أحزاب جزائرية تعيد تموضعها قبل انتخابات الرئاسة.. هل ثمة تغيير قادم؟

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، في نسخته الفرنسية، الضوء على محاولات أحزاب جزائرية تنشيط الساحة السياسية، استعدادا لانتخابات الرئاسة المزمع عقدها في ديسمبر/كانون الأول 2024.

وأورد الموقع في تقرير له أن حركة "البناء الوطني" الإسلامية التي يقودها عبد القادر بن قرينة، أعلنت في 4 يونيو/حزيران 2023، إطلاق "المبادرة الوطنية لتعزيز التلاحم وتأمين المستقبل".

وشارك في إعلان هذه المبادرة عدة أحزاب جزائرية، منها جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وتجمع أمل الجزائر، وعدة أحزاب أخرى داعمة للسلطة، وفق التقرير.

كما وقّعت على المبادرة الكشافة الإسلامية الجزائرية، والمنظمة الوطنية للمجاهدين، والمنظمة الوطنية لأبناء الشهداء، والمنظمة الطلابية الجزائرية الحرة، والمنبر الوطني للشباب الجزائري، وكذلك عدة نقابات واتحادات، وبعض الشخصيات العامة.

ووصف الموقع هذه المبادرة بأنها "غامضة فيما يخص مقترحاتها وأهدافها على الأرض".

أهداف المبادرة

لكنه أشار إلى ما قاله بيان حركة "البناء الوطني"، من أن الدافع وراء إعلان المبادرة هو "تزايد حجم المخاطر التي تحيط بالجزائر في فضائها الإقليمي والدولي، والتحديات التي تمس أمنها واستقرارها وسيادتها وتماسك نسيجها المجتمعي، والحملات الرامية لتشويه مؤسساتها".

وبحسب البيان الصحفي نفسه، فإن هذه الجهات ستعقد "ندوة المبادرة الوطنية لتعزيز التلاحم وتأمين المستقبل في الأسابيع المقبلة" في التاريخ الذي سيختارونه مع بعضهم بعضا.

ويرى "ميدل إيست آي" أن هذا التاريخ الذي سُيعقد فيه الحوار الوطني حول المبادرة، ربما يكون 5 يوليو/ تموز 2023، في ذكرى استقلال الجزائر.

وأوضح الموقع أنه "عند النظر في قائمة المشاركين، نلاحظ غياب حزب وازن مثل حركة مجتمع السلم (حمس)، التي تمثل جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر".

وأفاد التقرير بأن الحركة انسحبت قبل أيام قليلة من توقيع البيان الختامي، بعد مشاركتها في اللقاء التمهيدي.

ونقل ما ذكرته صحيفة "الوطن" الجزائرية من أن هذا الانسحاب يمكن تفسيره بأنه نتاج "صراع -حقيقي أو مفترض- على القيادة داخل الحركة الإسلامية".

وفي 8 يونيو 2023، تسلم رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إعلان المبادرة في لقاء مع ممثليها.

وأشار التقرير إلى أنه في 2 يونيو 2023، أُعلن عن مبادرة أخرى مِن قِبل "جبهة القوى الاشتراكية" أقدم أحزاب المعارضة السياسية في الجزائر.

وتأتي هذه المبادرة كجزء من المحاولات السابقة للجبهة للدعوة إلى الحوار والعودة إلى العمل السياسي، وفق ميدل إيست آي.

النأي عن السلطات

وقال السكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، إن الحزب "سيقدم قريبا مقترحا سياسيا ملموسا إلى مجموع الشركاء السياسيين، مع دعوة الأحزاب إلى مشاورات بهدف التوجه نحو عقد تاريخي لاستكمال المشروع الوطني".

وأكد أوشيش أن هذه الدعوة تهدف إلى "حماية البلاد من حلقة جديدة من الصدامات الداخلية على وقع توظيف الشارع".

كما "تسمح للطبقة السياسية بأداء مسؤولياتها بغض النظر عن الاختلافات الأيديولوجية، لفتح آفاق سياسية حقيقية للبلاد تضع حدا لمحاولة استعادة نظام كاد يتسبب بانهيار الدولة الوطنية"، وفق أوشيش.

وأوضح الموقع أنه على عكس حركة "البناء الوطني"، التي تريد ربط السلطة السياسية الجزائرية بالمبادرة التي أعلنتها، فإن جبهة القوى الاشتراكية ترغب في النأي بنفسها عن السلطات.

