تثبيت وجود.. لماذا شرعت واشنطن في بناء سجن جديد في سوريا؟ 

12

طباعة

مشاركة

تكرر الولايات المتحدة الأميركية التأكيد أن سجناء تنظيم الدولة شمال شرقي سوريا ما يزالون يشكلون عرضة للهرب، مع وجود خلايا للتنظيم بالبادية القريبة من تلك السجون.

فبرغم التشديد الأمني الكبير والدعم اللوجستي والعسكري من التحالف الدولي لحماية تلك السجون التي تديرها حليفتها قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، فإن عمليات استعصاء من قبل العناصر نفذت في أكثر من مرة وأسفرت عن سقوط قتلى من السجان والمسجون.

وتضم تلك السجون أكثر من 8 آلاف عنصر من تنظيم الدولة في محافظة الحسكة الملاصقة حدوديا للعراق وتركيا.

كما يوجد في الوقت الراهن حوالي 50 ألفا من عناصر تنظيم الدولة، المفترضين في مخيمات "الهول" و"روج" المكتظة بالسكان بريف الحسكة.

وكدست قوات "قسد" بطلب أميركي عناصر وقادة تنظيم الدولة وأبنائهم وزوجاتهم في مخيم الهول منذ مارس/آذار 2019، عقب إعلان واشنطن القضاء على التنظيم بشكل نهائي في دير الزور، حينما سلم المئات من عناصره أنفسهم في آخر معقل له بالبلاد في بلدة الباغوز بالمحافظة الأخيرة.

كما جرى سجن نحو خمسة آلاف عنصر بينهم بعض قادة الصف الثاني المحليين من الجنسية السورية والعراقية في سجن "الصناعة"، فيما عزل أمراء التنظيم عن هؤلاء الأسرى في سجن سري بالحسكة.

أما نساء "تنظيم الدولة" والأطفال دون سن العاشرة فقد احتجزوا في مخيم "الهول" شرق الحسكة، فيما أودع الأطفال الذين تجاوزت أعمارهم 12 سنة في سجن "الأحداث" بقرية تل معروف شمال شرق المحافظة.

وخصص مخيم "روج" الواقع قرب مدينة المالكية شمال الحسكة، كسجن أمني حساس جدا، احتجزت فيه فقط نساء وأطفال قادة وأمراء تنظيم الدولة.

سجن جديد

 وأمام ذلك، تريد وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" أن تظهر تحملها لمسؤولية تأمين المنطقة من خلال نقل هؤلاء الأفراد إلى سجن جديد.

كما تحرص الولايات المتحدة على إبلاغ شركائها في التحالف الدولي بأن هناك ما يقرب من 10 آلاف مقاتل أجنبي يجب إعادتهم إلى دولهم بدلا من نقلهم إلى السجن الجديد، والذي سيكون سجنهم إذا بقوا في شمال شرق سوريا.

وذكرت مجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، أن الولايات المتحدة مولت مشروعا لبناء سجن جديد في شمال شرق سوريا، وكلفت قوات سوريا الديمقراطية باختيار الشركات المناسبة له.

وأوضح تقرير المجلة المنشور في 30 مارس/آذار 2023، أن الشركات المحلية في شمال شرق سوريا تشهد حركة مكثفة منذ أن أصدرت وزارة الدفاع الأميركية في 15 مارس/آذار 2023 طلبا مسبقا لبناء سجن جديد بالقرب من بلدة الرميلان في محافظة الحسكة.

وتخضع 83 بالمئة من مساحة محافظة الحسكة لسيطرة قوات "ي ب ج" العمود الفقري لـ"قسد"، وهو الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني.

والأخير هو الفرع السوري من حزب "العمال الكردستاني" المتشدد (بي كا كا) الموجود جنوبي تركيا وشمالي العراق، والمصنف كمنظمة إرهابية لدى أنقرة وواشنطن.

فيما يقتصر وجود النظام السوري في المحافظة على عدد من القرى بريفها، وبعض النقاط الأمنية والعسكرية بالإضافة إلى مطار القامشلي، الذي تتمركز فيه القوات الروسية ومجموعة من الحرس الثوري الإيراني.

