يمتد للحقبة السوفيتية.. صحيفة روسية ترسم أبعاد التوغل الصيني في آسيا الوسطى
خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، عززت الصين من نفوذها وهيمنتها على دول آسيا الوسطى، التي كانت ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقا، وحدث ذلك بالتزامن مع تراجع النفوذ الروسي في هذه المنطقة.
وفي ظل التغيرات الجيوسياسية الجديدة، سلطت صحيفة "لينتا" الروسية الضوء على الدور الصيني في هذه المنطقة، والكيفية التي توسع من خلالها بكين نفوذها فيها، مستفيدة من انشغال موسكو بحربها ضد أوكرانيا.
نفوذ كبير
وحسب الصحيفة، دخلت منطقة آسيا الوسطى حيز المصالح الصينية فور انهيار الاتحاد السوفيتي.
ولطالما رأت الصين أن كازاخستان وقيرغيزستان وأوزباكستان وطاجكستان وتركمانستان شركاء رئيسيين بالنسبة لها.
كما أنها كانت مستعدة دوما لأن تقدم لهذه الدول القروض السخية وتمويل مشاريعها الاقتصادية دون أي تعقيدات.
وبالفعل أدت التجارة والاستثمار ومشاريع البناء الضخمة والحرب المشتركة ضد "الإرهاب" إلى خلق أساس متين لهيمنة الصين في المنطقة.
وفي عام 2022، تعززت هذه الهيمنة بفعل العقوبات المناهضة لروسيا، والتي صعبت على روسيا مهمة التعاون مع جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.
ونتيجة لذلك، حظيت الصين بفرصة "لترويض" النخب الحاكمة في آسيا الوسطى، والبدء في تنفيذ مشروعها العالمي "طريق الحرير الجديد".
وحسب الصحيفة، منذ نهاية القرن العشرين، اعتمد نهج الصين في تعاونها مع الدول الأخرى على ثلاثة مبادئ لا تتزعزع:
-
عدم التدخل في الشؤون الداخلية للشركاء وعلاقاتهم مع بعضهم بعضا.
-
التركيز على التعاون الاقتصادي.
-
السعي لتحسين سمعتهم.
وللوهلة الأولى، أثبتت هذه الإستراتيجية فعاليتها في آسيا الوسطى.
فلطالما كان لدى الصين مجموعة واسعة للغاية من الأدوات لتعزيز نفوذها في المنطقة.
ابتداء من الاستثمار في تنمية الموارد المعدنية وبناء البنية التحتية الحديثة، إلى المساعدة في تحديث القوات العسكرية والتعاون في مكافحة "الإرهاب".
وأشارت الصحيفة إلى أن مصالح الصين في آسيا الوسطى واضحة تماما، باعتبار -أولا- أنها أكبر مستهلك للنفط والغاز والعديد من الموارد الأخرى في العالم.
حيث إن بلدان آسيا الوسطى غنية بالمعادن، وتدرك الصين قيمة الطاقة في المنطقة.
وثانيا، تتطلب المساعي الصينية لتوسيع تعاونها مع الاتحاد الأوروبي من أجل تسويق منتجاتها ظهور ممرات نقل جديدة.
فعلى سبيل المثال، يؤثر المشروع الضخم الحزام والطريق، الذي يتضمن إنشاءات واسعة النطاق للطرق والمراكز التجارية والبنية التحتية اللوجستية في الطريق لأوروبا، على جميع دول آسيا الوسطى.
وتتمثل المصلحة الثالثة في أن الجزء الجنوبي من المنطقة، طاجكستان وأوزبكستان، يعمل كمنطقة عازلة بين أفغانستان ومنطقة شينجيانغ الإيغورية التي تتمتع بالحكم الذاتي.
وترى بكين أن الأمن في هذه المنطقة ضروري للحيلولة دون انتشار "الإرهاب" في الداخل.
شريك رئيس
وبالإضافة إلى الاستثمار المباشر والقروض، تقول الصحيفة إن الصين تخصص من أموالها بشكل دوري منحا مجانية لحلفائها.
ففي عام 2022، أرسلت بكين 500 مليون دولار إلى أستانا وبيشيك وطشقند ودوشانبه، بدعوى "تنفيذ مشاريع ذات أهمية مجتمعية".
وعلاوة على ذلك، تخصص الصين حصصا سخية للتدريب المجاني للمتخصصين من آسيا الوسطى في مؤسساتها التعليمية ومراكزها البحثية ومصانعها.
وبلغ عدد المستفيدين من هذه المنح 5 آلاف خلال عام 2022.
وتعد الصين صانعا وموردا رئيسا للأسلحة. وبالرغم من أن قدرة مجمعاتها الصناعية العسكرية أدنى بكثير من الموجودة في روسيا، إلا أن الجمهوريات السوفيتية السابقة تشتري بشكل دوري معدات عسكرية من الصين.
