"ماكرون فشل بكل شيء".. لماذا أشعلت عملة جزائرية جديدة غضب فرنسا؟
لأول مرة في تاريخ الأوراق النقدية الجزائرية أصبحت اللغتان العربية والإنجليزية فقط على العملة الجزائرية الجديدة، دون الفرنسية.
وأعلن بنك الجزائر المركزي في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، على حسابه في "تويتر" أن إصدار الورقة ذات ألفي دينار "يأتي تخليدا لانعقاد قمة الدول العربية بالجزائر، وإحياء للذكرى الـ 68 لاستقلال الجزائر عن فرنسا".
ناشطون سياسيون وقوميون فرنسيون عبروا عن خيبة أملهم في قرار البنك المركزي الجزائري، الذي أصدر قراره احتفاء بذكرى الثورة الجزائرية.
وصبت المعارضة الفرنسية جام غضبها على الرئيس إيمانويل ماكرون، مبينة أن سياسته تسببت في فصل الجزائر عن "الهيمنة الفرنسية" سياسيا وثقافيا.
فيما عد مغردون وناشطون جزائريون محاولة بلادهم التخلص من الفرنسة، أمرا طبيعيا، واستمرارا للنضال الجزائري الذي بدأ ضد فرنسا منذ عقود طويلة.
وأن المستعمر لا يحق له أن يفرض شروطه وهويته بعد هذه السنوات، خاصة أنه سلب البلاد مقدراتها، وانتزع استقلاليتها، وحاول الهيمنة عليها حتى بعد خروجه منها.
غضب فرنسي
تعمد الحكومة الجزائرية اختيار المناسبة الوطنية للاستقلال عن فرنسا لإصدار عملتها، ووضع الإنجليزية بجوار اللغة العربية دون استخدام الفرنسية، كان له دلالات واضحة من السعي الإستراتيجي للدولة لتجاوز حقبة الاستعمار، والانفكاك من هيمنة باريس.
وتميزت العملة الجديدة من فئة (2000 دينار جزائري)، ما يعادل (14 دولارا) بأنها ذات جودة عالية، وتحمل صورة مسجد الجزائر الأعظم، الذي يعد ثالث أكبر جامع في العالم، بمساحة قدرها 200 ألف متر مربع.
وعلى الجهة الثانية من العملة النقدية، جرى وضع صورة لمعلم مقام الشهيد، الذي يعد رمز الجزائر العاصمة، وهو المعلم الذي شيد في عهد الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد سنة 1982، ويرمز لمقاومة المستعمر الفرنسي.
تلك الخطوة أغضبت ساسة فرنسا، الذين يرون أن بلادهم تتراجع على مستوى العلاقات الخارجية، وتفقد أماكن نفوذها خاصة في الجزائر.
ومن هؤلاء مرشح اليسار الراديكالي للرئاسة سابقا، جان لوك ميلونشون (زعيم حركة فرنسا الأبية) الذي انتقد سياسة الحكومة الفرنسية تجاه الجزائر.
وقال جان لوك في تغريدة على تويتر: "هذه ورقة نقدية جزائرية، اللغة المشتركة لم تعد قائمة، يا له من حزن! لقد فشل ماكرون و(إليزابيث) بورن (رئيسة الوزراء الفرنسية)، فشلا في كل شيء".
وقد غرد الناشط السياسي الجزائري، "عبد الحليم شادو" عبر تويتر، قائلا: "تضمنت الورقة (النقدية) اللغتين العربية والإنجليزية.. لم تعد الأوراق النقدية للدينار المتداولة تتضمن أي عبارات بالفرنسية".
والعملة النقدية لم تكن الضربة الوحيدة التي تلقتها اللغة الفرنسية في الجزائر؛ ففي 19 يونيو/حزيران 2022، أعلن الرئيس عبد المجيد تبون "اعتماد اللغة الإنجليزية بدءا من المرحلة الابتدائية".
وكان تعليم الإنجليزية يبدأ من المرحلة المتوسطة (الإعدادية)، وبموجب القرار أصبحت الإنجليزية ثاني لغة أجنبية في المرحلة الابتدائية إلى جانب الفرنسية.
