هدى بار.. حزب كردي إسلامي يدعم أردوغان ويقاوم العلمانية و"الإرهاب"
حملت الانتخابات الرئاسية والتشريعية التركية التي جرت في 14 مايو/أيار 2023، العديد من المتغيرات، منها صعود أحزاب جديدة ودخولها إلى البرلمان التركي أو ما يعرف بـ "مجلس الأمة التركي الكبير".
ومن أبرزها، حزب هدى بار "الدعوة الحرة"، الذي استطاع الحصول على 4 مقاعد في البرلمان ترشحوا على قوائم العدالة والتنمية، ضمن تحالف الجمهور، الذي يضم حزب العدالة والتنمية "الحاكم" وحزب الحركة القومية، ومجموعة أحزاب أخرى.
كان صعود حزب "هدى بار" مثيرا للاهتمام ومحفزا للجدل، خاصة أن الأمر أثار غضب بعض القوميين الأتراك، الذين كالوا الاتهامات للحزب الذي يغلب عليه المكون الكردي بصفته امتدادا لـ"حزب الله" التركي المتهم بأعمال عنف في التسعينيات.
فما حزب هدى بار؟ وما خلفيته الاجتماعية والأيديولوجية؟ وكيف صعد بصعوبة داخل الساحة السياسية التركية الشرسة، المليئة بالاستقطابات والصراعات؟
مرحلة التأسيس
تأسس حزب "هدى بار" رسميا في 19 ديسمبر/كانون الأول 2012، ومقره الرئيس في العاصمة أنقرة، لكن كانت بدايته من ولاية ديار بكر جنوب شرقي تركيا.
الحزب رفع شعار الكتاب المفتوح والشمس تشرق من خلفه، وأما من تقدم بأوراق التأسيس فهو محمد حسين يلماز.
أول زعيم للحزب هو زكريا يابيجي أوغلو، الرئيس الحالي منذ ذلك الحين.
شارك الحزب عام 2014، في الانتخابات البلدية، وحصل على نسبة 7.8 بالمئة من الأصوات في محافظة باطمان، و4.32 بالمئة في ديار بكر.
حينها شدد الحزب على تعريف نفسه بأنه إسلامي منفتح على جميع الفئات التركية، وأنه يتبنى السلمية كأساس، ويعتمد المشاركة السياسية كآلية وحيدة للتغيير والإصلاح.
وقتها رأى حزب العمال الكردستاني والمعروف تركيا باسم "بي كا كا" والمصنف إرهابيا داخل الدولة، أن حزب هدى بار من صنع الدولة التركية التي تحاربه، وتستهدف به استقطاب المواطن الكردي.
لذلك ففي عام 2015 أقدمت "بي كا كا" على تصفية "أيتاك باران"، رئيس جمعية "يني إحيا دير" الإغاثية، المنتمي لحزب "هدى بار" بالرصاص أثناء مغادرته مكتبه في مدينة ديار بكر.
وجاء الحادث بالتزامن مع أحداث عنف في المدن الكردية بين أعضاء حزب العمال، وأنصار حزب هدى بار، أدت إلى وقوع قتلى وجرحى من الجانبين.
الخلفية الأيديولوجية
ذلك الصراع يأخذنا إلى الخلفية الأيديولوجية والإثنية للحزب، والروافد التي جاء منها، وأسهمت في تشكيله ليصبح على هيئته الحالية.
وأقدم شبان من أصول كردية في عام 1979 على تأسيس منظمة حزب الله التركي عقب الثورة الإيرانية التي تأثروا بها.
وهو الأمر الذي أدى إلى صراع وصدام طويل مع بي كا كا، تخللته أعمال مسلحة وبين أجنحة الحزب نفسها اندلعت مواجهات على مدار سنوات.
حينها كان حزب الله التركي بقيادة حسين والي أوغلو، يقول إنه حركة إسلامية كردية سلفية، دخلت في صراع "الإسلام ضد الكفر".
وكان في ذلك إشارة إلى الصراع ضد حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" في مناطق شرق وجنوب شرق تركيا.
وفي عام 1990 تطور الصراع إلى مواجهات دموية بين الحزبين، بعد مقتل أحد قيادات حزب الله على يد "بي كا كا".
وأريقت الدماء بغزارة في شوارع مدن ديار بكر وباطمان وماردين، وأودى هذا القتال الذي استمر 5 سنوات كاملة بحياة أكثر من ألف شخص من الجانبين.
وفي عام 1995 توقف القتال بين الجانبين بوساطة مرشد الحركة الإسلامية في كردستان العراق الشيخ عثمان عبد العزيز وزعيم حزب الله الثوري الكردي هناك أدهم البارزاني.
صراع وانقسام
بعد القتال الدموي ضد حزب العمال الكردستاني، دخل حزب الله التركي في طور صراع داخلي عميق، وذلك بين الجماعتين المكونتين له وهما جماعتا العلم والمنزل.
وكانت جماعة العلم تدعو إلى الجهاد وتسعى للقيام بثورة إسلامية وتأسيس دولة إسلامية كردية.
بينما كانت جماعة المنزل، تدعو إلى اتباع أسلوب الدعوة والتبليغ (جماعة إسلامية نشأت في الهند عام 1926، تنأى بنفسها عن السياسة).
وهو الأمر الذي دفع أجهزة الأمن التركية للتدخل، ما أدى لصراع ضد جماعة العلم، انتهى بمقتل زعيم الحركة حسين ولي أوغلو في إسطنبول عام 2000، واعتقال الآلاف من أنصاره.
