المشنقة مصيرهم.. تعرف على أسرار كشف عملاء الاحتلال الإسرائيلي في غزة
يستخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي سلاح العملاء ضد المقاومة الفلسطينية منذ قيام كيانه عام 1948، ونجح من خلاله بتوجيه ضربات كبرى لها، ما استدعى لمواجهة المتخابرين وردعهم بالوسائل المتاحة كافة.
والعملاء هم أشخاص يجندهم جيش الاحتلال بطرق شتى، مستخدما الترهيب أو الترغيب أو حتى الإسقاط الأخلاقي والابتزاز والضغط، ثم يوكل المهام الاستخباراتية إليهم.
وعلى مدار العقود الماضية تصاعدت حدة المعركة بين الشعب والمقاومة الفلسطينية من جانب، والاحتلال وعملائه من جانب آخر، في محاولة فلسطينية للقضاء على المتخابرين وتأمين الجبهة الداخلية، وحماية ظهر المقاومين.
حبال المشانق
وكانت أحدث مستجدات المعركة بين المقاومة والعملاء تنفيذ وزارة الداخلية بغزة في 4 سبتمبر/أيلول 2022 أحكام الإعدام بحق اثنين من المتخابرين لصالح جيش الاحتلال.
وقالت إن المتهم الأول بالتخابر، الذي رمزت له بالحرفين (ن أ)، ارتبط مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية عام 2001، وزودها بمعلومات أدت إلى استشهاد مواطنين.
أما الثاني، ورمزت له بالحرفين (خ س)، فارتبط مع المخابرات الإسرائيلية عام 1991، وزودها "بكل ما طلب منه من معلومات عن رجال المقاومة، وأماكن سكنهم، والعديد من أعمالهم، ومناطق إطلاق صواريخ وورش حدادة، ونتج عن ذلك استهداف عدة أماكن وارتقاء شهيد وإصابة آخرين".
ويستخدم الاحتلال العملاء لأغراض استخبارية كجمع معلومات عن كوادر الفصائل المسلحة، وأماكن إطلاق الصواريخ وحفر الأنفاق، وكذلك التجسس على المواقع العسكرية التابعة للمقاومة، وتحديد أماكن ورش الحدادة التي يتوقعون انخراطها في التصنيع العسكري.
وكذلك يوجههم الاحتلال لمعرفة نشاط عناصر المقاومة وتحركاتهم ونقاط الرباط، وحتى أماكن سكنهم ومعلومات مدنية عنهم، وتحصيل أرقام هواتفهم.
وخصص الاحتلال عملاء للتجسس على الضفادع البشرية (القوات البحرية للمقاومة) ونقاطها، وطلب منهم معرفة أسماء كبار الصيادين، وهو ما كشفته تحقيقات وزارة الداخلية مع العملاء.
كما يوفر العملاء خدمات لوجستية لجيش الاحتلال وقواته الخاصة على الأرض في غزة، كزراعة أجهزة التجسس وكاميرات مراقبة في أماكن خاصة بالمقاومة، وكذلك استئجار أراض لتسهيل دخول قوات خاصة وتوفير ما تحتاجه من مستلزمات.
وهو ما حصل خلال تسلل وحدة "سيرت متكال" الإسرائيلية، شرق خان يونس جنوب غزة، نوفمبر/تشرين الثاني 2018، إذ أمن العملاء كل ما يلزم للقوة الخاصة داخل القطاع.
وعقب عملية التسلل أعلنت وزارة الداخلية في غزة القبض على 45 متخابرا ساهموا بمساعدة الوحدة الخاصة، وتسهيل مهمتها.
وكانت كبرى العمليات التي ظهر فيها خطر العملاء وأحدثت ضجة في الشارع الفلسطيني، عملية اغتيال القائد القسامي والأسير المحرر مازن فقها، مارس/آذار 2017.
وهو الذي اتهمته إسرائيل بالإشراف على سلسلة عمليات في الضفة الغربية وتشكيل مجموعات مسلحة.
وجرت عملية اغتيال فقها برصاص 3 عملاء أمام منزله بحي تل الهوى في مدينة غزة، بأربع رصاصات بمسدس كاتم للصوت، وجرى تنفيذ حكم الإعدام بحق العملاء في مايو/أيار 2017.
وبدوره، قال الكاتب الفلسطيني والمختص في الشأن الإسرائيلي مصطفى الصواف، إن العملاء يمثلون أخطر مكونات المنظومة الأمنية لجيش الاحتلال، والأكثر أثرا وضررا من وسائل التجسس الإلكترونية والطائرات بدون طيار ومناطيد المراقبة وغيرها من الأدوات.
وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "يستخدم الاحتلال العملاء في جمع المعلومات عن المقاومة وكشف أسرارها ومساعدته أمنيا وعسكريا على الأرض، وكذلك التأثير على الجبهة الداخلية من خلال بث الشائعات، ومهام الاغتيال المعنوي".
