البرهان يشكل مجلسا أعلى للجيش وحميدتي يحرك الدعم السريع.. إلى أين يتجه السودان؟

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

خلافات جديدة بين رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ظهرت ملامحها خلال إلقاء الأول خطابا في منطقة "الزاكياب" بولاية نهر النيل يوم 16 فبراير/ شباط 2023. 

حينها فجر البرهان الساحة السياسية بقنبلة تصريحات شدد عبرها على أن "دعم الجيش للاتفاق الإطاري السياسي (مع القوى المدنية) مرهون بتنفيذ بند دمج قوات الدعم السريع داخل الجيش". وأتبع بشكل حاسم "هذا هو الفيصل بيننا وبين الحل الجاري الآن".

ليرد حميدتي على تلك التصريحات في 19 فبراير، قائلا: "حان الوقت للوصول إلى تسوية بشأن حكومة مدنية في السودان وعودة العسكريين إلى الثكنات".

هذه التصريحات من الطرفين أنبأت عن وجود خلافات عميقة تناولتها صحف سودانية وإقليمية، في إشارة إلى تعقيدات العملية الانتقالية في البلاد، وتمسك كل طرف بموقفه وتوازناته.

وعلى مدار عمر الفترة الانتقالية في السودان، التي بدأت في 17 يوليو/ تموز 2019،  ظهرت معارك متعددة الأطراف حول السلطة، شهدت حرصا من مراكز القوى على مكتسباتهم. 

وأبرز هذه الخلافات كانت بين المدنيين والعسكريين من جهة، وبين العسكريين والعسكريين من جهة أخرى، وكلما آن الأوان لتنفيذ المطلب وعبور المرحلة الانتقالية المتعثرة، تظهر خلافات مكتومة جديدة.

حل "السيادي"

وفي 21 فبراير 2023 كشفت مصادر سودانية أن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان يعتزم حل مجلس السيادة، وتشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة برئاسته، على أن يستمر في مهامه إلى حين التوافق على المستوى السيادي الجديد واختيار رئيس للوزراء.

وذكرت أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المزمع تشكيله، سيضم القيادات العسكرية في الجيش والمدير العام للشرطة والمدير العام لجهاز المخابرات العامة وقائد قوات الدعم السريع (حميدتي)، وفق موقع "الجزيرة نت".

مع الإشارة إلى أن نائب رئيس المجلس سيكون رئيس أركان الجيش، وفي حال غيابه سيخلفه عضو مجلس السيادة شمس الدين كباشي.

وكشفت أن الخلاف المكتوم بين البرهان وحميدتي ظهر بوضوح خلال الأيام الأخيرة، لا سيما مع اتخاذ إجراءات من البرهان وقيادات الجيش بحق حميدتي، شملت وقف التقارير الأمنية والدبلوماسية والجنائية التي كان يتلقاها بصورة دورية.

وسحب ملف السلام مع الحركات المسلحة من مسؤولياته ليتولاها البرهان بنفسه الذي شارك في توقيع النسخة المحدثة من الاتفاق في جوبا يوم 19 فبراير 2023.

وعن سر تصاعد هذا الصراع بالوقت الحالي، أوضحت صحيفة "الراكوبة" السودانية في 23 فبراير أن "البرهان بالفعل يستعجل تشكيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبل تشكيل الحكومة المدنية".

وأوضحت أن "البرهان يستهدف عبر هذه الخطوة تقليص نفوذ حميدتي الذي يستخدم منصبه السيادي والدستوري في تحركاته الداخلية والخارجية بوصفه الرجل الثاني في الدولة". 

تحركات مريبة

لاحقا وصل الصدام إلى مستوى آخر من الشراسة عندما كشفت صحيفة "مونتي كاروو" السودانية، عن وجود تعزيزات أمنية عالية المستوى حول منزلي البرهان وحميدتي ودبابات نوعية في محيط قيادة الجيش.

