خداع متكرر.. ما عيوب الاتفاق الأخير بين السيسي وآبي أحمد بشأن سد النهضة؟
في 13 يوليو/ تموز 2023، اتفق رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، على بدء مفاوضات "عاجلة" بخصوص سد النهضة وقواعد تشغيله، حسبما جاء في "بيان مشترك" نشره متحدث الرئاسة المصرية.
كان لافتا في البيان الأول الذي أعلنته الرئاسة المصرية عقب استقبال السيسي لأحمد أن مسألة سد النهضة جاءت في نهاية أولويات المباحثات بينهما.
وقالت الرئاسة إنهما "تباحثا حول سبل تسوية الأزمة في السودان، وتعزيز العلاقات الثنائية بين مصر وإثيوبيا، وقضية سد النهضة".
ورغم الحديث عن تطلعهما لحل أزمة سد النهضة في 4 أشهر، لم تلتزم إثيوبيا باتفاق رسمي حول الملء الرابع.
واكتفت بتعهد شفوي للمرة الثانية عن التزامها، أثناء الملء الرابع "بعدم إلحاق ضرر ذي" شأن بمصر والسودان، وتوفير الاحتياجات المائية لكلا البلدين.
ومنذ 2011، تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتّفاق حول ملء سد النهضة وتشغيله، إلا أن جولات طويلة من التفاوض بين الدول الثلاث لم تثمر حتى الآن اتفاقا.
ورغم أن مصر والسودان حضتا مرارا إثيوبيا على تأجيل خططها لملء خزان السد إلى حين التوصل لاتفاق شامل، فقد أعلنت أديس أبابا، في 22 يونيو/حزيران 2023، إطلاق المرحلة الرابعة من ملء خزان السد الذي تبلغ سعته نحو 74 مليار متر مكعب مياه.
خمس سقطات
يمكن الحديث عن خمسة عيوب أو سقطات شهدها اتفاق السيسي وآبي أحمد (البيان المشترك) تصب في صالح إثيوبيا وتعد استمرارا لتراجع الموقف المصري من أزمة سد النهضة، وتقديم مزيد من التنازلات، هي:
الأول: التعهد الشفوي الإثيوبي لمصر بعدم الإضرار بها، يعد بمثابة تنازل جديد من السيسي، حيث شمل ضمنا الموافقة على الملء الرابع بصورة رسمية، مقابل تعهدات كلامية سبق أن تعهد بها "آبي احمد" لكن استمر الإضرار بالقاهرة.
وهو ما أثار انتقادات خبراء المياه والسياسة في مصر لأنه ثاني تعهد شفوي غير ملزم من نوعه في وقت تستمر فيه إثيوبيا بحجب كميات ضخمة من مياه النيل عن القاهرة سنويا.
وكان التعهد الأولي في يونيو 2018 حين ظهر السيسي وهو يقول لرئيس وزراء إثيوبيا "احلف" أنك لن تضر مصر مائيا، ما أثار سخرية العالم.
وأعقب هذا ملء إثيوبيا السد ثلاث مرات وعدم اهتمامها بشكاوى القاهرة حول تضررها من نقص المياه.
فبعد 5 سنوات من ترديد "آبي أحمد" خلف السيسي: "والله والله لن نقوم بأي ضرر بمياه مصر"، وأقسم السيسي بعده: "والله لن نضر بكم (إثيوبيا) أبدًا"، لم يتغير شيء سوى مزيد من الضرر.
العيب أو السقطة الثانية في "البيان المشترك" هي استغرب الخبراء تعهد إثيوبيا بعدم الضرر بمصر "ضررا كبيرا" أو "ذي أهمية" أو significant harm كما جاء في النسخة الإنجليزية، ما يعني قبول القاهرة بتضررها.
ويصعب تحديد هذا "الضرر" المقصود، فقد فقدت مصر مليون فدان من أراضيها الزراعية بسبب سد النهضة حتى الآن، وفق خبراء المياه.
وتملحت التربة في مناطق عديدة لنقص المياه واستعمال مياه مجار مكررة، وجرى إيقاف زراعات حيوية مثل الأرز تستهلك مياه كثيرة، بخلاف أضرار أخرى، وكل هذا بينما لم يمتلئ السد الإثيوبي سوى بأقل من ربعه.
شغالين ري بالغمر في اثيوبيا �� ومستكترين علينا التوسع في زراعة الارز في الدلتا اللي بتحافظ اصلا على تربة الدلتا .
— Hany Ibrahim - هاني إبراهيم (@HanyIbrahim17) July 14, 2023
مصدر الصور : Irrigation management information system of Ethiopia (IMISET) pic.twitter.com/YN5vprOcdj
أيضا نص البند الثاني من اتفاق السيسي وآبي أحمد، على عبارة "أوضحت إثيوبيا التزامها"، ولم تقل إنها "تلتزم" مباشرة.
