من "الشاه" إلى "الإسلامبولي".. هل تطوي مصر صفحات الخلاف مع إيران؟

داود علي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في ظل تحركات لإعادة رسم العلاقات بين دول الشرق الأوسط، تصاعدت الأحاديث في الأيام الأخيرة عن إمكانية حدوث تقارب بين القاهرة وطهران. 

وبرزت تلك الأحاديث بعد أن أقامت السعودية الخصم اللدود لإيران، وأحد حلفاء النظام المصري، مصالحة مع طهران في مارس/آذار 2023 بوساطة صينية. 

وفي 29 مايو/أيار 2023 صرح المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، بأن بلاده ترحب بأي احتمالية لاستعادة العلاقات بشكل كامل مع مصر.

ووفقا للتلفزيون الإيراني أدلى خامنئي بهذه التصريحات خلال لقاء عقده في العاصمة طهران، مع سلطان عمان هيثم بن طارق أثناء زيارته للبلاد، والذي يرجح بأنه هو من يقود الوساطة للتقارب بين مصر وإيران. 

إرهاصات التقارب

وفي 24 مايو 2023، كشفت صحيفة "ذا ناشونال نيوز" الإماراتية الناطقة باللغة الإنجليزية، أن النظامين المصري والإيراني يعتزمان تعيين سفراء لهما في كلا البلدين، خلال الفترة القادمة في إطار عملية تطبيع متقدمة للعلاقات. 

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين مصريين (لم تكشف أسماءهم) تصريحات أنه جرى الاتفاق من حيث المبدأ على ترتيب لقاء بين رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي، من المرجح أن يعقد قبل نهاية العام 2023.

وأضافت أن هناك مشاورات تجري خلف الأبواب المغلقة، من قبل دبلوماسيين ورجال استخبارات من إيران ومصر، لتنسيق عملية التطبيع.

وذكرت أن جولة مهمة من هذه المحادثات عقدت في وقت سابق من شهر مايو 2023 في العاصمة العراقية بغداد، التي تتمتع حكومتها بعلاقات وثيقة مع طهران. 

وكانت إشارات التواصل بين البلدين قد بدأت انطلاقا من لقاء وزير الخارجية المصري سامح شكري مع علي سلاجقة نائب الرئيس الإيراني في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، على هامش مؤتمر الأمم المتحدة لأطراف اتفاق المناخ (كوب27) الذي أقيم بمدينة شرم الشيخ.

بعدها التقى االسيسي، بوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، على هامش مؤتمر "بغداد 2" الذي أقيم في ديسمبر/كانون الأول 2022 في الأردن.

وأعقب ذلك إعلان الوزير الإيراني أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اقترح إطلاق حوار مصري إيراني بهدف التقارب. 

نقاط التلاقي 

وفي 13 مارس/ آذار 2023، أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، والذي كان مسؤولا عن مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة، أن هناك نية لطرح الدعوة لاستئناف العلاقة بين الجانبين.

وشدد على أن "مصر دولة مهمة، وكلا البلدين يعتقدان بأهمية الآخر، والمنطقة بحاجة لدورهما".

وجاءت تصريحات كنعاني بعد أيام من إعلان السعودية وإيران عن التوصل لاتفاق يفضي إلى عودة العلاقات الدبلوماسية بعد سنوات من القطيعة، وذلك في إطار مبادرة صينية.

ونشرت صحيفة "الاستقلال" في 23 مايو 2019، ورقة بحثية بعنوان "إيران ونظام 3 يوليو بمصر.. علاقات خفية وتقاطعات مع رؤية السعودية"، ذكرت فيها أن "العلاقات المصرية الإيرانية تسير بوتيرة إيجابية منذ حدوث الانقلاب وحتى مارس 2016، أو ما يرتبط بوصول الصواريخ الإيرانية إلى العاصمة السعودية الرياض".

وأتبعت: "استمر مشهد الجفوة حتى شهد طفرة مفاجئة في يناير 2019، مع القرار المصري بالانسحاب من الناتو العربي، ولو مؤقتا، والذي لقي ترحيبا إيرانيا مشروطا بصحة هذا الموقف". 

و"الناتو العربي" مصطلح يقصد به تحالف دفاعي بالمنطقة قد يشمل إسرائيل، لمواجهة "تهديدات" إيرانية في المنطقة، وفق إعلام عربي وغربي.

وقال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في يوليو/تموز 2022، إنه "لا يوجد شيء اسمه ناتو عربي"، مؤكدا أن قمة جدة آنذاك لم تناقش "التحالف الدفاعي" مع إسرائيل ضد إيران.

وأضافت صحيفة الاستقلال: "في 11 فبراير/ شباط 2019، أقام مكتب رعاية المصالح الإيرانية في مصر احتفالا، هو الأول من نوعه منذ سنوات، بذكرى الثورة الإيرانية، وأعلنت وسائل إعلام إيرانية أن مسؤولين مصريين حضروا الاحتفالية، من بينهم نائب وزير الخارجية المصري (آنذاك) خالد ثروت".

