اشترتها إيران.. لماذا تخلى النظام المصري عن مقاتلات سوخوي الروسية؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في 25 ديسمبر/كانون أول 2022، نقلت "القناة 12" العبرية عن مسؤولين استخباراتيين غربيين، أن روسيا تستعد لتزويد إيران بـ24 طائرة من طراز سوخوي 35 (Su-35)، كانت معدة لبيعها لمصر قبل تدخل واشنطن لـ"تعطيل" الصفقة.

صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أوضحت في اليوم نفسه، "أن هذه المعلومات سربتها مصادر استخباراتية أميركية تراقب الصفقات الأمنية بين إيران وروسيا"، وقالت إن صفقة الـ 24 طائرة كانت معدة أصلا لمصر، لكن الولايات المتحدة "نسفتها".

تقرير القناة 12 أوضح أن المعلومات التي حصل عليها من المصادر الاستخباراتية (لم يحددها) أشارت إلى أن موسكو كانت تبحث عن مشتر جديد، بدل مصر، ووجدته في طهران، وأن طيارين إيرانيين تدربوا بالفعل على هذه الطائرات.

موقع التلفزيون العبري "i24news"، ذكر في 25 ديسمبر، أن طهران ستحصل على هذه الطائرات "قريبا جدا" بعدما كانت مخصصة لمصر.

قبل هذا الإعلان بثلاثة أشهر، نقلت وسائل إعلام إيرانية 5 سبتمبر/أيلول 2022 عن قائد القوات الجوية حميد وحيدي قوله إن القوات الجوية الإيرانية تدرس خطط شراء مقاتلات سوخوي سو -35 من روسيا.

هذه الأنباء تشير إلى أن مصر قد تخلت بالفعل أو أجبرت على إلغاء خطط شراء سوخوي 35 خشية العقوبات الأميركية.

لكن ما جرى لاحقا هو أن واشنطن أعلنت في مارس/آذار 2022 أنها ستزود مصر بطائرات إف 15، ربما كصفقة تعويضية.

فلماذا رضخ نظام عبدالفتاح السيسي للضغوط الأميركية؟ وهل الصفقة البديلة من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تشمل طائرات إف 15 فقط أم تخفيف إثارة قضايا حقوق الإنسان أيضا؟ وما إمكانية أن يكون السيسي قد استخدم الصفقة الروسية لمقايضة إدارة بايدن؟

تراجع مصر

في 23 يوليو/تموز 2020 زعم موقع Top War الروسي للشؤون الدفاعية، ومجلة watch magazine Military أن الدفعة الأولى من مقاتلات سوخوي 35 لمصر خرجت من مطار مصنع "كومسومولسك أون"، تمهيدا لتسليمها للقاهرة، وجرى تدريب الطيارين والفنيين المصريين.

بعدها بشهر، زعم موقع "روسيا اليوم" في 27 يوليو 2020 نقلا عن مصادر عسكرية، أن مصر تسلمت بالفعل 5 طائرات من طراز سوخوي 35 من أصل 24 مقاتلة جرى التعاقد عليها مع روسيا حتى 2024، لكنها لم تُسلم كما قيل.

موقع "مليتاري إفريقيا" العسكري، أكد أن هذه الدفعة الأولى كانت 6 طائرات Sukhoi-35S جاهزة للتسليم إلى مصر، لكن تعطلت الصفقة كلها، بعدما هددت الحكومة الأميركية القاهرة بفرض عقوبات على قواتها المسلحة. 

أوضح الموقع أن قانون كاتسا CAATSA الأميركي يعاقب أي دولة تجري معاملات مع المخابرات والأجهزة العسكرية الروسية، ومصنعي الأسلحة الروسيين، وكانت مصر عرضة لتطبيق هذه العقوبات بما يضرها عسكريا.

هذه التهديدات قيلت بوضوح على لسان وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، على هامش جلسة لجنة موازنة 2020 بمجلس الشيوخ 10 أبريل/نيسان 2019، حين أكد أن بلاده ستفرض عقوبات على مصر حال شرائها سو-35".

قال: "أكدنا (لمصر) أن شراء مثل هذه المنظومات سيتسبب في تطبيق عقوبات بموجب قانون كاتسا الخاص بأعداء أميركا، وتلقينا تأكيدات منهم أنهم يفهمون هذا الأمر جيدا، وآمل أن يقرروا عدم المضي في إتمام هذه الصفقات".