وهي عبارة التفافية لا تشير لالتزامها التام بشيء محدد، وهذه ثالث سقطة في البيان المشترك الذي وقعه السيسي، لصالح إثيوبيا.
تعقيبا على هذه الفقرة، يقول الخبير في الشؤون المائية "هاني إبراهيم" في تغريدة على تويتر إن إثيوبيا لم تلتزم بـ "تعريف العام الهيدرولوجي" المحدد في مباحثات سد النهضة واختراقها أصلا لتعهداتها.
بشكل مبسط وفقا للواقع الحالي في سد الكارثة الاثيوبي هتكون اثيوبيا ملزمة بتخفيض منسوب المياه في السد خلال التعلية الخامسة بمقدار 9 متر في حالة منسوب الممر الاوسط 620 م و12 متر في حال منسوب الممر الاوسط 625 م .
— Hany Ibrahim - هاني إبراهيم (@HanyIbrahim17) July 14, 2023
الخلاصة اثيوبيا لن تلتزم .
أما السقطة الرابعة فهي نص "البيان المشترك" أن السيسي وآبي أحمد التقيا "لاستئناف المناقشات بينهما"، وهو ما يعني عدم جدية التفاوض، حسبما قال مصدران حكوميان لموقع "مدى مصر" 13 يوليو/تموز 2023.
إذ وصفا عبارات "النقاش" و"الحديث"، في البيان الختامي بأنها "إشارة لانخفاض التوقعات لما يمكن أن يفضي إليه الاتفاق".
المصدر اﻷول، وهو الأقرب لملف سد النهضة، قال إن إثيوبيا ستمضي قُدما في الملء الرابع للسد قبل انتهاء موسم الأمطار لهذا العام، دون تغيير في الخطط، فيما يبقى النقاش حاليا حول سبل تفعيل مسار مفاوضات أبوظبي للوصول لتفاهمات تقنية.
ويتضمن المسار مفاوضات فنية بين ممثلي كل من مصر والسودان وإثيوبيا، بمشاركة مراقبين من دولة الإمارات التي ترعى تلك المفاوضات.
وكانت أبوظبي قد استقبلت، منذ منتصف 2022 ومطلع العام 2023، نحو 6 جولات من المفاوضات الفنية بين متخصصين من مصر والسودان وإثيوبيا، لحضور مراقبين من الإمارات التي تتولى تلك الوساطة.
أما المصدر الثاني، فرأى أن مصر أصبحت أمام أمر واقع لا يُمكنها تغييره، وأنها تسعى حاليا لضمان بعض النقاط المتعلقة بما يمكن الحصول عليه من مياه في سنوات الجفاف الشديد.
وهناك سقطة خامسة في البيان المشترك رصدتها وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية 13 يوليو 2023 هي أنه "لا يصف الاتفاق المتوقع (بعد أربعة أشهر) بأنه ملزم قانونا كما تريده مصر والسودان".
كما أنه (البيان) لا يوضح ما إذا كانت المحادثات ستكون تحت رعاية الاتحاد الإفريقي الذي تفضله إثيوبيا، أم برعاية دول أخرى مثل الولايات المتحدة ومجموعة متنوعة من الوسطاء كما حدث في الماضي.
والغريب أنه مثلما حدث في المرة الأولى خلال التعهد الشفوي، سعت لجان السيسي الإلكترونية وإعلام السلطة للترويج للتعهد الإثيوبي الجديد والاتفاق الذي لم يحدث بعد، بالحديث عن انتصار مصر.
وبين مغردون مقربون من النظام أن السيسي فرض "الخطوط الحمراء" لمصر في مواجهة إثيوبيا، بغرض إخفاء هذا التراجع المصري، من قبل اللجان التي ظلت تتداول نفس هذا البوست.
#هندعم_السيسى_ل_٢٠٣٠
— ياحافظ بلدنا ياالله ��م/أمل خليل (@amlkhalil11) July 13, 2023
انا بابا يالا ✌️����
عاااجل! بعد تعنت لسنوات .. اثيوبيا تتراجع وتستجيب لمطلب الرئيس السيسي بعمل اتفاق قانوني ملزم بشأن ادارة وتشغيل سد النهضة في مدة اقصاها ٤ شهور!
سياسية الخطوط الحمراء المصرية تجبر رئيس الوزراء الاثيوبي على اعلان موافقته من القاهرة على بدء… pic.twitter.com/2SPlV5o8kN
وذلك رغم أن إثيوبيا تعمدت ترحيل المفاوضات لأجل أربعة أشهر حتى تكون قد أنهت الملء الرابع والأهم أنها زادت من فرض الأمر الواقع على مصر.
