يحاكي الكعبة المشرفة.. لماذا أثار مشروع "المربع الجديد" لابن سلمان الجدل؟

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

مجددا، يثير ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الجدل في المملكة وخارجها، بمشروع مستفز يحاكي "الكعبة المشرفة" ومعيدا للأذهان واقعة "قليس أبرهة".

فقبل ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم بفترة قليلة، أقدم الملك الحبشي أبرهة الأشرم، الذي كان يحكم اليمن، على تشييد بناء عظيم ككنيسة في صنعاء، أطلق عليه "القليس". 

وكان الهدف الوحيد لأبرهة أن يحل "القليس" محل الكعبة، وأن يأتيه الناس أفواجا يقدسونه ويعظمونه من كل فج عميق، لكن خاب مسعى أبرهة واحتقر العرب "القليس" حتى إن أحدهم "بال" فيه، ما أغضب الملك الحبشي، فشن حملة عسكرية قاصدا مكة بهدف هدم الكعبة، وهو ما عرف عند العرب بـ"عام الفيل".

وانتهت الحملة بإرسال "الطير" الأبابيل، فأهلكت أبرهة وجيشه وعاد إلى مملكته مثل "فرخ الطير" ثم مات. 

وبعد مرور قرون طويلة، يستحضر كثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي فكرة "القليس"، عقب نشر إعلان ترويجي في 16 فبراير/ شباط 2023، لمشروع سعودي في الرياض.

ويحمل المشروع اسم "المربع الجديد"، وهو أشبه ما يكون بـ"الكعبة" بحسب تعبير مغردين، مما أثار حفيظتهم.

وإثر ذلك الإعلان، شن سياسيون معارضون ومغردون هجوما لاذعا على ابن سلمان ومشروعه.

شبيه الكعبة 

مشروع ابن سلمان الجديد سيجري تنفيذه في العاصمة الرياض، وكان يمكن أن يكون مقبولا في الأوساط السعودية، لكن الصدمة أنه تضمن مجسما على شاكلة "الكعبة المشرفة" إلى حد كبير.

والمكعب الجدلي يصل ارتفاعه إلى 400 متر، وعرضه 400 متر، وهو كبير بما يكفي لاستيعاب 20 مبنى من مباني "إمباير ستيت" (من أكبر ناطحات السحاب في نيويورك الأميركية) كما أعلن صندوق الاستثمار السعودي في الإعلان المروج عن المشروع. 

وبحسب ما نقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية، في 16 فبراير 2023، فإن المشروع يأتي متماشيا مع إستراتيجية "صندوق الاستثمارات العامة" (صندوق الثروة السيادية للمملكة) الهادفة إلى الإسهام في تطوير المشاريع العقارية ومشاريع البنية التحتية المحلية.

ومن المتوقع انتهاء المشروع عام 2030، حيث يضم متحفا وجامعة متخصصة في التقنية والتصميم ومسرحا متكاملا متعدد الاستخدامات وأكثر من 80 منطقة للعروض الحية والترفيهية.

ويقام على مساحة تتجاوز 19 كيلو متر مربع، ومساحة طابقية تصل إلى أكثر من 25 مليون متر مربع، وطاقة استيعابية لمئات الآلاف من السكان، وسيوفر المشروع 104 آلاف وحدة سكنية و9 آلاف وحدة ضيافة.

تغريدات غاضبة 

وغرد الصحفي والمعارض السعودي تركي الشلهوب، معلقا على المشروع: "بالأمس أبرهة الحبشي بنى القليس.. اليوم محمد بن سلمان سيبني المربع الجديد". 

وعلق الصحفي اللبناني جمال شعيب، قائلا: "آخر بدع ابن سلمان، مكعب على شكل الكعبة! ومحاط بالفنادق ودور السينما ومراكز الترفيه، الاسم والشكل والمكان والإحاطة والمداخل.. كلها صدف!". 

وتساءل الناشط السوري سيف الحموي: "ما هو المستهدف من إقامة مشروع المكعب في الرياض، بشكل يحاكي ويجسد بشكل واضح صورة الكعبة المشرفة!؟".

وتابع: "هل أصبحت خيالات  المهندسين والمصممين عاقرا عن أي تصاميم فكانت قبلة المسلمين ملهمتهم في مشروع المربع الجديد وما قد يحويه من فعاليات ومنكرات". 

وأورد الإعلامي العربي المقيم بالولايات المتحدة، عاطف دلجموني: "طبعا مقصود وتم اختياره ليكون شبيها بالكعبة المشرفة في وسط الرياض كي يحج الناس إلى مكعب الترفيه".

وقال الناشط السعودي حمود أبو مسمار: "بالأمس أبرهة الحبشي، عزم على هدم الكعبة قبلة المسلمين وأقدس مقدساتهم، اليوم ولي العهد  (أبرهة نجد) (أبرهة الدرعية) يعتزم بناء المكعب قبلة للفاسقين المسرفين لنشر الفاحشة في بلاد الحرمين! يا أمة محمد ﷺ، أنكروا مشروع المربع الجديد وأنذروهم بطش الله وعقابه". 

الهوية الحجازية 

المكعب الجديد والمجسم شبيه "الكعبة" يدخل في إطار مساع حثيثة قطعها ابن سلمان لتدشين قومية سعودية جديدة، لها نمط خاص مختلف وموحد، بدأها بحملات عدة تتعلق بالعادات والتقاليد.

ولم يكن المكعب الذي يريد ولي العهد السعودي للناس أن تأتي إليه فرادى وجماعات هو أول مساس بالهوية الدينية للمملكة التي يسعى إلى تغيير نمطها، وإنما جاء ضمن سلسلة إجراءات أخرى. 

