تعيينه أنهى الانسداد السياسي.. هل ينجح السوداني بتشكيل حكومة العراق؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

بانتخاب عبد اللطيف رشيد رئيسا للجمهورية في العراق، وتكليف مرشح قوى "الإطار التنسيقي" الشيعي محمد شياع السوداني بتشكيل حكومة جديدة، أسدل الستار على عام كامل من الانسداد السياسي الذي وصل في أحد فصوله إلى الصدام المسلح بين الفرقاء السياسيين المتنافسين على السلطة.

لم تتمكن القوى السياسية من تشكيل حكومة بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، والتي تصدر فيها التيار الصدري بـ73 مقعدا من أصل 329، وسعى إلى تشكيل حكومة أغلبية سياسية قبل أن يستقيل نوابه في يونيو/حزيران 2022.

مع تكليف السوداني في 13 أكتوبر 2022، برزت تساؤلات عدة عن مدى قدرته على تشكيل الحكومة خلال 30 يوما منحها له الدستور العراقي، وما البدائل في حال لم يتمكن من إكمال مهمته وعرض حكومته على البرلمان لمنحها ثقة النواب.

عقبات عدة

على وقع تكليف السوداني، أكد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في 15 أكتوبر 2022 رفضه القاطع مشاركة أي من التابعين للتيار الصدري في الحكومة التي يعتزم محمد شياع السوداني تشكيلها.

وغرد صالح محمد العراقي المعروف بـ"وزير الصدر"، قائلا: "نشدد على رفضنا القاطع والواضح والصريح لاشتراك أي من التابعين لنا ممن هم في الحكومات السابقة أو الحالية أو ممن هم خارجها أو ممن انشقوا عنا سابقا أو لاحقا، سواء من داخل العراق أو خارجه، أو أي من المحسوبين علينا بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بل مطلقا وبأي عذر أو حجة كانت".

ووصف العراقي الحكومة المقبلة بـ"حكومة ائتلافية تبعية مليشياوية مجربة، لم ولن تلبي طموح الشعب ولا تتوافق مع مبدأ (المجرب لا يجرب)".

وأردف: حكومة السوداني تأتي بعد أن "أفشلت مساعي تشكيل حكومة أغلبية وطنية لا شرقية ولا غربية يسود فيها العدل والقانون والقضاء النزيه وينحصر السلاح بها بأيدي القوات الأمنية الوطنية البطلة".

وشجبت تغريدة "وزير الصدر" ما وصفه بـ"قمع صوت الشعب الرافض لإعادة العراق للمربع الأول كما يعبرون، ونستنكر العصيان الصريح للتوجيهات الشرعية والوطنية الصادرة من أعلى المستويات من داخل العراق أولا ومن خارجه ثانيا".

وكان أنصار التيار الصدري قد خرجوا بمظاهرات واسعة في أغسطس/آب 2022، ضد تشريح محمد شياع السوداني، سيطروا فيها على مبنى البرلمان العراقي داخل المنطقة الخضراء.

وتحولت المظاهرات بعدها إلى صدامات مسلحة مع قوات الحشد الشعبي الشيعية، راح ضحيتها نحو 60 شخصا من الطرفين، قبل أن يأمر الصدر أتباعه بالانسحاب وإنهاء الاحتجاجات.

وعلى الصعيد ذاته، شهدت العاصمة بغداد وعدد من محافظات وسط وجنوب العراق مظاهرات محدودة رافضة لتكليف السوادني رسميا بتشكيل الحكومة، الذي سبق أن جرى رفضه خلال الاحتجاجات الشعبية في أكتوبر 2019، لأنه واحد من رجال رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي حسب قولهم.

وفي أول موقف صريح من قادة "حراك تشرين" بشأن تكليف مرشح الإطار التنسيقي بتشكيل الحكومة، كتب الناشط العراقي أحمد الوشاح تغريدة على "تويتر" في 13 أكتوبر 2022، اقتصرت على كلمة "مرفوض" مع صورة للسوداني.

نظرة متباينة

وعن مقدرة السوداني على تشكيل الحكومة مع وجود هذه العقبات، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي، غيث الدليمي لـ"الاستقلال" أن "تغريدة وزير الصدر تشير إلى وجود تواصل من (رئيس الوزراء الجديد) مع أطراف من التيار، وهناك كما يبدو قبول منهم، ولذلك جاءت هذه البراءة".

ولفت إلى أن "الصدر فقد جميع الأضواء عدا الأحمر الذي يجهره بوجه أتباعه، لذلك اليوم ليس بيده أي شيء لإيقاف تشكيل حكومة السوداني كما يبدو، ولا سيما مع هذا الدعم الدولي الكبير، وربما يكون للتيار الصدري جولات قادمة، ولكن ليس الآن على أقل تقدير".

وأشار الدليمي إلى أن "السوداني سيمضي في تشكيل الحكومة، لأنه يمتلك الأغلبية البرلمانية ولا يوجد ما يعيق عملية اختيار كابينته الوزارية، حتى لو استمر أكثر من شهر".

وأرجع ذلك إلى أن "المدد الدستورية جرى القفز عليها عندما تعطل تشكيل الحكومة مدة عام كامل بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة".

ونوه الباحث إلى أن "رئيس الوزراء المكلف يحظى بتأييد دولي أيضا، فقد رحبت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وكذلك ممثلة الأمم المتحدة بإنهاء الانسداد السياسي وأنهم مع الإسراع في تشكيل الحكومة".

