بفوز أردوغان.. من الرابحون والخاسرون من نتائج الديمقراطية التركية؟ 

12

طباعة

مشاركة

احتفل الأتراك، ومعهم كثير من العرب والمسلمين، بـ"ربيع" حرية خاصة عقب الفوز التاريخي للرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية، وسط تساؤلات من هم "الرابحون" و"الخاسرون" من فوزه داخل تركيا وخارجها.

محللون رأوا أن تركيا أضاءت "شعلة أمل" لشعوب المنطقة، بأن التغيير ممكن، وأن الانكسار ليس قدرا، وأن النهضة واجبة، والإرادة والعزيمة أساس.

وجاء احتفاء الشعوب وفرحها على امتداد العالم العربي عنوانا للشوق للديمقراطية، وتجديد لأمل الوصول إلى حكم عادل لشعوبهم بعيدا عن الاستبداد الحالي الذي طال.

وبعد عقدين في السلطة، بدا أردوغان مهددا بتداعيات الأزمة الاقتصادية والزلزال وتدخلات دولية لدعم المعارضة والتأثير في الداخل بطرق مختلفة لإسقاطه، لكنه فاز للمرة الـ 17 في حياته بالانتخابات البلدية والحكومية والرئاسية التي دخلها.

داخليا، ربح شعب تركيا و"رؤية القرن" التي أعلن عنها أردوغان، وبات الشعب هو أهم رابح، لأن البلاد ستستمر في خططتها الخاصة بالتنمية واستقلال القرار الداخلي عن الخارج، لتشكل رقما عالميا يناطح الغرب اقتصاديا وسياسيا وثقافيا.

كما ربح مع فوز أردوغان توجه تركيا الإسلامي، وقضايا الحجاب، وإنهاء حكم العسكر تماما وتحجيم الانقلابات ربما لغير رجعة بعدما ظلت تعيد تركيا لماضيها العلماني المأسور برغبات الغرب.

قرن تركيا

في خطاب النصر، قال أردوغان إن أبواب رؤية "قرن تركيا" فُتحت تماما مع تقدمه على منافسه في الانتخابات الرئاسية، بحسب وكالة "الأناضول" الرسمية في 28 مايو 2023.

كما أوضح أن نتائج الانتخابات أظهرت مرة أخرى أنه ليس باستطاعة أحد أن يطعن في مكاسب تركيا.

وفي تصريحات له 16 مايو 2023، رأى أردوغان أن تزامن الانتخابات مع ذكرى أول انقلاب وفتح القسطنطينية، بشرى لـ"رؤية قرن تركيا"، أو "مئوية تركيا"، وهي رؤية أعلنها في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وتتضمن برامج وأهداف الجمهورية الثانية له.

وأكد أن من الأهداف الأولى لرؤية "قرن تركيا" إكساب البلاد دستورا جديدا يكون نتاج الإرادة الوطنية، و"جعل بلادنا واحدة من أكبر عشر دول العالم في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية والدبلوماسية". 

ويمكن القول إن نتائج صناديق الانتخابات أظهرت أن الخاسر الأكبر داخليا هو التيار الانقلابي العلماني بعدما اختار الأتراك بالأغلبية العودة إلى جذورهم الإسلامية ودفن العلمانية التي حرفت بلادهم عن التقدم سنوات طويلة.

النتائج أكدت أنهم هزموا "سياسيا" التيار الانقلابي بعدما هزموه في الشارع "شعبيا" بالتصدي لدبابات انقلاب منتصف يوليو/تموز 2016.

الخاسرون داخليا هم كل أحزاب "الطاولة السداسية" المعارضة، وأولهم كمال كليتشدار أوغلو الذي يتوقع الضغط عليه ليستقيل من رئاسة حزب أتاتورك (الشعب الجمهوري)، والذي كان رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو يتحين الفرصة ليحل محله.

