"يبحر عكس التيار الشيعي".. ماذا وراء انزعاج إيران من رئيس وزراء العراق؟
أثار حوار لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، مع صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية جدلا واسعا في الأوساط الإيرانية، بعد أن بدا السوداني في حواره وكأنه يبحر عكس التيار الشيعي الذي تدين أغلبية مكوناته بالولاء لإيران.
وأكد السوداني المُعين من قبل أعوان إيران بالعراق، في حواره على نقطتين أثارتا غضب الإيرانيين.
أولاهما تمسكه بمصطلح "الخليج العربي" الذي أثار أزمة مع إيران، بلغت حد احتجاجها على استخدامه في بطولة "خليجي 25" لكرة القدم، المقامة بمدينة البصرة، مصرة على أن الاسم الصحيح هو "الخليج الفارسي".
وثانيهما حديث السوداني عن ضرورة بقاء القوات الأميركية على الأراضي العراقية لأجل غير محدد، لمواجهة خطر تنظيم الدولة، وفقا للصحيفة.
ورأى الإيرانيون الذين هاجموا السوداني أنه يرتمي بهذه التصريحات في أحضان الدول العربية والغربية، ويسير على خطى الزعيم العراقي الراحل صدام حسين.
ونشرت صحيفة "آرمان امروز" الإصلاحية تقريرا حول تصريحات السوداني، عنوانه "السوداني على خطى صدام"، تناولت فيه نهج رئيس الوزراء العراقي وتأثيره على إيران.
الخليج والعروبة
ووصفت الصحيفة تصريحات السوداني بالمفاجئة، وقالت إن رئيس الوزراء العراقي أظهر وجها مختلفا في مقابلته مع الصحيفة الأميركية، بعد أن أقر استخدام مصطلح "الخليج العربي"، بدلا من "الخليج الفارسي".
وشددت على أن ما قاله السوداني قد "أدى إلى تلاشي أي تصور حول توافق الحكومة العراقية الجديدة مع إيران، وهو ما سيغير النظرة إلى العراق داخل الحكومة الإيرانية".
وأشارت إلى موقف الحكومة الإيرانية من استخدام مصطلح الخليج العربي، حيث استدعت وزارة الخارجية السفير العراقي لدى طهران، وأبلغته استياء إيران من هذا المصطلح الذي يثير حساسية الإيرانيين.
وأكدت أن العروبة عادت لتكون على رأس أولويات المسؤولين العراقيين، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية عبداللطيف رشيد، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
فضلا عن رجل الدين الشيعي واسع النفوذ، مقتدى الصدر، "حتى إنهم صاروا يضحون بأولوياتهم السياسية والإستراتيجية في سبيل هذا الاتجاه العروبي".
ورد الفعل الإيراني الغاضب بسبب استخدام مصطلح "الخليج العربي" لم يقتصر على المسؤولين الرسميين، بل إن هذا المصطلح أحدث حالة من الغضب في صفوف المواطنين الإيرانيين أيضا.
لأنهم يرفضون استخدام هذا المصطلح "المزيف" في الإشارة إلى الخليج الذي ترى إيران أنه "فارسي".
واستدعت الصحيفة في تقريرها شخصية الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وذكرت أنه شدد في بداية توليه الحكم على النهج القومي العربي.
زاعمة أن السوداني يسير على خطاه، مدعوما من دول عربية، مثل السعودية، وهو ما سيؤدي إلى ابتعاد العراق عن إيران.
ورأت أن "هناك حقيقة لا بد من الإقرار بها، وهي أن الهوية العربية حاضرة في العراق، وأن العراقيين وضعوا القومية العربية في مقدمة أولوياتهم".
ولهذا فإن مصطلح "العمق العربي" من المصطلحات الشائعة في المعجم السياسي العراقي، وهو ما يمكن تفسيره بوجود غالبية عربية في هذا البلد.
وأن الغالبية الساحقة من المجتمع العربي العراقي تفتخر بهويتها، وتريد تقوية علاقاتها مع الدول العربية، وهذا مطلب عام، ولا يقتصر على تيار أو فصيل سياسي معين.
سؤال مهم
أما السؤال الذي تطرحه الصحيفة الإيرانية، وتحاول الإجابة عليه، فهو: "هل يريد العراقيون البقاء تحت راية الدول العربية كحليف كامل أم لا؟".
وتجيب على هذا السؤال بالنفي المؤكد، معللة ذلك بأن "العراق يرى نفسه – مقارنة بالدول العربية الأخرى - مهدا للحضارة، ولهذا فإن العراقيين يشعرون بنوع من السمو والعظمة بالقياس إلى غيرهم".
بل إنه يمكن القول "إنهم ينظرون إلى بقية الدول العربية من وجهة نظر متسامية أو من أعلى؛ لأنهم مختلفون تماما من حيث التاريخ والثقافة والأدب... إلخ".
ومن هنا، تخلص الصحيفة إلى نتيجة قد تبدو متناقضة، مفادها أن العراقيين "لا يستوعبون الأجواء العربية على الإطلاق، على الرغم من رغبتهم في إقامة علاقات جيدة وصداقة وثيقة مع الدول العربية".