وصل الأمر لتهديد وزيري الخارجية والدفاع الأميركية، وزير الدفاع محمد زكي في رسالة رسمية، وطالباه بالتراجع عن الصفقة ولوحا بعقوبات حالة الإصرار على إتمامها، بحسب ما نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في 14 نوفمبر/ تشرين ثان 2019.

نشرت الصحيفة كواليس هذه الرسالة التي وجهها المسؤولان لوزير الدفاع المصري، ونقلت عن مسؤولين في وزارة الدفاع (البنتاغون) أنه جرى تحذير قائد القوات الجوية المصرية الفريق محمد عباس أيضا من عواقب تلك الصفقة.

بدأت القاهرة في التراجع تدريجيا عن الصفقة وطرح بدائل أو طلب ثمن ومقابل لها، في صورة تزويدها بطائرة أميركية أحدث، والكف عن انتقاد ملف السيسي الحقوقي، وهو ما جرى بالموافقة على تزويد مصر بطائرة إف 15 مارس/آذار 2022.

رغم عدم حديث مصر رسميا عن إلغاء الصفقة الروسية، أعلنت عن هذا طهران بصورة غير مباشرة بعد 6 أشهر من إعلان واشنطن تزويد مصر بـ إف 15.

في 5 سبتمبر/أيلول 2022، نقل موقع "مليتاري إفريقيا" العسكري تأكيد قائد القوات الجوية الإيرانية الجنرال حميد وحيدي، في برنامج تلفزيوني، أن إيران ستشتري مقاتلات Su-35E من روسيا.

"وحيدي" قال حينئذ إن 24 طائرات من هذا النوع كانت صفقة طلبتها مصر من روسيا، ولم يجر تسليمها بعد بسبب ضغوط من الولايات المتحدة، وأكد أن بلاده ستشتري ما لا يقل عن 64 طائرة Su-35.

وجاء الحديث عن نقل هذه الصفقة من مصر لإيران، بعدما وقعت طهران وموسكو في ديسمبر 2021 اتفاقا للأمن والدفاع لمدة 20 عامًا، وباعت طهران نحو 1700 طائرة مسيرة هجومية لروسيا، بحسب ما نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية في 10 نوفمبر 2022.

وبحسب "مليتاري إفريقيا"، كانت روسيا تأمل في بيع ما لا يقل عن 11 طائرة من الطائرات الـ 24 قبل إلغاء الصفقة المصرية إلى إندونيسيا.

لكن الحكومة الإندونيسية تعرضت أيضا لضغوط من الولايات المتحدة لرفض الصفقة، بينما خصصت طهران 3 مليارات دولار براميل نفط خام مقابل طائرات روسيا Su-35E بالإضافة إلى اتفاقية أسلحة بقيمة 10 مليارات دولار، وبنود أخرى.

مشكلات بالطائرة

أسهم في صرف مصر وأيضا إندونيسيا والجزائر، النظر عن شراء الطائرة الروسية المتطورة سو-35، عجز روسيا عن استيراد مكونات حديثة من الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل تدخل في إنتاجها بسبب العقوبات على موسكو.

وأكدت مصادر لمدونة الدفاع defense-blog مطلع يناير/كانون الثاني 2022، أن روسيا طلبت من الدول التي تنوي بيعها هذه الطائرات تمديدا آخر لحل المشكلات الفنية والسياسية التي نشأت نتيجة العقوبات.

قالت المصادر: "فقدت صناعة الدفاع الروسية ثلاث طلبيات كبيرة لمقاتلاتها من طراز Su-35 في وقت واحد بسبب الفشل في الحصول على بدائل لأجهزة الرادار وإلكترونيات الطيران المسح الضوئي، التي كان يجرى استيرادها سابقا من دول أوروبية".

شرح المؤرخ العسكري "توم كوبر" تفاصيل أكثر، مؤكدا أن روسيا لم تستطع تعويض أجهزة تكنولوجية مهمة لطائرات سو-35 التي كانت ستشتريها مصر.

وحين جرى تركيب بدائل، لم تكن الطائرات بنفس الكفاءة التي تعادل مواصفات سو-35 الفعلية.

