فرقة الحمزة.. قوات "سيئة السمعة" يسعى الجيش الوطني السوري لتحجيمها
برزت خارطة تحالفات عسكرية جديدة داخل فصائل الجيش الوطني السوري المعارض الذي تشرف عليه تركيا في الشمال السوري، عقب محاولة تحجيم فرقة قوات خاصة سيئة السمعة تدعى "الحمزة".
وشكل اغتيال الناشط البارز محمد أبو غنوم وزوجته الحامل بإطلاق النار عليهما من مسدس في مدينة الباب شرقي حلب بتاريخ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، على يد عناصر من فرقة الحمزة نقطة تحول جديدة في التحالفات العسكرية.
وعرف "أبو غنوم" بانتقاده لسلوك تلك الفصائل وخاصة فرقة الحمزة، ما قاد إلى اغتياله بإيعاز مباشر من قبل أحد قادة الفرقة، وفق اعتراف الخلية المنفذة التي قبض عليها.
مواجهات واصطفافات
وأشعلت حادثة اغتيال "أبو غنوم" غضب الشمال السوري الخارج عن سيطرة نظام الأسد، للمطالبة بكشف قتلته ومحاكمتهم وعدم التساهل في هذا الأمر من خلال تمييع الحادثة كون المتورطين يتبعون الجيش الوطني.
وفي 11 أكتوبر، بث "الفيلق الثالث"، أحد مكونات الجيش الوطني، تسجيلا مصورا لاعترافات عناصر الخلية المسؤولة عن عملية اغتيال الناشط "أبو غنوم" وزوجته.
وتعالت الأصوات المطالبة بالقبض على القيادي أبو سلطان بفرقة الحمزة ومحاكمته بعد اعتراف الخلية بتلقيهم الأوامر منه لاغتيال "أبو غنوم"، الأمر الذي دفع بعض فصائل الجيش الوطني لطرد فرقة الحمزة من بعض مقراتها في ريف حلب.
ودفع تورط عناصر فرقة الحمزة في حادثة اغتيال أبو غنوم، "الفيلق الثالث" إلى شن هجوم على مدينة الباب وإخراج الفرقة من مقار عسكرية له فيها.
و"الفيلق الثالث" انبثق عن الجيش الوطني منذ ديسمبر 2017، قبل أن يضم تحت لوائه تجمع فصائل عسكرية هي: "الجبهة الشامية" و"جيش الإسلام"، و"لواء السلام” و"الفرقة 51" و"فيلق المجد"، ويقود الفيلق حاليا حسام ياسين، منذ أغسطس/آب 2022.
وشكلت خطوة "الفيلق الثالث" شرارة الانقسام والاصطفاف المفاجئة من مكونات فصائلية تنضوي تحت مظلة الجيش الوطني السوري المعارض، ومن خارج الأخير هيئة تحرير الشام التي عرفت بصدامها الطويل مع الفصائل.
وتمثل ذلك، بتمركز كل من فرقة سليمان شاه، وهيئة تحرير الشام في خندق واحد مع فرقة الحمزة ضد "الفيلق الثالث".
و"فرقة الحمزة" و"فرقة سليمان شاه" ينضويان ضمن صفوف "الفيلق الثاني" التابع للجيش الوطني السوري المعارض.
ووصفت خطوة هيئة تحرير الشام التي يقودها أبو محمد الجولاني، بالدخول على الخط بأنها محاولة لـ"خلط الأوراق" هناك وتحقيق مكاسب جديدة على الأرض.
إذ نفذت الهيئة عمليات اقتحام على محور مدينة عفرين الإستراتيجية بريف حلب، والتي يتمركز فيها تشكيلات تتبع لـ"الفيلق الثالث"، وأسفرت الاشتباكات هناك عن وقوع قتلى من الهيئة رغم تقدمها في أكثر من نقطة.
ويحكم الشمال السوري اليوم قطبان عسكريان، الأول يتبع وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة (معارضة)، ويوجد في ريف حلب، وبعض بلدات إدلب، والثاني يتبع معظمه لـ"هيئة تحرير الشام" ويتركز في إدلب.
انتهاكات فرقة "الحمزة"
وأعادت حادثة اغتيال الناشط "أبو غنوم"، تسليط الضوء على فرقة "الحمزة" التي تتهم "بارتكاب انتهاكات" في مناطق الشمال السوري، الذي يضم نازحين من مختلف المحافظات.
