"اشتد عوده".. هل يستطيع النظام السوري استعادة نفوذه في لبنان بعد تعويمه عربيا؟
يتنفس الصعداء حلفاء النظام السوري في لبنان بعد إعادة دمشق لشغل مقعدها في الجامعة العربية بقرار من وزراء الخارجية العرب في 7 مايو/أيار 2023.
وقد تفتح هذه الاستدارة العربية تجاه نظام بشار الأسد، الباب لإعادة اشتداد عوده في لبنان الغارق في أزمات سياسية واقتصادية مركبة.
ويأمل الموالون لرأس النظام السوري، في أن تسهم عودة علاقاته مع السعودية في تقوية موقف الكتل السياسية اللبنانية الطامحة لإعادة انتخاب رئيس جديد للبنان موالٍ لها.
تعطش الحلفاء
وما تزال القوى القريبة من نظام الأسد في لبنان عاجزة عن الدفع بخليفة "مطمئن لها" منذ مغادرة الرئيس ميشال عون نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022 لقصر بعبدا الرئاسي في العاصمة بيروت.
وفي موقف يدل على تعطش حلفاء الأسد للعب النظام السوري من جديد دورا مؤثرا في لبنان لصالحهم، رأى زعيم "حزب الله"، حسن نصر الله، أن "الحكومة اللبنانية مطالبة بإعادة العلاقات الطبيعية مع سوريا، لأن ذلك يفتح كثيرا من الأبواب لحل مشكلات ملحة في لبنان، ولم تعد هناك حجة على الإطلاق بعدما عاد كل العرب إلى سوريا".
ونصح نصر الله أبرز حلفاء الأسد والذي زج بمقاتليه منذ عام 2012 بسوريا لمنع سقوط حكمه، السلطة الحاكمة في لبنان بالذهاب "إلى دمشق قبل أن يذهب الرئيس الأسد إلى قمة الرياض"، وفق كلمة مصورة بثت في 12 مايو/أيار 2023.
وتلقى رئيس النظام السوري دعوة رسمية من السعودية للمشاركة في القمة العربية المقرر انعقادها بمدينة جدة في 19 مايو/أيار 2023، سلمها له سفير الرياض في الأردن، نايف بن بندر السديري، في العاشر من الشهر المذكور.
ووقتها قال الأسد للسديري إن "انعقاد القمة العربية المقبلة في السعودية سيعزز العمل العربي المشترك لتحقيق تطلعات الشعوب العربية".
وخلال حديثه، أعاد نصر الله التذكير عن دعمه لمرشحه المعتمد لرئاسة لبنان وهو رئيس تيار المردة، سليمان فرنجية، الذي وصفه بأنه "مطمئن للمقاومة"، لكن فرنجية ما يزال يواجه رفضا من تيارات وأحزاب مناهضة لحزب الله.
وقال نصر الله: "هناك تطور إيجابي في ملف الاستحقاق الرئاسي"، مشيرا إلى أن فرنجية "ليس مرشح صدفة بالنسبة إلينا، بل هو مرشح طبيعي وجدي".
وفرنجية (58 عاما) نائب ووزير سابق، يُعد من بين حلفاء حزب الله البارزين، وهو صديق شخصي لرئيس النظام السوري.
وفشل البرلمان منذ انتهاء ولاية الرئيس عون نهاية أكتوبر 2022، خلال 11 جلسة عقدها في انتخاب رئيس جديد، وسط انقسام سياسي بين فريق مؤيد لحزب الله وآخر معارض له.
وفي الوقت الراهن، معادلة التوافق على اسم الرئيس القادم "معدومة تماما"، خاصة أن رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، المناهض للأسد وحزب الله، قال خلال حديث تلفزيوني في 23 أبريل 2023، إن "حزب الله وحلفاءه لديهم معادلة إما فرنجية أو لا رئيس، لذلك المسافة بعيدة لانتخاب رئيس".
نفوذ ضائع
وضمن حالة الاستعصاء السياسي بلبنان، يعول حلفاء الأسد على الأخير، في تحقيق مقاربات جديدة في الملف اللبناني تصب في صالحهم، وذلك لتاريخ النظام الطويل في لبنان خلال عهد الوصاية والتبعية الأمنية السياسية.
