بعد إعادة تعويمه.. كيف يخطط الأسد للاستفادة من السوريين في مصر؟

12

طباعة

مشاركة

عقب تحسين علاقاته مع بعض الدول العربية ومنها مصر، يسعى النظام السوري لإيجاد "نفوذ جديد" على العمالة السورية التي فرضت مكانتها كقوة اقتصادية في الدول التي استضافتها بعد تهجيرها عقب عام 2011.

وفي تطور لافت، طلب وزير الشؤون الاجتماعية والعمل التابع لنظام الأسد لؤي المنجد، خلال زيارة له إلى القاهرة في 26 مايو/أيار 2023، بحث فرص التعاون بشأن سبل الحماية الاجتماعية للعمالة السورية في مصر.

وخلال لقاء عقده المنجد مع وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية نيفين القباج، دعا إلى تنظيم زيارة فنية لمسؤولين مصريين إلى سوريا لتعظيم الاستجابة من المنصة الإلكترونية لتنظيم ممارسة العمل الأهلي.

وأيضا للتحضير لعقد معارض بمدن سوريا الأكثر تسويقا، ولبحث فرص التعاون بشأن سبل الحماية الاجتماعية للعمالة السورية في مصر.

 بدورها، أشارت الوزيرة القباج إلى ثقافة العمل والحرص على المشاركة في عمليات الإنتاج لدى الأسرة السورية، وتعظيم طاقات كل فرد فيها لصالح تحسين جودة حياة الأسرة.

خطط الأسد

وبات من الواضح أن إعادة النظام السوري لشغل مقعد سوريا بالجامعة العربية في 7 مايو 2023، ومشاركته بجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها بعد طرده منها في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 لقمعه الثورة التي تفجرت في مارس من العام المذكور، دفعته لأن يتحرك في أكثر من اتجاه بهدف تقوية موقفه السياسي والاقتصادي.

ومن هنا يأتي الاستهلاك الإعلامي وتوظيف نظام الأسد لمثل هذه الخطوات في السياق السياسي، ولا سيما أن "الحماية الاجتماعية" للعمال في سوريا غائبة أصلا قبل اندلاع الثورة.

كما أن النظام هو ذاته من أجبر تلك العمالة على الفرار من مدنها بعد استخدامه كل أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دوليا لتهجيرهم.

وهو الأمر الذي دفع السوريين لتحمل ضريبة الشتات وتأسيس مصالح تجارية من جديد في الدول التي احتضنتهم بما يكفي سد رمقهم فيها وإعالة ذويهم في الداخل السوري بعدما فقدت الليرة قيمتها وبلغت نسبة التضخم في سوريا لعام 2022، أكثر من 130 بالمئة.

كما ارتفعت الأسعار في مناطق النظام السوري عام 2022 لأكثر من 150 بالمئة، وبات الأهالي يعترفون عبر وسائل الإعلام المحلية، بنقص وجبات طعامهم بشكل يومي.

ويأتي هذا في وقت يبلغ فيه راتب الموظف في تلك المناطق 25 دولارا شهريا والذي لا يكفي لأسبوع واحدة لشراء الاحتياجات الأساسية لأسرة مكونة من 4 أفراد.  

كما يأتي أيضا على الرغم من إرسال الأسر لأطفالهم للعمل بدلا من الدراسة من أجل تأمين احتياجاتهم الضرورية.

ورغم ذلك، فإن معظم السوريين بمناطق النظام والمعارضة يعتمدون على أكثر من مصدر لمحاولة الموازنة بين الدخل والمصاريف.

وأبرز تلك المصادر الحوالات المالية من مغتربين خارج سوريا، والاعتماد على أعمال أخرى، فضلا عن استغناء العائلات عن أساسيات كثيرة في حياتها لتخفض من معدل الإنفاق الشهري.

لقمة السوريين

ونمت العمالة السورية في مصر وتزايد نشاطها هناك، بعدما أسس السوريون مشاريع صغيرة ومتوسطة وأخرى كبرى تتبع رجال أعمال نقلوا مصانعهم وورشاتهم إلى هذا البلد خلال العقد الأخير.

ووجد العامل السوري في مصر فرصة مناسبة للبدء بحياة جديدة وتحصيل عمل له في الورش التجارية والمطاعم، والتي تدر عليه دخلا يمكنه من مساعدة ذويه القاطنين في سوريا.

ومنذ مطلع يونيو/حزيران 2021، ازدادت موجة فرار عشرات التجار والصناعيين الكبار، والشباب الهاربين من صعوبات العيش والمضايقات الأمنية لنظام بشار الأسد إلى مصر.