تنازل وضرر
وخلال مؤتمر صحفي مع رئيس موريتانيا محمد ولد الغزواني في 4 يونيو 2023، قال السيسي: "شددنا على أهمية حث إثيوبيا، على التحلي بالإرادة السياسية، للأخذ بأي من الحلول الوسطى، التي طرحت على مائدة التفاوض، وتلبي مصالحها".
كانت هذه أول مرة يطرح فيها السيسي فكرة "الحل الوسط" الغامضة دون تفاصيل ما يقصده، وجاء حديثه قبل بدء إثيوبيا الملء الرابع لسد النهضة.
ورأى محللون هذا التصريح "مقدمة لتنازل مصري جديد" بالوصول لحل وسط، سيشكل في كل الأحوال انتصارا لإثيوبيا بعدما فرضت أمرا واقعا على مصر.
لكن ظل السؤال هو: ماذا يعني السيسي بـ "الحل الوسط"؟ ولماذا أعقبه رئيس وزراء إثيوبيا برسالة طمأنة أن بلاده ستحاول أن تخفف "الأضرار" على مصر والسودان في الملء الرابع؟
أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة عباس شراقي، قال لموقع "العربي الجديد" 7 يونيو 2023 إن "الحل الوسط" ربما يكون المقصود به المصطلح الذي استخدمه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2020.
أوضح أنه خلال المفاوضات التي استضافها ترامب فبراير/شباط 2020، تسرّب أن المفاوض المصري كان يصر على الحصول على 40 مليار متر مكعب من تدفقات النيل الأزرق كما هو منصوص عليه في اتفاقية 1959، إلا أن إثيوبيا أصرت على تخفيض هذا الرقم إلى 31 مليار متر مكعب.
وأن ترامب اقترح 37 مليار متر مكعب لمصر بدلا من 40 وطلب تجهيز الاتفاقية للتوقيع، لكن الوفد الإثيوبي ترك البيت الأبيض بدون حتى استئذان الرئيس السابق، ورفض التوقيع على الحل الوسط ووقعت القاهرة وحدها.
وفي 6 يوليو 2023 أطلق رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، تصريحات متناقضة حول الملء الرابع لسد النهضة، قائلا إن بلاده "ستراعي مخاوف مصر والسودان"، لكنه أوضح أنه "سيتم" ولكن بطريقة مختلفة عن المرات الثلاث السابقة.
قال في اجتماع مع مجلس النواب الإثيوبي: "سيتم ملء هذا العام (2023) بشكل مختلف عن الجولات الثلاث السابقة من خلال تنفيذ الملء بطريقة تخفف من مخاوف سكان الجوار".
وصف ما يقصد بقوله، أنه بدلا من استكمال الملء حتى مطلع أغسطس/آب 2023، كما في الجولات السابقة، سيتم (يمتد وقته) حتى بداية سبتمبر أو نهاية أغسطس، وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء الإثيوبية.
إعلان "أحمد" لا يشكل تراجعا لأنه أكد أن الملء سيبدأ في موعده خلال شهر يوليو، ولكن بدلا من الملء بكثافة والانتهاء في أول أغسطس، أي خلال شهر، سيجرى حجز مياه النيل على مراحل بحيث يستغرق الملء شهرين تقريبا.
مع هذا رأى محللون أن محاولة إثيوبيا التهدئة في الملء الرابع مع مصر خصوصا في ظل انشغال السودان بحربه الداخلية، تقف خلفها جملة أسباب.
الخبير في شؤون المياه "هاني إبراهيم" قال إن الملء التدريجي ربما يعود إلى عدم قدرة السد على التحمل لأن الملء هذه المرة كبير ويصل إلى 20 مليار متر مكعب.
ايه المتوقع
— Hany Ibrahim - هاني إبراهيم (@HanyIbrahim17) July 9, 2023
مبدئيا فكرة الملء ببطء نوعيا انا بميل لفكرة اختبار السد ببطء لان الكمية ضخمة رقم 20 مليار متر مكعب لكن مش مؤثرة في فكرة ان في ضرر يحصل للسد لان الغالب على اي مشروع في السدود يعمل ملء ببطء علشان لو ظهر عيوب مثلا تسرب فوق المعدل من اختبارات التسرب لاي سبب كان او تسرب
محللون وناشطون أرجعوا تخفيف إثيوبيا الملء الرابع بأن له علاقة بانتخابات الرئاسة المصرية وعدم إحراج السيسي في ظل اتهامات المصريين له بالتخلي عن أمن مصر المائي، بحيث يبدو وكأن القاهرة هددت أديس أبابا والأخيرة رضخت لها أخيرا.