وأوضحت في 4 مارس/ آذار 2023 أن هذه التطورات جاءت بالتزامن مع وصول عدد كبير من المركبات محملة بضباط وجنود قوات الدعم السريع للخرطوم.

حيث قام القائد الثاني لقوات الدعم السريع الفريق عبد الرحيم دقلو (شقيق حميدتي) بإدخال قوة مشاة كبيرة إلى محيط القيادة ومنزل قائدها بحي المطار شرق الخرطوم، وفق الصحيفة.

وذلك في توقيت مريب، في تمام الساعة الثانية (فجرا)، وبدون أوامر تحرك معتمدة من رئاسة أركان القوات البرية السودانية، التي يجب أن تعتمد هذه التحركات. 

وأوضحت "مونتي كاروو" أنه تم تفسير الوضع من قبل الاستخبارات العسكرية السودانية على أساس "عدائي"، وأن هناك نوايا بعمل معين في منطقة القيادة العامة والمقرات الرئاسية.

لذلك قامت وحدات مشاة ميكانيكية مدعومة ببطاريات مدفعية ميدان قريبة ودبابات عالية التجهيز، بتعزيز حراسة القائد العام ورئاسة الأركان، متزامنة مع وضع جميع القوات الجوية في حالة استعداد قتالي قصوى.

وبحسب الصحيفة السودانية لم يلبث عبد الرحيم دقلو أمام تلك التطورات، سوى ساعة،  ليخرج مخاطبا قواته بمقرها في الخرطوم مستبعدا وقوع اشتباكات مع الجيش السوداني.

لكنها أردفت أن عبد الرحيم تغافل وجود توترات في العلاقة بين الجيش والدعم السريع، وصلت إلى درجة مقلقة.

وذكرت "مونتي كاروو" أن اللواء محمد صبير مدير استخبارات الجيش، طالب بالتهدئة ونسق مع عبد الرحيم دقلو لمخاطبة جنوده، قائلا "إخوانكم في الجيش مستحيل يرفعوا السلاح بوجهكم، أو أن نرفع في وجههم السلاح".

هذه التطورات خلفت مجموعة من الأسئلة، على رأسها، لماذا سارعت قيادة الجيش بنشر تعزيزات قتالية عالية الجاهزية في محيطها بوسط الخرطوم؟ إذا لم يكن هناك خلافا عالي المستوى بين الأطراف.

خاصة وأن تطور الأزمة غير مسبوق منذ مايو/ آيار 2008، عندما غزت حركة العدل والمساواة الخرطوم، لدرجة جعلت رئيس أركان الجيش (آنذاك) الفريق أول محمد عثمان الحسين، يستدعي قادة الوحدات العسكرية للمبيت في وحداتهم الخاصة بالقيادة العامة.

ليجدد ما فعله حميدتي وقواته الذاكرة مع ما حدث قبل سنوات، بجعل الخرطوم مستنفرة على قدم وساق. 

الإقرار بالأزمة 

الإقرار بوجود أزمة جاء مع التشديد من قبل شخصيات عسكرية على دمج الدعم السريع في الجيش، فلم يكن البرهان وحده هو متصدر المشهد في ذلك.

ففي 26 فبراير 2023، شدد عضو مجلس السيادة، الفريق أول ركن ياسر العطا، على ضرورة دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، قائلا "لا توجد دولة محترمة حديثة لها جيشان".

وأعلن العطا خلال كلمة متلفزة من ولاية نهر النيل، أنه "لابد من دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة التي خرجت منها".

وأضاف: "لابد أيضا من دمج كل قوات الحركات المسلحة كما جاء في اتفاق جوبا"، مشددا على أن "القوات المسلحة لن تخشى أي مهدد مقابل أمن واستقرار البلاد".

وتعد الدعم السريع القوة الثانية في البلاد، ويبلغ تعدادها زهاء 40 ألفا، متترسين بأحدث الأسلحة والمعدات الثقيلة والمتوسطة، و10 آلاف منهم محصنون في قلب الخرطوم منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019.

