بعد عام ونصف العام من سيطرتها.. ما هي التحديات التي تواجه طالبان في حكم أفغانستان؟

سلطت صحيفة إيرانية الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجه حركة "طالبان" الأفغانية منذ عودتها إلى السيطرة على الحكم في 21 أغسطس/ آب 2021، وتأثير ذلك على وحدتها الداخلية والأسباب وراء التصدعات داخل قيادتها.
وللبحث عن أسباب الخلافات الداخلية للحركة والتي تتحدث عنها تقارير إعلامية، أجرت صحيفة "اعتماد" الإصلاحية حوارا مع المسؤول السابق في الملحقية الثقافية الإيرانية في كابل، الخبير في شؤون باكستان وأفغانستان، مجتبى نوروزي.
وبدأ نوروزي بالإقرار بأن "الصورة الذهنية التي توجد عن الحركات الأيديولوجية هي بشكل عام صورة لتيار موحد تماما، بهيكل هرمي مقبول من جميع العناصر، وطاعة مخلصة للقيادة".
ورأى أن "هذه الصورة قلما تخدش طالما ظل مثل هذا التيار حركة اجتماعية وسياسية أو حركة شبه عسكرية تعارض الوضع القائم".
واستدرك: "لكن بوادر الخلاف والتشققات تأخذ في الظهور بمجرد وصول هذا التيار إلى السلطة وتسلمه الحكم، بما في ذلك من تعقيدات تنشأ عن عملية اتخاذ القرار، وحركة طالبان ليست استثناء".
تحديات الحكم
وتوقف نوروزي إلى التحديات التي تواجه طالبان في الحكم، قائلا إن "التحدي الرئيس الذي يواجه أي تيار عند دخوله الحكومة هو تقديم نموذج الحكم المنشود، ومحاولة تحقيقه".
وفي هذا السياق، تواجه طالبان ثلاثة تحديات أساسية في نموذج الحكم الخاص بها.
التحدي الأول، طريقة التعامل مع قضية التنوع العرقي واللغوي والمذهبي في أفغانستان.
وهنا ثمة مطالب دولية بحكومة تتسع لجميع الأفغان، ولا يسيطر عليها عنصر "البشتون" صاحب الأغلبية داخل "طالبان" وحده.
والتحدي الثاني، نموذج التنمية الاقتصادية، فالاقتصاد الأفغاني يعاني من الضعف والتبعية لأسباب عديدة، رغم تمتعه بمجالات جديرة بالاهتمام في مجال التنمية.
وبعد وصول طالبان للحكم، قال نوروزي: "يجب أن نرى هل يمكن للحركة -التي تواجه أزمة حقيقية في توفير نفقات حكومتها اليومية- التغلب على أزمات الفساد والتبعية حتى تتمكن من توفير أرضية للتنمية والتوسع الاقتصادي القائمين على الميزتين اللتين تتمتع بهما أفغانستان، وهما الترانزيت والمعادن، أم لا؟".
وتابع: "بالإضافة إلى هذين التحديين، يجب إضافة تحد آخر، وهو نموذج ترسيخ قواعد السلطة، واكتساب الشرعية الوطنية والدولية، وصد الجماعات المتنافسة، وفي مقدمتها تنظيم الدولة-خراسان".
وانتقل نوروزي من تحديات الحكم إلى القضايا المترتبة عليه، وهي القضايا التي تندرج تحت التحديات الكبرى، ويمكن أن تكون كل قضية منها تحديا حقيقيا بسبب حساسية الرأي العام على الصعيدين المحلي والدولي، وهذه التحديات على النحو التالي.
أولا: كيفية الرد على الاحتجاجات العامة، وهل ستكون طالبان ببنيتها الفكرية والثقافية السابقة قادرة على تغيير سلوكها تجاه هذه الاحتجاجات؟ وهل يمكن إيجاد مناخ وبيئة للاحتجاج المدني في خطاب الحركة؟.
ثانيا: إمكانية الوجود الفعال للقادة السياسيين والناشطين من غير المنتمين إلى طالبان في الهيكل الحكومي. وهذا الأمر يرتبط بمجموعتين.
تضم المجموعة الأولى، القادة الجهاديين والحزبيين السابقين، الذين يعدون وجوها معروفة في الداخل والخارج، ويظلون مرجعية للتيارات السياسية والاجتماعية، رغم أزمة الشرعية التي يعانون منها بسبب الفساد وانعدام الكفاءة.
وأكد نوروزي أن إخراج هذه المجموعة من المجال السياسي في أفغانستان يتطلب وقتا، بشرط ألا تعاني طالبان نفسها من مشاكل نزع الشرعية عنهم.
اكتساب الشعبية
أما المجموعة الثانية فهي جيل الشباب المتعلم والمتخصص، وهم أولئك الذين صار وجودهم في هيكل السلطة يواجه أزمة بسبب وجود "طالبان".
وهؤلاء الشباب يمكن أن يكونوا التحدي الأساسي لطالبان على المدى المتوسط إذا لم ينفصلوا عن المجال السياسي لأفغانستان، وإذا تم تجاوز الزعماء التقليديين وتوسيع الخطاب القومي.