وتأسست فرقة الحمزة "قوات خاصة" في أبريل/ نيسان 2016، عقب اندماج عدة تشكيلات عسكرية من نواة الجيش السوري الحر المعارض، لمحاربة تنظيم الدولة في ريف حلب آنذاك، وخاضت معارك ضمن عملية "درع الفرات" العسكرية التي أطلقت في 24 أغسطس/ آب 2016 لطرد التنظيم بدعم تركي.
وعقب تشكيل الجيش الوطني السوري المعارض، في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2017، من قبل "الحكومة السورية المؤقتة"، التابعة للائتلاف الوطني، أصبحت فرقة الحمزة أحد تشكيلاته.
وفي مطلع أكتوبر 2017 سلمت فرقة الحمزة كليتها العسكرية بريف حلب الشمالي إلى وزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة.
لكن فرقة الحمزة التي يقودها حاليا "سيف أبو بكر"، وجهت لها انتقادات بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين في الشمال السوري.
ومن أبرز الانتقادات هي تحويل "مدرسة الزراعة" الواقعة على المدخل الجنوبي الغربي لمدينة الباب، إلى "مقر أمني بات سيئ الصيت في مدينة الباب، يوجد بداخله زنازين فردية".
ويقول ناشطون في المدينة إنها عبارة عن "مقابر، وشهدت عمليات تعذيب بحق مدنيين وناشطين"، وفق ما ذكر تقرير لتلفزيون سوريا المعارض بتاريخ 11 أكتوبر 2022.
وبث ناشطون محليون تسجيلات مصورة لما قالوا إنه لسجن الزراعة، الذي يتبع لفرقة الحمزة في مدينة الباب، حيث كان يحتجز فيه معتقلون في ظروف سيئة.
مواجهة الباغي
ومن هنا شكلت حادثة اغتيال "أبو غنوم" نقطة تحول كبيرة تجاه فرقة الحمزة، إذ قدم ناشطون في مدينة الباب عبر بيان، مجموعة مطالب لضبط الأمن في المدينة.
منها "تطبيق خطة أمنية فورية تضمن إيقاف الفلتان المرعب، وكف يد الفصائل عن مدينة الباب، والقصاص من قتلة أبو غنوم وزوجته الحامل".
وحدد المجلس الإسلامي السوري المعارض موقفه مما يجري من "اختطاف لنشطاء الثوار السورية أو اغتيالهم وما يحصل من انتشار للفساد والظلم والبغي" وفق بيان أصدره بتاريخ 12 أكتوبر.
وشدد بيان المجلس، على أن "الحفاظ على ثوابت الثورة السورية يوجب على جميع الهيئات والمؤسسات والأفراد محاربة فساد المخدرات والاغتيالات والتبعية العمياء للقادة".
ومضى البيان يقول: "نذكر البغاة والمشاركين في جيشهم (من أبنائنا المنتمين لهيئة تحرير الشام والمتحالفين معهم) بوجوب حقن الدماء والامتناع عن طاعة من يأمرهم بمعصية".
من جهتها، قالت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، إنها "مع المطالب الشعبية المنادية بتطبيق الأحكام العادلة على المجرمين الذين ارتكبوا جريمتهم البشعة"، في إشارة لاغتيال "أبو غنوم".
وأوضحت في بيان أنها "ستتخذ جميع الإجراءات القانونية الرادعة من خلال إداراتها المختصة بحق المتهمين في ارتكاب الجريمة النكراء".
كما دعت "جميع التشكيلات العسكرية والأطراف المختصمة بالتوقف الفوري عن الاحتكام للسلاح لمنع إراقة الدماء وكي تستطيع المؤسسات الأمنية والقضائية اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحق المجرمين وداعميهم ومعرفة دوافع الجريمة".
سد الفراغ
وفي هذا السياق حدد الباحث في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام، رشيد حوراني، لـ "الاستقلال"، جملة من الأسباب تقف وراء السيطرة على مقرات ومراكز تعود لفرقة الحمزة من قبل "الفيلق الثالث".
أولها، وفق حوراني، هو "الإشارة إلى قدرة الفيلق الثالث على تفكيك فرقة الحمزة، وأنه يمتلك مقومات ذلك اجتماعيا وقتاليا بمعنى على مستوى تدريبه وتسليحه وانتشاره".
وخاصة كما يوضح حوراني أن "الجبهة الشامية التابعة للفيلق الثالث هي فصيل له حاضنته الاجتماعية وتبدو تصرفاته منضبطة لحد كبير خلال الفترة الماضية، كما يضم في صفوفه عناصر وقادة لفصائل من المناطق التي جرى تهجير سكانها، بينما فرقة الحمزة تجاوزت بتعدياتها كل الحدود".
