رغم دعم حزب الله وحركة أمل.. لماذا تراجعت فرنسا عن ترشيح فرنجية لرئاسة لبنان؟

12

طباعة

مشاركة

بعد حراك سياسي مكثف، يبدو أن فرنسا لم تنجح في كسر حالة الجمود الرئاسي في لبنان والخروج بصيغة توافقية حول اسم يملأ الشغور الرئاسي المتواصل منذ 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

ومنذ أشهر، وتسعى فرنسا إلى التسويق لمرشحها المفضل وهو رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، الذي حط في باريس مطلع أبريل/ نيسان 2023، والمدعوم أيضا من قبل جماعة "حزب الله" وحركة أمل الشيعيتين. 

وفرنجية (58 عاما) نائب ووزير سابق، يُعد من بين حلفاء حزب الله البارزين. وهو صديق شخصي لرئيس النظام السوري بشار الأسد.

تراجع فرنسي

وأمام حديث وسائل إعلام لبنانية عن دعم فرنسي محتمل للوزير السابق سليمان فرنجية لمنصب رئيس الجمهورية الشاغر منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وجدت باريس نفسها مضطرة لرفع الحرج عنها.

إذ أكدت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية آن-كلير لوجاندر خلال مؤتمر صحافي بتاريخ 20 إبريل/نيسان 2023، أنه "ليس لديها أي مرشح في لبنان" لرئاسة الجمهورية، وعلى اللبنانيين اختيار قادتهم".

وأكدت المتحدثة أن "على الجهات اللبنانية تحمل مسؤولياتها وكسر الجمود السياسي لانتخاب رئيس جديد بسرعة"، مضيفة أن الشغور "يلقي بظلاله أولا على الشعب اللبناني".

ويعود سبب الشغور الرئاسي في لبنان، لعدم اتفاق الطبقة السياسية المنقسمة بشدة حول الاسم الذي سيدخل قصر بعبدا.

وعلى الرغم من أن الثنائي الشيعي حركة "أمل" و"حزب الله" أعلنا تأييدهما لترشح فرنجية للرئاسة، إلا أنه يواجه برفض كبير من باقي القوى التي تملك بيضة القبان داخل قبة البرلمان لتأمين نصاب انتخابه.

وبات رئيس "تيار المردة"، فرنجية، المقرب من محور إيران والنظام السوري، هو خيار "حزب الله" الذي يصر على أن يكون الرئيس القادم للبنان "مطمئنا للمقاومة".

وأعلن حزب الله على لسان زعيمه حسن الله، في كلمة ألقاها عبر الشاشة خلال احتفال حزبي بتاريخ 6 مارس/ آذار 2023، دعمه فرنجية للوصول إلى سدة الرئاسة في لبنان.

وسبق ذلك بيومين موقف مماثل من حليف حزب الله، رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي كشف رسميا عن تبني ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية.

وفشل البرلمان منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون نهاية أكتوبر 2022، خلال 11 جلسة عقدها في انتخاب رئيس، وسط انقسام سياسي بين فريق مؤيد لحزب الله وآخر معارض له.

كما أن نائب أمين عام حزب الله، نعيم قاسم، غرد بتاريخ 23 أبريل قائلا: "الصورة على حالها منذ ستة أشهر، مرشح رئاسي لديه عدد وازن من أصوات النواب هو الوزير السابق سليمان فرنجية، ومرشح تبحث عنه كتل تصنف نفسها في المعارضة ولم تصل إلى اتفاق عليه حتى الآن".

وراح يتابع واضعا لبنان إمام انتخاب فرنجية أو الدخول في فراغ طويل قائلا:"البلد أمام مرشحين: أحدهما جدي والآخر هو الفراغ، وكل المؤشرات المحلية والتطورات الإقليمية لا تنبئ بتغيُر المشهد، لنحسم خيارنا اليوم باختيار الأقرب إلى الفوز بالرئاسة". 

ممانعة مسيحية

ويرى مراقبون لبنانيون، أن فرنسا اضطرت إلى إعلان موقفها من مرشح الرئاسة، لإدراكها بأن غياب التوافق المسيحي على الاسم سيقود إلى خلق الرئيس الجديد أزمة بدل أن يكون بداية لحل أزمة لبنان الاقتصادية، وخاصة في ظل الرفض القطعي لحزب "القوات اللبنانية" المسيحي الماروني لتولي فرنجية الرئاسة.