فمطلع 2021، كانت التأشيرة للسوري إلى مصر تبلغ 1200 دولار بعدما كانت في السنوات السابقة 2000 دولار، هذا فضلا عن تكلفة السفر بالطائرة.

إلا أن نظام عبد الفتاح السيسي، خفض وبشكل مفاجئ سعر التأشيرة منتصف العام ذاته.

وفي مصر مسموح للسوريين بشكل استثنائي بالعمل رغم منع القوانين المصرية العمل لحامل الإقامة السياحية.

وهذا عامل أساسي مشجع للسفر إليها كون الشخص يمكنه العمل دون مضايقات وبراتب مقبول يتراوح بين 200 إلى 400 دولار شهريا في ورش ومطاعم ومعامل السوريين.

وهو ما يجعل من هذا البلد وجهة مفضلة لسهولة الحصول على تأشيرة، ووجود سوق عمل نشط.

كما أن العمل في مصر يمنح المستثمر السوري، حرية التحويل المالي والاستيراد والتصدير لعدة دول دون أي مضايقات وبعيدا عن أي قيود وجمارك وتدخلات أمنية، وفق العاملين هناك.

العمالة السورية

ويقدر عدد السوريين في مصر بنحو نصف مليون شخص استقروا هناك ما بين طلاب وعمال ومهنيين إضافة لأسرهم.

وبدأ هذا الرقم يتضخم منذ أن بدأت مصر بفرض التأشيرة على السوريين منذ 2013، بعد شهر من إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد آنذاك.

وبحسب ما قال رئيس تجمع رجال الأعمال السوري في مصر، "خلدون الموقع"، لإذاعة “ميلودي إف ام” الموالية للنظام السوري، في 27 سبتمبر/أيلول 2021، فإن "عدد الصناعيين السوريين العاملين هناك يقدر بين 15 و17 ألفا، أما رجال الأعمال عامة فيزيد عددهم على 30 ألفا".

وكشف تجمع رجال الأعمال السوري في مصر، المقرب من نظام الأسد، أن "حجم الأموال السورية هناك يقدر بـ23 مليار دولار حسب تقرير للأمم المتحدة".

ونوه "بأن الاستثمارات والمصانع السورية في مصر تضخ نحو 100 مليون قطعة شهريا من منتجات المصانع".

وأواخر سبتمبر 2021، أقر عضو مجلس إدارة "غرفة صناعة حلب"، مجد ششمان، بهجرة 47 ألف شخص من سوريا إلى مصر.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن المستثمرين السوريين في مصر يشكلون 30 بالمئة، ويستثمرون في مشاريع عدة أهمها، الألبسة وورش الخياطة والمطاعم والمقاهي.

ويمكن ضرب مثال هنا على مدينة "6 أكتوبر" التي تتبع إداريا لمحافظة الجيزة، والواقعة على بعد 38 كيلومترا من القاهرة، والتي باتت تسمى في مصر "دمشق الصغرى".

وأطلق هذا الاسم بعدما حولها السوريون إلى مطاعم ومقاه بات الإقبال عليها من المصريين والعرب بشكل غير مسبوق.

وتنتشر في المدينة مطاعم تقدم الأكلات السورية الشهيرة وبأجواء دمشقية، فضلا عن المقاهي ومحلات لبيع المنتجات السورية ومنها الملابس والمفروشات.

وتحقق المطاعم فائدة ليس فقط لأصحابها، بل هي وسيلة لاستيعاب العمالة السورية التي تبحث عن عمل في بلد يئن تحت مشكلة البطالة.

وينظر كثير من السوريين إلى التسهيلات التي تقدمها مصر للسوريين، على أنها "تهجير ممنهج، لكن بطريقة حضارية،" ولا سيما أنه في السابق كانت "الفيزا" تحتاج موافقة أمنية، أما حاليا فيجرى منحها لأغلب المتقدمين.

تقارب سياسي

وأمام هذه المعطيات، تبقى محاولة نظام الأسد للعبث بهذه العمالة السورية في مصر وفرض نفسه عليها محط تساؤل عريض في هذا التوقيت.

ولا سيما عقب إعادة النظام السوري للجامعة العربية وحضور رأس النظام بشار الأسد قمة جدة بتاريخ 19 مايو 2023.

وشكلت القمة العربية في جدة فرصة لمصافحة الأسد، لرئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.

