بعد عملية محمد صلاح.. لماذا بدأت إسرائيل نشر أسرار عن قواعد مصر وأسلحتها؟

12

طباعة

مشاركة

بعد ثلاثة أشهر تقريبا من إطلاقها "أوفيك 13" نهاية مارس/ آذار 2023، أحدث أقمارها العسكرية للتجسس، بدأت إسرائيل تنشر أسرارا عسكرية مصرية.

نشرت لأول مرة صورا من أقمارها الصناعية تكشف عن قاعدة صواريخ مصرية من طراز "سكود" بعيدة المدى على بعد 12 كم من العاصمة المصرية القاهرة.

قالت إنها رصدت، ضمن أعمال تتبعها لنشاط تسليح الجيش المصري الهجومية، قاعدة صواريخ سكود مصرية بمدى 1250 كيلومتر قرب القاهرة، أي يصل مداها لأي نقطة في إسرائيل.

وبعدها بيومين، نشر موقع التلفزيون الروسي (RT) أيضا فيديو يتضمن تفاصيل عن "سلاح روسي خطير لم يعلن الجيش المصري عنه" يدعى "الثعبان".

وفق ما قال في 22 يونيو/ حزيران 2023 فإن السلاح بمثابة منظومة روسية لمكافحة الألغام "أو أر 77"، وهو ما نشرته أيضا صحف عبرية.

محللون لاحظوا أن نشر هذه المعلومات العسكرية جاء في أعقاب عملية الجندي المصري محمد صلاح في سيناء، والتي قتل خلالها 4 جنود إسرائيليين خلال تسلله إلى فلسطين المحتلة في 3 يونيو 2023.

مجلة "يسرائيل ديفينس" العسكرية الإسرائيلية، ومع أنها هي التي نشرت أسرار القاعدة الصاروخية المصرية، زعمت في 20 يونيو 2023 أن حكومة تل أبيب "لا ترغب في إثارة موضوع الصواريخ المصرية بشكل متعمد للرأي العام".

وذلك بحجة أن مصر دولة مسالمة وداعمة لإسرائيل، وتتعاون معها في الحفاظ على حدود هادئة نسبيًا.

قالت إنه، باستثناء الحالات النادرة مثل الحادث الأخير من جانب الجندي المصري محمد صلاح، ليس لحكومة تل أبيب مصلحة في إظهار مصر كعدو محتمل، وليس لديها ميزانية عسكرية لمواجهة ذلك.

وتخشى الدوائر العسكرية الإسرائيلية تهديدات متزايدة من جانب مصر رغم اتفاقية السلام وتعاون نظام عبد الفتاح السيسي مع الجيش الإسرائيلي في سيناء.

وكانت تقارير إسرائيلية وأميركية، أشارت إلى تململ وقلق إسرائيلي من استغلال مصر تسهيلات سمحت بها تل أبيب في صورة إدخال قوات مصرية ومعدات إلى مناطق بسيناء بالمخالفة لاتفاقية السلام، بغرض محاربة تنظيم الدولة.

قاعدة صواريخ

وفي 20 يونيو/حزيران 2023ـ نشرت مجلة "يسرائيل ديفينس" العسكرية الإسرائيلية التي تصدر عن الجيش الإسرائيلي، صورا لأقمار صناعية قالت إنها لقاعدة صواريخ سكود روسية قديمة.

وأشارت إلى أن هذه القاعدة والصواريخ جرى استخدامها في قصف مدن محتلة خلال حرب 1973، مستغربة أسباب وضع القاهرة هذه الصواريخ في وضع الجاهزية؟!

وأوضحت المجلة أن تحليل صور الأقمار الصناعية بدءا من أبريل/ نيسان 2023 أظهر تفاصيل القاعدة وما بها من صواريخ سكود مصرية.

لم يجر الاكتفاء بالتحديد الدقيق لموقع القاعدة على بعد 12 كم جنوب شرق القاهرة، والسخرية ضمنا من وضع الصواريخ في العراء ما يعرضها للتدمير، ولكن تم نشر صور دقيقة للمكان وما يحتويه من مبان وأماكن الصواريخ والضباط وغيره.

والصورة نفسها، سبق أن نشرتها دورية "المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية"، IISS، وهو معهد أبحاث بريطاني في مجال الشؤون الدولية في 9 يونيو 2023، لكن المجلة الإسرائيلية نشرت تفاصيل أعمق.

وعن عدد صواريخ سكود التي تمتلكها مصر؟، قالت "يسرائيل ديفينس" إن وكالة المخابرات المركزية الأميركية رجحت أنها عشرات الصواريخ. 

