"حرب الغيوم".. هل تشعل "هندسة حجب أشعة الشمس" صراعا بين المليارديرات؟

12

طباعة

مشاركة

بعد حروب السحب وسرقة غيوم ومخاوف تحول الاستمطار الصناعي لسلاح في الحروب، انتشر الحديث عن "هندسة حجب أشعة الشمس" التي يمكن أن تشعل حربا عالمية.

ويبدو الأمر وكأنه خيال علمي، بلد يعاني من ارتفاع الحرارة أو الفيضانات أو تلف المحاصيل يقرر بمفرده إرسال أسطول من الطائرات لرش رذاذ ناعم يحجب أشعة الشمس في الغلاف الجوي للأرض.

وينجح هذا البلد في تقليل درجات الحرارة ويوفر الراحة لـلسكان العطشى، غير أن دولا أخرى تعد ذلك تهديدا لمواطنيها ويشكل خطرا مناخيا يضرها، فتستعد للرد العسكري.

مخاطر كبيرة

هذا السيناريو تصورته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في تقرير نشرته 27 فبراير/شباط 2023 حول "هندسة المناخ" وآخر ما توصل له العلماء في هذا الصدد من حجب الشمس بعد استمطار السحب، وتداعياتها المحتملة.

ويقول العلماء، إن التكنولوجيا اللازمة لاختراق الغلاف الجوي وحجب الشمس ليست معقدة، حيث سترش طائرات مادة الكبريت في السماء على علو شاهق، وستتكثف هذه المادة، فتعمل كحجاب يمنع أو يعكس جزءا من أشعة الشمس.

هذه الفكرة المعروفة باسم الهندسة الجيولوجية الشمسية، ممكنة نظريا، ويمكن أن تحمي، وفق علماء وصناع قرار، أكثر الفئات السكانية ضعفا في العالم التي تعاني بشكل أكثر حدة من ارتفاع درجات الحرارة.

لكن سياسيين آخرين يحذرون من أن المخاطر قد تكون كبيرة، فالتغييرات في الغلاف الجوي ربما تؤدي إلى تغيير أنماط الطقس وتسبب الجفاف.

كما أنه يمكن للشمس الأقل شدة أن تخفض المحاصيل وتؤدي إلى الجوع، وهناك أيضا مخاوف من أن تتراكم درجات الحرارة، ثم إذا توقف الرش، تطلق الشمس موجة حر كارثية في جميع أنحاء العالم.

أما الأخطر فخلاف العبث في المناخ، فهو أن ما تريد دول حجبه من أشعة الشمس تراه دول أخرى مفيدا لها، ما قد يشعل حروبا مناخية تنضم لمخاطر حروب استمطار السحب.

وسبق أن حذرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في 28 أغسطس/آب 2022 بالفعل مما أسمته "حرب الغيوم" و"تصاعد تنافس قوى الشرق الأوسط على سرقة السحب"، بعدما اتهم القائد بالحرس الثوري الإيراني، العميد غلام رضا جلالي، إسرائيل بسرقة "غيوم المطر الإيرانية"، ما أدى إلى "تغير المناخ والجفاف في البلاد".

كما حذرت من أن عمليات "الاستمطار" الصناعية لبعض الدول تثير مخاوف من تجفيف بلد ما سحبه على حساب رياح وغيوم بلدان أخرى، ما قد يؤدي إلى "حروب غيوم".

وقالت الصحيفة الأميركية، إنه مع تزايد نقص المياه في العالم، وانتشار الجفاف الشديد، وارتفاع درجات الحرارة، وتغير المناخ الذي يهدد بحروب مياه، تصاعدت المخاوف من أن يصل الأمر لسرقة الدول لغيوم وأمطار بعضها البعض لتعويض نقص المياه.

وتحتل الولايات المتحدة موقع الصدارة في مجال البحث، لكن الصين والهند ودولا أخرى تعمل على ذلك أيضا، والبيت الأبيض بصدد تطوير خطة بحثية وإستراتيجية مدتها خمس سنوات لإدارة التكنولوجيا، بناء على طلب من الكونغرس أصدره عام 2022.

لكن نظرا إلى أن هذه التقنية يمكن أن تضعف قوة الشمس في جميع أنحاء العالم، وليس فقط فوق أي دولة قررت نشرها، يخشى مسؤولون في الاستخبارات الأميركية وآخرون في الأمن القومي بشأن إمكانية اندلاع صراع، حيث يمكن لعاصمة واحدة اتخاذ قرارات تحدد مصير العالم بأسره.