ففي عام 2021، تسلمت القوات المسلحة لطاجيكستان مركبات ومدرعات صينية. كما تشتري أوزباكستان طائرات عسكرية بدون طيار من الصين، وتستورد تركمانستان أنظمة صواريخ مضادة للطائرات.
وتتفاوض كازاخستان على شراء طائرات نقل، فضلا عن كونها تشتري بالأساس طائرات بدون طيار. كذلك يزود الصينيون قيرغيزستان بمعدات عسكرية مجانا بين آن وآخر.
وفوق ذلك، تجري هذه الدول دوريا تدريبات عسكرية مشتركة لمكافحة "الإرهاب" بالتعاون مع القوات المسلحة الصينية.
لكن الأداة الرئيسة للقوة الناعمة التي تساعد الصين في زيادة قدرتها على التأثير على سياسة دول الاتحاد السوفيتي السابقة، هي القروض.
حيث تنمو ديون جميع هذه البلدان -باستثناء كازاخستان وتركمانستان- بوتيرة سريعة.
ويبلغ إجمالي ديون طاجيكستان للبنوك الصينية حوالي 35 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي، بينما بلغت نسبة قرغيزستان 22 بالمئة، وأوزباكستان حوالي 20 بالمئة.
ولهذا السبب، غالبا ما تضطر حكومات آسيا الوسطى إلى نقل مرافق البنية التحتية والتعدين والإنتاج إلى ملكية الصين.
فعلى سبيل المثال، في عام 2021، اعترف رئيس قيرغيزستان صادر جاباروف، صراحة بأنه إذا لم تتمكن السلطات من العثور على مصادر جديدة لتمويل الديون، فسيتعين عليها نقل محطة طاقة حرارية كبيرة والعديد من الطرق المهمة إلى الصين.
وفي طاجيكستان، تسيطر الشركات الصينية بشكل غير مباشر على حوالي 80 بالمئة من شركات تعدين الذهب.
الأخ الأكبر
من وجهة نظر الصحيفة، يؤدي الاعتماد الاقتصادي لجمهوريات آسيا الوسطى على "الأخ الأكبر" إلى عواقب أكثر خطورة.
ففي عام 2011، سلمت طاجيكستان حوالي 1000 كيلومتر مربع من أراضيها إلى الصين بموجب معاهدة حدودية جديدة، وتمثل هذه المساحة حوالي 1 بالمئة من مساحة الجمهورية.
رسميا، تم التبرع بهذه الأرض كجزء من تسوية النزاعات الإقليمية، لكن المعارضة الطاجيكستانية تزعم أن سلطات البلاد أجبرت على هذه الخطوة تحت إغراءات مقترحات قروض واستثمارات جديدة، في ظل عدم قدرتها على سداد ديون قديمة.
وحسب الصحيفة، تتجلى تنازلات هذه الدول للصين، ليس فقط في ملفات السياسة الخارجية، لكن حتى حين حدوث نزاع بين مواطني هذه الدول وشركات صينية، تنحاز الحكومات لصالح الأخيرة.
وهو ما يثير غضب السكان المحليين بطبيعة الحال، ما جعل الاحتجاجات المناهضة للصين من روتين الحياة السياسية.
ففي عام 2019، أي قبل وباء كورونا، أقيم أكثر من 40 احتجاجا كبيرا مناهضا للتوسع الصيني في المنطقة.
وقد تختلف أجندة هذه التظاهرات، لكنها تتشارك في مناهضتها للتوسع الصيني، فقد يكون الهدف هو التضامن مع الإيغور المضطهدين، أو الاحتجاج ضد تأجير الأراضي طويل الأمد للشركات الصينية.
وجدير بالذكر أن الاحتجاجات لا تنتقد الصين فقط، لكنها تنتقد النخب الحاكمة أيضا، باعتبار أنهم باعوا بلادهم للصين، حسب رأيهم.
وبالتوازي مع نمو النفوذ الصيني، تقلصت قدرة روسيا على تعزيز مصالحها في آسيا الوسطى بشكل ملحوظ.
واستدلت الصحيفة على ذلك باحترام بعض هذه الدول لجزء من العقوبات الغربية المناهضة لروسيا، أو على الأقل عدم استعدادها للمساهمة في التخفيف من تأثيرها.
بالإضافة إلى تقلص قدرة الشركات والبنوك الروسية على الاستثمار الخارجي، أو منح القروض، بسبب تكاليف العملية العسكرية ضد أوكرانيا.
لكنها استبعدت أن الصين دخلت في مواجهة مع روسيا للسيطرة والهيمنة على دول آسيا الوسطى. فلا تزال الصين تعتمد على الوجود العسكري الروسي في المنطقة، وتتفاوض معها بنشاط لمجابهة التحديات المشتركة.
لكنها تختتم قائلة: "ومع ذلك، فإن توجه الجمهوريات السوفيتية السابقة نحو الجار الشرقي الكبير أمر واضح للعيان. تحتاج روسيا للبحث عن حلول جديدة في هذا الصدد".