ومع ذلك، فإن الترسانة الحالية وحجمها وجودتها لا تزال غير معروفة لعامة الناس، متمنية أن يكون النظام الأمني في إسرائيل لديه أجوبة عن هذه الأسئلة، وفق المجلة.

لا يُعرف لماذا سربت إسرائيل أسرار مصر العسكرية ومن بينها هذه القاعدة الصاروخية؟ ما الهدف ولماذا الآن؟ وهل الأمر مرتبط بحادث الجندي المصري الذي قتل جنودا إسرائيليين؟ وهل هناك رسائل من وراء ذلك؟

أم أنه أمر طبيعي في ظل مراقبة الأقمار بما فيها أقمار القطاع الخاص لكل شيء وكشفها العديد من الأسرار العسكرية كما سبق أن فعلت أقمار أميركية مع منشآت نووية صينية.

لكن "يسرائيل ديفينس" قالت إن الغرض من نشر صور الصواريخ هو التأكيد أن مصر، مسئولة، بشكل غير مباشر، عن التهديد الصاروخي الموجه حاليًا ضد تل أبيب من قبل طهران.

زعمت أن مصر باعت بعض هذه الصواريخ الروسية في الماضي لكوريا الشمالية التي طورتها، ثم نقلت التكنولوجيا الخاصة بها لإيران التي طورتها بدورها لبرنامجها الصاروخي الحالي الذي يقلق إسرائيل.

حرصت المجلة الناطقة باسم الجيش الإسرائيلي على التأكيد بأن هناك انشغالا صهيونيا بمسألة مكان إخفاء مصر صواريخها؟ ولماذا لا تزال تتسلح رغم سلامها مع إسرائيل؟!.

قالت إن مصر في اتفاقية سلام مع إسرائيل منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي، لكن بالرغم من ذلك تتسلح بأحدث الأسلحة وتمتلك صواريخ ومعدات حربية متطورة للغاية.

كما تجهز جيشها بأساطيل من السفن والغواصات والمركبات القتالية فائقة التطور والقدرات النارية الهائلة.

أضافت أن مصر تمتلك أيضًا صواريخ متطورة بعيدة المدى، حيث إنها الدولة الأولى في الشرق الأوسط التي أطلقت عددًا من صواريخ "سكود" على مدن محتلة خلال حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، كما أن "كراهية إسرائيل" تحرك جنودها.

أما أكثر ما يقلقها (إسرائيل) فهو أنه رغم سرية قوة الصواريخ الباليستية المصرية، تظهر صور الأقمار الصناعية الأخيرة أن أنظمة هذه الصواريخ مثل نظام R-300 Elbrus أو RS-SS-1C Scud B قصير المدى "لا يزال قيد التشغيل".

كما أعربت عن قلقها من أن تكون مصر حصلت على صاروخ "نادونج" الكوري الشمالي طويل المدي ضمن تعاونها مع بيونغ يانغ.

وسبق أن جمدت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في أغسطس/آب 2027 جزءا من معونة مصر العسكرية لإجبارها على وقف هذا التعاون.

وقد رد مدير كلية الدفاع الوطني المصرية الأسبق اللواء محمد الغباري، على تساؤل إسرائيل عن سبب استمرار مصر تسليح نفسها بالصواريخ قائلا إن إبرام القاهرة اتفاقية سلام لا يعني حرمانها من امتلاك الصواريخ الدفاعية للدفاع عن نفسها.

أكد للتلفزيون الروسي 20 يونيو 2023 أن إسرائيل نفسها تسعى لامتلاك الصواريخ بمدى مختلف قد تصل إلى إيران.

وأشار إلى أن الفلسطينيين في قطاع غزة يملكون الصواريخ التي يجري بها استهداف إسرائيل أمام الجميع، فهل تكون دولة بحجم وقوة مصر، لا تملك ما يجعلها تدافع بها عن نفسها؟

ولفت إلى أن ما تروجه إسرائيل عبر إعلامها عن القوة الصاروخية المصرية نابع من "ثقافة الخوف" التي تسيطر على جميع الإسرائيليين.

سبب القلق

سبب آخر للقلق الإسرائيلي، رغم علاقات التحالف بين السيسي وقادتها، هو عدم سحب القاهرة قوات ومعدات، سمحت تل أبيب بإدخالها إلى سيناء في سبتمبر/أيلول 2021 لمواجهة عناصر "تنظيم الدولة" لكن مصر تتلكأ في إعادتها.

في 8 نوفمبر/تشرين ثان 2021 أعلن المتحدث العسكري المصري غريب عبد الحافظ غريب عن "زيادة قوات حرس الحدود وإمكانياتها" في سيناء.