تلك الإجراءات، بدأت بالزي الوطني وبعض الآثار القديمة، وإطلاق اسم القهوة "السعودية" على المشروب العربي المعروف، وصولا إلى الدين الإسلامي نفسه.

ففي 26 مايو/أيار 2022، فرضت الشؤون الإسلامية السعودية القراءة النجدية للقرآن الكريم، على جميع مساجد المملكة، وألزم بها القراء والأئمة، واعترض بعض علماء المملكة على "القراءة النجدية" منهم عبدالعزيز الريس. 

وأكد خلال فتوى بموقعه "الإسلام العتيق" في 16 مايو/ آيار 2019 أنها تخالف طريقة القراءة التي ورثها المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرد عن السلف تلاوة ولحن القرآن بهذه الطريقة. 

وتاريخيا، كانت السعودية و"هضبة نجد" على سبيل الخصوص، تقرأ بهذه القراءة حتى الانفتاح الديني الذي رافق فترة "الصحوة" في نهاية سبعينيات القرن الماضي.

وتعد القراءة النجدية تلاوة على نغم معين درج عليه أهل نجد منذ عشرات السنوات، وبتعبير آخر هي مقام لحني ليس من المقامات السبعة الرئيسة المعروفة، لكنه يتوسط مقام "البيات" و"الصبا". 

وارتبطت "القراءة النجدية" جغرافيا بمناطق "نجد" و"الدرعية"، والأخيرة هي العاصمة القديمة للدولة السعودية الأولى، واشتهر بها أهل هذه المنطقة التي كونت النواة الأولى لحكم آل سعود

يذكر أنه في 22 فبراير/ شباط 2022، صدر مرسوم ملكي أقر أن يوم التأسيس الوطني (لأول مرة) كعطلة رسمية يحتفل به كل عام لإحياء ذكرى "بدء عهد الإمام محمد بن سعود" وتأسيسه للدولة السعودية الأولى.

ووقتها علقت الباحثة الأميركية بمعهد دراسات دول الخليج العربي في واشنطن، كريستين ديوان، على حملة ابن سلمان الرامية إلى تغيير الجذور الدينية للبلاد التي تضم أهم مقدسات المسلمين، قائلة "إنه تم محو (العالم) محمد بن عبد الوهاب من التاريخ السعودي".

وقالت: "هذه هي القومية السعودية الجديدة، إنها تحتفي بآل سعود، وتربط الشعب بشكل مباشر بالعائلة الحاكمة، وتهون من الدور المحوري الذي لعبه الدين في تأسيس الدولة، وإستراتيجية ابن سلمان الهادفة إلى ترسيخ القومية على هذا النحو في طريقها للمساس بثوابت أخرى".

وذكرت أنه "في الأول من فبراير/ شباط 2022، أقر مجلس الشورى السعودي اقتراحا بتعديل قانون يتعلق بالنشيد الوطني والعلم". 

وأضافت: "لم يتضح ما إذا كان سيغير مكونات تصميم العلم الذي يشمل جملة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وسط جدل متصاعد في الأوساط السعودية".

وفي ذلك إشارة على ما يبدو إلى أن الوضع لا يتعلق بحماية التراث وحراسة الموروث فقط، بل برغبة سعودية ملحة في ترسيخ مركزية قيم "نجد" في الذهنية السعودية، وحراسة النظام الحاكم لا الهوية.

شعائر الله 

خطوات ابن سلمان الجدلية، خاصة بناء المكعب الترفيهي الشبيه بالكعبة، لاقت اعتراضات جمة من علماء المسلمين في مختلف أنحاء العالم، ومنهم أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، محمد أبو زيد.

وقال أبو زيد لـ"لاستقلال" إن "الله عز وجل ذكر في كتابه الكريم (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، وبعض العلماء شرحوا (الشعائر) أنها مكة ومناسك الحج، وبالتالي فإن إقامة مكعب ترفيه شبيه بالكعبة المشرفة أمر فيه استهانة واستخفاف عظيم بشعائر الله ومشاعر المسلمين".

وأضاف: "يجب أن نقر أن مكة والمدينة والأراضي الحجازية لها وضعيتها الخاصة، ولا يناسبها ما يناسب غيرها من بقية البلدان، لقدسيتها وكونها مقصد المسلمين من قديم الأزل، وهو ما أقره النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما) فهل هذا ينطبق على بقية البلاد؟! بالطبع لا".

واستطرد أبو زيد: "وبالتالي هو إقرار نبوي بالخصوصية، وكذلك فعل الخلفاء الراشدون، وجعلوا لمكة والمدينة خصوصية شديدة". 

وشدد على أن "إقامة مكعب ترفيهي شبيه بالكعبة في الرياض أمر مستهجن تماما، مثل إقامة التماثيل هناك أيضا، وفكرة أن يكون الأمر للترفيه ويأتي الناس إليه فيه من السفاهة ما فيه، وأخطر منه أنه يفتن الناس عن مقدساتهم وشعائرهم، فأهل هذه البلد خصهم الله بخدمة الحجيج، وبأقدس بقعتين في الدنيا، وهذا شرف عظيم لا يُرغب عنه أبدا". 

واختتم أبو زيد حديثه بالقول: "يجب على علماء المملكة وكل عالم أن يبين هذا للناس ولا يكتمه، لأن الوصول إلى هذه الدرجة أمر عظيم وغير مقبول، فبعض علماء المملكة من قبل كانوا يقيمون الدنيا ولا يقعدونها لأمور أهون من هذه بكثير، فما بالك أن يصل الأمر لبيت الله الحرام، وأول بيت وضع للناس".