لا سيما أن هناك كتلة وزانة في لبنان تريد رئيس جديد يعمل على إعادة وصل علاقات لبنان بالعالمين الغربي والعربي والعمل على عدم تغيير هوية البلد، وألا يكون منتميا لمحور معين يسير وفق توجيهاته ومصالحه.

ويرفض أغلبية النواب المسيحيين وصول فرنجية للرئاسة، وهذه أكبر العقبات التي تقف أمام عبوره، لا سيما أن البطريرك الماروني اللبناني بشارة بطرس الراعي، يصر على عدم السير بأي اسم رئاسي إلا والأغلبية المسيحية موافقة على هذا الاسم.

بينما يراقب التيار الوطني الحر المسيحي الماروني بقيادة جبران باسيل المشهد، ويقف حاليا في مواجهة حزب الله وحلفائه وحزب القوات اللبنانية وحلفائه، ويرى محللون أنه يراهن على صدام بين هذه الأطراف تعيده للمشهد بعد رحيل رئيسه السابق عون.

وهذه المعادلة معدومة تماما، وخاصة أن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع قال في حديث تلفزيوني بتاريخ 23 إبريل 2023، إن "حزب الله وحلفاءه لديهم معادلة إما فرنجية أو لا رئيس، لذلك المسافة بعيدة لانتخاب رئيس".

ومضى يقول: "نحن اليوم في قعر جهنم ولسنا مستعدين لانتخاب رئيس يبقينا في قعر جهنم وهذا ما نعمل عليه"، مضيفا "نؤمن النصاب إلا في حالة واحدة إذا وجدنا أن مرشح الممانعة سيؤمن له 65 صوتا".

ورأى جعجع الرافض لوصول فرنجية لرئاسة لبنان، أن "هناك صفقة اقتصادية بين فرنسا وحزب الله تبدأ بالنفط والغاز وصولا إلى مرفأ طرابلس".

وأضاف: "الفرنسيون يقومون بمعركة فرنجية وإذا فعلا لديهم 65 صوتا فليدعوا إلى جلسة لانتخاب رئيس، ولا صحة لتغيير موقف السعودية أو ليونة أميركية، وفي حال انتخاب فرنجية ستقفل الأبواب أكثر في وجه لبنان أمام الدول العربية".

وأوضح جعجع أن "فرنسا من أصدقاء لبنان القليلين الذين يهتمون بالشأن اللبناني لكن هذه المرة أنا حزين عليها وليس منها".

ومضى يقول: "فارتباط اسمها بمرشح حزب الله لا يعكس حقيقتها الديمقراطية، أضف إلى موقف البطريرك الراعي، فكيف تخرج باريس عن الوقائع في ظل رفض معظم اللبنانيين لفرنجية؟!".

مقاربة فاشلة

وكانت الصحفية ميسم رزق قد كشفت بمقال لها في 3 أبريل 2023 بصحيفة "الأخبار"، أن "التصعيد الكبير من جانب سمير جعجع، ضد ترشيح فرنجية أتى بطلب من السفير السعودي في بيروت وليد البخاري".

وكانت قد كثفت فرنسا حراكها لحسم اسم الرئيس القادم إلى لبنان، وذلك عبر مباحثات مع السعودية وقطر، قبل أن تستدعي فرنجية إلى باريس شخصيا في إبريل 2023.

إذ ذكرت وسائل إعلام لبنانية، أن فرنجية التقى في قصر الإليزيه مستشار الرئيس الفرنسي المسؤول عن الملف اللبناني باتريك دوريل.

لكن عقب عودة فرنجية إلى بيروت، لم يتغير شيء، وبدا وكأنه لم يأت ببطاقة العبور إلى قصر بعبدا.

من جانبها، قالت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية في 6 أبريل 2023، إن "الأحزاب المسيحية في لبنان تبدي امتعاضها من طريقة مقاربة فرنسا للملف الرئاسي".