لكن ما أثار الجدل في القرار حينها هو صيغة إعلام تبون نفسها، خلال مقابلة تلفزيونية، عندما بين أن "الفرنسية غنيمة حرب، لكن اللغة الدولية هي الإنجليزية".
واستخدامه لعبارة "الفرنسية غنيمة حرب" يبدو أنه كان مقصودا، لأن الجملة تستعمل في الجزائر لدى الأوساط السياسية والثقافية للتعبير عن كونها إحدى النتائج الحتمية لفترة الاستعمار الفرنسي الطويلة.
وكشف تقرير للمنظمة الدولية للفرانكفونية عام 2022 أن حوالي 15 مليون جزائري (من بين 45 مليونا) يتحدثون اللغة الفرنسية.
وخلال السنوات السابقة تصاعدت مطالب من أحزاب وجمعيات جزائرية تدعو إلى إدراج الإنجليزية في الأعوام الأولى للتعليم، كونها اللغة الأكثر انتشارا في الأوساط العلمية عالميا.
العدو الأبدي
وتوترت العلاقات بين باريس والجزائر خلال الفترة الأخيرة، حتى أنه في 8 أبريل/نيسان 2021، وصف وزير العمل الجزائري الهاشمي جعبوب، فرنسا بأنها "العدو التقليدي الأبدي" للجزائريين.
وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، طالب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قصر الإليزيه بـ"الاحترام الكامل" لبلاده، قائلا إن "على فرنسا أن تنسى أن الجزائر كانت مستعمرة لها في يوم من الأيام".
لكن الخطوات الأهم جاءت مع إعلان الجزائر البدء في مرحلة "شبه قطيعة" مع اللغة الفرنسية.
وبدأت منذ 28 أكتوبر 2021 قرارات إنهاء التعامل بالفرنسية في عدة قطاعات حكومية، وسط دعوات لتعزيز مكانة العربية بكونها اللغة الرسمية للبلاد، وكذا دعم وجود الإنجليزية في التعليم.
وكانت أبرز هذه القرارات إصدار 3 وزارات هي: التكوين المهني، والشباب والرياضة، والعمل، تعليمات إنهاء التعامل بالفرنسية، واستخدام العربية حصرا في جميع المراسلات والتقارير ومحاضر الاجتماعات والوثائق.
فضلا عن تداول معلومات مؤكدة داخل وزارات أخرى بوجود تعليمات شفهية من أعلى سلطات البلاد بإنهاء التعامل بالفرنسية داخل سائر القطاعات الحكومية.
المحامي الجزائري "عادل بوشنتوف" رأى أن "الجزائر في تاريخها النضالي، وسعيها المستمر للتخلص من المستعمر الفرنسي، الذي استعمر بلادنا لـ 132 سنة، خسرت الكثير من رصيدها الحضاري والثقافي، ولم تخسر مواردها ومصالحها وشهداءها فقط".
وأضاف لـ"الاستقلال" أن "الاستعمار الفرنسي الخبيث من أخطر أنواع الاستعمار، لأنه لا يقصد موارد البلد فقط، وإنما يسعى لمحقها، وسحق هويتها، فتصبح نسخة متواضعة وساقطة منه".
كما أن "شعوب تلك البلاد تعامل كمواطنين من الدرجة الثانية والثالثة، وهو ما أباه الشعب الجزائري المعروف ببسالته وإعلاء كرامته فوق كل شيء".
واستطرد: "العملة الجزائرية الجديدة تحمل رسائل واضحة لفرنسا وللمجتمع الدولي، لا تكمن في مجرد المكايدة، ولكن في ثورة ثقافية جزائرية جديدة، لها مجموعة من المحددات".
أولها التمسك بالعربية بكونها اللغة الأم ورمز الدين الإسلامي، ثانيا اللغة الإنجليزية بكونها لغة العلم الحديث، والأكثر انتشارا وأهمية، بحسب قوله.