ولكن في خطاب الاعتراف بالهزيمة، أعطي كليتشدار أوغلو إشارات وانطباعا بأنه متمسك بمنصبه الحزبي ولن يستقيل من رئاسة حزبه كما كان يطمح ويخطط إمام أوغلو وأنصاره ما يشير إلى "صدام" محتمل داخل حزب المعارضة الرئيسي.

وخسر معهم، الحزبان المنشقان عن حزب أردوغان (العدالة والتنمية) الحاكم، وهما "المستقبل" برئاسة رئيس الوزراء السابق، أحمد داود أوغلو، و"الديمقراطية والتقدّم" بزعامة وزير الاقتصاد والخارجية السابق، علي باباجان.

فيما فاز نجل نجم الدين أربكان رئيس الوزراء السابق وأستاذ أردوغان "فاتح أربكان" الذي انشق عن حزب والده (السعادة) الذي تحالف مع المعارضة العلمانية، وفاز حزبه الجديد بخمسة مقاعد ضمن تحالف أردوغان في البرلمان.

ورأى محللون أتراك حفاوة أردوغان بنجل أربكان رسالة لمشروعه السياسي القادم بوصف فاتح أربكان "وريثا رسميا" لحركة "ميللي غوروش" بدلا من حزب السعادة.

وقال الأستاذ بجامعة حاجي بيرم ولي، سلمان أوغوت، أن أحزاب "المستقبل"، و"الديمقراطية والتقدم"، و"السعادة"، و"الديمقراطي" برئاسة غولتكين أويصال، هم أكبر الخاسرين.

وأوضح أن حزبي داود أوغلو وباباجان فشلت في أول محاولة لإثبات نفسها ووصفها بأنها "بالونات فارغة" جرت المبالغة في تقديرها، بحسب موقع "ترك برس" في 29 مايو/أيار 2023.

الربيع العربي

جدد فوز الرئيس أردوغان الأمل في قلوب الملايين في المنطقة العربية والإسلامية وفي العالم، الذين قمعت أنظمة الثورة المضادة أحلامهم في ربيع ديمقراطي.

لم تكن حالة الاهتمام غير العادي في البلدان العربية كافة بهذه الانتخابات وما تبعها من احتفالات في غالبية الدول بما فيها القدس والمسجد الأقصى، سوى مؤشر على تجدد الأمل لدى الطامحين في الحرية والديمقراطية.

لذا رأى مراقبون أن الرابحين في الخارج من فوز أردوغان، هم شعوب دول الربيع العربي، في سوريا ومصر وتونس وليبيا واليمن، الذين حفظ وأبقى لهم أردوغان الأمل في التخلص من أنظمة الثورة المضادة وستلهمهم تجربته الناجحة في تركيا.

وقالوا إن "الفرح سيكون في تركيا بينما ستنصب بيوت العزاء في دول الثورة المضادة مصر وسوريا والخليج".

وتزامن الفوز مع نشر مركز دراسات "تشاتام هاوس" البريطاني، في 23مايو/أيار 2023، دراسة تؤكد أن "الأنظمة الاستبدادية العربية تأمل بأن القمع والصراعات قد أنهكت الشعوب، ولم يعد لديها الإرادة للقيام بالتغيير، والمطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي".

ورأى المركز أن "مستقبل المنطقة لا يزال في متناول اليد، وسيكون الأمر متروكا لأولئك الذين يؤمنون بالديمقراطية والتقدم لتحقيقها".

وأكدت صحيفة "إندبندنت" البريطانية في 21 مايو 2023 أنه رغم الواقع القاتم الذي يشير إلى أفول "الربيع العربي"، وعودة ازدهار الأنظمة الاستبدادية، ورغم قمع مطالب الديمقراطية والإصلاح والتغيير "لايزال المستقبل بيد الشعوب".

وقالت: "لا تزال الفرصة مهيأة لأولئك الذين يؤمنون بالديمقراطية والتقدم للعودة".

