للتنظيم أم الضبط.. ماذا وراء مشروع قانون الإعلام الجديد بالجزائر؟ 

12

طباعة

مشاركة

أثارت مصادقة المجلس الشعبي الوطني في الجزائر (الغرفة الأولى للبرلمان)، على مشروع قانون جديد للإعلام، تخوفات إعلاميين وسياسيين من زيادة التضييق على الممارسة الإعلامية بالبلاد.

وفي 28 مارس/آذار 2023، صادق المجلس الشعبي الوطني الذي يسيطر عليه الائتلاف الرئاسي الحاكم، بأغلبية الأصوات، على مشروع القانون العضوي للإعلام.

ويتضمن المشروع إجراءات متعلقة بإنشاء المؤسسات الإعلامية، ومنع أي تمويل أجنبي للوسائل الإعلامية المحلية.

وتعد هذه القراءة الأولى للمشروع، إذ يتطلب القانون ليصبح نافذا، المناقشة والتصويت عليه أيضا في مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان)، قبل أن يوافق عليه الرئيس عبد المجيد تبون، ثم ينشر في الجريدة الرسمية.

وخلال عرضه لمشروع القانون العضوي المتعلق بالإعلام أمام نواب المجلس الوطني الشعبي، قال وزير الاتصال محمد بوسليماني، إنه "يندرج في إطار تجسيد أحد تعهدات رئيس الجمهورية الـ54 في شقها المرتبط بالإعلام".

وأضاف الوزير، أن هذا التعهد يرمي إلى "تكريس حرية الصحافة وتعدديتها وضمان احترام قواعد الاحترافية وأخلاقيات المهنة وجعلها عمادا للممارسة الديمقراطية وحمايتها من كل أشكال الانحراف".

ورأى أن مراجعة الإطار التشريعي المتعلق بالإعلام تهدف إلى "تعزيز الخيار الديمقراطي وتوسيع نطاق الحريات العامة وكذا ترسيخ مبدأ الحق في الإعلام الذي يعد عنصرا أساسيا لنقل وتلقي مختلف المعلومات والأفكار والآراء في إطار احترام الثوابت الوطنية".

وأوضح الوزير، أنه سيجرى "إنشاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والإلكترونية التي تعد هيئة عمومية تتمتع بالاستقلال المالي وتضطلع بمهام ضبط نشاط الصحافة المكتوبة والإلكترونية".

وذكر أن مشروع القانون ينص على "إحداث مجلس أعلى للآداب وأخلاقيات المهنة تؤول إليه مسؤولية الضبط والتدخل وإعداد ميثاق يقتدى به للارتقاء إلى ممارسة إعلامية مسؤولة ويسهم في ترقية الضبط الذاتي".

وسجل بوسليماني، أنه جرى التركيز أيضا في هذا القانون على "استبعاد أصحاب المال الفاسد من الاستثمار في مجال الإعلام بإلزام وسائل الإعلام بالتصريح بمصدر الأموال المستثمرة لتسيير المؤسسات وإثبات حيازة رأسمال وطني ومنع التمويل والدعم المادي المباشر أو غير المباشر من أي جهة أجنبية".

قيود جديدة

وإذا كان وزير والاتصال رأى أن قانون الإعلام الجديد يهدف لـ"تعزيز الخيار الديمقراطي وتوسيع نطاق الحريات العامة"، فإن منتقديه يصفونه بكونه يضيف قيودا جديدة على حرية الإعلام.

كما وصفه منتقدوه بأنه يتضمن مقتضيات "إقصائية" خاصة حينما نص في مادته الرابعة على أنه يشترط في المبادرين إلى إنشاء مؤسسات إعلامية في الجزائر التمتع بالجنسية الجزائرية حصرا دون سواها.

هذا البند "الإقصائي" أثار شدا وجذبا بين نواب الأغلبية الحكومية والمعارضة، فبعد أن وافقت لجنة الثقافة والاتصال في البرلمان التي تسيطر عليه أغلبية الحكومة، على عدم حرمان مزدوجي الجنسية من هذا الحق، تراجعت عن هذا القرار بسبب ضغط الحكومة، حسب ما ذكر موقع صحيفة "الشروق" المحلية.

