مفاوضات منهكة.. ما أسباب تأخر تطبيع العلاقات بين إيران ومصر؟
ذكرت وسائل إعلام إيرانية أن سلطان عُمان، هيثم بن طارق، حمل معه رسالة خاصة من نظام عبدالفتاح السيسي إلى طهران، بشأن العلاقات الثنائية، وهو ما يؤشر إلى أن الجليد المتراكم على مدار 44 عاما في العلاقات الإيرانية المصرية آخذ في الذوبان.
وأفاد الموقع الإعلامي لمكتب المرشد الأعلى، علي خامنئي، بأن سلطان عُمان نقل إلى القائد الإيراني رغبة مصر في استئناف العلاقات مع إيران، ليعلق خامنئي على ذلك بقوله: "إننا نرحب بهذا الموقف، وليست لدينا مشكلة في ذلك".
وخرج المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي بهادري جهرمي، ليعلن عن تكليف الرئيس إبراهيم رئيسي لوزير خارجيته، حسين أمير عبد اللهيان، بمتابعة جادة لاستئناف العلاقات مع مصر.
وتساءل موقع "إيران إكونوميست" حول العلاقات بين مصر وإيران، قائلا: "هل نحن على وشك تفجير قنبلة إخبارية فيما يخص العلاقات الإيرانية المصرية؟".
وللإجابة على هذا السؤال، أجرى الموقع حوارا مع المحلل السياسي، مصيب نعيمي، رئيس تحرير صحيفة "الوفاق" الإيرانية، حول أبعاد التهدئة المحتملة، والعقبات التي تحول دون تطبيع العلاقات بين طهران والقاهرة.
الوساطة العُمانية
وبدأ نعيمي بسرد تاريخ الوساطة العُمانية بين إيران ودول المنطقة، وخارج المنطقة أيضا، فقال إن "الوساطة العُمانية ليست جديدة على الإطلاق، لأن العُمانيين يولون أهمية خاصة بتحسين العلاقة بين إيران والدول الأخرى خلال الفترة الماضية".
وأشار إلى أن "هذه الوساطة ملموسة منذ عهد السلطان السابق، قابوس بن سعيد، الذي لعب دورا مهما في تسهيل عملية التوصل إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، أو الاتفاق النووي، بين إيران والقوى الغربية".
وأضاف أن "عُمان بذلت ولا تزال تبذل جهودا في الوساطة في قضية الحرب في اليمن، ولا يمكن إنكار دور مسقط في إرساء الاستقرار في هذا البلد".
وخلال الزيارة الأخيرة لسلطان عُمان إلى إيران، كان من المتوقع أنه لن يأتي إلى طهران خالي الوفاض، وأنه سيحمل رسائل ومبادرات مختلفة، سواء فيما يتعلق بقضية الاتفاق النووي، أو فيما يخص القضايا الإقليمية وإحياء العلاقات بين طهران والدول العربية.
ثم انتقل النعيمي إلى الوساطة العُمانية بين مصر وإيران، فقال "يجب أن نشير إلى أن السلطان هيثم بن طارق سافر إلى مصر في 18 مايو/ أيار 2023 من رحلته إلى إيران، وربما أجرى مباحثات ومشاورات مفصلة مع السلطات المصرية حول إعادة العلاقات مع إيران".
وقال الخبير في شؤون الشرق الأوسط إنه "من المتوقع أن يكون سلطان عُمان قد جاء إلى طهران برسائل من المصريين إلى المسؤولين الإيرانيين، تحتوي على بعض الضمانات والمبادئ الأخرى".
والمثير في هذا الصدد أن بعض المصادر الإخبارية المطلعة أعلنت أن الموضوعات التي طرحها سلطان عمان على الإيرانيين كانت مصحوبة بالعديد من التفاصيل.
وهذا يعني أنه حدد المسار الذي يمكن أن تسلكه عملية إحياء العلاقات الإيرانية المصرية، وكيفية تحقيق نتائج عملية وملموسة، بالإضافة إلى الإطار الزمني لهذه العملية.
وحول الرد الإيراني على ما حُمِل إليهم من جانب سلطان عُمان، قال النعيمي إن "كبار المسؤولين في إيران، وعلى رأسهم المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية، قد وافقوا على إحياء وتطوير العلاقات بين القاهرة وطهران، وأيدوا ودعموا أي تقارب بين الدول الإسلامية".
وأضاف أن "بعض المراقبين والمحللين يعتقدون أن السلطان العُماني سيتابع بجدية تنفيذ أجندة إعادة العلاقات بين طهران والقاهرة بعد عودته إلى مسقط، لينتقل إلى مرحلة جديدة بعد مرحلة المشاورات مع الإيرانيين".
وفي إشارة إلى قرب عودة العلاقات بين مصر وإيران، قال نعيمي إنه "سمع أخيرا في بعض وسائل الإعلام أن تكهنات أثيرت بأن مسألة إعادة العلاقات بين إيران ومصر ستحل خلال أيام".
وأكد على أنه "من غير المقرر أن تخضع استعادة العلاقات لمفاوضات مطولة ومنهكة، وأنه قد تم التوصل إلى اتفاق كامل في هذا الصدد".