وأن الربيع العربي "لم يكن عبثا، بل كان لحظة تاريخية من الصحوة السياسية للشعوب، وأفرزت جيلا مهتما بالسياسة، وعليما بالتجارب، وشاهدا على هشاشة الأنظمة الاستبدادية، رغم الانتصار المؤقت لهذه الأنظمة على إرادة الشعوب".

تحفظ مصري

وكان لافتا في هذه الانتخابات، تحفظ الإعلام المصري نسبيا عن الدخول في موقعة دعم المعارضة التركية ضد أردوغان لأسباب تتعلق بالمصالحة التي بدأت بين النظامين منذ لقاء رئيس النظام عبد الفتاح السيسي وأردوغان في قطر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.

هذا التحفظ جاء انتظارا لمعرفة من يفوز وعدم خسارة تركيا مرة ثانية، وهي أبرز بلد وقف مع الربيع العربي في مصر وساند الرئيس الراحل محمد مرسي وانتقد انقلاب السيسي العسكري في 3 يوليو 2023.

لذا يرى محللون أن نظام السيسي من أبرز الخاسرين، رغم التقارب الأخير، لأن تجربة أردوغان الديمقراطية وفوزه بـ52 بالمئة، على غرار الرئيس الراحل مرسي ستحرج السيسي في تمثيلية الانتخابات الرئاسية الثالثة التي ستجرى عام 2024، حين تُعقد مقارنة بينها وبين انتخابات تركيا.

ظهر هذا الحرج حين قال المتحدث باسم الرئاسة، أحمد فهمي، إن السيسي "بعث رسالة" للرئيس التركي بمناسبة فوزه بالانتخابات الرئاسية، وإعادة انتخابه رئيسا لفترة رئاسية جديدة، دون أن يحدد طبيعة الرسالة.

لكن نفس المتحدث قال في نفس الرسالة باللغة الإنجليزية إنها رئاسة "تهنئة" بعدما رفض في بيانه (في النسخة العربية) أن يذكر لفظ التهنئة، ما أثار سخرية عالمية.

وظهرت حيرة نظام السيسي في التعامل مع الانتخابات بصمت الصحف الرسمية عن مهاجمة أردوغان بينما تُرك الإعلامي الموالي، أحمد موسى، حرية تحليل الانتخابات التركية بزعم أن هناك تزويرا أثناء التصويت في الجولة الأولى

وتوقعه هزيمة أردوغان في حال الوصول إلى جولة إعادة، والترويج لما تقوله المعارضة التركية، رغم أن مصر تنتقد تبني صحف تركيا لأقول المعارضة المصرية.

وشهدت العلاقات بين أنقرة والقاهرة تطورا كبيرا، بعد حالة عداء استمرت سنوات منذ الانقلاب على مرسي، ومحاكمته مع قيادات جماعة الإخوان المسلمين وحزب "الحرية والعدالة" المقربين لحزب العدالة والتنمية التركي.

ويتوقع الخبير المتخصص في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، كرم سعيد، مسارين محتملين للعلاقات التركية مع مصر بعد فوز أردوغان.

وقال سعيد لموقع "الحرة" الأميركي في 29 مايو/أيار 2023 إن المسار الأول، يتمثل في تسريع وتيرة التطبيع، خاصة بعد انتقال العلاقات من المستوى الأمني إلى الدبلوماسي، ومصافحة السيسي وأردوغان ثم الزيارات المتبادلة بين وزيري خارجية البلدين.

وأشار إلى أن هناك العديد من "المصالح البراغماتية" التي تدفع نحو التقارب المصري التركي، خلال المرحلة المقبلة، والتي لا ترتبط فقط بالمصالح الاقتصادية، وإنما بالتغيرات الإستراتيجية في المنطقة، ومنها ما يحدث في سوريا وليبيا.

أما المسار الثاني، فقد يتضمن "التهدئة في مسألة التطبيع"، واتباع سياسة "خطوة فخطوة" في استعادة العلاقات مع مصر.