وأيام وصاية النظام السوري على لبنان، يعدها اللبنانيون من أكثر الحقب الزمنية "دموية وقتامة"، والتي ذاقوا فيها أبشع أنواع التنكيل والقتل والاغتيال والتي استمرت من عام 1976 وحتى 2005.
وتحت غطاء الجامعة العربية، دخل الجيش السوري إلى لبنان، في ديسمبر/كانون الأول 1976، بينما كانت نار الحرب الأهلية مستعرة منذ عام، والهدف السوري المعلن وقتها هو وضع حد للحرب، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبلها.
لكن الضربة القاضية لوجود النظام السوري في لبنان جاءت في 5 مارس/آذار 2005، حينما ألقى الأسد خطابا أمام مجلس الشعب أعلن فيه قرار سحب قواته من لبنان، وهو ما اكتمل في 26 أبريل من العام نفسه.
وأتى قرار الانسحاب في ظل احتجاجات شعبية في لبنان، أعقبت اغتيال رئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري، في 14 فبراير/شباط 2005، في تفجير بالعاصمة بيروت، مع اتهامات لنظام الأسد بأنه وراء اغتياله، بالإضافة إلى اغتيالات متتالية استهدفت شخصيات سياسية وإعلامية وقتها.
ومع انتهاء "وصاية النظام السوري" على لبنان حلت محلها وصاية حليفته إيران، الداعمة لـ"حزب الله" بالمال والسلاح.
ومنذ ذلك الحين، خبت نفوذ النظام السوري في لبنان، إلى أن اندلعت الثورة السورية في مارس/آذار 2011، والتي دفعت الأسد للاستنجاد بحزب الله لمساندة قواته في قمع الثورة.
ومن أبرز دلائل ذلك لاحقا في المشهد اللبناني، فشل حلفاء نظام الأسد في حصد الأغلبية في الانتخابات البرلمانية اللبنانية منتصف مايو/ أيار 2022.
مما شكل انتكاسة لعودته إلى هذا البلد الذي خرج منه جيشه عام 2005، كما أظهرت الانتخابات كـ"بالون اختبار" على وجود جبهة صلبة رافضة لعودة نفوذ النظام السوري إلى لبنان من أي باب.
كما أنه من دلائل هشاشة نفوذ نظام الأسد في لبنان، عجزه عن استرداد أمواله التي وضعت في البنوك اللبنانية وتتبع لشبكته الاقتصادية بعد تفجر الأزمة الاقتصادية في لبنان، وهذا ما دفع الأسد شخصيا للمطالبة بها بشكل صريح.
وقال الأسد في 17 يوليو/ تموز 2021، إن بعض التقديرات تشير إلى وجود ما بين 40 مليار دولار و60 مليارا من الأموال السورية المجمدة في لبنان.
وأضاف حينها في تصريح صحفي: "كلا الرقمين كاف لإحباط اقتصاد بحجم اقتصادنا".
أصوات رافضة
وأمام هذه المعطيات، فإنه مع عودة النظام السوري إلى الحضن العربي، بدأت بعض الأصوات اللبنانية تتعالى لتسريع العلاقة مع النظام السوري بعد سنوات من برود العلاقة حفاظا على ماء وجه بيروت أمام السعودية والولايات المتحدة.
وفي لبنان هناك من يطالب بمواكبة لبنان للانفتاح العربي مع نظام الأسد لحل كثير من الملفات المرتبطة بسوريا، سواء المرتبطة باللاجئين، أو ملف الحدود بشقيه المتصل بالتهريب المؤثر على اقتصاد البلاد، وكذلك الترسيم الحدود البرية والمائية.
لكن بالمقابل هناك من ينادي بأن تستغل بيروت عودة نظام الأسد للجامعة العربية بما يصب في مصلحة لبنان لا في مصلحته.
وفي هذا السياق، يرى الكاتب اللبناني بسام أبو زيد، في مقال نشره عبر موقع "نداء الوطن" في 9 مايو/أيار 2023، أنه "يجب أن يصر الطرف اللبناني على إقفال كل المعابر غير الشرعية مع سوريا وضبط هذه الحدود من الجانب السوري لمنع عبور أي ممنوعات أو أشخاص".
ومضى يقول: "يجب أن يأتي ضبط الحدود في سياق عملية سياسية تضعها من الجانب اللبناني في الشمال والشرق تحت السيادة اللبنانية كاملة بحيث لا تشكل ممرا لمشروع سياسي آخر للبنان والمنطقة يفرض بقوة السلاح".