ولفتت إلى أن معظم الكتل المسيحية ترى أن دعم باريس لترشيح فرنجية "يعني تكريسا لواقع سيطرة حزب الله على لبنان".  

في هذا السياق، يسلط الكاتب اللبناني "ألان سركيس" الضوء بوضوح على ما يسميه "سد الممانعة المسيحية" الرافض لتولي فرنجية الرئاسة، وذلك في مقال نشر بتاريخ 27 إبريل/2023 في موقع "نداء الوطن".

يقول سركيس في مقاله: "إذا كانت فرنسا تسير عكس تيار التسوية في المنطقة وتريد فرض رئيس موال لحزب الله مقابل صفقات وسمسرات باتت معروفة، إلا أن الموقف الخليجي بقيادة الرياض وموقف السواد الأعظم من المسيحيين كفيلان بإنهاء المغامرة الفرنسية".

واستدرك قائلا: "لكن ذلك لن ينهي الشرخ بين فرنسا والمسيحيين بعدما ضربت العلاقات التاريخية بينهما بسبب عمل إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون عكس إرادة المسيحيين".

مبادرة خليجية

وبحسب موقع "الجمهورية" اللبناني نقلا عن ديبلوماسي عربي ملم بتفاصيل الملف اللبناني: "فالعواصم العربية والخليجية المعنية بالاستحقاق الرئاسي في لبنان وبدفع الأمور نحو استقرار سياسي أعطت ضمنا نوعا من مهلة لفرنسا من أجل أن تحاول كسر حالة الجمود الرئاسي في لبنان".

وأضاف الدبلوماسي مفضلا عدم ذكر اسمه في 26 إبريل، إن "المبادرة القطرية جاءت كرسالة إلى الفرنسيين مفادها أن هذا الملف لا يتحرك في ظل إرادتهم ومسعاهم على الرغم من معرفة الدول العربية بصعوبة الخروج من الشغور الرئاسي في لبنان".

ولكن يبدو أن "هناك نوعا من توجه إلى أنه في حال لم تنجح باريس في الأسابيع القليلة المقبلة في إيصال المبادرة التي قامت بها إلى شاطئ الأمان، فإن الأمور ستنحو في اتجاه أن تكون المساعي والمبادرة هي مبادرة خليجية ـ عربية لأن هناك إصرارا على الخروج من الشغور الرئاسي في لبنان".

ومن شأن الاتفاق على رئيس في لبنان وتنصيبه أن يعيد عجلة المؤسسات إلى العمل من جديد والبدء بترميم الانهيار الاقتصادي الذي دخلت فيه البلاد منذ عام 2019، وباتت حالة الانفراج معلقة باختيار خليفة لميشال عون.

وتوقع الدبلوماسي العربي أن تبدأ المحركات القطرية والعربية مجددا بالتنسيق مع واشنطن وباريس والقاهرة من أجل إيجاد الحلول المطلوبة للبنان.

ومع بدء انخفاض رصيد فرنجية الرئاسي، وإنهاء معادلة فرض "الثنائي الشيعي" لاسم الرئيس في لبنان، كما كان دارجا، عاد الحديث عن اسم قائد الجيش اللبناني الحالي العماد جوزيف عون كأقرب المرشحين لدخول قصر بعبدا كونه "وسطيا".

إذ ذكر محللون لبنانيون على وسائل الإعلام المحلية، أن "السعودية تدعم وصول جوزيف عون وأنها طلبت من قائد القوات اللبنانية سمير جعجع تأييد وصول عون إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية لست سنوات قادمة".

لكن رئاسة قائد الجيش تحتاج إلى تعديل الدستور بهدف تعليق المادة 49 منه، التي تحظر انتخاب موظفي الدولة للرئاسة إلا بعد سنتين على استقالتهم أو إحالتهم إلى التقاعد.

إلا أن هناك من يتحدث عن إمكانية تكرار ما حصل عام 2008 حينما انتخب قائد الجيش حينذاك العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية دون تعديل دستوري، إنما باجتهاد من خبير دستوري وافق عليه البرلمان، عبر استغلال مادة دستورية تشير إلى "سقوط المهل" عند حصول فراغ رئاسي.