حيرة ابن زايد وابن سلمان 

وإن ارتبط أردوغان بالربيع العربي الذي تخشى أنظمة خليجية تأثيره عليها، فقد أصبح سقوطه رغبة مُلحة لدى نظامي الحكم في السعودية والإمارات.

وظهر هذا في التغطية المنحازة لإعلام الإمارات والسعودية بصورة فجة حتى إن قناة "العربية" زعمت توزيع أردوغان أموالا بقيمة 200 ليرة (10 دولار) على أنصاره خارج مراكز الاقتراع، خلال جولة الإعادة.

لذا تعد أبو ظبي والرياض من الخاسرين من فوز أردوغان، رغم مسارعة النظامين لتهنئته بحكم البروتوكول الدولي.

وظهرت الحسرة من فوزه على لسان مستشار القصر الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، الذي كتب معلقا على فوز أردوغان أنه "فاز بفارق 4 نقاط فقط، وأن أكثر من 47 بالمئة من الشعب التركي لم يصوت له ولا يرغب به رئيسا"، ما أثار سخرية منه على مواقع التواصل.

من جهته، قال المحلل السياسي السعودي، عبد الله الرفاعي، إن فوز أردوغان "البراغماتي" هو الخيار المناسب في تركيا اليوم بالنسبة للسعودية، زاعما أن الرياض دعمت الاقتصاد التركي، وأن أردوغان يدرك أن هذا الدعم "كان بمثابة طوق النجاة له".

وقال الرفاعي لموقع "الحرة" إن الرياض تفضل مع هذا خيار أردوغان وحزبه "سياسيا" على اليسار الليبرالي المنافس لأن "سياسات أردوغان ستكون داعمة لمشروع ولي العهد محمد بن سلمان بشأن تصفير المشاكل وتحجيم الأزمات التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة".

وعربيا سيكون من الخاسرين أيضا رئيس النظام السوري بشار الأسد، حيث سيستمر المشروع التركي في دعم المعارضة وقد يعيد النظر في تقاربه من الأسد بعد تحرره من قيود الانتخابات.

أيضا أبرز الخاسرين عربيا الانقلابي خليفة حفتر في ليبيا الذي أزعجه دعم أردوغان حكومة طرابلس ضده وأفشل مشروعه مع مصر والإمارات للسيطرة على الحكم في ليبيا وإجهاض ربيعها الديموقراطي.

خاسرون دوليون

دوليا، يمكن النظر إلى أميركا وأوروبا والإعلام الغربي عموما- الذي خلع رداء المهنية وشجع سقوط أردوغان- على أنهم أكثر الخاسرين، لأنهم تطلعوا إلى فوز مرشح المعارضة العلماني الذي كان سيسير في ركب الغرب عكس أردوغان الذي يتبني قرارا مستقلا.

وقبل فوز أردوغان تبنت العديد من وسائل الإعلام الغربية سياسة هجومية ضد الرئيس التركي في الجولة الأولى والثانية من الانتخابات، حيث لم تشهد انتخابات استقطابا في الداخل واهتماما في الخارج كما هي انتخابات تركيا.

لكن بعد فوزه بدّل بعضها من خطابها تجاه أردوغان فيما استمرت أخرى في الهجوم عليه.

وعقب حسمه جولة الإعادة بانتخابات الرئاسة، تحدث أردوغان عن "حملات إعلامية غربية استهدفته شخصيا"، لافتا إلى ما نشرته مجلات فرنسية وألمانية وبريطانية من أخبار ورسوم مسيئة له.

وأشار أردوغان إلى تحالفات شُكّلت ضده في الداخل على مدى أشهر وتعاون مع منظمات "إرهابية ومنحرفين"، وقال إن تركيا نجحت في التصدي للقيود والعراقيل والدسائس، بحسب موقع "الجزيرة نت" في 29 مايو/أيار 2023.