ولفتت المجلة إلى أن ميزانية مشروع السجن تتراوح بين 25 و100 مليون دولار على مدى عامين، ويعد فرصة نادرة في ظل الجمود الاقتصادي الذي تعيشه منطقة شمال شرقي سوريا، ويشجع المقاولين المحتملين على محاولة تشكيل تكتلات في الفترة التي تسبق منح العقد.

وبينما يمول المشروع، فوض البنتاغون قوات "قسد" بالاختيار الأولي للمقاولين وتنفيذ المشروع، بالتعاون مع قيادة العمليات الخاصة الأميركية (USSOCOM).

وبشكل أكثر تحديدا، تعمل قيادة العمليات الخاصة الأميركية مع لجنة مراقبة وتقييم الشركات التي أنشأتها الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، برئاسة المسؤول الكردي مصطفى حسين.

وطُلب من حسين التدقيق في الشركات المحلية على أساس معايير الامتثال الأمني والمالي، وقد شكل بالفعل قائمة بـ 23 شركة جرت الموافقة عليها لتقديم عطاءات للمشروع، وفق "إنتليجنس أونلاين".

وحرصا على المشاركة في هذا المشروع النادر، تتفاوض تلك الشركات على شراكات مع بعضها البعض لتعزيز فرصها.

وتتطلع شركة "أطلس" للإنشاءات، التي يرأسها مصطفى حسين، إلى تكوين تكتل مع شركات "شان" و"دار للإنشاءات" و"الشركة المتحدة".

والأخيرة هي واحدة من الشركات الرائدة في مجال الخدمات اللوجستية والبناء والصيانة في المنطقة برئاسة زانا علي. وإن لم تنجح هذه الشراكة، فقد تقدم شركة "أطلس" والآخرون عطاءات فردية.

"جيش رهن الاعتقال"

واستطاع تنظيم الدولة منذ أن تمدد مطلع 2014 في سوريا، أن يجعل البادية السورية موطنا لخلاياه، وتمركز فيها بشكل دائم عقب هزيمته على يد قوات النظام السوري أواخر عام 2017 وإخراجه من دير الزور والميادين والبوكمال.

ووفق تقرير للأمم المتحدة نشر في فبراير/شباط 2022، فإن تنظيم الدولة يحافظ على وجود سري كبير في العراق وسوريا.

وقال التقرير إن التنظيم ما زال يحتفظ بما مجموعه عشرة آلاف مقاتل نشط في هذين البلدين وحدهما.

وبهذا فقد دل تجميع تنظيم الدولة قواه من خلاياه وتنفيذه هجوما في 20 يناير/كانون الثاني 2022 على سجن في محافظة الحسكة يقبع فيه الآلاف من سجناء التنظيم من أسرى المعارك، بأن تكرار هذا الاختراق وارد لهذه السجون في أي لحظة.

وذلك طالما أن هناك خلايا لتنظيم الدولة تسرح وتمرح في الصحراء الممتدة إلى الحدود العراق، ولا سيما أن التنظيم استطاع حينها تحقيق خرق أمني عبر تمكن عشرات السجناء من الفرار.

كما أن ترتيبات الاحتجاز غير المستقرة لعناصر تنظيم الدولة في شمال شرق سوريا، تدفع واشنطن إلى زيادة قبضتها الأمنية هناك عبر جعل ملف السجناء يدار بشكل منظم أكثر ومن سجن واحد.

وكشف قائد العمليات الأميركية في الشرق الأوسط "سنتكوم" الجنرال مايكل كوريلا، في تصريحات صحفية في 12 سبتمبر/أيلول 2022، أن عدد سكان مخيم الهول يبلغ حوالي 54 ألفا منهم نحو 27 ألف عراقي أي حوالي النصف مع 18 ألف سوري و8500 أجنبي، مشيرا إلى أنه يقصد بالأجانب أنهم "ليسوا عراقيين ولا سوريين".

وأضاف كوريلا أن "التحدي الآن يكمن في أن حوالي 50 بالمئة من سكان المخيم يرثون التنظيم ويؤمنون بأيديولوجيته الدنيئة و50 بالمئة هم أولئك الذين ليس لديهم مكان آخر للعيش ويرغبون في العودة إلى وطنهم".

