتصر الانتقادات على الجزائريين والصحراويين، فقد هاجم ناشطون مغاربة هذا الاعتراف وعدوه بلا قيمة لقضية الصحراء.
وكان من بين هؤلاء، حسن بناجح، الحقوقي وعضو جماعة العدل والإحسان (أكبر جماعة إسلامية في البلاد)، والذي قال في منشور له عبر فيسبوك، “بئس الحال أن يكون المآل التماس الشرعية والسيادة من كيان مجرم محتل لأعز وأطهر وأقدس بقاع المسلمين”.
وأكد على ذات الأمر، الخبير الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي بالقول: "القضايا العادلة يحط من قدرها دعم قطاع الطرق. إعلان إسرائيل اعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء إساءة للمغرب".
وبين في تغريدة على تويتر أنه "لا يوجد أية قيمة في اعتراف إسرائيل التي تحتل فلسطين وأراضي عربية وتجاهر بحماسها لمواصلة قضم الأرض العربية. طبعا هي ستجبي أثمانا باهظة من المغرب لقاء ذلك".
القضايا العادلة يحط من قدرها دعم قطاع الطرق.
— د.صالح النعامي (@salehelnaami) July 18, 2023
إعلان إسرائيل أمس اعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء إساءة للمغرب.
.فلا يوجد أية قيمة في اعتراف إسرائيل التي تحتل فلسطين وأراضي عربية وتجاهر بحماسها لمواصلة قضم الأرض العربية.
طبعا إسرائيل ستجبي أثمانا باهظة من المغرب لقاء ذلك.