في الجولان المحتل.. هكذا يحاول الاحتلال الإسرائيلي عزل السوريين عن هويتهم

12

طباعة

مشاركة

دون كلل أو ملل، تسعى الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لمضاعفة عدد المستوطنين في مرتفعات الجولان السورية المحتلة منذ عام 1967، الأمر الذي يهدد بصورة واضحة هوية وثقافة السكان السوريين الأصليين.

وينذر هذا التحشيد للمستوطنين في الجولان من قبل الاحتلال عبر التشجيع على الإقامة هناك من خلال مغريات متعددة، بأن يصبح هؤلاء السوريون أقلية في هذه البقعة الجغرافية المسلوبة من وطنهم الأم.

مخطط لسرقة السوريين

وفي 21 يونيو/ حزيران 2023، نظم المئات من قرى عربية درزية في هضبة الجولان المحتلة، احتجاجا على خطط إسرائيلية لإقامة مزرعة رياح، واشتبك بعضهم مع الشرطة في مواجهة عنيفة غير معتادة، أسفرت عن إصابة عدة أشخاص.

وينفذ أهالي الجولان المحتل منذ عام 2019، إضرابات عامة وشاملة واعتصامات ومظاهرات ووقفات احتجاجية للتصدي لمخطط التوربينات الإسرائيلية.

ويعدون هذا المخطط من أخطر المخططات الاستعمارية التهويدية التي تستهدف الجولان، حيث تعمل القوات الإسرائيلية على تمريره بذريعة توليد الكهرباء من طاقة الرياح.

في حين أن هدفه الحقيقي الاستيلاء على أكثر من ستة آلاف دونم من أراضيهم في انتهاك للاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية الشعوب الواقعة تحت القوات الإسرائيلية ولقرارات الأمم المتحدة.

وجاءت ردود الفعل سريعة على عدوان قوات الاحتلال على أهل الجولان، فقد أغلق المئات من أبناء الطائفة الدرزية والتي تعدهم إسرائيل مواطنين الطرق في مناطق الجليل تضامنا مع سكان الجولان.

ودق هذا التحرك جرس الإنذار داخل حكومة نتنياهو نتنياهو اليمينية، لأن بعض أبناء الدروز يخدمون في صفوف الجيش الإسرائيلي، فضلا عن أن الطائفة تشعر بالإهانة جراء قانون “الهوية” الذي يرى أن إسرائيل لليهود فقط.

وقبل المظاهرة بأيام، أعربت لجنة تابعة للأمم المتحدة، في بيان بتاريخ 18 يونيو/ حزيران 2023، عن قلقها لتجاوز عدد المستوطنين الإسرائيليين في الجولان السوري المحتل عدد السكان المحليين، للمرة الأولى.

وأكدت لجنة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تؤثر على حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني وغيره من العرب في الأراضي المحتلة، أن السياسيات والممارسات الإسرائيلية في الجولان تعزل السكان عن روابطهم الأسرية والثقافية في سوريا، وتفرض الاندماج مع الاقتصاد والنظام التعليمي الإسرائيليين لعدم وجود بديل.

وكشفت أن إسرائيل عمدت إلى إرسال كتيبة معروفة بممارساتها العنيفة إلى الجولان المحتل بداية عام 2023 ولمدة 11 شهرا، موضحة أن هذه الكتيبة كانت قد خضعت لإجراء تأديبي للتسبب بإهمال في مقتل عمر عبد المجيد أسعد -الفلسطيني الأميركي البالغ من العمر 78 عاما- بشمال رام الله في يناير/ كانون الثاني 2022.

ولطالما امتنعت إسرائيل عن الاستجابة للجنة منذ إنشائها عام 1968، لطلباتها السنوية بإجراء مشاورات مع السلطات الإسرائيلية ولعدم السماح لأعضائها بدخول إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة أو الجولان السوري المحتل.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يطالب إسرائيل بإنهاء احتلالها للجولان السوري، وقرارا آخر يؤكد أن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس الشرقية والجولان، "غير قانونية، وتشكّل عقبة أمام السلام".

وجاء ذلك في تصويتين أجرتهما لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار، ضمن الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، يتعلقان بالجولان السوري المحتل والمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وجرى اعتماد كلا القرارين.

وصوت حينها لصالح القرار المتعلق بالجولان السوري المحتل 148 دولة، وامتنعت 22 دولة عن التصويت، فيما اعترضت عليه الولايات المتحدة وإسرائيل وليبيريا.