وأوضح أن الاحتلال حريص على أن يبقى له عملاء في ميدان المعركة، وهذه إستراتيجية أمنية راسخة لدى الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية، ولطالما مكنته من النجاح في عملياته في فلسطين والمناطق العربية التي يحتلها أو يستهدفها.
وأردف قائلا "منذ قيام الكيان الصهيوني بدأ الاحتلال في تجنيد العملاء، وكانت عصابة الهاغاناه هي نواة المؤسسة الاستخبارية، وأسست جهازا أمنيا حمل اسم شاي، وكان من ضمن مهامه إسقاط الشباب وتحويلهم لمتخابرين".
وأكد الكاتب الفلسطيني على أن الاحتلال طور وسائله التجسسية والاستخبارية، ولكن على مر العقود لم يكن هناك عامل أهم من العنصر البشري على الأرض المتمثل بالعملاء.
وشدد على أن ظاهرة التخابر مع الاحتلال كانت قديما منتشرة بشكل كبير، ولكن منذ انسحابه ومستوطنيه من غزة عام 2005 وحتى اليوم تشهد تراجعا حادا، خاصة بعد فوز (حركة المقاومة الإسلامية) حماس بالانتخابات عام 2006، وبداية حكمها وتشكيلها أجهزة أمنية موالية للمقاومة.
واستدرك قائلا "رغم الإنجاز الأمني الكبير في المعركة ضد التخابر مع الاحتلال لا تزال هذه الظاهرة موجودة وتشكل خطورة كبيرة، خاصة أن الاحتلال يطور من وسائله في التجنيد وتوظف مواقع التواصل الاجتماعي وتصاريح العمل، ويبتز التجار في سبيل إجبارهم على العمل مخبرين له".
محاولات التجنيد
وتبذل مخابرات الاحتلال جهودا كبيرة في محاولة تجنيد العملاء في صفوف الشعب الفلسطيني، وتطور بشكل مستمر أساليب الإسقاط، خصوصا مع تنامي الوعي المجتمعي الذي أدى لزيادة صعوبة مهام التجنيد، حسب مراقبين.
وبدوره، قال المراقب العام السابق لوزارة الداخلية في غزة والكاتب المختص في الشؤون الأمنية، اللواء محمد لافي إن لتجنيد العملاء نوعين، الأول تجنيد شخص عادي وتوكيل بعض المهام له حسب قدراته ومكانه.
والنوع الثاني يتمثل بتجنيد شخص من المجتمع المقاوم، وهو ما يسمى أمنيا بالاختراق، وهو الأهم بالنسبة للاحتلال، أو أن توجه المخابرات الإسرائيلية المتخابر للتطوع في المقاومة ولكن مثل هذه الحالات تبقى تحت المراقبة في البداية.
وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "قبل التجنيد يعمل ضباط المخابرات الإسرائيلية على دراسة الشخص وفهم نفسيته ومكامن الضعف فيها والمدخل المناسب للتواصل معه وإسقاطه، وكذلك تحديد مدى الاستفادة الممكنة منه".
وبعد الإسقاط يجرى تدريبه وإعادة تقييمه، وبعدها يتم تشغيله وربطه بضابط يلقنه الأوامر، وفق قوله.
وأوضح لافي أن مواقع التواصل سهلت عملية التجنيد والاتصال بين الاحتلال وعملائه بشكل كبير.
والأهم أنها وفرت المعرفة الكاملة بشخصية العميل المستهدف ومعلومات وافية عنه واهتماماته وأقاربه وعلاقاته، وكل هذا يساعد الضابط في قراءة شخصية المستهدف ومعرفة المدخل المناسب له وما يمكن أن يرغبه أو يرهبه من خلاله.
وتابع "أيضا من خلال التواصل الاجتماعي يستطيع الضابط أن يعرف هل المستهدف له علاقة بعناصر من المقاومة ومدى قربه من شخصيات محددة".
وأشار اللواء إلى أنه من ضمن استخدامات الاحتلال مواقع التواصل الاجتماعي تخصيص صفحات بينه وبين الفلسطينيين للأمور المعيشية كصفحة المنسق.
ومن أدوار هذه الصفحات تطبيع وجود الاحتلال وإقامة علاقة ودودة مع من يتواصل معه، وكذلك هو باب جيد للإسقاط في التخابر.
وأردف قائلا "في وزارة الداخلية نطلق كل فترة حملة لتوبة العملاء، نستقبلهم بسرية تامة ونتعرف على كيفية التغرير بهم ونساعدهم على الانفلات من قبضة الضابط المشغل لهم، ونحافظ على سمعتهم وسمعة عائلاتهم ونعالج كل شيء ونضمن لهم العفو".
وتابع "وبالفعل في كل حملة تتوافد أعداد من العملاء، ولم يسبق بأن جرى الكشف عن أحدهم أو سربت معلومة عن أي تائب".
