"ملف الهجرة".. هكذا تسببت فرنسا في تسميم العلاقات مجددا مع إيطاليا
سلطت صحيفة إسبانية الضوء على الأزمة التي اندلعت بين باريس وروما، التي طالب وزير خارجيتها، أنطونيو تاجاني، باعتذار من وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين بعد اتهامه رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني بأنها "غير قادرة على حل مشاكل الهجرة".
وقالت صحيفة "الباييس" إن "مسألة الهجرة عادت مرة أخرى لتثير التوترات بين فرنسا وإيطاليا بعد ستة أشهر فقط من الأزمة الدبلوماسية الأخيرة بين البلدين".
وبعد تصريحات السياسي الفرنسي التي اتهم فيها ميلوني، ألغى تاجاني زيارة كان يعتزم أداءها في 4 مايو/ أيار 2023 إلى باريس.
موضوع ساخن
ولفتت "الباييس" إلى أن "مسألة الهجرة تعد موضوعا ساخنا في كلا البلدين الأوروبيين. بينما أعلنت إيطاليا حالة الطوارئ بسبب زيادة عدد المهاجرين الوافدين على شواطئها، أجلت الحكومة الفرنسية قانون الهجرة حتى الخريف القادم، بسبب نقص الدعم البرلماني".
ونوهت الصحيفة بأن "دارمانين، أحد الوزراء الأكثر ميلا إلى اليمين في حكومة إيمانويل ماكرون، قام مرة أخرى بتسميم العلاقات بين اثنين من الشركاء المؤسسين للاتحاد الأوروبي".
وخلال مداخلة في إذاعة "أر إم سي" الفرنسية في 4 مايو 2023، قال دارمانين إن " ميلوني، من الحكومة اليمينية المتطرفة، التي انتخبها أصدقاء (الفرنسية) مارين لوبان، غير قادرة على حل مشاكل الهجرة، المسألة التي انتخبت من أجلها".
وتابع: "ميلوني مثل لوبان، جرى اختيارها على أساس تكهنات، وما نراه الآن هو أن الهجرة لا تتوقف وتتضخم".
بعد ساعات قليلة فقط، ألغى تاجاني، وهو أيضا نائب رئيس الوزراء في حكومة ميلوني، زيارة كانت مقررة إلى باريس للقاء نظيرته الفرنسية، كاثرين كولونا.
وأشار المسؤول الإيطالي في تغريدة على "تويتر" قائلا إن "الإساءة التي وجهها الوزير دارمانين إلى حكومة روما غير مقبولة، ليست هذه هي الروح التي يجب أن نواجه بها التحديات الأوروبية المشتركة".
وعقب تصريحات دارمانين، سارعت وزيرة الخارجية الفرنسية بالاتصال بنظيرها الإيطالي وأكدت في تغريدة على تويتر أن "العلاقة بين البلدين تقوم على الاحترام المتبادل".
وأضافت: "أتمنى أن أستقبلك قريبا في باريس"، في تصريحات موجهة إلى المسؤول الإيطالي.
وناشدت الوزارة الفرنسية في بيان لها "روح التضامن" وأصرت على أن الحكومة الفرنسية تريد العمل مع إيطاليا للتعامل مع زيادة تدفقات الهجرة.
فصل جديد
في المقابل، يبدو أن هذه التصريحات الفرنسية لم تكن كافية لاستجداء العفو الإيطالي.
ودليلا على ذلك، قال تاجاني، في مقابلة مع صحيفة "إيل كورييري ديلا سيرا" في 5 مايو 2023، إن بيان باريس "لا يكفي"، وطالب الوزير الفرنسي بتقديم اعتذار له عن التصريحات التي وصفها بأنها "إهانة لا مبرر لها ومبتذلة".
ونقلت "الباييس" أن الفصل الجديد من التوترات بين البلدين يعد الأخطر من نوعه منذ خريف عام 2022، عندما رفضت إيطاليا إنزال 234 مهاجرا كانوا على متن سفينة "أوشن فايكينغ" الإنسانية، المملوكة لمنظمة "اس او اس متوسط" الفرنسية غير الحكومية.
ووافقت باريس أخيرا على السماح للسفينة بالرسو في ميناء طولون العسكري، لكن قرارها أكسبها موجة انتقادات من اليمين واليمين المتطرف.
وعلق الموقع: "في حقيقة الأمر، يهدد الاحتكاك الجديد بفتح شقاق آخر بين الحكومتين".