وكان وزير خارجية النظام المصري سامح شكري استقبل في أبريل/نيسان 2023 نظيره السوري فيصل المقداد في القاهرة، في زيارة هي الأولى لمسؤول سوري على هذا المستوى منذ أكثر من عشر سنوات.

وسبق ذلك إجراء شكري في 27 فبراير/شباط 2023 زيارة إلى دمشق، كانت الأولى منذ عقد، بعد أيام من الزلزال الذي أودى بحياة عشرات الآلاف في تركيا وسوريا.

وأعقب تلك الزيارة اتصال أجراه السيسي مع الأسد إثر الزلزال، وكان الأول بينهما منذ انقلاب الأول واستيلائه على السلطة في مصر عام 2013.

وبخلاف دول عربية عدة، أبقت مصر سفارتها مفتوحة في دمشق طيلة العقد الأخير لكنها خفضت مستوى التمثيل الدبلوماسي وعدد أفراد بعثتها، بينما لم تنقطع الزيارات الاستخبارية بين نظامي الأسد والسيسي.

ورغم أن العلاقة السياسية بين النظامين تسير حاليا بشكل إيجابي، فإن العمالة السورية في مصر تشكل "نقطة مساومة" للأسد، ولا سيما أن نشاط تلك العمالة التجاري يشكل دعما لاقتصاد القاهرة المتذبذب.

فرض الوصاية

وفي هذا السياق، أوضح الأكاديمي ومدير مركز ماري للأبحاث والدراسات معروف الخلف، أن "المقصود بالعدالة الاجتماعية من وجهة النظر الاقتصادية هو أن تتساوى الحقوق والواجبات من ناحية فرص العمل بما يتعلق بحد الأجور والساعات".

وأضاف الخلف لـ "الاستقلال": "أن العمالة السورية في مصر فيها استقطاب لرأس المال السوري، ومن هنا جاء طلب نظام الأسد بحث سبل الحماية الاجتماعية للعمالة السورية".

ولفت إلى أنه "يستغل وجود منظمة العمل العربية في مصر ليبين أنه يريد أن يخلق نوعا من الاهتمام بظروف العامل السوري في هذا البلد وتحسين مستوى معيشتهم".

واستدرك الأكاديمي قائلا: "يريد نظام الأسد من هذه الخطوة خلق نوع من التمييز للعمالة السورية ولكن الواقع يثبت العكس خاصة أن العمالة السورية أثبتت كفاءتها ومهارتها وثقلها في سوق العمل".

وأردف قائلا: "وبالتالي يحاول النظام الإيحاء بأنه مهتم في أن تنظم العمالة السورية ضمن أطر التوظيف وشروط النقابات المهنية والعمالية، لكن هذا يحدث شرخا بدل من أن يولد نوع من تحسين العمل لهم في مصر". 

ويرى مراقبون أن نظام الأسد عقب عودته للجامعة العربية يحاول التعامل مع التهجير واللجوء للسوريين في بعض الدول على أنها "جالية عمالة منتجة" كتلك التي كانت تذهب إلى دول الخليج قبل عام 2011 بقصد تحصيل الرزق. 

من جهته يرى مدير موقع "اقتصادي"  الباحث السوري،  يونس الكريم، أن "نظام الأسد يريد فرض الوصاية على العمالة السورية وعلى اللاجئين في كل مكان، ومن خلال تنسيق الأمر مع مصر كبداية".

وأضاف الكريم لـ "الاستقلال"، "يحاول نظام الأسد الاستفادة من الجالية السورية القوية وخاصة التجارية في مصر ويجمع بيانات ومعلومات عنهم".

وبالتالي هو يحاول فرض الوصاية عليهم وينفي صفة اللجوء عنهم لاحقا، وهذا يندرج تحت بند التطبيع العربي بأنه يحل مشكلة اللاجئين.

ومضى يقول: "هذا الأمر في حال نجاحه يخوله بفرض الوصاية كذلك على اللاجئين في تركيا والأردن ولبنان ومن ثم تصبح قضية اللاجئين مختصة بالذين وصلوا إلى أوروبا وحصرها بحقوق الإنسان".

وذهب الكريم للقول: "هذه الخطوة بالغة الخطورة وخاصة في حال انطلاء الأمر على مصر ومنح الأسد ما يريد".

ويعود هذا من وجهة نظره لكون الجالية السورية سواء من اللاجئين أو من أتباع النظام لديهم استثمارات كبيرة لا تريد كلتا المجموعتين أن يعلم الأسد بحجمها وطبيعتها.