حينها عدت وسائل الإعلام الإيرانية هذا الموقف بادرة لاحتمال استعادة العلاقات المصرية الإيرانية الدفء المفتقد منذ نحو 40 عاما. 

 

شكل العلاقات

واستشهدت الورقة البحثية بموقف نظام السيسي بعد الانقلاب العسكري، وأنه من بدأ سياق التقارب بدعوة الرئيس الإيراني إلى القاهرة لحضور حفل تنصيب رأس إدارة 3 يوليو وأدائه لليمين الدستورية.

وهي الدعوة التي لم يتمكن الرئيس الإيراني آنذاك حسن روحاني من تلبيتها، وأناب عنه فيها مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية "حسين أمير عبد اللهيان".

وردت إيران في يوليو 2015، بإلغاء  تأشيرات الدخول إلى أراضيها لمواطني 7 دول، هي: تركيا ولبنان وأذربيجان وجورجيا وبوليفيا ومصر وسوريا.

كما منحت السلطات الإيرانية مواطني هذه الدول البقاء في إيران من دون تأشيرة لفترات متفاوتة.

من جهة ثانية، ورغم الموقف السعودي الرافض، أعلنت وزارة الخارجية المصرية، عام 2015، ترحيبها بالاتفاقية الإطارية التي توصلت لها مجموعة 5+1 حول مستقبل المشروع النووي الإيراني.

كما أكدت أن هذه الاتفاقية تعد خطوة في الاتجاه الصحيح باتجاه عقد اتفاق بين القوى الدولية وإيران.

وشددت الورقة البحثية على أنه بالتدقيق في تاريخ علاقة مصر بالسعودية، كانت هناك تحركات مصرية للتقارب مع إيران، بدأت حميمية، وانتهت كذلك، وإن شابتها فترات فتور بسبب تهور وضغوط الرعاة السعوديين والإماراتيين الذي يرجح أنهم متحكمون في قرار القاهرة.

وأنهم لن يسمحوا لها بالخروج من التحالف الأمني للشرق الأوسط بعدما استثمروه في إدارة ما بعد الانقلاب، وفق صحيفة الاستقلال.

لكن في النهاية تظل سياقات التقارب المصري الإيراني قائمة ولها ما يعضدها، من تواصلات وتطابق في المواقف بين النظامين في بعض الأحيان مثل موقفهما من نظام بشار الأسد في سوريا على سبيل المثال. 

قطيعة واتصال

وبالعودة إلى التاريخ الحديث للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين فإنها قطعت تماما عام 1978 بعد أن أطاحت الثورة الإيرانية بحكم الشاه محمد رضا بهلوي، الذي لجأ إلى القاهرة واستقبلته في ظل حكم الرئيس المصري محمد أنور السادات.

حينها قرر زعيم الثورة آية الله الخميني، قطع العلاقات مع مصر، وأغلقت السفارة الإيرانية في القاهرة، ولم تفتح إلى يومنا هذا. 

وزادت حدة التوتر بإطلاق نظام الملالي على أحد شوارع العاصمة طهران اسم خالد الإسلامبولي، وهو ضابط في الجيش المصري اغتال السادات، خلال عرض عسكري في القاهرة عام 1981.

بعد ذلك حدثت محاولات متعددة للتقارب خلال العقود الماضية، أبرزها في منتصف التسعينيات في حكم الرئيس الإيراني الأسبق هاشم أكبر رفسنجاني، ونظيره المصري وقتها محمد حسني مبارك.

ثم اللقاءات التي جرت بين وزيري خارجية البلدين آنذاك علي أكبر ولايتي من الجانب الإيراني، وعمرو موسى من الجانب المصري. 

أما أقرب نقطة اتصال فحدثت خلال عهد رئيس مصر الراحل محمد مرسي، عندما زار طهران لأول مرة عام 2012. ووقتها، رد الزيارة الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد، عندما زار القاهرة عام 2013.

واليوم، لا يمكن إغفال تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري، في 17 مايو 2023، عندما نفى ما تردد عن وجود مسار مصري إيراني. وقال خلال حوار تلفزيوني "إن هذه الأخبار تكهنات لا أساس لها من الصحة".

وأضاف: "علاقتنا مستمرة مع إيران على ما هي عليه، وعندما يكون هناك مصلحة في تغيير منهج ما، فبالتأكيد نلجأ دائمًا لتحقيق المصلحة".

وأشار وزير الخارجية إلى أن عدم الثبات في السياسة شيء طبيعي، لأن الهدف منها تحقيق المصلحة. وتابع أن: "المتغير يتطلب تقييما للعوائد المستفادة منها، وما هو المستقبل من تطوير تلك العلاقات".

ومع ذلك التحفظ من قبل شكري في إبداء معلومات، وعدم استباق الأحداث، فإن القاهرة أقدمت على التقارب في الفترة الأخيرة مع عواصم كانت تمتلك معها خلافات مفصلية، وكان على رأسها تركيا وقطر، مما قد يشير إلى إمكانية اتخاذ مثل هذه الخطوة.