وأمام هذا الوضع، حاول المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، أوليفييه فيران، نزع فتيل الجدل، وأكد في مقابلة مع "سي إن نيوز" أنه "لم تكن هناك رغبة في الإساءة إلى إيطاليا".
جاءت تصريحات دارمانين المثيرة للجدل في اليوم التالي لزيارة رئيس حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، جوردان بارديلا، إلى مدينة مينتون في جنوب فرنسا.
واستغل اليد اليمنى للوبان الرحلة إلى هذه المدينة الحدودية مع إيطاليا للتنديد بما عده "تراخيا" من جانب الحكومة الفرنسية، بعد أيام من إعلان رئيسة الوزراء، إليزابيث بورن، تعبئة 150 ضابط شرطة إضافيا في المنطقة وإنشاء قوة حدودية لتوسيع القيود في مواجهة ضغوط الهجرة.
لكن بالنسبة لبارديلا، تعد الخطة "تعزيزا ساخرا تماما"، واتهم الرئيس الفرنسي ووزير الداخلية بإظهار "العجز واللامبالاة".
بحر من العقبات
بالمقابل، أرجأت الحكومة الفرنسية، مطلع مايو 2023، النقاش حول قانون الهجرة بسبب "اللحظة المتوترة" التي تمر بها البلاد بعد إعلان إصلاح نظام التقاعد غير الشعبي وبسبب نقص الدعم البرلماني.
ودون أغلبية في الجمعية الوطنية، ستحتاج الحكومة إلى دعم الحزب الجمهوري المحافظ للموافقة على قانون الهجرة، لكنها تعده "متساهلا للغاية".
بالإضافة إلى ذلك، أعرب زعيمها، إيريك سيوتي، عن أسفه لما أسماه "هجوما عديم الفائدة وعكسيا" من قبل وزير الداخلية ضد الحكومة الإيطالية.
وكانت إيطاليا البوابة الرئيسة للمهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا بشكل غير نظامي في الأشهر الأخيرة.
ووصل أكثر من 40 ألف شخص إلى البلاد منذ يناير/كانون الثاني 2023، وفقا للمنظمة العالمية للهجرة.
وخلال نفس الفترة من العام الماضي، بلغ العدد 11 ألفا و200 بحسب المصدر ذاته.
وللتعامل مع الوضع، قررت الحكومة برئاسة ميلوني، اليمينية المتطرفة، إعلان حالة الطوارئ في 11 نيسان/ أبريل 2023 لمدة ستة أشهر.
وبعد وصولهم إلى إيطاليا، يحاول جزء من المهاجرين العبور إلى فرنسا، بحسب السلطات الفرنسية.
وأكد مدير مكتب الهجرة والاندماج الفرنسي، ديدييه ليسشي، لمحطة "فرانس إنفو"، أن محاولات عبور الحدود عبر جبال الألب "قد تزايدت".
وأشار إلى أن "منظمات الإنقاذ البحري تعاني من تجريم نشاطها، وتواجه أنظمة تمنع إنقاذ المزيد من أرواح المهاجرين في البحر، في فترة أصبحت فيها مسألة الهجرة موضوعا حساسا بين الدول الأوروبية".
وتجدر الإشارة إلى أن موافقة حكومة ميلوني اليمينية المتطرفة على "حالة الطوارئ الخاصة بالهجرة" قبل شهر، تسمح لها باتخاذ قرارات دون المرور بالبرلمان والتي تتضمن إجراءات لتسهيل عمليات الطرد.
في هذا السياق، تندد المنظمات غير الحكومية بأنها لا تستطيع العمل، مثقلة بسلسلة من اللوائح التي تتجاوز القانون الدولي، ويتذكرون كيف أعلنت حكومة ماتيو سالفيني الحرب عليهم عام 2018 بمجرد فوزهم في الانتخابات.
ويضاف إلى ذلك سلسلة من القوانين التي تعرقل عملهم.
على سبيل المثال، تفاقمت مشاكل المنظمات غير الحكومية في الثاني من يناير 2023، بتمرير مرسوم أثار حتى عدم موافقة مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
وتمثل أحد الإجراءات في تخصيص موانئ بعيدة لإنزال من تم إنقاذهم من الغرق في عرض البحر، حيث كانت هذه الموانئ غالبا في مدن بعيدة عن مناطق البحث والإنقاذ.