وواصل النعيمي حديثه حول قدرة عُمان على حل عقدة العلاقات الإيرانية المصرية البالغة من العمر 44 عاما، فقال إنه إذا نظرنا إلى السجل التاريخي لعُمان، سنفهم بوضوح أن هذه الدولة تتمتع بثقة أكبر لدى طهران مقارنة بالدول الأخرى.
وعلل نعيمي ذلك بأن عُمان أظهرت أنها تسعى إلى حل سلمي للمشاكل في جميع القضايا الإقليمية المهمة تقريبا، وأنها لا ترحب بأي توتر في العلاقات بين البلدين.
وضرب نعيمي مثلا على سياسة مسقط الساعية إلى السلام الإقليمي، فقال إنه خلال الحرب العراقية الإيرانية، كانت عمان واحدة من الدول القليلة التي لم تدعم العراق، كما أظهر العُمانيون في فترات مختلفة أنهم يبحثون عن الاستقرار ووقف التصعيد في العلاقات بين إيران والغرب.
تحديات التطبيع
في معرض شرحه للتحديات الرئيسة في عملية إحياء العلاقات بين إيران ومصر، قال مصيب نعيمي إن "جهودا بذلت في الماضي، في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، من أجل إعادة العلاقات بين إيران ومصر وتعزيزها، ولكن المصريين كانت لديهم مشكلات في العلاقات الخارجية".
وأوضح طبيعة هذه المشكلات، فقال إن "المصريين تعرضوا لضغوط كبيرة من جانب الأميركيين والإسرائيليين وبعض الحكومات في المنطقة"، في إشارة إلى دول الخليج، وكانت هذه الضغوط تمثل في التهديد بقطع المساعدات المالية عن مصر إذا قامت بتحسين العلاقات مع إيران".
وتابع نعيمي فقال إن "الاقتصاد المصري حساس للغاية فيما يخص الضغوط المالية".
أما موانع تطبيع العلاقات على الجانب الإيراني، فقد ذكر أنها "تمثلت في الاحتكاكات التي حدثت بين إيران ومصر بسبب نظرة إيران السلبية لاتفاقية كامب ديفيد، التي وقعتها مصر مع الكيان الإسرائيلي عام 1979، وتطبيع القاهرة مع تل أبيب".
ولكن الأوضاع تغيرت الآن، وصارت ملائمة لعودة العلاقات بين إيران ومصر، بحسب نعيمي الذي يرى أن هناك تغيرات في المعادلات الجيوسياسية على المستويين الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى تقلص المساعدات المالية التي تتلقاها مصر من الجهات الفاعلة، مثل واشنطن، وهو ما يوفر بيئة مواتية لإحياء العلاقات بطريقة عملية.
وأضاف الخبير في شؤون الشرق الأوسط: "بالطبع، في هذا الصدد، لعب تحرك السعودية لاستعادة العلاقات وتطبيعها مع إيران دورا مهما في توسيع جهود السلام في المنطقة، لتشمل العلاقات الإيرانية المصرية".
وأشار نعيمي إلى أسباب التحول في اتجاهات السياسة الإقليمية وجنوحها للسلام والتعاون، فقال إن "هذه العملية نتجت إلى حد كبير عن إحباط الدول العربية من تلقي الدعم الفعال من الحكومة الأميركية في لحظات تاريخية حرجة، ولعله يشير في ذلك إلى أحداث من قبيل تخلي أميركا عن دعم السعودية أثناء تعرضها للهجوم من جانب الحوثيين باليمن".
ورغم ذلك، فإن نعيمي يرى أن الضغوط الخارجية من جانب طرف ثالث، وهو الطرف الذي لا يرى مصلحة في استعادة العلاقات بين مصر وإيران، لازالت هي التحدي الرئيس في إعادة العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة.
وفي نهاية رده على سؤال حول تقييمه لفرص نجاح جهود سلطان عُمان في إعادة العلاقات السياسية والدبلوماسية بين إيران ومصر، قال نعيمي إنه يعتقد بنسبة 100 بالمئة بأن فرص استعادة العلاقات بين إيران ومصر عالية للغاية في ظل الوضع الحالي.
ودلل على ذلك بأن "سياسة العُمانيين تتميز بنوع من السرية، وأنهم لا يعلنون عن تحركاتهم إلا إذا وصلوا إلى نتيجة ملموسة بالفعل".
وأشار نعيمي إلى أن "الأنشطة الصريحة والعلنية لكبار المسؤولين في عُمان، وخاصة سلطان هذا البلد، والمواقف الأخيرة لزعيم الثورة الإسلامية فيما يتعلق بإعادة العلاقات مع مصر، كلها أدلة واضحة على الادعاء بأن احتمالات عودة العلاقات بين إيران ومصر كبيرة".
ويرى أن التوجه الأخير في العلاقات بين إيران ومصر "قد تجاوز مرحلة نقل الرسائل وما شابه، وأن ما يجرى الآن هو اتخاذ خطوات ميدانية في هذا الصدد، وتوجد إشارات كثيرة في هذا الشأن".
وختم نعيمي حواره بالتأكيد على أن "السياسة العُمانية لا تناور حتى يتم تحقيق شيء ما بالفعل، وأن هناك مواقف واضحة يتم اتخاذها في هذا المجال، وهو دليل واضح على أننا يجب أن نتوقع حدوث أحداث إيجابية بالنسبة للعلاقات المصرية الإيرانية في القريب العاجل".