ويشارك لبنان في لجنة المتابعة العربية مع سوريا من أجل تطبيق برنامج "الخطوة مقابل خطوة" في سياق تعزيز عودتها إلى جامعة الدول العربية.
وهنا ذهب أبو زيد للقول إن "مشاركة لبنان في هذه اللجنة هي فرصة فريدة من نوعها كي يظهر الجانب اللبناني أنه ليس تابعا لسوريا، وأن مصالحه تتقدم على المصلحة السورية في لبنان، وأن التعاطي معه يفترض أن يكون على هذا الأساس فتتوقف التدخلات السورية على المستويات الأمنية والسياسية وغيرها".
وتابع: "فقد آن الأوان أن تنهي السلطات اللبنانية حقبة من التبعية لسوريا ليس في إطار العداء بين البلدين والاستقواء بل في إطار احترام سيادة ودستور وحقوق البلدين".
وصاية إيرانية
ولهذا فإن تحسين علاقات النظام السوري مع الدول العربية بعد قرار إعادته للجامعة العربية، يخشى أن يستغل النظام ذلك لإحياء نفوذه في لبنان كونها البوابة الخلفية لأمواله وعلاقاته المشبوهة.
لكن رغم محاولة السعودية والولايات المتحدة موازنة الكفة مع إيران، إلا أن هناك من ينظر بخشية إلى حدوث طلب من المسؤولين اللبنانيين مساعدة من سوريا مجددا لحل الأزمات التي تحل بلبنان في ظل تخوف من حصول اضطرابات أمنية في المرحلة المقبلة بسبب الأزمات المالية والاقتصادية.
وضمن هذه الجزئية، يشير الكاتب والباحث السياسي اللبناني، أسعد بشارة، إلى أن "نفوذ النظام السوري لم ينقطع في لبنان رغم أنه ضعف كثيرا بل واستبدل بالنفوذ الإيراني".
وأضاف بشارة لـ"الاستقلال" أن "عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية لا أعتقد أنها ستغير كثيرا في معادلة علاقته مع لبنان، كون لبنان خاضعا عمليا للوصاية الإيرانية، ولن تسمح طهران لنظام الأسد بهوامش أكبر لعودة النظام السوري والتحكم بمفاصل السلطة".
ومضى يقول: "نحن أمام استمرار المعادلة كما هي في لبنان إلا إذا قرر النظام المبادرة إلى تحسين علاقته بشكل جذري مع لبنان عبر احترامه كدولة، وهذا من غير المتوقع أن يحدث لكون النظام لن يغير سلوكه بين ليلة وضحاها".
بدوره، رأى الكاتب السوري، عمار جلو، أن "موقف النظام في لبنان سيقوى بعد عودته إلى الجامعة العربية لكونه خبَت من الأساس ولم يضعف، ولا سيما أن الطرف المسيطر على لبنان هو حليفه حزب الله".
وأضاف جلو لـ"الاستقلال" أن "النقطة الأبرز الآن في نظرة نظام الأسد إلى لبنان البلد الهام له إستراتيجيا تتمثل بمدى قوة سلطة الأسد على حزب الله في الوقت الرهن، لأن الحزب اليوم يعد نفسه هو أحد الأطراف التي منعت سقوط حكم الأسد".
واستدرك: "معادلة ما قبل عام 2005 لدى حزب الله تختلف عن معادلة 2012 حينما تدخل عسكريا وما يزال له ثقل عسكري كبير في أراض سورية محاذية للبنان".
وألمح جلو إلى أن "ما سنشهده هو ظهور مواقف النظام السوري من لبنان بشكل رسمي، ولا سيما أن سوريا هي أحد الدول الرئيسة في المشروع الأميركي لمد لبنان بالطاقة من مصر والأردن عبر الأراضي السورية باستثناء خاص لهذا المشروع من قانون قيصر الأميركي المصمم لمعاقبة نظام الأسد والمتعاونين معه".
وختم بالقول إن "النظام السوري سيعمد إلى استغلال العامل الاقتصادي لصالح السياسة وفك عزلته دوليا أكثر فأكثر بعد أن فكها عربيا بشكل رسمي رغم امتعاض واشنطن، وبالتالي فإن هذا الانفتاح العربي سيمنح ساسة لبنان للتعامل بأريحية مع الأسد دون تحفظات خشية إثارة غضب دول الخليج".