بعد فشل اتفاقات عديدة.. ما الجديد في "إعلان الجزائر" بين الفصائل الفلسطينية؟
لمدة يومين، رعت الجزائر حوارا بين الفصائل الفلسطينية في محاولة جديدة للتوصل إلى صيغة توافقية لإنجاز مصالحة تنهي انقساما مستمرا منذ سنوات تكلل أخيرا بإعلان جديد جرى التشكيك بإمكانية تنفيذه.
وفي 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، انطلق الحوار الفلسطيني الشامل بمشاركة 14 فصيلا، بدعوة من الجزائر ضمن مساعيها لإنهاء الانقسام قبل استضافتها القمة العربية مطلع الشهر الذي يليه.
ومنذ صيف 2007 تعاني الساحة الفلسطينية انقساما سياسيا وجغرافيا، إذ تسيطر حركة المقاومة الإسلامية حماس على قطاع غزة، في حين تُدار الضفة الغربية من جانب حكومة شكلتها حركة التحرير الوطني "فتح" بزعامة الرئيس محمود عباس.
وثيقة جديدة
ومساء 12 أكتوبر، كشفت وسائل إعلام فلسطينية عن مسودة الورقة الجزائرية لـ"حوار المصالحة" وتنص على 9 بنود تغطي جميع القضايا المحورية في ملف الانقسام الفلسطيني.
وفي اليوم التالي، صدر نص "إعلان الجزائر" المنبثق عن "مؤتمر لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية" وتحدث عن بنود شبيهة.
وتنص الوثيقة الجزائرية الجديدة على عدة بنود تكررت جميعها (باستثناء بند بشأن الحكومة جرى الاختلاف عليه) في اتفاقات سابقة دون أن تطبق، وهي كالتالي:
- التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية كأساس للصمود والتصدي ومقاومة الاحتلال لتحقيق الأهداف المشروعة للشعب الفلسطيني واعتماد لغة الحوار والتشاور لحل الخلافات على الساحة الفلسطينية بهدف انضمام الكل الوطني إلى منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
- تكريس مبدأ الشراكة السياسية بين مختلف القوى الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك عن طريق الانتخابات وبما يسمح بمشاركة واسعة في الاستحقاقات الوطنية القادمة في الوطن والشتات.
- اتخاذ الخطوات العملية لتحقيق المصالحة الوطنية عبر إنهاء الانقسام.
- تعزيز وتطوير دور منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها بمشاركة جميع الفصائل الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بجميع مكوّناته ولا بديل عنها.
- يجرى انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني (الهيئة التمثيلية التشريعية العليا للشعب الفلسطيني) في الداخل والخارج حيث ما أمكن، بنظام التمثيل النسبي الكامل وفق الصيغة المتفق عليها والقوانين المعتمدة بمشاركة جميع القوى خلال مدة أقصاها عام واحد من تاريخ التوقيع على هذا الإعلان.
- وأعربت الجزائر، بهذه المناسبة، عن استعدادها لاحتضان انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني الجديد والذي لقي شكر وتقدير جميع الفصائل المشاركة في هذا المؤتمر.
- الإسراع بإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، وفق القوانين المعتمدة في مدة أقصاها عام من تاريخ التوقيع على هذا الإعلان.
- توحيد المؤسسات الوطنية الفلسطينية وتجنيد الطاقات والموارد المتاحة، الضرورية لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار ودعم البنية التحتية والاجتماعية للشعب الفلسطيني بما يدعم صموده في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
- تفعيل آلية الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية لمتابعة إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية والشراكة السياسية الوطنية.
- يتولى فريق عمل جزائري- عربي الإشراف والمتابعة لتنفيذ بنود هذا الاتفاق بالتعاون مع الجانب الفلسطيني وتدير الجزائر عمل الفريق.
وقبل صدور هذه الوثيقة، تسربت بنود جاءت مختلفة عن المذكورة خاصة فيما يتعلق بتشكيل الحكومة الذي غاب عن الديباجة الرسمية.
وجرى استثناء بند وتعديله بعد اعتراض "فتح" عليه، وكان كالتالي: "تشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم الشرعية الدولية وتحظى بدعم مختلف الفصائل وتكون مهمتها الأساسية تنفيذ إستراتيجية وطنية موحدة لمواجهة الاحتلال، والأخذ في الحسبان التطورات الخطيرة على الساحتين الإقليمية والدولية وتداعياتها على مستقبل القضية الفلسطينية".
