إسرائيل تطلق قمرا اصطناعيا للتجسس على إيران ودول عربية.. لصالح من تجمع المعلومات؟
تواصل إسرائيل توسيع نشاطها الاستخباري والتجسسي بأحدث التقنيات التكنولوجية، من التجسس على الهواتف، إلى مناطيد المراقبة، وزراعة أجهزة التجسس، وصولا إلى إطلاق الأقمار الصناعية.
وتتحسب إسرائيل من أخطار مستقبلية كبرى، مع تطور نشاط المقاومة الفلسطينية داخل وخارج الأراضي المحتلة، واستمرار إيران في برنامجها النووي، ومواصلة "حزب الله" تسلحه في جنوب لبنان.
قمر جديد
وأطلقت إسرائيل في 29 مارس/ آذار 2023، القمر الاصطناعي "أوفيك 13" إلى الفضاء لأغراض التجسس، وذلك ضمن برنامج الفضاء الذي يشترك به الجيش وشركة الصناعات الجوية التابعة لوزارة الأمن.
وبحسب بيان لوزارة الأمن، فإن عملية إطلاق القمر الاصطناعي تمت من قاعدة "بلماحيم" الجوية قرب مدينة ريشون لتسيون.
وأوضحت أن عملية الإطلاق تمت باستخدام قاذفة أقمار صناعية من نوع "شافيت"، من صاروخ تجريبي وسط الأراضي المحتلة.
واستخدمت قاعدة بلماحيم لإطلاق صاروخ شافيت للفضاء إلى مداره من خلال إطلاق فوق البحر الأبيض المتوسط، وذلك حتى لا يمر من فوق أي دولة بجوار كيان الاحتلال، وهذا يضمن سقوط حطام الصاروخ في المياه.
وأشار البيان إلى أن القمر الاصطناعي الجديد مطور بقدرات استخباراتية عالية، وعند دخوله لمدار الأرض سيخضع لسلسلة اختبارات للتأكد من مستوى أدائه، وتستخدم إسرائيل تلك الصواريخ للتجسس على إيران والدول العربية وغيرها.
وعقب الإطلاق وفي تغريدة على "تويتر"، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو: "أبارك الإطلاق الناجح للقمر الصناعي أوفيك 13 إلى الفضاء، لقد عملنا على هذا لفترة طويلة، ونقوم بترقية منظومة أمننا".
بدوره، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، الذي كان حاضرا في غرفة التحكم عند إطلاق القمر الصناعي، إنه "إنجاز مهم لا مثيل له، ولقد أثبتت إسرائيل بالفعل عدة مرات قدراتها المتنوعة في مجال الفضاء، وهي من بين قائمة محدودة من الدول التي تمتلك هذه القدرات".
وأضاف: "سنستمر في إثبات أن السماء ليست الحد الأقصى لجهاز الأمن الإسرائيلي، الذي يعمل على تحسين قدراته العملياتية في جميع الأبعاد وفي مواجهة مجموعة متنوعة من التحديات".
وذكرت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية "كان" أن "أوفيك 13، هو قمر للرصد بالرادار بقدرات متطورة، وعند دخوله إلى مدار حول الأرض سيخضع لسلسلة من الاختبارات المصممة للتحقق من سلامته ومستوى أدائه".
وأفادت الإذاعة بأن "وزارة الأمن تتولى تطوير وإنتاج القمر الاصطناعي والقاذفة، من خلال مديرية الفضاء في الجيش، فيما شاركت أطراف مختلفة من الجيش في التطوير، بما في ذلك الوحدة 9900 في شعبة الاستخبارات والقوات الجوية".
وأوضحت أن "الصناعات الجوية الإسرائيلية، هي المنفذ الرئيس لمشروع القمر الاصطناعي أوفيك 13، وذلك بالتعاون مع قسم أنظمة الفضاء والصواريخ، وقسم (ألتا) ومصانع أخرى في الشركة، فيما أنتجت شركتا (تومر) و(رافائيل) محركات إطلاق الصواريخ".
الجدير بالذكر أنه بداية عام 2023، قرر سلاح جو الاحتلال زيادة قدراته في مجال الفضاء العسكري، ووضعه تحت "إدارة الفضاء" التي يديرها ضابط برتبة مقدم، ومهمتها زيادة نشاط جيش الاحتلال العسكري في الفضاء.
قدرات أوفيك 13
ويحظى القمر الذي يراهن عليه جيش الاحتلال بالعديد من المميزات النوعية حسب ما أوردته مديرية الفضاء الإسرائيلية.