وكان يشير بذلك لاتفاق أعلنته إسرائيل وأخفت تفاصيله مصر، حرجا، ملخصه سماح تل أبيب للقاهرة بإدخال قوات إضافية بخلاف ما نصت عليه اتفاقية كامب ديفيد.

زيادة وتعزيز وجود الجيش المصري في المنطقة "ج" شرقي سيناء على الحدود مع إسرائيل، محظور على الجيش المصري (وفق كامب ديفيد) إلا بتنسيق مع تل أبيب.

لذا تعامل معه إعلاميو السلطة في مصر على أنه انتصار يعني إطلاق يد الجيش المصري على كامل سيناء، في حين قالت إسرائيل إنه اتفاق مؤقت.

وتنص معاهدة كامب ديفيد الموقعة عام 1979 على تقسيم سيناء إلى 3 مناطق: "أ" و"ب" وهما محددتان بعدد معين من القوات، وصولا إلى المنطقة "ج" منزوعة القوات والسلاح العسكري، ويوجد فيها قوات شرطية بسلاح خفيف، وهي التي شملتها تعديلات 2021 بالسماح بإدخال قوات إضافية.

وفي أعقاب تحقيق الجيش المصري تفوقا على تنظيم الدولة وتحجيم نشاطه بعد تعزيز القوات في سيناء وإدخال معدات والسماح بضربات جوية مشتركة (مصرية إسرائيلية) لمعاقله، بدأت تل أبيب تطالب القاهرة بإرجاع القوات التي أدخلتها بموافقتها.

أيضا حذر مسؤول أميركي سابق يعمل الآن مع منظمة بحثية تتبع اللوبي الإسرائيلي في أميركا، من استمرار بقاء القوات والمعدات المصرية الإضافية التي جرى إدخالها لسيناء حال وقعت "تغييرات مستقبلية في مصر".

المسؤول، وهو "ديفيد شينكر" مدير برنامج السياسة العربية في "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وهو الذراع الفكرية والبحثية للجنة العلاقات الأميركية الإسرائيلية (أيباك)، قال في تحليل نشره 3 يونيو 2022 إن القوات المصرية الإضافية "قد تشكل تهديدا مباشرا على أمن إسرائيل خصوصا في شبه جزيرة سيناء".

"شينكر"، الذي عمل سابقا مساعدا لوزير الدفاع الأميركي، أكد أن مصر وإسرائيل اتفقتا على تعديل الملحق الأمني ​​لمعاهدة السلام التي أبرمت بينهما في 26 مارس/آذار 1979 بشأن حجم الانتشار العسكري في سيناء.

"إسرائيل سمحت لمصر بإدخال فيضٍ من القوات والمعدات الثقيلة إلى سيناء، على نحو يتجاوز بشكل كبير قيود المعاهدة"، وفق تحليله في "معهد واشنطن".

ألمح إلى مخاوف من عدم قدرة إسرائيل أو أميركا على تغيير الوجود العسكري المصري حال حدوث تغييرات سياسية في مصر، في إشارة لعدم استقرار نظام عبد الفتاح السيسي.

استشهد على كلامه بالتغيير غير المتوقع في مصر عام 2011 أثناء الربيع العربي، مشددا على أنه "ما زال يمثل هاجسا كبيرا في أوساط اللوبي الصهيوني في أميركا".

وخاصة "بعدما جاءت الثورة المصرية برئيس إسلامي معادٍ لإسرائيل"، في إشارة منه إلى الرئيس الراحل محمد مرسي.

قال: "الآن وبعد أن أصبح تنظيم الدولة تحت السيطرة على ما يبدو، ستزداد صعوبة العودة إلى القيود التي فرضتها المعاهدة وعلى رأسها إعادة القوات المصرية الكبيرة إلى الضفة الغربية لقناة السويس".

وسرد المسؤول الأميركي السابق المعروف بميوله الصهيونية، بعضا من ملامح الوجود العسكري المصري الذي بدأ يقلق دوائر اللوبي الصهيوني في إسرائيل.

كشف أن مصر أنشأت مقر قيادة في سيناء للجيشين الثاني والثالث، وكذلك مقرا خاصا لـ "القيادة الموحدة لمنطقة شرق القناة"، التي تدير عمليات مكافحة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء في قبو محصن على عمق 89 قدما تحت الأرض.

بالإضافة إلى قيام الجيش المصري ببناء منشأة بحرية كبيرة في شرق بورسعيد داخل سيناء.

التجسس على مصر

وفي 29 مارس 2023 أطلق الجيش الإسرائيلي ووكالة الفضاء التابعة له بنجاح القمر الصناعي "أوفيك 13" إلى الفضاء، بقدرات متطورة للتجسس على الدول العربية.