وهذه المقترحات لاختراق الغلاف الجوي، والمعروفة باسم الهندسة الجيولوجية الشمسية، مثيرة للجدل منذ فترة طويلة في عالم علوم المناخ بسبب الآثار الجانبية المحتملة على الطقس العالمي، بحسب مجلة "تايم" الأميركية في 24 فبراير/شباط 2023.

ومخاوف ومخاطر ما يسمى "الخطر الأخلاقي"، وهو القلق من البحث عن حل سريع لإصلاح المناخ بدلا من الضغط السياسي والإرادة الشعبية لمعالجة المشكلة الأساسية لانبعاثات الكربون من حرق الوقود الأحفوري، وفق "تايم".

هندسة الحجب

وتتلخص فكرة هندسة حجب الشمس في التبريد الاصطناعي للكوكب للحد من تغير المناخ عبر منع أشعة الشمس من تدفئة وتسخين الغلاف الجوي.

ويجرى تبريد الأرض عن طريق عكس ضوء الشمس إلى الفضاء مرة أخرى من خلال تقنيات تشمل حقن رذاذ الكبريت في الغلاف الجوي، لكن المشكلة هي الآثار الجانبية المحتملة.

ويمكن لتقنيات "حجب أشعة الشمس" -المعروفة أيضا باسم "تعديل الإشعاع الشمسي"- نظريا تبريد الأرض عن طريق عكس ضوء الشمس إلى الفضاء، عبر ضخ جزيئات تحجب أشعة الشمس في الغلاف الجوي العلوي.

وتجرى عملية الحقن في الطبقة الثانية للغلاف الجوي (الستراتوسفير) عبر رش طائرات رذاذ مثل ثاني أكسيد الكبريت ينتج عنه ضباب يعكس الشمس مرة أخرى لأعلى، مما يؤدي إلى تظليل الأرض. 

ونجحت هذه الطريقة بالفعل، لكن عن طريق الصدفة، عندما ثار بركان جبل بيناتوبو في الفلبين عام 1991، وأطلق آلاف الأطنان من ثاني أكسيد الكبريت، فانخفضت درجة الحرارة العالمية مؤقتا بمقدار 0.5 درجة مئوية، حسب موقع "يورونيوز" الأوروبي في 28 فبراير/شباط 2023.

ووفق تقرير جامعة "ييل" عن "خطة افتراضية لهندسة أشعة الشمس وتحويل منظم الحرارة العالمي" يمكن تنفيذ خطة الحقن عبر قيام 125 طائرة بالتحليق على ارتفاع عال ورش جسيمات ثاني أكسيد الكبريت بشكل دوري في الغلاف الجوي.

وذلك عند خطوط عرض 60 درجة شمالا وجنوبا، حول شمال ألاسكا والطرف الجنوبي من باتاغونيا.

ويزعم تقرير علماء الجامعة الأميركية أن "الجسيمات ستنجرف ببطء نحو القطبين، ويتم تبريد الأرض تحتها بمقدار درجتين مئويتين".

وأشار المؤلفون إلى أن هناك "فائدة عالمية محتملة" في خطتهم، وأن الخطة ستكلف حوالي 11 مليار دولار .

وسيتطلب ذلك 175 ألف رحلة لرش الجسيمات سنويا، بحيث تطلق ملايين الأطنان من الغازات في الهواء.

لكن "تقرير" برنامج الأمم المتحدة البيئي الصادر في 28 فبراير/شباط 2023 حول تعديل الإشعاع الشمسي أشار إلى أن هذه الخطط "ليست واقعية أو حكيمة في الوقت الحالي".

ورأى التقرير أن "النشر على نطاق واسع أو تشغيلي لتكنولوجيات إدارة الكوارث الطبيعية في الوقت الحالي "ليس ضروريا أو قابلا للتطبيق أو حصيفا أو آمنا بما فيه الكفاية، نظرا للفهم العلمي المحدود وعدم اليقين بشأن الآثار المحتملة والنتائج غير المقصودة".

تغييرات كارثية

ورصد تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" في 11 يناير/كانون الثاني 2023 طريقة أخرى لتبريد المناخ دون حجب الشمس وإطلاق ثاني أكسيد الكبريت في الجو.

وأوضحت أن أحد مقترحات الهندسة الجيولوجية للمناخ هي "إزالة ثاني أكسيد الكربون من الجو"، حيث طرحت حفنة من الشركات آلات قادرة على استخراج ثاني أكسيد الكربون من الهواء لتخزينه تحت الأرض أو استخدامه في منتجات كربونية.