فقد حذر أوشيش أن ما يشجع "المجموعات السياسية المرتزقة، التي تستفيد من الدعم السياسي والإعلامي والمالي الأجنبي والمحلي، هو غياب الإرادة لتحقيق الانفتاح السياسي".

هذا فضلا عن "تشميع الحياة السياسية، الذي غذّى نشاط المجموعات المثيرة للفتنة وللعنف، إضافة إلى الفراغ والقيود على ممارسة الحريات السياسية".

وقال مسؤول سياسي في جبهة القوى الاشتراكية لـ"ميدل إيست آي"، إنه في ظل غياب الانفتاح السياسي، وإصرار أعلى مستوى في الدولة على ذلك، فإن "الجزائر الجديدة"  قد تجد نفسها تتمسك بشكل مثير للدهشة بـ"الجزائر القديمة".

وأفاد الموقع بأن "الجزائر الجديدة" هو شعار السلطات في البلاد بعد الحراك الذي أدى إلى سقوط الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، في أبريل/نيسان 2019.

وأضاف المسؤول في جبهة القوى الاشتراكية: "نسعى للعودة إلى العمل السياسي وتقديم المقترحات، كما نحاول جمع أكبر عدد ممكن من الأحزاب والحركات لتغيير الواقع، بدلا من بقاء الوضع الراهن".

على الجانب الآخر، شكلت الأحزاب المعروفة بـ"القطب الديمقراطي"، في أبريل 2023، "لجنة للتفكير والحوار" بهدف "اقتراح أشكال العمل المشترك والأهداف المرحلية".

وتتكون هذه المجموعة من "حزب العمال"، و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، و"حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي".

ويبدو أن ديناميكية المعارضة، وفقا لبعض المراقبين، تسير في اتجاه التحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة نهاية عام 2024، يوضح الموقع.

الانتخابات المرتقبة

بدوره، قال رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، عثمان معزوز، إن الانتخابات الرئاسية المقبلة "قد تكون بوابة للتغيير" ويمكن "خلق توازن قوى" من خلالها.

وأضاف أن "السلطة أغلقت جميع مساحات التعبير، وأن البلاد لا تحتاج إلى انتخابات هزلية، إذا جرى تنظيم انتخابات، فلتكن شفافة، والشعب لا يطلب سوى ذلك".

وكشف مسؤول في المعارضة الجزائرية، لموقع "ميدل إيست آي" أن "فكرة طرح مرشح موحد للمعارضة تُناقش منذ أشهر".

إذ يلاحظ العديد من الأحزاب أن سياسة الكرسي الفارغ ومقاطعة الانتخابات لم تقدم شيئا سوى تعزيز السلطة الحالية وأذرعها.

بالنسبة إلى إحدى القيادات المخضرمة في المعارضة، فإن الأمر "لا يتعلق بالبحث عن مرشح واحد، بل هو عن مشروع سياسي موحد، ولسوء الحظ، فإن الانقسامات بين الأحزاب والتيارات في مرحلة ما بعد الحراك كانت عميقة للغاية".

وأردف القيادي المعارض أنه "مع ذلك، فإن تقديم اقتراحات حول فكرة المرشح الواحد هي خطوة ضخمة بحد ذاتها، فلقد ضيعنا الكثير من الوقت منذ الحراك".

وكما يرى عبد الرحمن سعيدي، أحد كبار مسؤولي حركة مجتمع السلم، فإن "كثرة المبادرات تظهر أن كل كتلة سياسية لها خيارها، وأنه ليس هناك تقاطعات مشتركة حتى الآن".

وتابع: "هذه المبادرات وكثافتها لا تقدم ولا تؤخر في الحقيقة، لسبب أن العمق الجماهيري للأحزاب يعرف انقطاعات رهيبة في عمليات التواصل، بينما الفاعل الأساسي حاليا مع الجماهير هي السلطة وليست الأحزاب".

ورأى سعيدي أن جملة هذه المبادرات "تبدو فضفاضة من حيث تحديد الأهداف أو كأنها لا تعرف أهدافها بدقة، وما إذا كان الهدف تقوية الجبهة الداخلية أم إيجاد تكتل سياسي قبل موعد الرئاسيات للمشاركة فيها، وهو ما يجعل التجاوب معها متفاوتا".