وأوضح لموقع "فوربس" 11 يناير 2022 أنه كان هناك "تفاؤل مفرط" لدى مصر وهي توقع الصفقة، تبين أنه "غير منطقي تماما وغير واقعي"، وانتهى الأمر بالمصريين كأنهم "ابتلعوا حبة مريرة".

وقال: "وعد الروس بإعادة تجهيز الطائرات برادارات حديثة من طراز AESA، أي بترقيتها إلى فئة MiG-35، لأنها كانت مجهزة برادار PESA الأقل كفاءة، لكن مرت سنوات، ولم يحدث شيء".

وأضاف: "أجروا بعد ذلك اختبارا، على أول 2-3 من طائرات Su-35 جرى تسليمها إلى مصر، فاتضح أن رادار PESA الأقل كفاءة والذي كان بهذه الطائرات لا يطابق الكفاءة المطلوبة".

تابع: "اختبرت مصر رادارا آخر هو Irbis-E الموجود بالطائرة الروسية المذكورة ضد نظام الإجراءات المضادة الإلكتروني لإحدى طائراتها من طراز رافال الفرنسية، لكن الأخيرة تغلبت بسهولة على سو-35".

وجدت القاهرة أنه لا جدوى من دفع ثمن في طائرة روسية أقل كفاءة من الطائرات الغربية من الجيل الرابع المتاحة، ولا جدوى من معاندة واشنطن في الوقت نفسه والتعرض لعقوبات قد تنال المساعدة العسكرية الأميركية لمصر.

لذا أكد موقع "فوربس" أن تراجع مصر ليس فقط بسبب التهديد الأميركية لها بعقوبات، ولكن أيضا لوجود مشكلات فنية ورادارات أقل كفاءة من الطائرة الروسية سو 35 التي جرى الترويج لها على نطاق واسع في مصر.

صفقة إف 15

بعد الرفض الأميركي الواضح، تعرقلت الصفقة الروسية دون أن تعلن القاهرة رسميا ذلك، وعلى العكس أوعزت لإعلامها الرسمي وحسابات استخبارية على مواقع التواصل، بالاستمرار في الترويج للصفقة الروسية بحثا عن مقابل من واشنطن.

كانت المفاجأة إعلان قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال فرانك ماكنزي خلال جلسة استماع في الكونغرس مارس 2022 أن الولايات المتحدة تعتزم بيع مقاتلات متطورة إف-15 لمصر.

موقع "بوليتيكو" أكد في 15 مارس 2022 أن قبول واشنطن ببيع مقاتلات إف-1  جاء بعد تجديد مصر طلبا يعود إلى السنوات الأخيرة من عهد رئيسي النظام السابقين أنور السادات وحسني مبارك، ولتلافي شراء مصر سوخوي 35 الروسية.

وسبق أن تقدمت مصر بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل 1979 بطلب للحصول على مقاتلات إف 15.

لكن الإدارات الأميركية المتعاقبة باعت لها فقط المقاتلة إف 16 وبشروط مجحفة، وجرى انتزاع مميزات كثيرة منها لضمان التفوق الإسرائيلي في المنطقة.

وكانت القاهرة تحتج على واشنطن في السابق لعدم بيعها هذه الطائرة، خاصة أنها طبعت العلاقات مع إسرائيل، في حين باعتها إلى بلدين لم يفعلا ذلك وهما السعودية وقطر.

وقد اشترط المسؤولون الأميركيون للمضي قدما في بحث طلب عقد صفقة إف 15 مع مصر، إلغاء صفقة بقيمة ملياري دولار أبرمت عام 2018 مع موسكو لشراء ما يتراوح بين 25 إلى 30 طائرة من طراز سوخوي 35، بحسب موقع "بوليتيكو".

ويعتقد أن القاهرة انصاعت على الأرجح للضغوط الأميركية بشأن تجميد صفقة طائرات سوخوي 35 الروسية، إذ هددتها واشنطن بعقوبات حال استمرت فيها بحسب ما قال مسؤول أميركي سابق لموقع المونيتور الأميركي 16 مارس 2022.

وبانضمام هذه الطائرة إلى أسطول سلاح الجو المصري، تدخل القاهرة قائمة من 6 بلدان فقط حصلت على تلك المقاتلة الرئيسة في سلاح الجو الأميركي.