هنا جاء دور جماعة المنزل، التي أسست "جمعية التضامن مع المستضعفين" في خطوة لمواصلة التضامن وتنظيم العلاقات بين عوائل 4 آلاف من أعضاء حزب الله - جناح (العلم) الذين اعتقلوا أو فروا خارج البلد بعد عمليات الدولة ضدهم عقب مقتل والي أوغلو.
وبالفعل استطاعت الجمعية من خلال فعالياتها الاجتماعية تجميع العشرات من الجمعيات والأوقاف تحت اسم "منتدى محبي رسول الله"، ورأبت الصدع الذي خلفته سنوات الصراع المريرة.
وجاءت الخطوة الأخيرة متمثلة في إنشاء حزب "هدى بار" كمسار سياسي سلمي يستطيع أن يوازن الأمور داخل المكون الكردي، الذي تتجاذبه العديد من الأحزاب والجماعات، من بينها طرف يحمل السلاح ويرفع شعار الانفصال، كحزب العمال الكردستاني.
مبادئ الحزب
وتطرق إلى ذلك الوضع عمار كزلجنار، مدير القسم العربي في وكالة إيلكا للأنباء، والمذيع في قناة رهبر التركية، وكلاهما تابع لحزب هدى بار.
وقال كزلجنار في حديثه لـ "الاستقلال": "إن الخطوة التي أخذها الحزب بالتحالف مع حزب العدالة والتنمية (الحاكم)، مهدت له الطريق للتوسع والانتشار بقوة، رغم أنه على الساحة من 2012، لكن دخوله إلى البرلمان فتح له بابا جديدا وعرف الكثير من الجماهير عليه".
وأضاف: "نحن كحزب متمسكون بقواعد أساسية نجعلها ميثاق عملنا على الساحة السياسية والاجتماعية، أولها الإنسانية، وأن الإنسان هو مركز العمل".
وأردف: "لا نفرق بين الإنسان على أساس لغة أو عرق أو دين، فالتركي والكردي والعربي والمسلم والمسيحي جميعهم سواء، لهم نفس الحقوق".
وأتبع: "ثانيا نحن مسلمون والإسلام هو المنبع الذي نأخذ منه الأفكار كحزب سياسي، وكل قرارتنا وسياستنا في ضمن سياق ديننا".
وتابع أنه "إذا وجدنا شيئا يخالف الإسلام نبتعد عنه، كما نهتم بإقامة العدالة داخل الدولة وهذا المبدأ الثالث".
ولفت إلى أنه "يجب على الدولة أن تكون عادلة بين مواطنيها، وإذا اختل هذا المبدأ عندها تنهار وتسقط، ونشدد أن حزب الهدى تدور أولوياته حول هذه المبادئ الثلاث".
واستطرد الإعلامي التركي أن "الحزب عندما انطلق من المناطق الشرقية، كانت البيئة صعبة جدا، لأن هناك فئة في الشرق (حزب العمال الكردستاني) تريد أن تأخذ حقوقها بقوة السلاح والعنف، وهذا مبدأ مرفوض عندنا شكلا ومضمونا، لأنه يعطي المجال للقوى الإمبريالية أن تتدخل في شؤون عالمنا الإسلامي وتعيث به فسادا".
دماء على الطريق
وعقب: "لذلك فإن الحزب عندما جرى تدشينه في هذه الأجواء ومعارضته حمل السلاح، وحرصه على إرساء المبادئ التي تحدثنا عنها، واجه طريقا صعبا ومقاومة شرسة من الأطراف الأخرى".
"حتى إنه في أول 3 سنوات، استشهد 12 أخا من مؤسسي الحزب في تلك المناطق على يد العناصر الإرهابية، وحتى وقت قريب أحيانا تتعرض مقرات الحزب لهجوم واعتداء، كما حدث في مرسين قبيل الانتخابات الأخيرة (2023) وجرح 3 أعضاء من حزب الهدى"، وفق قوله.
وتحدث كزلجنار عن الهجوم الإعلامي والسياسي الذي تعرض له حزب العدالة والتنمية بسبب تحالفه مع حزب هدى بار، قائلا: "العلمانيون وأصحاب الأجندات المعادية لنا يكرهوننا، ويشنون ذلك الهجوم الشرس علينا، لأنهم يعلمون أن أفكارنا تنتشر وتلقى رواجا".
وواصل حديثه قائلا: "ولولا هذا ما أعارونا اهتماما، فالحزب قبل سنوات كثيرة، لم يكن الأتراك يعرفونه، لكنه اليوم يضم عشرات الآلاف".
وقال: "للحزب اليوم مقرات في أكثر من 55 ولاية، غير 4 أعضاء في البرلمان، وقنوات ومجلات إعلامية، وهذا أمر مقلق لهم ويدعوهم لمناهضة الحزب قبل أن يتوسع أكثر".
وأورد أنه: "لمن لا يعلم، أغلب المعارضة التركية على الساحة الآن، تمتلك تاريخا معاديا للدين وللأفكار الإسلامية، وكانت تحارب الحجاب والمساجد والمظاهر الدينية على الدوام".
ولذلك لا يمكنها تقبل أحزاب مثل هدى بار، أو الرفاه الجديد بقيادة فاتح نجل الزعيم الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان، بحسب الصحفي التركي.
واختتم بالقول إن "طريق الحزب لا يزال طويلا نحو تحقيق الإصلاح المنشود، وإن رؤيته الخارجية تتفق مع التقارب أكثر نحو العالم الإسلامي، ومصالح الدولة التركية".
ولفت إلى أن "الدولة يجب أن تقيم علاقات تضمن مصالحها، وإذا وجه ضررا لدولة إسلامية أو المسلمين في كل مكان، يجب أن تكون تركيا في صف الدفاع عنهم، ورفع الظلم الواقع عليهم".