في ذكرى الثورة.. وكالة تركية: فرنسا لا تنوي الاعتذار عن جرائمها بالجزائر

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

احتفلت الجزائر مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، بيومها الوطني الثامن والستين، وهو ذكرى انطلاق الثورة التي بفضلها أصبحت الجزائر دولة مستقلة ذات سيادة، بعد احتلال فرنسي طيلة 132 سنة. 

وبهذه المناسبة، أكدت وكالة الأناضول التركية، أنه رغم كل هذه السنوات ومطالبات الجزائر المتكررة، إلا أن فرنسا لا تنوي الاعتذار عن احتلالها وجرائمها التي استمرت من عام 1830 حتى 1962.

نضال مشرف

وذكرت الوكالة التركية أنه على الرغم من كل الجهود التي بذلتها فرنسا لمنعه، حصلت الجزائر على استقلالها في النهاية، لكن مظاهر الاستعمار والاحتلال في مناطق وقطاعات مختلفة بالبلاد مستمرة حتى اليوم .

واحتفلت الجزائر بالذكرى الـ60 لاستقلالها في 5 يوليو/ تموز 2022، بعد احتلال استمر لمدة 132 عاما، وأطاحت به ثورة بدأت في مطلع نوفمبر 1954.

واستشهد ما بين 1 و1.5 مليون جزائري خلال النضال من أجل الاستقلال الذي أطلقته جبهة التحرير الوطني ضد الاحتلال الفرنسي. 

وأثر النضال ضد الاستقلال بشكل غير متوقع على السياسة الداخلية في فرنسا، وبسبب ذلك حدثت العديد من التغييرات الحكومية، ما أدى إلى انهيار الجمهورية الفرنسية الرابعة.

وترك الاستعمار آثارا عميقة في البنية الثقافية والاجتماعية والديموغرافية للجزائر، لا تزال تتجلى في حد ذاتها، كما لم تتخل فرنسا عن جهودها للحفاظ على نفوذها في البلاد.

وكما هو معروف، جرى استعمار معظم البلدان في إفريقيا بعد مؤتمر برلين الذي عقد بين عامي 1884 و1885.

لكن الغزو الفرنسي للجزائر حدث قبل ما يقرب من نصف قرن من هذا المؤتمر، عندما كانت الدول الأوروبية تتقاسم إفريقيا على الورق.

بالإضافة إلى كونها المستعمرة الاستيطانية الفرنسية الوحيدة في إفريقيا، كانت الجزائر البلد الذي يضم أكبر عدد من السكان المستوطنين بين المستعمرات الاستيطانية الأخرى في القارة السمراء. 

وفي هذه المستعمرات، زاد عدد المستوطنين الفرنسيين تدريجيا مع ظهور أجيال جديدة ولدت هناك بالإضافة إلى المستوطنين الذين أرسلوا من فرنسا. 

ونتيجة لهذه السياسة، بلغ عدد السكان الأوروبيين الذين يعيشون في الجزائر في فترة ما قبل الاستقلال بنحو مليون نسمة، وولد جزء كبير جدا من هؤلاء السكان في الجزائر.

وسرعان ما بدأ السكان الفرنسيون في الجزائر في السيطرة على الحياة السياسية والإدارية في البلاد. كما غير الفرنسيون نظام الأراضي والتعليم في البلاد.

وخلال الفترة الاستعمارية، أتيحت الفرصة لنسبة صغيرة جدا من الجزائريين للذهاب إلى المدرسة، في حين وقعت أكثر الأراضي خصوبة في البلاد في أيدي السكان المستوطنين. 

ومع استمرار الاستعمار، بدأت سياسة الاستيعاب تترسخ، وبعد فترة من الوقت تم دمج الميزانية الجزائرية مع الميزانية الفرنسية.

والجزائر كانت تحت إشراف وزارة الداخلية على عكس المستعمرات الفرنسية الأخرى، التي كان بعضها تحت إشراف وزارة الخارجية وبعضها تحت إشراف وزارة المستعمرات، وذلك لأن الجزائر كانت تعد أرضا فرنسية. 

ولهذا السبب، جرت عملية إنهاء الاستعمار في الجزائر في ظل ظروف أصعب بكثير من المستعمرات الأخرى.