وشرحت أن العملية التي تسمى "التقاط الهواء المباشر" تشمل إزالة الكربون وزراعة الأشجار وتخصيب المحيطات بالحديد لتحفيز ازدهار العوالق النباتية ورفع درجة الحموضة في المحيطات لزيادة امتصاصها لثاني أكسيد الكربون ومواجهة التحمض الذي يهدد النظم البيئية البحرية.

وذكرت أنه بينما إزالة الكربون، من خلال الالتقاط المباشر للهواء، تمثل شكلا آمنا وأنيقا للهندسة الجيولوجية، ولكن هذه التقنية وليدة وبطيئة ومكلفة للغاية، لهذا يجادل حتى مؤيدوها بأنه من الأفضل التفكير في حقن رذاذ الكبريت في الغلاف الجوي بتكلفة قليلة تصل إلى ملياري دولار سنويا.

وبحسب موقع أخبار "E&E" المتخصص في شؤون المناخ والطاقة، في 27 فبراير/شباط 2023، تحظى جهود حجب ضوء الشمس بدعم علماء بارزين، مثل عالم المناخ جيمس هانسن الذي يطالب مع عشرات الباحثين بمزيد من الاهتمام بالهندسة الجيولوجية.

"هانسن"، الذي كان مدير وكالة ناسا الفضائية الأميركية السابق، والذي حذر الكونغرس لأول مرة من مخاطر الاحتباس الحراري عام 1988، هو من بين 100 عالم فيزيائي وبيولوجي يطالبون بزيادة كبيرة في الأبحاث حول طرق الحد من ضوء الشمس حتى لا يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب.

وأصدر العلماء "دعوة عامة" في 27 فبراير 2023 تعبر عن دعمهم للدراسات والتجارب الميدانية لرش رذاذ جوي عاكس في طبقة "الستراتوسفير" لتغيير كثافة بعض الغيوم، وتعديل الإشعاع الشمسي.

وتعد "الستراتوسفير" الطبقة الثانية من الغلاف الجوي للأرض على الترتيب عند الاتجاه من الأسفل نحو الأعلى.

وجاءت دعوة أو رسالة العلماء ردا على تزايد حدة موجات الحر وحرائق الغابات والفيضانات وغيرها من الكوارث المرتبطة بالمناخ. 

وتقترب الزيادات في متوسط ​​درجات الحرارة بشكل خطير أيضا من المستويات التي يخشى علماء المناخ أنها قد تؤدي إلى تغييرات كارثية لا رجعة فيها في الصفائح الجليدية والنظم البيئية والمجتمعات المعرضة للخطر.

لكن، وبالمقابل، نشر علماء دعوة أو رسالة أخرى مضادة سابقا، في يناير/ كانون الثاني 2022 وقع عليها 370 من أكثر من 50 دولة، يطالبون فيها الحكومات والأمم المتحدة باتفاقية دولية لعدم استخدام الهندسة الجيولوجية الشمسية.

ويدعون بموجب هذه الاتفاقية الدولية إلى حظر دعم الدولة للبحث والتطوير واختبار وسائل الحد من أشعة الشمس. 

وقال العلماء: "يجب إجراء البحوث بشكل مستقل، بحيث يتم حماية نتائج البحوث والتقييمات من التأثير السياسي، والمصالح التجارية، ومجموعات الضغط".

مخاطر الحجب 

وتشمل تلك المخاطر اضطراب أنماط الطقس الإقليمية بطرق قد تكون مدمرة، مثل تغيير سلوك الرياح الموسمية في جنوب آسيا، وتخفيف الضغط العام لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري

وأيضا خلق "خطر غير مقبول لحدوث احترار سريع كارثي" إذا بدأت الحكومات في عكس ضوء الشمس لفترة من الوقت، ثم توقفت لاحقا، وفق دراسة لمعهد "الأكاديميات الوطنية" الأميركي عام 2021.

وأشار تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" في 25 مارس/آذار 2021 إلى أن من ضمن مخاطر هندسة حجب الشمس ما يوصف بـ"المخاطر الاجتماعية".

ونقلت عن مدير معهد "وودز" للبيئة في جامعة ستانفورد، كريس فيلد، تساؤله: "ماذا لو أظهرت الأبحاث أن الآثار الجانبية لهذه الهندسة للشمس ستتركز في الدول الفقيرة"، داعيا إلى "حماية مصالحها".

وذكر على سبيل المثال أن المزارعين في جنوب آسيا يمكن أن تنقلب حياتهم بسبب التغيرات في أنماط المطر. 