وقال رئيس مديرية الفضاء في وزارة الحرب الإسرائيلية، آفي بيرغر، إن "أوفيك 13 تنتج صورة اصطناعية، على عكس التقاط الصورة التي تتطلب مصدرا للضوء، فإن تقنية القمر الصناعي تنتج الضوء من الرادار نفسه، بحيث يرسل شعاعا إلى الأرض، والانعكاس والتغييرات فيه يجعل من الممكن إنشاء صورة كما نراها من كاميرا بصرية".
وأضاف: "بمساعدة القمر الصناعي نستطيع أن نرى في الضوء وفي الظلام، ويمكننا اختراق الغيوم والتقاط الصور في أي ظروف جوية".
وتابع: "إن القمر الصناعي يبحر بالفعل في الفضاء ويصدر مؤشرات ناجحة، ويستعد لتلقي المهمات منا".
ولفت إلى أن "إطلاق القمر الصناعي يتيح لإسرائيل القدرات التكنولوجية التي تمتلكها دول قليلة في العالم، ومدار القمر الصناعي هو المدار الذي قصدناه، فهو يمر فوق الأرض مرة كل ساعة ونصف، ويتحرك في مسار يمر أيضا فوق سوريا وإيران في مداره".
ووفقا لقسم أنظمة الصواريخ والفضاء في الصناعات الجوية الإسرائيلية، فإنه تم بناء وتطوير مدار أفق 13، بحيث يدور حول سطح الأرض مرة كل 90 دقيقة، بحيث طور أيضا ليتحرك في مسار يمر فوق سوريا وإيران.
بدوره، قال المختص في الشأن الإسرائيلي، عادل ياسين، إن "إطلاق قمر التجسس أوفيك 13 هو استمرار للجهود التي تقوم بها إسرائيل لتطوير قدراتها التجسسية والتي بدأت محاولاتها منذ سبعينيات القرن الماضي".
"فهي تمتلك حتى هذه اللحظة ثمانية أقمار تجسس لأغراض أمنية تتعلق بجمع المعلومات ومتابعة تحركات أعدائها".
وأضاف في حديث لـ"الاستقلال" إن "إسرائيل تعد تطوير هذا المجال أحد العوامل المهمة للحفاظ على تفوقها العسكري وتعزيز مكانتها الدولية، ومحاولة لردع أعدائها من خلال استعراض القدرات الاستخباراتية وتهويلها قدر الإمكان".
من المستهدف؟
وأوضح المختص أن "حركة قمر التجسس أفق 13 وتركيزه على إيران وسوريا يعني أن الهدف هو متابعة تحركات إيران في مجالين، أولهما تهريب الأسلحة إلى سوريا ولبنان، والعمل على إحباطها، وهو ما تقوم به فعليا من خلال المعركة بين الحروب".
وتابع: "المجال الثاني هو جمع معلومات عن منشآت إيران النووية – وهنا نطرح السؤال – ما فائدة القدرات والمعلومات التي يتم جمعها عن منشآت طهران النووية إن لم تمتلك إسرائيل القدرة على تنفيذ تهديداتها التي سمعناها منذ سنوات طويلة".
وأكد ياسين أن "الهدف من جمع المعلومات عن منشآت إيران هو تقديمها للولايات المتحدة ودول الغرب، لتعزيز الرواية الإسرائيلية حول خطر المشروع النووي الإيراني، ومحاولة لإقناعها بتشديد العقوبات عليها، أو طرح الخيار العسكري على الطاولة لتهديدها وإجبارها على القبول باتفاقيات تنسجم مع الرؤية الإسرائيلية".
وشدد على أن "تركيز حركة قمر التجسس حول إيران وسوريا يكشف مدى خشية إسرائيل من زيادة نفوذ طهران في المنطقة، وقلقها من وصول أسلحة كاسرة للتوازن إلى حزب الله".
وأوضح أن "إسرائيل تسلط أدواتها التجسسية في الشرق الأوسط وعلى الدول العربية، والدول المطبعة ليست استثناء من النشاط التجسسي".
وأضاف الكاتب "يكفي أن نذكر ما قاله زعيم حزب إسرائيل بيتنا، أفيغدور ليبرمان، بأن إسرائيل لا تعرف للوفاء والصداقة معنى، وقد ثبت ذلك من خلال عمليات التجسس على الولايات المتحدة فيما يعرف بقضية جوناثان بولارد".
وتابع: "لذلك يمكن القول بأن جهود إسرائيل لجمع المعلومات ليس لها حدود، فهي تطال القريب والبعيد العدو والصديق، لأنه كيان يشعر دائما بالخوف مما هو قادم".