وأضاف أنه يحمد الله على أنهم "لم ينجحوا ولن يفلحوا أبدا لأن هذا الشعب أثبت نضجه في جميع الانتخابات وفي جميع الأحداث".

بعدما أبدى عدم اهتمام بمن يفوز وبدا كمن يؤيد سقوط أردوغان لأنه ينتهج نهجا استقلاليا في سياسته الخارجية ولا يرضخ لتعليمات الغرب، اضطر الرئيس الأميركي، جو بايدن، لتهنئة الرئيس التركي. 

وقال في تغريدة على تويتر: "أتطلع إلى مواصلة العمل معا بصفتنا حليفين في الناتو بشأن القضايا الثنائية والتحديات العالمية المشتركة"، في إشارة لحاجته له في أزمات أوكرانيا وتوحيد الناتو وغيرها

وعلق خبير الشؤون الدولية، ولفغانغ بوستزتاي، لموقع "الجزيرة" في 29 مايو/أيار 2023 أن السنوات الخمس القادمة "ستشهد توتر العلاقات بين أنقرة وواشنطن".

والسبب أن أردوغان "لم يعد مضطرا إلى أخذ خصومه السياسيين المحليين في الحسبان، وسيكون أكثر استعدادا للمخاطرة بمغامرات عسكرية في الخارج، خاصة في سوريا، وسيبقى مثيرا للمشاكل داخل الناتو".

وتوقع أن "أردوغان سيسعى إلى تعزيز علاقته مع روسيا ليس فقط سياسيا واقتصاديا، ولكن أيضا في مجال صناعة الأسلحة، مما يثير استياء الولايات المتحدة، خاصة في ضوء الحرب المستمرة في أوكرانيا".

وحذر الرئيس أردوغان أواخر 2018، في مقال له بصحيفة "نيويورك تايمز" من أن "الولايات المتحدة إذا لم تبدأ في احترام سيادة تركيا، وتبرهن على تفهمها للمخاطر التي تواجهها أمتنا، فإن شراكتنا في خطر". 

وختم مقاله برسالة إنذار وإعذار لا لبس فيها: "على واشنطن أن تتخلى -قبل فوات الأوان- عن الاعتقاد الخاطئ بأن علاقاتنا ليست ندية، وأن تدرك أن تركيا لديها بدائل".

وحذر من أن "الفشل في وقف هذا المسار الأحادي وعدم الاحترام سيستلزم منا البحث عن أصدقاء وحلفاء جدد". 

وأفرد الإعلام الأميركي حيزا واسعا لنجاح أردوغان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، والتي حقق فيها أردوغان انتصارا على منافسه كليتشدار أوغلو.

وتصدرت العناوين المتعلقة بالانتخابات التركية، المواقع الإخبارية البارزة في الولايات المتحدة، إلا أن صحفا أوروبية، خاصة الفرنسية استمرت في انتقاد فوزه وادعاء أنه لا يحظى برضا الأتراك. 

وقالت وكالة الأنباء الفرنسية والتليفزيون الفرنسي الرسمي" إن "أردوغان المنتصر بفارق ضئيل أمام مجتمع منقسم، هل سيكون رئيسا لكل الأتراك؟!"، ما أثار سخرية نشطاء كأن فرنسا كلها موحدة خلف ماكرون وهي التي تشهد مظاهرات يومية وتصف ماكرون بأنه "هتلر".

ومع هذا، قدم ماكرون التهنئة، قائلا إن فرنسا وتركيا لديهما "تحديات ضخمة يتعين مواجهتها معا".

ورغم ما تجرعته من هزيمة و"صفعة عثمانية" في الجولة الأولي من انتخابات تركيا حين تزعمت حملة تدعو لإسقاط أردوغان واختيار المرشح العلماني، وصفع أردوغان لها بالفوز في الجولة الأولى، استمرت صحف الغرب في معاداته في الجولة الثانية.