أيضا في سبتمبر 2022، جادل باحثون في جامعة "ييل" بأن طريقة حقن الغلاف الجوي لعكس الشمس وتبريد الغلاف الجوي "يمكن أن تعيد تجميد القطبين افتراضيا"، بحسب موقع "يورونيوز" الأوروبي في 28 فبراير/شباط 2023.

وحذر المستشار العلمي للحكومة الهندية، أجاي سوود، في مؤتمر يركز على المناخ بنيودلهي عام 2022، من أن الهندسة الجيولوجية للطاقة الشمسية يمكن أن "تحدث صراعات دولية".

وأضاف أن "هذه التكنولوجيا قد تنتهي بتركيز القوة في الدول الغنية أو الجهات الفاعلة غير الحكومية في شمال العالم"

وعام 2021 حذر تقدير استخباراتي، هو استخلاص لتقييمات وكالات الاستخبارات الأميركية، من أبحاث تغير المناخ والمخاطر الكبرى التي تواجه الولايات المتحدة، لأنها تجرى بشكل مستقل دون لوائح مُنظمة، ما ينطوي على مخاطر اندلاع صراع.

وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" في 27 فبراير/شباط 2023، ركز بعض مسؤولي الاستخبارات الأميركية على مخاطر أن تتفاقم التوترات الحالية بين الدول الصناعية المسؤولة عن الجزء الأكبر من انبعاثات الكربون التاريخية (المسببة لتغير المناخ) والدول الأقل تصنيعا والتي غالبا ما تكون الأكثر تضررا من تغير المناخ.

أيضا حذرت عدة تقارير علمية وصحفية من أن تشعل "هندسة حجب أشعة الشمس "حربا عالمية، حال تضررت دول من قيام أخرى بحقن الغلاف الجوي لحجب الشمس، خاصة أنه لا يوجد ضوابط أو قوانين أو اتفاقيات دولية في هذا الصدد.

هوس المليارديرات

وحذر تقرير لمجلة "تايم" في 24 فبراير/شباط 2023 من هوس مليارديرات بتكنولوجيا حجب الشمس، مثل جورج سوروس وغيره ممن يخططون استغلال أشعة الشمس لجني أرباح.

وأشارت المجلة إلى دعم رجل الأعمال الأميركي بيل غيتس مشروعا قام به علماء بجامعة "هارفارد" لاختبار فكرة رش كربونات الكالسيوم في الغلاف الجوي في سماء الدول الإسكندنافية عام 2021 (تم تعليق المشروع بعد احتجاجات السكان الأصليين ودعاة حماية البيئة).

وتأتي فكرة غيتس في إطار خطة جديدة لإنقاذ العالم من تداعيات ظاهرة الاحتباس الحراري عبر حجب أشعة الشمس عن كوكب الأرض، تعتمد الخطة على تقنية الهندسة الجيولوجية الشمسية المثيرة للجدل.

أيضا وضع الملياردير جيف بيزوس قدرات التكنولوجية لبحث تأثيرات خطط حقن كميات هائلة من ثاني أكسيد الكبريت (SO2) في الغلاف الجوي عام 2023.

وخصص الملياردير المؤسس المشارك لفيسبوك، داستن موسكوفيتز، مبلغ 900 ألف دولار في فبراير 2023، بهدف تمويل علماء في مالي والبرازيل وتايلاند ودول أخرى لدراسة الآثار المحتملة للهندسة الجيولوجية الشمسية. 

وكذلك تقديم أصحاب رؤوس الأموال مبلغا إجماليا قدره 750 ألف دولار لشركة "ميك سانسيت" التي تتعهد بتنفيذ مشروع الهندسة الجيولوجية الشمسية الكوكبية باستخدام ثاني أكسيد الكبريت، وأجرت أول اختباراتها في الولايات المتحدة بإطلاق بالونات تحتوي على ثاني أكسيد الكبريت "SO2" في ولاية نيفادا.

وقالت الشركة: "ربما يفهم بعض المليارديرات المهتمين بالهندسة الجيولوجية الشمسية أو يتلقون النصح من قبل أشخاص يدفعونهم للتفكير في معالجة إفساد المناخ والإحترار بالخطة البديلة (ب) بإلقاء أطنان من رذاذ الكبريت في الجو لحبس الشمس وحل المشكلة، بدلا من حل المشكلة الأساسية".

وحذرت مجلة "تايم" من أن يكون النقاش العلمي "يحركه تدفق أموال هؤلاء المليارديرات، وأن تروق لبعض هؤلاء الذين يمتلك بعضهم صافي ثروة معادلة للميزانيات الحكومية لبعض الدول، الهندسة الجيولوجية، فقط لجني الكثير من المال من التكنولوجيا".