و"بولارد" وهو محلل استخبارات مدني سابق في القوات البحرية الأميركية، اعتقل عام 1986 من قبل الأمن الأميركي بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، وحكم عليه بالسجن 30 عاما.
من جانبه، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية، سعيد بشارات، إن "إسرائيل لديها قائمة كبيرة من المستهدفين بمشاريع التجسس، ومن ضمنهم كل جماعة أو دولة تقاوم الاحتلال، أو تتواجد على أرضها فصائل مقاومة، وهذا الأمر ينتهجه الاحتلال منذ عقود".
وأضاف لـ"الاستقلال" أن "الأقمار الصناعية للاحتلال تغطي الأراضي الفلسطينية وبالتحديد قطاع غزة، وكذلك تتركز على إيران وسوريا ولبنان كأولوية، ودائما ما تزود وحدات المخابرات الإسرائيلية وجيش الاحتلال بمعلومات ومواقع تشكل تهديدا".
وأوضح بشارات أن "قمر أفق 13 لديه قدرات عالية جدا، ويحصل على صور دقيقة رغم الظروف الجوية، ويصور بالليل ويتمكن من كشف الأجسام كافة على الأرض وتشخصيها وتحليلها مباشرة".
وتابع: "سيستخدم القمر الصناعي أيضا لكشف محاولات التهريب ونقل السلاح، وكذلك كشف منصات الصواريخ، ومراقبة دائمة ولحظية لمن تعدهم إسرائيل أعداءها الأكثر خطورة".
وشدد الخبير على أن "التطبيع لا يعفي الدول العربية من أنها هدف للتجسس الإسرائيلي، بل إنها ستصبح أكثر قدرة على تنفيذ عمليات التجسس وأن تتخذ منها منصة انطلاق للتجسس على دول أخرى".
وسبق إطلاق "أوفيك 13" إطلاق قمر تجسسي آخر في يوليو/ تموز 2020، حمل اسم "أوفيك 16" وكان أيضا لأغراض التجسس، حيث يعمل بتقنية كهروضوئية ويتمتع بقدرات متطورة للغاية، وتم استخدامه لرصد التهديدات التي تواجه إسرائيل والتي تتطلب مراقبة مستمرة.
وكانت إسرائيل أطلقت أول قمر اصطناعي لأغراض التجسس، "أوفيك 1" وامتدت سلسلة من التجارب الفاشلة والناجحة وصولا إلى "أوفيك 13".
تاريخ الأقمار
الجدير بالذكر أن إطلاق أول الأقمار الصناعية الإسرائيلية "أوفيك 1" كان في 19 سبتمبر/ أيلول 1988 و"أوفيك 2" في 23 أبريل 1990.
ولم يستغرق تحليق القمرين سوى عدة أشهر قبل أن يسقطا في الغلاف الجوي ويحترقا.
ثم أرسل الاحتلال "أوفيك 3" عام 1995 ويعد أول قمر صناعي للتصوير، واستمر عمله لمدة 5 سنوات قبل أن يتفكك ويتحطم عام 2000.
وكذلك تحطم كل من "أوفيك 4" الذي انطلق عام 1998 و"أوفيك 6" الذي انطلق في 6 سبتمبر 2004 خلال عملية الإطلاق.
أما الأقمار الصناعية العسكرية الإسرائيلية التي لا زالت في الخدمة، هي "أوفيك 5" المتخصص في التصوير العسكري وأطلق في 28 مايو 2002.
وكذلك قمر التصوير العسكري "أوفيك 7"، الذي انطلق في 11 يونيو 2007.
والقمر الصناعي العسكري "تكسار"، الذي انطلق في 21 يناير 2008، وهو القمر الوحيد في سلسلة "أوفيك" الذي لم يُطلق من الأراضي المحتلة بصاروخ "شافيت"، بل من الهند بقاذفة "بي إس إل".
وأطلق قمر التصوير العسكري "أوفيك 9" في يونيو 2010، والقمر الصناعي "أوفيك 10" في 9 أبريل 2014.
فيما أطلق قمر التصوير العسكري "أوفيك 11" في 13 سبتمبر 2016 من قاعدة "بالماحيم"، وقمر التصوير العسكري "أوفيك 16" في 6 يوليو 2020 من قاعدة "بالماحيم".
وأخيرا "أوفيك 13" الذي انطلق في 29 مارس 2023 أيضا من قاعدة "بالماحيم".