ومضى يقول: "أعتقد أننا يجب أن ننظر إلى هذا الأمر بتعاطف، لأنه لا يوجد حل عسكري لهذا الأمر، أعتقد بأن الحل الوحيد يكمن في إعادة هؤلاء وتأهيلهم ودمجهم".

ورغم النداءات المتكررة وتحذير منظمات دولية من أوضاع "كارثية" في مخيم الهول، ترفض غالبية الدول استعادة مواطنيها من عناصر تنظيم الدولة وزوجاتهم وأطفالهم، خوفا من التهديدات الأمنية وردود الفعل السياسية المحلية، لكن الحكومات الأجنبية سمحت لعدد ضئيل فقط من الأشخاص بالعودة إلى ديارهم.

وسبق أن حذر الجنرال مايكل كوريلا، من أن منطقة الشرق الأوسط تواجه تهديدا وشيكا يتمثل في "جيش رهن الاعتقال" يتبع لتنظيم الدولة.

وجاء كلام كوريلا بعد زيارة سجون ومعسكرات في شمال شرق سوريا في 11 مارس/آذار 2023، مضيفا بالقول: "وفي حال الإفراج عنه، فإن هذه المجموعة ستشكل خطرا كبيرا إقليميا وخارجها".

وبحسب بيان صحفي للقيادة المركزية الأميركية حينها، فقد التقى الجنرال بمحللين وقادة حول التهديد الحالي الذي يشكله تنظيم الدولة.

عجز أمني

وبينما أصدرت المحاكم العراقية المئات من الأحكام بالإعدام أو السجن مدى الحياة بحق المتهمين بالانتماء الى التنظيم، تحذر الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا من أنها لا تتمتع بالقدرات الكافية من أجل مواصلة احتجازهم، ناهيك عن محاكمتهم.

وتطالب "قسد" الدول المعنية كذلك باستعادة أفراد عائلات التنظيم المحتجزين لديها خصوصا في مخيم الهول الذي يشهد عمليات قتل وفوضى وحوادث أمنية.

وفي مارس 2022، قالت تقارير صحفية إن قوات سوريا الديمقراطية، نقلت أكثر من ألف سجين من تنظيم الدولة من سجن في بلدة الشدادي، الواقعة جنوب محافظة الحسكة.

وجرى نقل هؤلاء إلى سجن آخر أكثر صرامة، جرى بناؤه وتشييده بتمويل أميركي بريطاني، إذ أنفقت لندن 20 مليون دولار لبناء سجون محصنة، وفق التقارير.

وسبق أن طالبت الأمم المتحدة ومنظمتي اليونيسيف و"هيومن رايتس ووتش" بنقل هؤلاء إلى سجون منضبطة ومراكز خاصة لاستقبال الأطفال.

وأكدت في بيانات صحفية أن ظروف المحتجزين في سجن الصناعة في محافظة الحسكة السورية، كانت في أحيان كثيرة غير إنسانية ومهددة لحياتهم، واتسمت بالاكتظاظ الشديد، وندرة الوصول إلى الأماكن الخارجية وأشعة الشمس، وعدم كفاية الأدوية والطعام.

وكان مجلس النواب الأميركي رفض في 10 مارس 2023، قرارا يقضي بسحب القوات الأميركية من سوريا خلال 6 أشهر، محذرا من أن ذلك قد يسمح لتنظيم الدولة بإعادة نشاطه مجددا وتعريض الولايات المتحدة للخطر.

ويبدو أن مخاوف واشنطن تتزامن مع وجود نشاطات لخلايا تنظيم الدولة في الملاذات الريفية بدير الزور في القسم الخاضع لقوات قسد على الضفة اليسرى من نهر الفرات، والتي يعتقد أنها تحضر لشن هجمات على مرافق السجون.

إذ يسعى التنظيم لتحرير عناصره والمتعاطفين معها من السجون ومعسكرات النازحين كون ذلك يوفر له مقاتلين قدامى لتحسين قدراتها، وفق مراقبين عسكريين.