فنيون قالوا إن التصريحات الإثيوبية لها علاقة بنقص الأمطار التي تساقطت على الهضبة الإثيوبية هذا العام ومن ثم نقص كميات مياه النيل وتعرض مصر والسودان لمخاطر جفاف لو جرى حجز المياه كما هو معتاد خاصة أن أديس أبابا تتحدث عن 18 مليار متر مكعب، وهي كمية ضخمة.
وتوقع فريق آخر أن تكون تصريحات "آبي أحمد" مقدمة لتهدئة واستئناف المفاوضات بوساطة إماراتية ولكن مقابل توقيع السيسي اتفاقا مع أديس أبابا، يتنازل بموجبه عن حصة مصر المائية التاريخية خاصة بعد حديثه عن "حلول وسط"، وهو ما تأكد عقب توقيع "البيان المشترك" 13 يوليو 2023.
وتستهدف إثيوبيا تخزين ما يوازي نصف حصة مصر السنوية من مياه النيل، حسب أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة عباس شراق، أي تخزين ما بين 20 إلى 25 مليار متر مكعب في الملء الرابع لسد النهضة.
أكد عبر حسابه على فيسبوك، أنه في المرات الثلاث السابقة كان إجمالي التخزين 17 مليار متر مكعب في 3 سنوات,
والآن تستهدف تخزين 25 مليار متر مكعب مرة واحدة، أي ما يمثل تقريبا نصف حصة مصر المائية من مياه نهر النيل، التي تبلغ 55 مليار متر مكعب من المياه سنويا.
ووصف عباس شراقي حديث رئيس وزراء إثيوبيا بأنه "لا توجد أضرار على مصر من الملء الرابع لسد النهضة" بـ "الأكذوبة".
ولفت إلى أن "إثيوبيا ترى أن الضرر على مصر يعني أن المصريين يموتون من العطش أو يتوقفون عن الزراعة".
أكد أن تخزين كمية كبيرة من المياه مرة واحدة داخل سد النهضة، وهي 25 مليار متر مكعب يعني توقف مليون فدان عن الزراعة في مصر، وارتفاع متوقع في نسبة البطالة.
وأوضح أن "هذه الكمية لو جاءت إلى مصر لتوسعت الدولة في الزراعة وزادت من مساحات زراعة الأرز"، مؤكدا أن "المليون فدان أرز يأتي بعائد يقدر بنحو 6 مليارات دولار".
أيضا أنفقت مصر مليارات الجنيهات في السنوات الأخيرة على مشاريع للحفاظ على مياه النيل. كما بنت محطات تحلية لمياه البحر وأخرى لإعادة تدوير مياه الصرف الصحي لاستخدامها مجددا لعدم كفاية مواردها المائية.
ويؤكد الخبير المائي هاني إبراهيم أن الخرائط ومتابعة بناء السد تشير لأن إثيوبيا تخطط لحجز كمية مياه تقدر بحوالي 20 مليار إضافية في الملء الرابع، تضاف إلى 22 مليار في السنوات الماضية فيصبح الإجمالي 42 مليار متر مكعب في المتوسط.
ويتوقع "إبراهيم" أن يكون الفيضان هذا العام "متوسطا"، كما تشير مؤشرات شهر يوليو حتى الآن، وهو ما يعده محللون أحد أسباب إعلان إثيوبيا إطالة أمد فترة التخزين وعدم الإضرار بمصر لأن "المتوسط" يعني نقص كميات المياه للقاهرة.
وكمية الحجز الاضافية عند منسوب 620 م حوالي 20 مليار اضافية + 22 مليار خلال السنوات الماضية يصبح الاجمالي 42 مليار متر مكعب في المتوسط.
— Hany Ibrahim - هاني إبراهيم (@HanyIbrahim17) July 13, 2023
منسوب 625م يعادل 49.3 مليار متر مكعب وهو سعة الملء الأول او ما كنا نأمل ان يتم الاتفاق على مراحل الملء ولكن اثيوبيا انفردت بالإجراءات طوال 4سنوات
المصادر
- GERD Filling Takes into Account Concerns of Downstream Countries, Nat'l Interest: PM Abiy
- Egypt, Ethiopia hope to reach agreement within 4 months after long dispute over Africa’s largest dam
- "السيسي" يستبق الملء الرابع لسد النهضة بدعوة إثيوبيا لـ"حل وسط"
- أي "حل وسط" لأزمة سد النهضة يقصده السيسي؟
- مليون فدان مهدد بالبوار وارتفاع نسبة البطالة.. إثيوبيا تستهدف تخزين نصف حصة مصر من مياه النيل