ما الجديد؟
بدأ الانقسام الفلسطيني عام 2007 بعد اقتتال بين حماس وفتح لعدم تمكين الأخيرة والسلطة الفلسطينية الحركة الإسلامية من الحكم عقب فوزها الساحق بانتخابات المجلس التشريعي في العام الذي سبقه.
ومنذ ذلك الحين، وقعت حركتا فتح وحماس عدة اتفاقات للمصالحة وتشكلت مبادرات كثيرة كانت نتيجتها جميعا الفشل وعدم التنفيذ.
البداية مع "اتفاق مكة" في 8 فبراير/ شباط 2007 برعاية العاهل السعودي آنذاك عبد الله بن عبدالعزيز آل سعود، حين وقعت الحركتان هذا الاتفاق الذي يقضي بإيقاف أعمال الاقتتال الداخلي في قطاع غزة وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
تبعها بعامين "الورقة المصرية" التي طرحت في سبتمبر/ أيلول 2009 بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، وتضمنت رؤية لإنهاء الانقسام وتقريب وجهات النظر بين الفصائل والسلطة الفلسطينية.
وأيضا من تلك الاتفاقات ما جرى في مايو/ أيار 2011، وهو اتفاق للمصالحة معروف باسم "اتفاقية الوفاق الوطني الفلسطيني"، وقعته أغلب الفصائل في القاهرة، وجرى فيه الاتفاق على الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني وأن تُجرى مترافقة بعد عام من تاريخ توقيع الاتفاقية.
أعقب ذلك اتفاق الدوحة 2012 الذي وقعته حركتا فتح وحماس في العاصمة القطرية في 6 فبراير/شباط، بهدف تسريع وتيرة المصالحة الوطنية.
ونص الاتفاق -الذي جرى بحضور ورعاية أمير قطر آنذاك الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني– على تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية.
من خلال إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني بشكل متزامن مع الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتشكيل حكومة توافق وطني من كفاءات مهنية مستقلة تكون مهمتها تسهيل الانتخابات.
بعد ذلك بعامين، جاء اتفاق الشاطئ 2014 وهو أحد أهم تلك الاتفاقات، وسمي بذلك الاسم لأن جلسات الحوار فيه عقدت في منزل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي الحالي لحركة حماس الذي يسكن مخيم الشاطئ غرب غزة.
كما تكمن أهميته في أنه عقب الاتفاق الذي جرى في 23 أبريل/نيسان، جرى تشكيل حكومة توافق فلسطينية، كان من المقرر أن يعقبها بستة أشهر إجراء انتخابات؛ لكن ذلك لم يحدث.
وأكد الطرفان حينها على الالتزام بما جرى التوصل إليه في "اتفاق القاهرة 2011" و"اتفاق الدوحة 2012″، ووصفهما بالمرجعية في تنفيذ المصالحة الوطنية.
وبعد ذلك بسنوات، وقعت حركتا "فتح" و"حماس" في 12 أكتوبر 2017 اتفاقا آخر للمصالحة في القاهرة.
واتفقت الحركتان على "إجراءات تمكين حكومة الوفاق الوطني (شُكلت عام 2014) من ممارسة مهامها، والقيام بمسؤولياتها الكاملة في إدارة شؤون قطاع غزة، كما في الضفة الغربية مع العمل على إزالة المشاكل كافة الناجمة عن الانقسام".
غير أن الاتفاق فشل في تحقيق بنوده بسبب مشكلة الموظفين الذين عينتهم حماس وعدم اعتمادهم من قبل السلطة الفلسطينية.
وخلال عام 2017، تبادلت حركتا "فتح" و"حماس" الاتهامات حول المتسبب بتعثر ملف المصالحة. ومنذ ذلك الحين لم يوقع اتفاق جديد.
ويمكن القول إن جميع بنود إعلان الجزائر الجديد جرى تناولها في الاتفاقات السابقة، لكن الميزة الجديدة تتعلق بتشكيل لجنة متابعة لتنفيذ بنوده، بمشاركة فلسطينية وعربية.
واختارت الجزائر قاعة قصر المؤتمرات بنادي الصنوبر، وهي القاعة ذاتها التي أعلن فيها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قيام الدولة الفلسطينية في نوفمبر/ تشرين الثاني 1988، وهي خطوة أشادت بها فصائل فلسطينية.