ثالثا: إمكانية التغلب على الأزمة الاقتصادية المنتشرة في البلاد، خاصة في مجال توفير المتطلبات الأساسية للشعب، وازدهار الأعمال الصغيرة.
رابعا: طريقة التعامل مع ظاهرة الحضور الاجتماعي للمرأة، خاصة في مجالي التعليم والتوظيف، وهي القضية التي أصبحت أهم تحد يواجه طالبان على مستوى الرأي العام.
وربما يمكن اعتبار هذه القضية من أهم مظاهر الخلافات على مستوى قيادة طالبان، وفق نوروزي.
خامسا: طريقة التعامل مع الجماعات المتطرفة الأخرى في أفغانستان، وأهمها تنظيم القاعدة، الذي له تاريخ من التعاون الجاد مع طالبان، وتنظيم الدولة خراسان، وهو تنظيم له تاريخ من التنافس والعداء الجاد مع الحركة.
وما يحول هذا الموضوع إلى تحد بالنسبة لطالبان هو أن هناك مساعي لاستغلال إمكانيات هذه التيارات من جانب فصائل طالبان المختلفة في التنافس الداخلي.
سادسا: الالتزام بالعفو العام المعلن عنه أو التعامل بالانتقام على مختلف المستويات.
وأعلن قادة طالبان في الساعات الأولى من عودتهم إلى كابل عفوا عاما، بعث الآمال على جميع المستويات، لكن منذ الأيام الأولى، تم تسريب العديد من الأخبار إلى وسائل الإعلام عن "وجود جو من الرعب والخوف والانتقام".
سابعا: السعي من أجل تقديم صورة تفاعلية حقيقية أو صورة أصولية عن طالبان، لأن الحركة تحتاج إلى تقديم الصورة الأولى عنها من أجل اكتساب الشعبية والشرعية داخل أفغانستان وخارجها من جهة، وتحتاج إلى صون صورتها الثانية من أجل المحافظة على جسدها الاجتماعي الذي تدين له بالعودة إلى السلطة من جهة أخرى.
فجوة الهوية
ويرى نوروزي أنه "يمكن لكل تحد من التحديات المشار إليها في الهيكل وعملية اتخاذ القرار أن تظهر التصدعات والفجوات الموجودة في جسم الحركة"، وأهم هذه التصدعات والفجوات ما يلي:
يعود الانقسام الأول داخل طالبان إلى قضية مستوى النظرة الأصولية والمتطرفة لدى التيارات الرئيسة لهذه الحركة.
وهذه التيارات تنقسم في مجملها إلى فئتين: عسكرية وسياسية.
ورغم أن القوة التنظيمية لطالبان تكمن في قوتهم العسكرية؛ لكن يمكن القول إن أيديولوجيتهم المحافظة المتطرفة والخوف من انتصار خصومهم في الحرب النفسية كانا عقبة أمام الأداء الفعال والموحد على الجبهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ومنذ مفاوضات الدوحة، وربما قبل ذلك، بدا أن هناك نقاشات داخل طالبان، وبين الفصائل السياسية والعسكرية في الحركة.
وتولى المتشددون وزارتي الداخلية والدفاع، وهما الوزارتان المحوريتان في تنفيذ السياسات المتعلقة بحكم الحركة في جميع أنحاء أفغانستان.
وعلى الجانب الآخر، تولى المعتدلون المسؤولية السياسية وزعامة الحركة، بقيادة نائب رئيس الوزراء، الملا عبدالغني برادر، وهو أحد مؤسسي الحركة ورئيس مكتبها السياسي السابق في الدوحة، ووزير الخارجية، أمير خان متقي.
ويمكن رؤية فجوة أخرى بين جسد طالبان وقيادتها، تتمثل في الهوية، فقد تشكلت الحركة على أساس الجهاد، وقامت على ثقافة القوة، ولكن هذا الأمر يمكن أن يخلق المشاكل لقيادة الحركة بعد أن وصلت إلى السلطة، خاصة إذا فشلت في تحقيق أهدافها وتحقيق حالة من الرضا الاجتماعي لدى أتباعها.
أخيرا، يمكن رؤية فجوة أخرى بين قادة طالبان، وهذه الفجوة بين مجموعة كانت نشطة خارج أفغانستان وفي الساحة السياسية خلال العقود الأخيرة، والجماعة التي انخرطت في الكفاح المسلح في المجال الداخلي، وبناء عليه فإن المجموعة الأولى سياسية وتتسم بالتسامح والتعاون مع الآخرين، في حين أن المجموعة الثانية أكثر تشددا وعنفا.
وختمت الصحيفة حوارها مع نوروزي بطرح سؤال: "إلى أي مدى يمتلك قادة طالبان القدرة على إدارة هذه التحديات من أجل عدم تطوير وتعميق الفجوات القائمة والمستجدة؟" وتترك الإجابة عليه للزمن وما سيظهر في المستقبل.