ازدراء الكرملين مرتزقة فاغنر.. هل يتسبب في حرب مع القوات الروسية الرسمية؟
سلط تقرير إسباني الضوء على تزايد قوة "فاغنر" مجموعة المرتزقة العسكرية الروسية الخاصة، بعد أن أصبحت بطل الرواية المزعومة للسيطرة على سوليدار الإستراتيجية شرق أوكرانيا.
ففي ظل معارك هي "الأشرس" بين القوات الأكرانية ونظيرتها الروسية، أعلن يفغيني بريغوزين رجل الأعمال الروسي البارز وقائد "فاغنر" سيطرة مقاتليه في 11 يناير/كانون الثاني 2023، على بلدة سوليدار.
وقال بريغوزين على تلغرام: "مرة أخرى أريد أن أؤكد التحرير الكامل والتطهير الكامل لإقليم سوليدار من وحدات الجيش الأوكراني"، مشيرا إلى أن "500 جندي أوكراني قتلوا بعد أن رفضوا الاستسلام".
أين القوات الرسمية؟
اللافت أن بريغوزين المعروف أيضا بـ"طباخ الرئيس فلاديمير بوتين"، صرح بأنه "لم تشارك أي وحدات غير مقاتلي فاغنر في تحرير سوليدار"، في إشارة إلى غياب القوات البرية الروسية عن المعركة المهمة.
ولم يكتف بذلك بل ظهر بريغوزين بشكل علني باللباس العسكري إلى جانب مرتزقة "فاغنر" من أرض معركة سوليدار، التي تشكل بوابة للقوات الروسية للتقدم إلى مدينة باخموت بالجنوب الغربي، الأكثر إستراتيجية والتي تبعد نحو 10 كيلومترات فقط عن تلك المنطقة.
ويشكل إعلان "فاغنر" دخول بلدة سوليدار وتثبيت السيطرة عليها لاحقا، أحدث تقدم روسي ميداني منذ صيف 2022.
في الأثناء، توجه اتهامات لوزارة الدفاع الروسي بازدراء مجهودات فاغنر في الحرب، وفق ما قالت صحيفة لاراثون الإسبانية.
وبينت الصحيفة أن ثقل الحرب الروسية في أوكرانيا يقع على عاتق مجموعة فاغنر، جيش المرتزقة الروسي الذي يقاتل من أجل بوتين؛ بغض النظر عما إذا كانت الأخبار عن سقوط سوليدار صحيحة أم لا.
إذ إن السلطات الأوكرانية تواصل ضمان بقائها في السلطة بينما تدعي روسيا أنها استولت عليها. ومن الواضح أيضا أنه كان هناك تبادل عنيف للاتهامات على وجه التحديد بين المسؤولين عن المجموعة وسلطات موسكو.
ونقلت الصحيفة أن وزارة الدفاع الروسية اضطرت لاحقا إلى الاعتراف بأن الوحدات الهجومية التابعة للشركة العسكرية الخاصة هي التي استولت على المعقل الأوكراني، وهو أكبر انتصار روسي منذ يوليو/حزيران 2022.
وأشار البيان العسكري إلى أنه "فيما يتعلق بالهجوم على المنطقة الحضرية في سوليدار التي احتلها الجيش الأوكراني، جرى تنفيذ هذه المهمة بطريقة شجاعة وإيثارية من خلال أعمال متطوعين من الوحدات الهجومية التابعة للشركة العسكرية الخاصة، فاغنر".
وتؤكد المؤسسة العسكرية الروسية أن الهجوم شمل مشاركة أنواع مختلفة من القوات، وقصفا بالمدفعية الثقيلة والطيران، وحصار البلدة من الشمال والجنوب. وكان من أهدافه منع وصول التعزيزات وانسحاب القوات الأوكرانية.
وأوضحت الوزارة أنها قررت إصدار توضيح لتقرير الحرب اليومي بعد إصرار من وسائل الإعلام.
وتجدر الإشارة إلى أنه في النسخة الأولى من البيان، لم يشر المتحدث باسم الدفاع، إيغور كوناشينكوف، إلى فاغنر؛ مما تسبب في حالة انزعاج كبيرة لدى بعض أوساط المرتزقة وعلى شبكات التواصل الاجتماعي.
وعلى قناته في تلغرام، قال يفغيني بريغوزين: "إنهم يحاولون باستمرار سرقة النصر منا ويتحدثون عن وجود طرف في العملية دون إيضاح هويته، فقط للتقليل من قيمة كفاءتهم".
وانتقد بريغوزين في الأشهر الأخيرة القيادة العليا للوزارة والجيش الروسيين لعدم إحراز تقدم في ساحة المعركة في إطار "العملية العسكرية الخاصة".
بالإضافة إلى ذلك، نشر على قناته في تلغرام بيانا لرئيس رابطة حماية مصالح قدامى المحاربين في الحرب المحلية والصراعات العسكرية، أندريه تروشيف.
وجاء في هذا البيان: "لم يكن هناك جندي مظلي واحد في سوليدار، حيث إن المظليين أنفسهم يؤكدون ذلك".
وأردف: "جرت السيطرة على سوليدار فقط من خلال جهود مقاتلي فاغنر. ولا داعي للإساءة للمقاتلين بتقليل استحقاقاتهم. إنهم يجردونهم من حماسهم".