وأوضح: "بالتالي فنحن نرسخ لجذورنا من خلال لغتنا العربية، ونتطلع إلى المستقبل والعلوم والاتصال الحضاري من خلال الإنجليزية".
وأردف: "الأهم أننا لا نتبع ولا نخضع لثقافة مستعمر لطالما قتل ونكل بالشعب الجزائري".
وبين أن "دراسة جرائمه وتاريخه الدموي واجب على كل مواطن جزائري، لا أن ندرس لغته التي تسببت في تأخرنا على جميع الأصعدة".
مقاومة مستمرة
لكن حملات التعريب والتخلص من الفرنسية في الجزائر ليست وليدة اللحظة، بل هي خطوة بدأت بعد رحيل الاستعمار الفرنسي من الجزائر في 5 يوليو/ تموز 1962. وبلغت أوجها في سبعينيات القرن الماضي، عندما وصلت بشكل مباشر إلى قطاع التعليم.
وقتها انقسمت آراء الشارع الجزائري بين الترحيب والرفض، ما أدى إلى هيكلة سياسات التعليم، وكذلك اشتد الصراع من أجل النفوذ بين العربية والفرنسية داخل هذين التيارين.
وفي عام 1991 صدر قانون يحدد استخدام العربية فقط ويحظر أي "لغة أجنبية" كلغة رسمية للدولة.
وفي 1996 صدر مرسوم يفرض استعمال اللغة العربية في "التبادل والمراسلات بين جميع الإدارات والشركات والجمعيات".
ويجري تدريس اللغة الفرنسية في المدارس الابتدائية والثانوية. وفي الجامعة تدرس التخصصات العلمية والطبية بذات اللغة أيضا.
لكن تبقى اللغة التي ستعوض الفرنسية محل جدل قائم. وفي هذا السياق رفضت الجزائر دعوة فرنسا الانضمام إلى منظمة الدول الفرانكفونية.
وفي عام 2019 خطط وزير التعليم العالي كمال بداري لاستبدال الفرنسية باللغة الإنجليزية في التعليم الجامعي.
وأمر الوزير في 21 يوليو/ تموز 2019 الكليات الجزائرية باستخدام اللغتين العربية والإنجليزية فقط في عناوين المراسلات والوثائق الرسمية.
وهو ما وصفته صحيفة "لوموند" الفرنسية حينئذ بأنه "لفتة مقدمة كخطوة أولى في استبدال الفرنسية بالإنجليزية في التعليم العالي".
وكما أشار الأكاديمي والصحفي ياسين تلالي في مقال لصحيفة لوموند، في 9 ديسمبر/كانون الأول 2021، فإنه "غالبا ما استخدم التيار المحافظ في الجزائر اللغة الإنجليزية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي كسلاح بديل للفرنسية".
وعدت أن ذلك كان بمثابة مواجهة للناطقين بالفرنسية الذين ينظر إليهم على أنهم "ديمقراطيون" أو "علمانيون".
وأشارت لوموند إلى أن "الزمن تغير وأصبح هناك مكون اجتماعي جديد يدلي بصوته الآن.. إنها البيئة الجامعية الجزائرية التي تدربت على التحدث باللغة الإنجليزية".
وتعد فرنسا، والحركة القومية الفرنسية، وكذلك النخب العلمانية الجزائرية، أن اللغة الفرنسية في تراجع مستمر، وسيأتي يوم وتنتهي بالكلية في الجزائر، وتصبح من نسيج الماضي.
المصادر
- عملة نقديّة جديدة لأوّل مرّة بتاريخ الجزائر من فئة 2000 دينار باللغة العربيّة والإنجليزيّة “بدون الفرنسيّة”
- امتعاض فرنسي من إدراج اللغة الإنجليزية على ورقة نقدية جديدة من فئة 2000 دينار في الجزائر
- الجزائر تطرح عملة نقدية تحتفي بالعربية و تستبعد الفرنسية
- Algérie-France : Macron et Tebboune, des paroles aux actes
- 132 سنة استعمار.. هكذا نهبت فرنسا خيرات الجزائر