وكشف لافي بأن وزارة الداخلية تتعاون مع فصائل المقاومة في كمائن كشف العملاء، ولكن تفاصيل هذه العمليات لا تخرج للعلن.
وأضاف "مع تطوير الاحتلال لنشاطه الاستخباري من خلال العملاء تطور المقاومة ووزارة الداخلية أساليب الكشف عنهم وتنفيذ الكمائن للإيقاع بهم، وقد نجحت خلال السنوات الأخيرة بالكشف عن المئات ومحاسبتهم".
مجتمع رادع
ويعد التصدي المجتمعي أكبر العوائق في وجه العملاء، ويضعه المراقبون في معيار الردع قبل عقوبة الإعدام.
وبدوره، قال الخبير الأمني والمجتمعي محمد أبو هربيد، إن صفة العميل في الشارع الفلسطيني من أسوأ ما يمكن أن يوصف بها أي شخص.
وهي التهمة الكفيلة بتدمير ونبذ من تنسب له صفة العمالة، والشعب لا يقبل هذا السلوك ولا يسامح فيه وإن سامح أي تهمة أخرى.
وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "لا يجني العميل على نفسه بالإعدام أو السجن فقط، بل أيضا على عائلته، فينظر لهم مجتمعيا بنظرة دونية ويعرفون بالمنطقة كأبناء عميل، ومن تبعات هذا الصيت عزوف الشباب عن الزواج ببنات أو أخوات المتخابر".
واستدرك قائلا "لأن الاحتلال يعلم نظرة المجتمع للعميل لجأ لوسائل التجنيد غير المباشرة، وهي أساليب جديدة بالمقارنة مع الماضي، إذ يخاطب الشخص المستهدف بالبداية باسم جمعية خيرية في حال عرف أنه لديه حاجة مالية".
ويطلب منه في البداية معلومات عامة عن الجيران والأقارب والبناية السكنية بحجة رغبته بمساعدتهم، ويبدأ بوتيرة تصاعدية لتصبح المعلومات أكثر جرأة ومباشرة، كما قال.
وتابع "حينها يبدأ الشخص المستهدف بالشك وحينما يقرر التراجع يهدده الضابط بفضحه من خلال نشر التسجيلات التي توثق إدلاءه بمعلومات".
وشدد الكاتب الأمني على أن الاحتلال هنا يستخدم نظرة المجتمع للعميل كأداة لدفع الشخص للتعاون معه، ويراهن على خوف المستهدف من الفضيحة، ويوهمه بأنه لو ذهب للأجهزة الأمنية فإنها ستحاكمه.
وأضاف "الأمر برمته نفسي ويعتمد على نفسية المستهدف وثباته، ومهارة ضابط المخابرات الإسرائيلي، وكثيرا ما يلجأ أشخاص للأمن في غزة حين الوصول لهذه النقطة، وهو من يتولى الأمر".
وأوضح الكاتب الأمني أن التجنيد لا يقف على استغلال الفقر، بل يستثمر الاحتلال حاجة العمل في إسرائيل والعلاج وتصاريح تجارة، أو حتى الفتيات في محاولات التجنيد.
ولم تكتف المقاومة الفلسطينية بمحاربة العملاء، بل استلمت زمام المبادرة وأخذت بتنفيذ عمليات أمنية ضد الاحتلال وتجنيد جنود من الجيش.
وأعلن الجيش الإسرائيلي في 7 يوليو/تموز اعتقاله أحد المجندين الجدد في صفوفه بتهمة جمع معلومات من داخل الجيش، والشاب من فلسطينيي الداخل، تلقى تعليمات من المقاومة في غزة للانضمام لقوات الاحتلال.
وكذلك كشفت كتائب عز الدين القسام عن عملية أمنية نفذتها ضد إسرائيل بين عامي 2016 و2018، تمثلت باختراق أمني من قبل كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي عن طريق عميل مزدوج.
وحسب القسام، حاول الاحتلال تجنيد أحد الفلسطينيين من قطاع غزة مستغلا وضعه الاجتماعي وظروفه الاقتصادية الصعبة.
وتواصلت القسام مع الفلسطيني الذي حاولت إسرائيل تجنيده، ثم شكلت طاقما أمنيا، واكتشفت أن الاحتلال سعى من خلال تجنيد الشاب إلى معرفة أعداد الصواريخ لدى المقاومة، وأماكن تجهيزها للإطلاق.
فتابعت اللجنة الأمنية تواصل الشاب مع جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" ووجهته للتصرف حسب خطة وضعتها، وهو الأمر الذي استمر لعامين.
وتمكنت القسام من كشف أسماء الضباط المسؤولين عن قطاع غزة في جهاز "الشاباك" من خلال المكالمات الهاتفية التي جرى تسجيلها مع العميل المزدوج.
كما استطاعت كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس مصادرة مضبوطات تقنية أرسلتها إسرائيل للعميل.