ثم تنتقل الصحيفة إلى سؤال آخر، ترى أنه السؤال الأساسي، وهو: "هل الاتجاه العروبي في العراق خطر على إيران أم لا؟"
ورأت الصحيفة في إجابتها على هذا السؤال، أن "الأمر ليس كذلك؛ فهذا التقارب لا يعد تهديدا لإيران! بل يمكن أن يوفر المزيد من الفرص للدبلوماسية الإيرانية".
ولعلها تشير بإجابتها هذه إلى المساعي التي يقودها رئيس الوزراء العراقي في الفترة الأخيرة من أجل تقريب وجهات النظر بين إيران من ناحية، والسعودية ومصر من ناحية أخرى.
وختمت الصحيفة حديثها في هذه النقطة بالتأكيد على أن "أي حكومة ستتولى السلطة في العراق بناء على رغبة الشعب العراقي، ستسعى إلى إقامة علاقات جيدة مع إيران، لأن العلاقات التاريخية والثقافية العميقة بين البلدين تلقي بظلالها على سياسة البلاد".
بقاء القوات الأميركية
وكان بقاء القوات الأميركية على الأراضي العراقية هو ثاني النقاط التي أثارت غضب الإيرانيين في حديث السوداني، الذي أكد أن "الحاجة إلى القوات الأجنبية لا تزال قائمة، وأن القضاء على تنظيم الدولة يحتاج إلى مزيد من الوقت".
وتتبع غالبية القوات الأجنبية الموجودة على الأراضي العراقية الولايات المتحدة، وتقدر بنحو 2000 عسكري، يتمركزون في قاعدة عين الأسد.
وتعلق الصحيفة على تصريحات السوداني بشأن بقاء القوات الأميركية، فتقول إنها "تعد تحولا من جانبه نحو الدول الغربية، وتدل على تأثير هذه الدول على الحكومة العراقية الجديدة".
وتنقل الصحيفة عن خبير شؤون الشرق الأوسط، علي رضا مجيدي، أنه كان واحدا من الذين حذروا من التفاؤل بحكومة السوداني منذ اللحظة الأولى لتشكيلها، وأن هذه الحكومة لن تكون بتلك الصورة الذهنية لبعض الأصدقاء في محور المقاومة.
وأضافت، في نقلها عن مجيدي، أنه رغم هذا التصور، فإنه "لا يتفق مع فكرة أن حكومة السوداني ستكون وسيلة للضغط على طهران، وأن غاية ما يطلبه الغرب هو الاعتراف بمصالحه في العراق، وعدم التعرض لها من جانب قوى المقاومة".
وضرب مجيدي مثالا بطلب المقاومة من القوات الأميركية بمغادرة العراق، وهو ما يرفضه الغرب، الذي لا يقبل الضغط عليه بهذا المطلب.
وأوضح أن الغربيين لديهم خطط على المدى القصير، تقوم على عدم الضغط على طهران من ناحية بغداد، في مقابل ألا تضغط عليهم إيران من ناحية العراق.
وحول ما عده ضوءا أخضر من جانب السوداني لبقاء القوات الأميركية في العراق، يقول مجيدي إن "القرار الذي أصدره البرلمان العراقي بشأن مغادرة القوات الأميركية للعراق كان محل جدل بين القانونيين، لأن البعض عده قرارا ملزما، بينما عده آخرون مجرد بيان غير ملزم".
وكان قد صوت البرلمان العراقي كان في يناير/كانون الثاني 2020، على إلزام الحكومة العراقية بالعمل على إنهاء وجود جميع القوات الأجنبية على الأراضي العراقية، ولم يكن من الواضح ما إذا كان القرار ملزما، ولم يجرَ تحديد جدول زمني للانسحاب.
وللجمع بين القراءتين المتناقضتين لقرار البرلمان، صار هناك إجماع نسبي في المناخ السياسي العراقي على التوافق مع الحكومة الأميركية لخروج قواتها من العراق.
أي أن "الإخراج" تحول إلى "الخروج التوافقي"، وهو ما تابعته حكومة مصطفى الكاظمي، ورئيس فريق التفاوض، قاسم الأعرجي، مستشار الأمن القومي العراقي، الذي عاش في إيران سنوات طوال، ويعد من الأعضاء القدامى في "منظمة بدر"، وهي أكثر التنظيمات العسكرية الشيعية تنظيما.
وتوصل الأعرجي حينها إلى اتفاق مع الولايات المتحدة على خروج قواتها العاملة من العراق، مع بقاء جزء من هذه القوات من أجل التدريب والاستشارات، وهو ما وافقت عليه حكومة الكاظمي.
والآن، وبحسب الصحيفة الإيرانية، فإن “تصريحات السوداني الأخيرة مبهمة، وسيتضح الأمر أكثر بعد أن يذهب إلى واشنطن، لأن كلامه يمكن أن يندرج تحت الاتفاق الذي توصل إليه الأعرجي، كما أنه يمكن أن يتعارض معه، ولهذا يجب الانتظار لبحث الموضوع بشكل عملي”.