ومضى يقول: "وبالتالي الهجوم على فرقة الحمزة يأتي لسبب ميداني هو القدرة على سد الفراغ على الجبهات التي قد يخلقه تفكيك فرقة الحمزة، أو ضم عناصرها إلى الجبهة الشامية كعناصر وليس كمجموعات".
وذهب حوراني للقول: "لا يمكن القول إن ما يجري مقدمة لضبط الأمن لأن التجارب السابقة أصبحت كثيرة وجميعها فشل، لكن يمكن القول إلى حد ما ولما تتمتع به الجبهة الشامية من انضباط معقول وسلوكيات أخلاقية لعناصرها أن تحدث فارقا ما في هذا الملف، لأن الأمن يحتاج بداية لمركزية تخطط له وتنفذه وحدات فرعية ضمن حيز جغرافي ما".
بدوره رأى المحلل والخبير العسكري والإستراتيجي العقيد أحمد حمادة، أن "كشف جريمة اغتيال أبو غنوم من قبل قياديين من الحمزة وملاحقة المجرمين هو أمر طبيعي".
وأضاف لـ"الاستقلال"، "لكن التجييش ضد اعتقال المجرمين ومحاسبتهم أدى إلى التوتر والاشتباكات والاصطفاف ضد الفيلق الثالث الذي سبق وكشف تجاوزات قائد فصيل فرقة سليمان شاه، محمد الجاسم (أبو عمشة)".
واستدرك قائلا: "لذلك جاء هذا الاصطفاف وظهرت تكتلات جديدة في صف واحد، مع وجود من استغل الوضع لتصفية حساباته وللولوج إلى الشمال السوري بذرائع كهيئة تحرير الشام".
ووفقا لموقع "بلدي نيوز" المعارض، فإن الأسباب الرئيسية التي دفعت "هيئة تحرير الشام" للدخول إلى منطقة عفرين شمالي حلب، هو "سعيها للسيطرة على معبرين في المنطقة، وهما (معبر الحمام) الواصل بين تركيا وسوريا والذي يسيطر عليه فيلق الشام، والثاني معبر (براد) شرقي عفرين الواصل بين مناطق نظام الأسد وعفرين".
غياب القوة الأمنية
ولا زالت تواجه الفصائل العسكرية السورية المعارضة المنضوية تحت اسم "الجيش الوطني السوري"، تحديا كبيرا متمثلا في أن تصبح أكثر تنظيما من الناحية الهيكلية، وخاصة أن الجيش الوطني مؤلف من سبعة فيالق ويحتوي على نحو 80 ألف مقاتل.
ويطالب الأهالي في الشمال السوري بدعم وتمكين المؤسسات الرسمية التابعة للحكومة المؤقتة كوزارة الدفاع، والشرطة العسكرية، والقضاء العسكري، والشرطة المدنية، بما يخدم النهوض بواقع المناطق المحررة ويضبط الأمن هناك ويمنع تغول وتعدي عناصر وقادة الفصائل على المدنيين "بقوة السلاح".
لكن الكثير من الخبراء العسكريين ينظرون إلى الجيش الوطني على أنه لم يصل إلى الحالة التنظيمية كجيش موحد، لكون فصائله المشكلة منه ما تزال تأتمر بإمرة قائد كل فصيل.
وفي هذا السياق، أكد الخبير العسكري السوري طارق حاج بكري، لـ "الاستقلال"، أن "الانقسام داخل فصائل الجيش الوطني ناجمة عن تبعية كل فصيل لقائده وتبعية الأخير للداعم الخاص به أو الدولة التي تدعمه".
وأضاف حاج بكري، أن "الانقسام الحاصل هو اختلاف مصالح وتضارب في الاتجاهات وخصوصا حول المعابر والمواد المالية والسيطرة على الأرض في كنتونات شبه مستقلة داخل مناطق الشمال السوري".
وأردف: "ما يؤدي إلى اندلاع خلافات تؤدي بالنهاية لمشاحنات في ضوء ضعف السيطرة الأمنية من الشرطة العسكرية أو المدنية، وتولي تلك الفصائل جزءا من المهمة الأمنية، ما يساعد على التشتت وغياب وحدة الكلمة".
وألمح حاج بكري إلى أن "عدم وجود سيطرة فعلية للجيش الوطني على مناطق الشمال السوري أو لوزارة الدفاع أو الداخلية التابعين للحكومة المؤقتة، يعني إنه عند حدوث أي مخالفات يرتكبها عناصر الفصائل فإن الأمر قد يتحول لاقتتال بيني".