وتحت عنوان: "الفوز في الانتخابات سيترك أردوغان في مستنقع من صنعه"، زعمت مراسلة صحيفة صنداي تايمز 27 مايو 2023 في إسطنبول، لويز كالاهان، أنه في حال فوز أردوغان، كما تشير استطلاعات الرأي، "ستكون مشاكل تركيا قد بدأت للتو".

وزعمت أنه في حال فوز أردوغان "سيبقى على رأس البلد يواجه العديد من الأزمات العميقة، التي صنعها إلى حد ما بيديه"!!، وفق قول الكاتبة.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" في 29 مايو/أيار 2023 إن "الرئيس أردوغان يفوز في الانتخابات مجددا بعد أكبر تحدّ حتى الآن"، فيما وقالت "واشنطن بوست" في خبر تحليلي إن أردوغان "نجا من تحدي مرشح تدعمه معارضة موحدة".

وقال موقع "بوليتيكو" الأميركي إن "أردوغان في موقع قوي للتأثير على الاتجاه المستقبلي للديمقراطية في هذا البلد القوي وكذلك تشكيل السياسة في المنطقة وخارجها".

ومن الخاسرين من فوز أردوغان دوليا أيضا كل من صربيا واليونان وإسرائيل لتعارض مشاريعهم في المنطقة مع خططه، حيث يدعم مسلمي البوسنة، ويخطط لتحجيم اليونان، ويتعامل بصرامة مع الاحتلال الإسرائيلي.

وتقدر مصادر عبرية رسمية أن أردوغان سيواصل سياسته بالتقرب من إسرائيل خلال ولايته الرئاسية الجديدة، لأهداف برجماتية بحته تتعلق بالعلاقات الخارجية.

إلا أن خبراء إسرائيليين يقدرون أن العلاقات مع تركيا ستدخل إلى أزمة في حال أقدمت إسرائيل على عدوان واسع في قطاع غزة، أو نشوب حرب بين إسرائيل وحزب الله، وفق ما نقلت عنهم صحيفة "هآرتس" 29 مايو/أيار 2023.

رابحون دوليون

لعبت "تركيا أردوغان" دورا وسيطا رابحا بين روسيا وحلف الناتو، رابحا، رغم أن فوزه يضر بمصالح حلفائها الأرثوذوكس خصوصا صربيا، واليونان وقبرص.

ولفت موقع "بوليتيكو" في 29 مايو 2023 إلى أن دور تركيا المهم في مبادرة حبوب البحر الأسود، وتأثير أردوغان على العلاقات الدولية، ووصفه بأنه "زعيم نادر بين قادة الناتو، حافظ على علاقات جيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حتى بعد غزو موسكو لأوكرانيا".

لهذا هنأ بوتين "صديقه العزيز" أردوغان، كما وصفه، قائلا إن الفوز دليل على تقدير الشعب التركي للسياسة الخارجية المستقلة التي ينتهجها، وفق وكالة "رويترز" 28 مايو/أيار 2023.

وكانت رسالة بوتين لأردوغان تشير بوضوح إلى ما أسمته "دعم الشعب التركي لجهودكم في تعزيز سيادة الدولة وإدارة سياسة خارجية مستقلة".

وقال بوتين إنه يعلق أهمية كبيرة على المشروعات المشتركة مثل محطة (أكويو) للطاقة النووية في تركيا، والتي تشيدها شركة روساتوم الحكومية الروسية للطاقة، وإنشاء مركز الغاز الذي اقترحه بوتين في تركيا.

ولكن كيف سيستفيد أردوغان من هذه المكاسب والخسائر على المستوى المحلي والدولي؟

يرصد أستاذ الشؤون الدولية بجامعة قطر، محمد مختار الشنقيطي، ستة تحديات ستواجه أردوغان بعد فوزه، خلال السنوات الخمس القادمة التي ستكون تدشينا للقرن الثاني من عمر الدولة التركية المعاصرة.