وقال رئيس معهد إسرائيل لصناعة الطيران والفضاء، بوعز ليفي، إن القمر الجديد "هو الأكثر تقدما من نوعه، وله قدرات رصد رادارية فريدة وسيتمكن من جمع المعلومات الاستخبارية في أي طقس وأي ظروف رؤية".

وقال رئيس مديرية الفضاء في وزارة الجيش الإسرائيلية، آفي بيرغر، إن "أوفيك 13 تنتج صورة اصطناعية، على عكس التقاط الصورة التي تتطلب مصدرا للضوء، فإن تقنية القمر الصناعي تنتج الضوء من الرادار نفسه، بحيث يرسل شعاعا إلى الأرض، والانعكاس والتغييرات فيه يجعل من الممكن إنشاء صورة كما نراها من كاميرا بصرية".

وأضاف: "بمساعدة القمر الصناعي نستطيع أن نرى في الضوء وفي الظلام، ويمكننا اختراق الغيوم والتقاط الصور في أي ظروف جوية".

وقال الخبير في الشؤون الإسرائيلية، سعيد بشارات، لـ "الاستقلال" إن "قمر أفق 13 لديه قدرات عالية جدا، ويحصل على صور دقيقة رغم الظروف الجوية، ويصور بالليل ويتمكن من كشف الأجسام كافة على الأرض وتشخصيها وتحليلها مباشرة".

أضاف: "سيستخدم القمر الصناعي لكشف منصات الصواريخ وتهريب ونقل السلاح"، و"لن يعفي التطبيع الدول العربية من أن تكون هدفا للتجسس الإسرائيلي، بل إنها ستصبح أكثر قدرة على تنفيذ عمليات التجسس".

لذا يعتقد أن الصور التي نشرتها إسرائيل للقاعدة العسكرية المصرية وكشف تفاصيلها من صواريخ سكود، رسالة للقاهرة أنها تتابع تطويرها لقدراتها التسليحية رغم اتفاق كامب ديفيد.

وسبق للعميد "حاييم ايشد"، الرئيس السابق لبرنامج الفضاء الإسرائيلي، أن ذكر أن برنامج التجسس الفضائي الإسرائيلي جرى تدشينه خصيصا للتجسس على مصر، بعد معاهدة السلام وإخلاء المستوطنات الإسرائيلية بسيناء، وفق موقع "إسلام أون لاين".

قال إن تل أبيب أطلقت أقمارا صناعية عسكرية بهدف التجسس على مصر بالدرجة الأولي، ثم الدول العربية وإيران لاحقا مع تطور أقمار التجسس الصهيونية.

وفي حوار له مع موقع "هايادان" الإسرائيلي بمناسبة مرور 20 عاما على إطلاق القمر "أوفيك 3 "من قاعدة "بلماحيم" الجوية أبريل/نيسان 1995، كشف رئيس برنامج الفضاء الصهيوني السابق تجسس الاستخبارات الإسرائيلية على مصر بواسطة أقمار التجسس "اوفيك".

وسبق إطلاق "أوفيك 13"، إطلاق قمر تجسسي آخر في يوليو/ تموز 2020، حمل اسم "أوفيك 16" وكان أيضا لأغراض التجسس، وجرى استخدامه "لرصد التهديدات التي تواجه إسرائيل والتي تتطلب مراقبة مستمرة" وفق صحيفة هآرتس.

وكان إطلاق أول الأقمار الصناعية الإسرائيلية "أوفيك 1" في 19 سبتمبر/ أيلول 1988 و"أوفيك 2" في 23 أبريل 1990. 

ثم أرسل الاحتلال "أوفيك 3" عام 1995 ويعد أول قمر صناعي للتصوير، واستمر عمله لمدة 5 سنوات قبل أن يتفكك ويتحطم عام 2000. 

وكذلك تحطم كل من "أوفيك 4" الذي انطلق عام 1998 و"أوفيك 6" الذي سقط في 6 سبتمبر 2004 خلال عملية الإطلاق.

أما الأقمار الصناعية العسكرية الإسرائيلية التي لا تزال في الخدمة، فهي "أوفيك 5" المتخصص في التصوير العسكري وأطلق في 28 مايو 2002، وكذلك قمر التصوير العسكري "أوفيك 7"، الذي انطلق في 11 يونيو 2007.

وأطلق قمر التصوير العسكري "أوفيك 9" في يونيو 2010، والقمر الصناعي "أوفيك 10" في 9 أبريل 2014، فيما أطلق قمر التصوير العسكري "أوفيك 11" وقمر التصوير العسكري "أوفيك 16" في 6 يوليو 2020.