وبررت اللجنة البرلمانية، تراجعها واقتصار ممارسة نشاط الإعلام على المتمتعين بالجنسية الجزائرية فقط لـ"سد الأبواب أمام الجهات المعادية للجزائر التي تنتظر فرصة الاستثمار في الإعلام للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد مما يشكل خطرا على السيادة الوطنية".

تبرير لجنة الثقافة والاتصال لإقصاء مزدوجي الجنسية من ممارسة نشاط الإعلام، عده الإعلامي الجزائري عثمان لحياني، "توصيفا منفعلا وغير لبق يضع كل مزدوجي الجنسية رهن الاتهام إلى أن يثبت العكس".

وفي 30 مارس 2023، استنكر لحياني، في تصريح لموقع "أوراس" المحلي، تبرير لجنة الثقافة والاتصال، إقصاء مزدوجي الجنسية من إنشاء المقاولات الصحفية أو الإسهام فيها.

الكاتب الصحفي عثمان لحياني: “قانون الإعلام يمر في ظروف غير طبيعية مقارنة مع القوانين السابقة” - YouTube

وأكد الإعلامي الجزائري، أن حصر إمكانية إنشاء المؤسسات الإعلامية في الصحفيين الحاملين للجنسية الجزائرية فقط يفوت على البلاد فرصة الاستفادة من الكفاءات الصحفية والمهنية التي لها خبرة في الحقل الإعلامي.

وأمام الجدل الذي أثاره قانون الإعلام الجديد، أعلنت الكتلة البرلمانية لـ"حركة مجتمع السلم" (إسلامية معارضة) أنها صوتت بـ"لا" على مشروع القانون.

 وأرجعت الكتلة البرلمانية، في بيان لها، رفض هذا المشروع إلى عدة أسباب بينها "مصادرة حقوق أقرها الدستور خاصة ما تعلق بالمساواة بين المواطنين، وإقصاء الجزائريين مزدوجي الجنسية من حقهم في الاستثمار في وطنهم وترقية الأداء الإعلامي".

وأضافت أن من الأسباب التي أدت لرفضها المشروع "تكريس التحكم والأحادية في إعداد مشروع القانون" إضافة إلى "التضييق على الممارسة الإعلامية من خلال إجراءات بيروقراطية معقدة".

ولم تكتف الكتلة البرلمانية بالتصويت ضد هذا المشروع، بل أعلنت أيضا عن لجوئها إلى المحكمة الدستورية لتقديم إخطار للاعتراض على بنود في قانون الإعلام الجديد يعدونها مناقضة للدستور.

ويخص الإخطار بنود قانون الإعلام الجديد التي تقصي أفراد الجالية الجزائرية والصحفيين من مزدوجي الجنسية من حق إنشاء مؤسسات إعلامية في الجزائر. 

ويحق بموجب المادة 193 من الدستور لكل من رئيس الجمهورية، رئيس مجلس الأمة، رئيس المجلس الشعبي الوطني، الوزير الأول أو رئيس الحكومة حسب الحالة، 40 نائبا أو 25 عضوا من مجلس الأمة، إخطار المحكمة الدستورية بعدم دستورية القوانين. 

تقنين القمع

وفي 30 مارس 2023، قال النائب عن باريس والجالية شمال فرنسا وعضو لجنة الشؤون الخارجية والتعاون والجالية عن كتلة "حمس"، عبد الوهاب يعقوبي، إنه سيقدم إخطارا إلى المحكمة الدستورية لإجراء رقابة دستورية على نص القانون.

وأشار يعقوبي، إلى أن نص الإخطار يتعلق بالمادة الرابعة التي تحرم الكفاءات الإعلامية الجزائرية المزدوجة الجنسية، أي أغلبية الجزائريين المقيمين في الخارج، من حق تأسيس أو امتلاك أو حتى المساهمة في رأسمال المؤسسات الإعلامية بالجزائر، وفق ما نقل موقع العربي الجديد.