إمكانية التنفيذ
وفي قراءته للمشهد، يقول المحلل السياسي إبراهيم المدهون لـ "الاستقلال"، إن حماس والفصائل معنية أن تدعم الجهد الجزائري وأن تحقق المصالحة.
ويعتقد أن الاتفاق سهل لكن الأصعب هو التنفيذ خصوصا في ظل الالتزامات التي تكبل السلطة الفلسطينية والتدخل الأميركي والرفض الإسرائيلي.
وبين المدهون أن إسرائيل من مصلحتها إبقاء الانقسام الفلسطيني "ويجب أن تكون هناك مسؤولية لدى فتح وحماس بتنفيذ الاتفاقات والعمل على تجاوز كل العقبات الخارجية والذهاب لبناء مشروع وطني يشارك به الجميع".
وتستند رؤية "فتح" على تشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على حل الملفات العالقة، بينما ترتكز رؤية "حماس" على إصلاح النظام السياسي بدءا من منظمة التحرير، ثم الانتقال إلى المؤسسات التشريعية والرئاسية عبر الانتخابات.
وفي أبريل/ نيسان 2021، ألغى محمود عباس الانتخابات العامة التي كانت مقررة في الشهر التالي بذريعة منع الاحتلال عقدها في القدس.
ويقول الفلسطينيون إن حماس وفتح خطان متوازيان لا يلتقيان، فالأولى تمثل الحربة الأولى للمقاومة والثانية تلتزم بخط المفاوضات والتنسيق الأمني مع الاحتلال، وهذا ما يصعب أي اتفاق محتمل.
وأردف المدهون: "يجب أن يكون الاتفاق داعما للانتفاضة المشتعلة في الضفة الغربية ومساندا ومشجعا لها خصوصا أنها تمر بمرحلة فارقة وصعبة".
فالاحتلال يريد تهميش السلطة الفلسطينية وبسط سيادته على الضفة الغربية والمشروع الوطني وبناء المستوطنات وتهويد المقدسات، وفق المدهون، مبينا أننا "في فترة حاسمة".
وعما إذا كانت الجزائر يمكن أن تنجح فيما عجزت عنه مصر طيلة السنوات السابقة، قال المدهون: "إن هذا الدور الجديد ليس بديلا عن القاهرة التي رعت الكثير من الاتفاقيات".
وبين أن "مصر استطاعت الوصول إلى اتفاقات بين فتح وحماس والفصائل ولكن دائما كانت هناك أسباب كثيرة للعرقلة أبرزها تدخل الاحتلال".
ورأى أن "القاهرة ستدعم أي اتفاق وستعمل على إنجاحه وستكون شريكة فيه، وهي معنية في هذا الأمر، وقد ينفذ الاتفاق الحالي على مراحل من بينها عقد جلسات وحوارات في مصر".
وذكر المدهون أن "الجزائر لا تزاحم القاهرة ولكن تؤدي دورها في دعم المقاومة والمشروع الوطني الفلسطيني وأيضا دورها كرئيس للقمة العربية القادمة".
بدوره، تحدث المحلل السياسي الفلسطيني هاني المصري عن خلافات في الجزائر حول بند الحكومة الذي خلا منه البيان تماما.
وقال عبر فيسبوك: "لقد حصل تقدم كبير ومفاجئ خصوصا حول بند الحكومة، ربما بل الأكيد أن ما يجرى من ثورة في الضفة ألقى بظلاله على المجتمعين، وفاجأ الرئيس الجزائري الحضور بالقدوم وبارك الاتفاق، ثم جاء اتصال من رام الله وتغير كل شيء".
وأردف: "حاول الحضور لعدة ساعات الاتفاق ولم يتمكنوا واتفقوا على حذف البند المختلف عليه كله، وسيكون هدف الاتفاق حفظ ماء وجه الجزائر".
وتابع: "بصراحة سواء اتفقوا (سيكون مصير الاتفاق مثل سابقيه) أو لم يتفقوا لن تكون هناك وحدة إلا إذا كان هناك تغيير جوهري فلسطيني من خلال رؤية جديدة وقرار وإرادة سياسية في مستوى التحديات".
وتساءل في منشور آخر: "هل يعقل اتفاق بدون بند الحكومة وكيف ومن سينهي الانقسام؟ ومن سيحضر لإجراء الانتخابات ويعالج الازمات ويوفر مقومات الصمود؟".