الجولان إستراتيجيا

وفي 5 يونيو 1967، بدأت إسرائيل حربا ضد مصر وسوريا والأردن، واحتلت القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة وجزءا من مرتفعات الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء المصرية.

وتبعد هضبة الجولان الواقعة جنوب سوريا نحو 50 كيلومترا عن العاصمة دمشق، وتقدر مساحتها بأكثر من 1860 كيلومترا مربعا.

وأقر الكنيست في 1981، قانون ضمها إلى إسرائيل، لكن المجتمع الدولي لا يزال ينظر إلى المنطقة على أنها أراض سورية محتلة.

وشرعت إسرائيل منذ ذلك الوقت في عمليات استيطان في تلك المنطقة، أما ما تبقى فيواجه هو الآخر خطر التهويد.

وكانت عدد قرى الجولان 164 قرية، إضافة إلى 146 مزرعة، واحتلت منها إسرائيل 137 قرية و112 مزرعة.

ويعيش راهنا نحو 27 ألف مستوطن إسرائيلي ضمن 35 مستوطنة في مرتفعات الجولان المحتلة، بالإضافة إلى 25 ألف سوري يعيشون في 6 قرى هي: (مجدل شمس، مسعدة، بقعاثا، عين قنية، الغجر).

ومعظم السوريين من طائفة الموحدين الدروز إلى جانب شركس وتركمان وبدو، بعدما كان يسكن بلدات الجولان قبل احتلاله نحو 138 ألف شخص فر غالبيتهم نحو الداخل السوري.

وأتاحت إسرائيل لمن بقي في الجولان خيار الحصول على الجنسية، غير أن غالبيتهم آثروا الإبقاء على الجنسية السورية، والحصول في المقابل على صفة مقيم دائم تمكنهم من ممارسة أغلبية الحقوق الممنوحة للمواطن الإسرائيلي، باستثناء التصويت للكنيست وحمل جوازات سفر إسرائيلية.

ومنذ أن احتلت إسرائيل الجولان جرى إلغاء الهوية المدنية السورية التي حملها السكان، ومنحتهم إسرائيل قسرا هوية عسكرية، وفقا لأنظمة المناطق المدنية الخاضعة للاحتلال.

وتنبع أهمية الجولان من تربعها في المرتبة الأولى بين المحافظات السورية من حيث خصوبة التربة وغناها الطبيعي وتوفر المراعي على امتداد السنة، كما تتوافر فيها المياه عن طريق الأمطار والأنهار.

ومنذ ذلك الحين عمل الاحتلال على تغيير معالم الجولان الجغرافية والديمغرافية، وأقام 35 مستوطنة على أنقاض القرى التي دمرها، ويوجد فيها حاليا نحو 30 ألف مستوطن.

وفي 27 أغسطس/ آب 2014، أغلق الاحتلال الإسرائيلي معبر القنيطرة الذي يعد المعبر الشرعي الوحيد لتواصل أهالي الجولان المحتل مع وطنهم سوريا، وتسويق محاصيلهم الزراعية "التفاح والكرز" فيها.

وعملت إسرائيل وما تزال على تشويه معالم الجولان من خلال تغيير أسماء الوديان والتلال والقرى والينابيع هناك، بالتوازي مع محاولات زيادة أعداد المستوطنين فيها.

مواجهة مشاريع إسرائيل

وهناك الكثير من السوريين في الجولان المحتل يرفضون الحصول على شقق سكنية في المستوطنات الجديدة التي تبنى حديثا؛ وذلك من أجل المحافظة على هويتهم الأصلية.

بالمقابل، تشجع إسرائيل مواطنيها للسكن في مرتفعات الجولان خاصة الأشخاص الذين يعملون من المنزل ويهتمون بالهواء النقي والمكان ونوعية الحياة.

وتنطلق كل هذه التحركات بدفع قوي عقب اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان في عام 2019 ورأى أن هذه هي "اللحظة" المناسبة للاستيطان هناك خاصة أن إدارة الرئيس جو بايدن أوضحت أن "لا تغيير في سياستها".

وعقب ذلك أنشأت إسرائيل مستوطنة جديدة في الجولان اسمها "رامات ترامب"، وبنيت في عام 2020، حيث تستقبل طلبات الإسكان الدائم من آلاف المستوطنين.

وقد صوتت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت نهاية عام 2021 لصالح خطة بقيمة 317 مليون دولار لمضاعفة عدد المستوطنين اليهود في الجولان المحتل.

وتهدف الخطة إلى بناء 7300 وحدة سكنية للمستوطنين في المنطقة على مدى خمس سنوات خلال اجتماع عقد في تجمّع "ميفو حماة" الزراعي في الجولان.