استعمار مستمر

وأوضحت الوكالة التركية أنه وعلى الرغم من مرور 60 عاما على الاستقلال عن فرنسا، إلا أن تاريخ الاستعمار في البلاد لا يزال يشكل عنصرا من عناصر التوتر في العلاقات الجزائرية الفرنسية. 

ولفتت النظر إلى أن إحجام فرنسا عن مواجهة ماضيها الاستعماري والاعتراف بالجرائم المرتكبة خلال هذه الفترة يبرز كأحد أهم أسباب هذا الوضع. 

بالإضافة إلى ذلك، يمكننا القول إن مصدر العديد من المشاكل في البلاد في فترة ما بعد الاستقلال يعود إلى الفترة الاستعمارية.

فكان الاستعمار الفرنسي قائما على سياسات الاستيعاب الثقافي والاقتصادي والسياسي. 

فمثلا ضرورة تعلم لغة المستعمر جعلت من الصعب الحفاظ على الهويات والتقاليد الوطنية في المستعمرات.

لأن التحدث بالفرنسية كان الشرط الرئيس للحصول على تعليم جيد، والقدرة على الخدمة على مستويات عالية واكتساب مكانة. 

ونتيجة للأهمية المعطاة للتعليم الفرنسي، فإن حقيقة أن العديد من الجزائريين يتحدثون هذه اللغة بطريقة جيدة مثل لغتهم الأم، وأحيانا أفضل من لغتهم الأم، قد برزت كمشكلة مهمة بفترة ما بعد الاستقلال.

والاستخدام الواسع النطاق للغة الفرنسية له تأثير على اللغة الجزائرية حتى اليوم. 

فالمسؤولون في المؤسسات العامة وشرائح النخبة في المجتمع ما زالوا يتحدثون الفرنسية فيما بينهم ومع أطفالهم، لذا "النضال ضد المستعمرة مستمر".

وتتجلى آثار الاستعمار الفرنسي التي تمتد حتى يومنا هذا أيضا في الحياة الاقتصادية للجزائر. وحتى عام 2021، حافظت فرنسا على مكانتها كأكبر شريك تجاري للجزائر واستمرت علاقة التبعية في هذا المجال.

اعتذار منتظر

ولطالما توقع المسؤولون الجزائريون أن تعتذر فرنسا عن الجرائم التي ارتكبت خلال الحقبة الاستعمارية، لكن الحكومة الفرنسية تجاهلت هذه المطالب دائما.

ورأت الأناضول أن "تقرير الذاكرة حول الفترة الاستعمارية" الذي كلف به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المتخصص بتاريخ الجزائر "بنيامين ستورا"، بعيد كل البعد عن تلبية توقعات الجانبين. 

وينتقد التقرير، الذي أعد بهدف التوفيق بين الشعبين الفرنسي والجزائري والتوفيق بين الذكريات السيئة القائمة على الفترة الاستعمارية، على أساس أنه لا يعكس التاريخ الاستعماري في البلاد بشكل كامل، بل يحاول التستر على بعض الحقائق.

وأكدت الوكالة التركية أنه رغم توقعات الحكومة الجزائرية بأن تعترف فرنسا بالجرائم التي ارتكبتها خلال الفترة الاستعمارية، فإنه ليس لدى فرنسا أي نية للاعتذار عن أنشطتها الاستعمارية.

ومزاعم ماكرون التي تتهم تركيا باتباع سياسات استعمارية جديدة لتعزيز العداء ضد فرنسا في إفريقيا، ووصف العهد العثماني في الجزائر بأنه استعماري، تظهر أنه يبحث عن كبش فداء للمشاعر المعادية لفرنسا المتزايدة في مستعمراته السابقة. 

وتساؤل ماكرون عما إذا كانت هناك أمة جزائرية قبل الحقبة الاستعمارية هو دليل على أن فرنسا لا تزال تتابع هذا النهج الاستعماري.

ويبدو تطبيع العلاقات بين البلدين غير مرجح إذا استمرت فرنسا في تجاهل هذه المشكلة. 

ولهذا السبب، يبدو أن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر خلال الفترة الاستعمارية ستظل واحدة من أهم القضايا التي تؤثر على العلاقات بين البلدين في المستقبل القريب.