وفي 30 يوليو/ تموز 2019، نشر "مركز الجزيرة للدراسات" دراسة تقدير موقف، تضمنت العلاقة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وتحدثت الدراسة عن سيناريو الرعب إذا بدأ اشتباك بينهما.

الدراسة قالت: "تبقى العلاقة بين الجيش السوداني بمكوناته التقليدية وبين قوات الدعم السريع معطى مهما سيحدد تطوره مستقبل العملية السياسية السودانية كلها". 

العلاقة بين هذين الطرفين بلغت حدا من الاحتدام يمكن أن يفضي الى مواجهة ينفرط بها عقد الأمن، وتدخل بها البلاد في أتون فوضى شاملة.

خاصة أن الشأن يتجاوز المستوى الوطني، ومؤذن بتدخلات خارجية نقلت عنها مصادر استخبارية رغبتها في إضعاف الجيش لمصلحة الدعم السريع، بحيث تنتهي العملية إلى إبدال حقيقي لجهاز عسكري بآخر، حسب الدراسة.

ووفق الدراسة، "يمكن من الناحية الفنية دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني دون تعقيدات كبيرة، كما يمكن أن يحدث ذلك لقوات الجبهة الثورية التي ظلت تقاتل الحكومة لسنوات".

لكنها صعبت من الوصول إلى دمج هذه القوة مع الجيش لسبب رئيس "هو مصير قائدها حميدتي، المرتبط بهذه القوة، وبفقدانها يفتقد أوراق القوى الرئيسة بل الوحيدة لاستمراره في واجهة المشهد السياسي".

ولعل هذا يفسر الوضع الذي آلت إليه الأمور في السودان من صراع محموم بين القوى المسلحة، والأقطاب العسكرية، وأن الدمج الكامل الشامل مشكوك فيه.

الأعقد في العالم 

وفي رؤيته لهذا المشهد الخطير، وصف السياسي السوداني الدكتور عمر الخضر، الحالة السودانية الحالية بـ "الأعقد في العالم" على حد تعبيره. 

وقال لـ"الاستقلال" إن "الدولة بمؤسساتها وأفرادها تذوب في تلك الصراعات بين الجيش والدعم السريع والأحزاب المدنية والقبائل في وسط وشرق السودان، إضافة إلى أزمة دارفور الأزلية". 

واستطرد: "وكأن السودان خلق ليكون ممزقا بين قواه وطوائفه الكثيرة، فلم يكد يفيق من انفصال الجنوب، حتى دهته المصائب في النزاعات السياسية والإثنية المستمرة". 

وأتبع: "القوات المسلحة تعلم جيدا أن ولاء الدعم السريع لقائدهم (حميدتي) ولعشائر الجنجويد التي تمثل القوة الضاربة لتلك القوات، التي لم تخضع يوما لتراتيبية عسكرية، ولم تحصل على القدر الكافي من الجندية، كأي جيش في العالم، ولكنها قوات اعتمد عليها البشير في صراعاته ولتأمينه من الانقلابات العسكرية، فكانت أول من انقلب عليه". 

وأوضح الخضر أن "تلك القوات من الصعب أن تبتلع الجيش السوداني الضخم والمتعدد، لكنها قادرة على خراب السودان كدولة، وإدخال البلاد في بؤرة مظلمة لن تخرج منها لعقود".

وأضاف: "وأنا أتفق مع الفريق أول ياسر العطا أنه لا توجد دولة محترمة لها جيشان، ولكن أيضا لا توجد دولة محترمة تقبل بكل ما حدث من انفلات وانقلابات". 

وختم قائلا: "مع الأسف معضلة السودان كمعضلة لبنان، أحزاب كثيرة وطوائف، وقوات وملشيات شرسة، فهناك حزب الله وهنا الجنجويد، ولذلك سيحتاج السودان إلى توافقات وصفقات أكثر من قوانين ودساتير هشة لن تمكث أن تمزق".