وشدد الدليمي على أنه "لا يوجد فرصه لفشل السوداني في مهمته، لأنه جرى الاتفاق بين الكتل السياسية على كل شيء، لذلك لم تطرح شخصية بديلة أو سيناريو آخر في الأروقة البرلمانية إذا لم ينجح رئيس الوزراء المكلف. وهذا دليل على أن حكومته قادمة قولا واحدا".

في المقابل، قال المحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي في 15 أكتوبر 2022 إن "إعلان الإطار التنسيقي عن مرشحه لرئاسة الوزراء لا يعني تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، فهناك صعوبات كبيرة وكثيرة ستواجه محمد شياع السوداني من أجل تشكيل حكومته".

ولفت إلى أن "أبرز الصعوبات التي ستواجه السوداني رفض التيار الصدري له، ورفضه من متظاهري تشرين، إضافة إلى الشروط والمطالب التي ستفرض عليه من الأطراف السياسية السنية والكردية، بل وحتى الشيعية من داخل وخارج الإطار التنسيقي"، وفق موقع "كتابات".

ونوه الشريفي إلى أن "فشل مرشح الإطار التنسيقي محمد السوداني بمهام تشكيل الحكومة الجديدة أمر وارد جدا، خصوصا أنه أخفق، خلال الفترة الماضية، مكلفان بهذه المهام.

ولهذا فإن الإخفاق وارد جدا للسوداني، خصوصا مع معارضة الصدر لهذا الترشيح وكذلك ضغط الشارع من قبل متظاهري تشرين، والذي يمكن أن يتصاعد بأي لحظة.

سيناريو 2019

من جهته، قال الكاتب العراقي يحيى الكبيسي، إن "إحاطة الممثل الأممي في العراق أمام مجلس الأمن في 4 أكتوبر 2022، وبيانات سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في بغداد أوضحت أنهم مع الإسراع بتشكيل الحكومة، وعليه فستحظى حكومة الإطار التنسيقي بشرعية دولية تزيد من محدودية خيارات التيار الصدري"، وفق صحيفة "القدس العربي".

ولفت الكبيسي خلال مقال في 14 أكتوبر 2022 إلى أنه "لن يكون، في الواقع، أمام التيار الصدري سوى خيارين؛ الأول أن يقبل بمفاوضات غير مباشرة مع رئيس مجلس الوزراء المكلف، تتيح له أن يحتفظ بمراكز القوى التابعة له في السلطة التنفيذية، وربما الحصول على وزارات عبر ترشيح شخصيات قريبة من الصدريين".

وأما الخيار الثاني فهو "الاستمرار في سياسة رفض أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع الكاذبين والمخادعين الفاسدين كما كتب وزير الصدر قبل يوم واحد من جلسة انتخاب رئيس الجمهورية".

وبالتالي استخدام الشارع لتقويض الحكومة الإطارية، مع ما قد يترتب على ذلك من عنف محتمل، وهو خيار يحيل على إعادة إنتاج سيناريو عام 2019 مع حكومة عادل عبد المهدي، كما قال.

وفي أكتوبر 2019، خرجت مظاهرات شعبية عارمة سميت لاحقا بـ"حراك تشرين" أطاحت بحكومة عادل عبد المهدي، بعد مقتل 800 من المحتجين وإصابة 30 ألفا آخرين، طالبوا بإنهاء حكم الطبقة السياسية التي تدير السلطة في العراق منذ عام 2003.

وتوصل الكاتب العراقي في مقاله إلى أن "كلا الخيارين يؤكدان أن التيار الصدري يتجرع نتائج تورطه بقرارات ارتجالية غير مدروسة وسيضطر للتكيف مع تبعاتها طويلا، وربما كان من بين هذه التبعات العودة مرة أخرى إلى المظلة الإيرانية التي أثبتت أنها لا تزال الفاعل المتفرد فيما يسمى جزافا (السياسة العراقية)".

وكتبت سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في بغداد آلينا رومانوسكي على "تويتر" في 14 أكتوبر: "أرحب بتعهد رئيس الوزراء المكلف محمد السوداني بمكافحة الفساد، والدفاع عن السيادة العراقية والأمن، وتشكيل حكومة مكرسة لخدمة شعب العراق. تلتزم الولايات المتحدة بالدعم والشراكة مع الحكومة الجديدة لتعزيز هذه الأهداف المشتركة".

ويأمل محمد شياع السوداني، وهو نائب لدورتين ووزير سابق، بإخراج العراق من أزمته السياسية الحالية، وتعهد في أول تصريح له بعد تكليفه بأن يقدم تشكيلة حكومية قوية في أقرب وقت وتكون قادرة على بناء البلد.

وكتب السوداني خلال تغريدة على "تويتر" في 13 أكتوبر 2022 قائلا: "أعد العراقيين أن أكون عند حسن ظنهم بتقديم التشكيلة الوزارية في أقرب وقت"، مشددا على أنها "ستكون حكومة قوية وقادرة على بناء البلد وخدمة المواطنين وحفظ الأمن والاستقرار، وبناء علاقات دولية متوازنة".

ويعد تكليف محمد السوداني استمرارا لظاهرة تراجع الصف القيادي الأول من قادة الأحزاب والكتل في تولي رئاسة الحكومات العراقية المتعاقبة منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003.

ويحسب السوداني (52 عاما) على الجيل السياسي الثاني للأحزاب الشيعية السياسية، التي تصدرت واجهة العمل السياسي والحزبي في العراق خلال العقدين الماضيين.