وأوضح أن "هذا الإقصاء يتعارض مع أحكام المادة 35 من الدستور التي تنص على ضمان مساواة كل المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات بإزالة العقبات التي تعوق تفتح شخصية الإنسان، وتحول دون المشاركة الفعلية للجميع في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية".

وتابع أنه "يتعارض أيضا مع المادة 67 من الدستور التي تنص على تساوي جميع المواطنين في تقلد المهام والوظائف في الدولة، باستثناء الوظائف ذات الصلة بالسيادة والأمن الوطنيين".

وفي تعليقه على خلفيات تمرير قانون جديد للإعلام أثار جدلا واسعا، قال الصحفي والمعارض الجزائري وليد كبير، إن "هذا القانون مجرد محاولة لوضع مساحيق على وجه النظام القبيح الذي يتبنى سياسة قمعية زادت حدتها في السنوات الأخيرة".  

وأرجع كبير، في حديث لـ"الاستقلال"، إصرار الحكومة على إخراج هذا القانون إلى ما سماه "الضغوطات التي يعيشها النظام الجزائري خصوصا الخارجية منها والفضائح التي جرى كشفها عن ممارساته القمعية ضد الصحفيين".

وتابع الصحفي والمعارض الجزائري، أن هدف النظام من تمرير هذا القانون هو "التقليل من الانتقادات التي توجه له بخصوص سياسته القمعية ضد الصحفيين".

ورأى أن هذا القانون سيوفر الغطاء لـ"قمع الصحفيين عبر القانون بأمور بعيدة عن حرية الرأي مثلما لاحظنا في الحكم القضائي الذي صدر ضد الصحفي إحسان القاضي بـ 5 سنوات بتهمة التمويل الأجنبي". 

وفي الثاني من أبريل/نيسان 2023، قضت محكمة سيدي امحمد بالعاصمة الجزائرية، بالسجن خمس سنوات منها ثلاثة نافذة في حق الصحفي الجزائري إحسان القاضي الموقوف منذ ديسمبر/كانون الأول، بتهمة تلقي أموال من الخارج.

وأكد كبير، أن "قانون الإعلام الذي صادق عليه المجلس الشعبي الوطني ويتنظر مصادقة مجلس الأمة يراد به التقليل من الضغوطات الخارجية بخصوص الصورة السوداوية للوضع الإعلامي في الجزائر".

 ومن جهة أخرى، يضيف أن القانون يهدف إلى "تنظيم الإعلام والسيطرة عليه بشكل أكبر من قبل الدولة باعتماد قانون يراعي سياسة النظام الحاكم الذي ازدادت قبضته الحديدية بعد الحراك الشعبي الذي عرفته الجزائر (عام 2019)". 

وانتقدت عدة منظمات حقوقية تضييق الجزائر على الصحفيين والمالكين ومسيري وسائل الإعلام خاصة بعد الحراك الشعبي الذي أرغم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، على التنحي في 2019.

وشدد كبير، على أن "هذا القانون يعكس إرادة خفية لتقنين السياسة القمعية لتكريس رقابة السلطة ضد كل صوت يخالف توجهها أو ينتقدها بما لا يرضيها". 

أما حرية الصحافة بالمعنى الحقيقي، "فالأمر بعيد عنها كل البعد خاصة في ظل المرتبة غير المشرفة للجزائر في مؤشر حرية الصحافة العالمي"، وفق تقديره.

وتحتل الجزائر المرتبة 134 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2022، الصادر عن مراسلون بلا حدود.

وخلص كبير، إلى أنه "لا توجد أي رغبة لدى النظام الجزائري لتعزيز الحرية الإعلامية أو الرقي بالممارسة المهنية لأنه لا يؤمن بالحرية وبالانفتاح بل يعد ذلك تهديدا لاستمراره ووجوده".