غوانتنامو جديد

وفي هذا السياق، رأى المحلل والخبير العسكري السوري العقيد إسماعيل أيوب، أن "المبلغ المرصود يدل على أن هذا السجن الجديد أشبه بسجن غوانتنامو الأميركي سيئ الذكر في كوبا".

 ولهذا فإن تساؤلات كثيرة تطرح هنا من قبيل: لماذا لا تعيد الولايات تأهيل عناصر تنظيم الدولة بدل رميهم في السجون كما فعلت سابقا مع السجناء من العراق وأفغانستان، ولهذا ربما يكون هذا السجن هو البديل عن سجن غوانتنامو".

وأضاف أيوب لـ "الاستقلال"، أن "تنظيم الدولة موجود لكنه مرتبط بأجندات خارجية مخابراتية عالمية ليكون هناك مسوغ لتنفيذ أعمال لا يمكن القيام بها إلا بوجود مثل هذه التنظيمات".

وبين أن "قيام كانتون كردي في شمال شرقي سوريا وفي أغنى منطقة في البلاد تحتوي النفط والزراعة والمياه يحتاج بالضرورة لتنظيم إرهاب مختلق ومخترق".

ولفت أيوب إلى "أنه عندما سقطت مدينة الرقة السورية من أيدي تنظيم الدولة تحت ضربات التحالف الدولي نهاية 2017 جرى نقل عناصر التنظيم في شاحنات على مرأى ومسمع العالم إلى منطقة الباغوز قرب الحدود العراقية مما يدلل على وجوده لتنفيذ أجندات دولية".

ورأى المحلل العسكري، أن "الأجدى هو رصد مثل هكذا مبلغ لبناء جامعات ومعاهد ونشر التعليم وتأهيل الجيل هناك، وخاصة في ظل الفلتان الأمني بسوريا الذي حدث نتيجة قمع نظام الأسد للثورة وإجبار الشبان على حمل السلاح ضده، مما يعني أن هناك حاجة لتأهيل المنقطة ووضع أولويات".

ومضى يقول: "الولايات المتحدة تدعم قيام كانتون انفصالي كردي شمال شرقي سوريا في منطقة ذات غالبية عربية، إذ إن الأكراد لا يشكلون سوى 24 بالمئة من مجموع سكان محافظة الحسكة".

وبالعموم فإن قوات قسد التي تسيطر على ثلث بسوريا بدعم أميركي، لا يشكل الأكراد في مناطقها سوى 10 بالمئة، فضلا عن أن قياداتها قادمون من جبال قنديل ويتبعون لحزب العمال الكردستاني، وفق قوله.

بدوره أكد المتحدث الرسمي لمجلس القبائل والعشائر السورية المعارضة "مضر حماد الأسعد" أن "الولايات المتحدة تريد أن تجعل من منطقة الجزيرة والفرات وخاصة سوريا سجنا كبيرا للمرتزقة والعصابات الإرهابية والمتشددين من الجنسيات والقوميات كافة، بدلا من بناء المشاريع الزراعية والصناعية والتربوية يجرى بناء سجون ومعتقلات ضخمة".

وأضاف الأسعد في تصريح لـ "الاستقلال"، أن "خطوة واشنطن هي بديل عن إعادة تأهيل المنطقة وإعادة الأمن والأمان إلى شمال شرقي سوريا وإعادة المهجرين ومحاسبة من نفذوا جرائم بحق الشعب السوري"، مبينا أنه بدلا من "أن توقف تقديم الأسلحة والمعدات العسكرية لمليشيات قسد الإرهابية، تفوضهم ببناء سجون جديدة".

واستدرك قائلا: "هذا الأمر يشكل حالة سلبية للشعب السوري وغير إيجابية للمنطقة ذات التركيبة العشائرية والتي تعيش فيها عرقيات ومكونات متعددة".

وختم الأسعد بالقول، إن "المبلغ المطروح والذي يصل إلى 100 مليون دولار في نهايته المرصودة لبناء السجون، يكفي لإعادة إعمار المنطقة بعد تفكيك مليشيات قسد، مما يساعد على القضاء على الفقر والحرمان الذي تعيشه المنطقة الغنية بالنقط والإنتاج الزراعة وأن تكون المنطقة تحت قيادة أبنائها".