وتصبح من بين 3 بلدان فقط تستخدم تلك المقاتلة إلى جانب أسطول كبير من مقاتلات "إف-16"، إحدى أكثر الطائرات الحربية استخداما وانتشارا في العالم.

لكن يتعين أن يوافق الكونغرس الأميركي ووزارة الخارجية على الصفقة التي أعلنها البنتاغون، وحتى الآن لم يوضح الجانب الأميركي موعد تسليم هذه الطائرات لمصر.

مصر تخسر

كانت محاولة مصر شراء طائرات سوخوي 35 الروسية أول محاولة فعلية لشراء طائرات متقدمة من الجيل الخامس الأحدث والتي كانت ستنافس إف 35 الأميركية التي تمتلكها إسرائيل، إذ إن كل صفقات القاهرة الأخيرة كانت من الجيل الرابع.

ورغم أن طائرة إف -15 من أهم الطائرات المقاتلة التي ظهرت في الجزء الأخير من القرن العشرين، وجرى تصنيع أكثر من 1100 نموذج منها، وصممت كي تكسب تفوق جوي فوق أرض المعركة، فإنها أقل كفاءة من سوخوي 35 الأصلية التي تقترب من الجيل الخامس، ومن إف 35 الأميركية التي تمتلكها إسرائيل.

ما يعني أن القاهرة خسرت بإلغاء الصفقة الروسية سوخوي 35 وقبول الصفقة الأميركية (إف 15)، الأقل تفوقا، دخول عصر الجيل الخامس للطائرات.

وبدأ الحديث عن شراء مصر طائرات روسية حديثة بديلة لطائراتها التي تنتمي للجيل الثالث والرابع، حين زارها الرئيس الراحل محمد مرسي أبريل/نيسان 2013.

في هذا العام عرضت روسيا على مصر مقاتلات الـ Mig-35 والـ Su-35 معا كصفقة واحدة، وفق تصريحات يوري بوريسوف نائب وزير الدفاع الروسي وسيرجي كورنيف مدير شركة "روس ابورون اكسبورت" لصادرات السلاح الروسي، بحسب "بوابة الدفاع المصرية".

لاحقا وعقب الانقلاب العسكري وتولي عبد الفتاح السيسي الحكم، جرى التوقيع على صفقة أسلحة بقيمة 3.5 مليارات دولار، خلال زيارته لروسيا 13 فبراير/ شباط 2014.

في زيارته التالية لموسكو 25 أغسطس/آب 2015، دار الحديث عن شراء 12 مقاتلة سوخوي (سو 30 كا)، وهي من الجيل الرابع.

في عددها رقم 924 لشهر يونيو/حزيران 2016، نشرت مجلة "النصر" العسكرية التابعة لوزارة الدفاع، تقريرا على صفحتين عن مقاتلة السيادة الجوية الروسية (Su-35S)، فيما بدا كتمهيد لشراء هذه الطائرات.

وأخيرا كشفت صحيفتا "انترفاكس" و"كوميرسانت" الروسيتان في 18 مارس 2019 عن تعاقد مصر على 24 مقاتلة Su-35 بحوالي ملياري دولار، وبدء التسليم في الفترة بين عامي 2020 و2021، ما بدأ كمحاولة من السيسي للضغط على واشنطن.

وبدأ الجيل الخامس من الطائرات المقاتلة في عام 1990، وكانت أولى مقاتلات الجيل الخامس هي المقاتلة الأميركية إف -22 رابتور، الوحيدة الممنوع تصديرها للخارج، وأعقبها إف-35. ثم الطائرة الروسية سوخوي سو-57 وأيضا سو-35 التي كانت مصر تسعى لشرائها.

وخلال الأعوام الماضية، نوعت القوات الجوية المصرية معداتها ومقاتلاتها من أنظمة تسليحية مختلفة، بما في ذلك مقاتلات "إف-16" الأميركية و"رافال" و"ميراج 2000" الفرنسيتان، وأخيرا الروسية "ميغ-29".

لكن كل تلك الطائرات تعد من الجيل الرابع مقارنة بما تمتلكه إسرائيل، وحتى بعض دول الخليج، من الجيل الخامس.