وأوضح في مقال بموقع "الجزيرة" نشر في 29 مايو/أيار 2023 أن أبرز هذه التحديات هي "التغلب على انشطار الهوية الذي عانت منه تركيا طوال 100 عام، بعد أن فرضت عليها أقلية متغربة مهزوزة موقع المتسول على موائد الغرب".

وأشار إلى أن أردوغان وزملاءه في حزب العدالة والتنمية قطعوا شوطا بعيدا في تضميد جرح الهوية هذا، وتحقيق شيء من المصالحة مع الذات لشعبهم، لكن الأمر لا يزال يحتاج إلى عمل كثيف في مجال التعليم والثقافة وغيرهما.

التحدي الثاني هو "معضلة الاستقطاب السياسي والطائفي والعنصري الحاد"، ويعتقد أن تراجع حزب الشعب الجمهوري في هذه الانتخابات وفشل قادته، قد يكون فرصة لتحول هذا الحزب من كتلة طائفية صلبة، لقوة سياسية أكثر تنوعا ومتصالحة مع عقيدته الإسلامية، وجذوره العثمانية المعروفة.

التحدي الثالث هو "التحضير لخلافة أردوغان في الحزب وفي الدولة" لأن هذه هي الولاية الأخيرة للرئيس أردوغان دستوريا، ويجب أن يستمر المشروع الذي بدأه أردوغان، بصناعة القادة الذين يخلفونه، ويحملون الراية من بعده. 

التحدي الرابع هو "صياغة دستور جديد" يتناسب مع الوقائع الاجتماعية والثقافية للمجتمع بدل الدستور العلماني الحالي الذي وضعه العسكر وتم إدخال العديد من التعديلات عليه.

أما التحدي الخامس فهو "الانخراط أكثر في حل بعض المعضلات الإقليمية المؤثرة على تركيا" مثل معضلة الحرب في سوريا، بالتوصل مع الروس إلى صيغة عملية لتغيير سياسي في دمشق، يستجيب لمطامح الشعب السوري. 

وأخيرا، تحدي "إعادة التموضع الإستراتيجي في المنطقة"، بحيث يكون تموضعا يتناسب مع مكانة تركيا وريادتها التاريخية في العالم الإسلامي، في ظل تغير النظام الدولي بسرعة، وأن تسعى لتحقيق ما تعلقه عليها شعوب العالم الإسلامي من آمال.

وقال القيادي في المعارضة السورية، أحمد رمضان، مسؤول الإعلام في حزب "العمل الوطني من أجل سوريا" أن "ثمة استثمارا هائلا وضع لتغيير دفَّة السفينة" بعد فوز أردوغان، على المستوى الخارجي.

وأشار إلى الأثر الكبير لفوزه على ترتيبات النظام العالمي ودور دول الإقليم المؤثرة فيه، بعد "معركة كسر عظم، استُخدم فيها النفوذ بأشكاله ترغيبا وترهيبا".

وفي تحليل لنتائج فوز أردوغان إقليميا ودوليا، عبر حسابه على تويتر، قال رمضان: "تولد في المنطقة نواة محور، أساسه التنمية وهدفه انعتاق عن الأقطاب وحروبهم".

ويرى أنه "إقليمي"، ستكون تركيا عنوانا لتغيير فرضته الوقائع، ولن تضطر لتنازلات أملتها ظروف الاستحقاق، وستمد يدها لدول صاعدة، وتبتعد عن أخرى فاشلة وأنظمة انتهى اعتمادها".

وأضاف: "سيجد أردوغان نفسه معنيا بمراجعة سياساته بشأن سوريا، بعد أن وجد حجم التعاطف الشعبي من السوريين والعرب، والغدر والطعن من نظام الأسد وحلفائه".

وأشار إلى ترسيخ تركيا "دوليا" أقدامها في نادي الدول الديمقراطية المستقرة، وأنها ستعمل على تعزيز مكانتها ضمن مجموعة العشرين"" سعيا لدخول نادي العشرة الكبار.