خلافات داخلية
في ظل هذا الوضع، وفي محاولة لتعزيز مواقفه في مواجهة انتقادات بريغوزين والخبراء والمدونين العسكريين، عين وزير الدفاع، سيرغي شويغو، خلال يناير/كانون الثاني 2023 رئيس هيئة الأركان العامة، فاليري جيراسيموف، قائدا جديدا للقوات الروسية في أوكرانيا.
في الواقع، لقد حل مكان الجنرال سيرغي سوروكين، الذي تولى منصبه قبل ثلاثة أشهر فقط والذي أشاد بريغوزين بقراره شن قصف مكثف على البنية التحتية المدنية الأوكرانية.
ونوهت الصحيفة إلى أن وزارة الدفاع الروسية حاولت تبرير إهانة وازدراء فاغنر بالادعاء بأن "مجموعة مختلطة من القوات" الروسية نفذت "خطة مشتركة" في اتجاه سوليدار. ونسبت الهجوم على المناطق الحضرية إلى قوات المرتزقة.
وأفادت الصحيفة بأن بريغوزين، لم يخرج فقط دفاعا عن رجاله، ولكن أيضا زار سوليدار، واصطحب مجموعته "الخاصة" من المدونين المتخصصين في القضايا العسكرية (ميلبلوغرز) لإظهار التقدم اليومي لهم على منصات التواصل الاجتماعي الروسية.
ربما حاول "ممول" فاغنر استباق إعلان النصر باتهام بيروقراطيين مجهولين ومسؤولين حكوميين "بمحاولة مستمرة لسرقة النصر من شركة فاغنر العسكرية الخاصة" والتقليل من مزاياها.
وتسببت شركة ميلبلوغرز المستقلة أو التابعة لفاغنر في سلسلة من الانتقادات التي تدين وزارة الدفاع الروسية بسبب "تزييف" عملية احتلال سوليدار المزعومة.
ونقلت الصحيفة أن عددا لا يستهان به من الجنود الروس، الذين جرت مقابلتهم، يؤكدون أن جنود مرتزقة فاغنر هم من يقاتلون في الخطوط الأمامية، ويتحملون عبء القتال، وبالتالي، سقط من بينهم الكثير من القتلى.
في المقابل، يبدو أن دور الجيش الروسي أقل أهمية. في الحقيقة، يتولى الجنود الروس، الذين جرى حشدهم أخيرا ولا يزالون عديمي الخبرة في كثير من الحالات، المهام الدفاعية والحراسة الخلفية.
وأدت التكتيكات التي استخدمها بريغوزين في كل من باخموت وسوليدار، والتي كانت عدوانية للغاية لتحقيق التقدم، إلى زيادة عدد الضحايا بين المرتزقة، وفق الصحيفة الإسبانية.
وقد وصف مراقبون عسكريون مختلفون عواقب هذه الإستراتيجية بأنها "مذبحة". وقال نائب وزير الدفاع الأوكراني، حنا ماليار، إن "العدو يتقدم حرفيا على جثث جنوده ويستخدم بكثافة المدفعية وقاذفات الصواريخ وقذائف الهاون ويصيب قواته".
وأوردت الصحيفة أن معهد دراسات الحرب يحلل الصراع المستمر بين مجموعة فاغنر ووزارة الدفاع الروسية.
وفي هذا السياق، ادعى العديد من المدونين البارزين، بمن فيهم أولئك المنتسبون إلى الكرملين، أن هناك صراعا مستمرا بين وزارة الدفاع الروسية وبريغوزين وراء الكواليس وفي وسائل الإعلام.
وبحسب بعض الخبراء، أتقن بريغوزين الخطاب الغامض المتعمد لوزارة الدفاع الروسية، وأجبرها، وبالتالي الكرملين، على إنهاء سياسة الامتناع عن الاعتراف بفاغنر وجهودها في الحرب.
من جهته، زعم أحد المدونين التابعين للكرملين أن بريغوزين ووزارة الدفاع الروسية يحاولان بنفس القدر تقويض بعضهما البعض.
كما اتهم بريغوزين برفض الاعتراف بالقوات المسلحة الروسية كقوة مشاركة في ساحة المعركة.
في الأثناء، أدان الضابط الروسي السابق والصوت القومي البارز، إيجور جيركين "الصراع" بين القيادة العسكرية التقليدية والقوات غير الرسمية (في إشارة إلى فاغنر).
وادعى أن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، ورئيس الأركان الروسي، فاليري جيراسيموف، يسعيان بشكل أساسي إلى حل شركات الدفاع الخاصة مثل فاغنر ودمج عناصرها في هيكل وزارة الدفاع.
وأعلن جيركين أن سوليدار وضعت على الطاولة معضلة كبيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي وجب عليه احتواء كل من وزارة الدفاع الروسية وبريغوزين. وحذره من المخاطرة بفقدان الدعم لحربه؛ أو أن يصبح حكما وقائدا أعلى في هذه الحرب.
في ظل هذه الظروف، من المرجح أن يسعى بريغوزين إلى استخدام الانتصار في سوليدار بمثابة أداة مساومة لتعزيز سلطته في روسيا.
ويشير ذكر وزارة الدفاع الروسية لاحقا لقوات فاغنر إلى انتصار كبير لبريغوزين، مما عزز دوره كلاعب حاسم في هذه الحرب.