وحاول رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديدة بنيامين نتنياهو، انتزاع اعترافات جديدة "بسيادة إسرائيل" المزعومة على مرتفعات الجولان من بوابة "حيويتها الأمنية" لمصالح تل أبيب.

وجاءت هذه الخطوة من ضمن تعهدات نتنياهو لحلفائه من الأحزاب اليمينية المتشددة والمتدينة قبل تشكيل الحكومة الأكثر تطرفا.

وقبل يوم من تأدية الحكومة الجديدة لليمين أمام الكنيست في 29 ديسمبر/كانون الأول 2022، نشر نتنياهو المبادئ التوجيهية لائتلافه الجديد وجدول أعماله الشامل.

وجاء في آخر بنوده، أن الحكومة ستعمل "على الاعتراف بالجولان كمنطقة إستراتيجية ذات إمكانات تنموية واسعة، وستقود موجة من الاستيطان والتطوير مع الحفاظ على قيم الهضبة الفريدة المتمثلة في الطبيعة والإنسانية والبيئة".

هوية الجيل مهددة

اللافت أن مضاعفة عدد المستوطنين في الجولان لم يعد يؤثر على السكان السوريين، إذ إن مصادرة الأراضي اكتملت فعلا منذ بداية الاحتلال، لكنها قد تؤثر على هوية السكان المحليين الذين يعيشون في الأراضي التي احتلتها إسرائيل.

وفي هذا السياق، يؤكد الطالب الجامعي السوري هاني زهوة من قرية "بقعاتا" بالجولان، أن أبناء جيله يواجهون أزمة هوية وعملية "أسرلة" (أي محاولة إقناعهم بتبني القيم والثقافة الإسرائيلية)، وفق ما قال لوكالة فرانس برس نهاية ديسمبر 2021.

ويرى الشاب أن انقسام مجتمعه الدرزي حيال ما يجرى بسوريا والمستمر منذ عام 2011، كان فرصة انتهزتها إسرائيل للتأثير على هوية الجيل الشاب.

وشهدت السنوات الأخيرة اختيار العديد من أقران زهوة الذين نشأ معهم، أن يصبحوا مواطنين إسرائيليين وهو أمر يخالف تقليد مستمر منذ عقود في مجتمعهم الذي يؤمن بضرورة الحفاظ على الهوية الوطنية السورية.

وتشير زهوة إلى أن إسرائيل "تلعب على الوتر الطائفي" من خلال التأكيد على ديانة طائفته الدرزية وتحييد هويتها الوطنية بمقارنتها مع مجتمع الدروز داخل إسرائيل.

ويؤمن المواطنون السوريون في هضبة الجولان بوثيقة أقروها عام 1981 تنبذ من يستبدل الجنسية السورية بالجنسية الإسرائيلية، ويحرم التعامل مع الاحتلال، أو مشاركته أفراحه وأتراحه، أو التزاوج معه، إلى أن يقر بذنبه ويرجع عن خطأه في حال ارتكبه.

وحتى اليوم، لا انتخابات مجالس محلية في القرى المحتلة، وهو التعبير الواضح عن رفض إعطاء الشرعية لأي مؤسسة إسرائيلية.

وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول 2018، اعتصم أهالي الجولان في بلدة مجدل شمس رفضا لما تسمى "انتخابات المجالس المحلية"، ومنعوا سلطات الاحتلال من إجرائها وأحرقوا البطاقات الانتخابية.

وفي مستوطنة كاتسرين في هضبة الجولان المحتلة، تجري الجرافات أعمال حفر تمهيدا لبناء حي جديد لعائلات من الطبقة المتوسطة، بعد إقرار الحكومة الإسرائيلية خطة الـ317 مليون دولار لمضاعفة سكان المنطقة.

ويقول رئيس بلدية المستوطنة ديمي أبارتزيف الذي رحب بخطة الحكومة: "خلال 20 إلى 30 عاما، سيزيد تعداد سكان كاتسرين من تسعة آلاف إلى نحو 50 أو 60 ألفا".

ووفقا لما هو معلن، سيتم بناء أكثر من 10 آلاف وحدة سكنية جديدة ثلثها تقريبا في كاتسرين.

يشار إلى أن سوريا حاولت استعادة الجولان في حرب 1973، قبل أن يجرى توقيع هدنة مع إسرائيل عام 1974 ونشرت قوة مراقبة دولية على خط وقف إطلاق النار في العام المذكور.