السيسي أم ثورة يناير؟ الأرقام تجيب عن المتسبب بإغراق مصر في الفقر

12

طباعة

مشاركة

في أتون أزمة اقتصادية طاحنة، ألقى رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، عن كاهله مسؤولية سياساته الفاشلة، محملا فاتورة الإخفاق على الشعب بصفة عامة، وبشكل خاص على ثورة 25 يناير/ كانون الأول.

وخلال كلمة في 8 سبتمبر/ أيلول 2022، قال السيسي مخاطبا المصريين: "أنت ليه (لماذا) مش عايز (لا تريد) تدفع تكلفة اللي أنت عملته في 2011 و2013، ما دام عملتوا إجراء يبقى لازم نستحمل كلنا وندفع التكلفة سوا".

حديث الملامة للسيسي، كشف متناقضات عدة، وعاد بالذاكرة لسنوات عندما ألقى خطاب ترشحه إلى رئاسة الجمهورية، يوم 26 مارس/ آذار 2014، مرتديا بزته العسكرية.

وقتها قال كلمات محددة، على رأسها: "مصر البلد الغنية بمواردها وشعبها تعتمد على الإعانات والمساعدات.. ده (هذا) أمر غير مقبول".

وما هي إلا أشهر بعد انقلابه العسكري في يوليو/ تموز 2013، واستلم الجنرال حكم البلاد في يونيو/ حزيران 2014، وتبدلت الكلمات ولغة الخطاب، وظهر حديث من نوع آخر، أن "مصر فقيرة وفي حالة عوز". 

وتعاني البلاد منذ صعود السيسي للحكم الذي يفتقد إلى أي رؤية وخبرة اقتصادية، من أزمة ديون متصاعدة وتضخم ينهش بجسد الطبقتين المتوسطة والفقيرة، فيما يواصل الجنرال اتهام ثورة 25 يناير بالتسبب في الأزمة، وأن على الشعب دفع الثمن.

لغة الأرقام

لكن الأرقام والإحصائيات، تكشف متناقضات السيسي، فمصر إبان الثورة وقبل أن يستلم حكمها، كانت في وضع أفضل وأكثر ثباتا مما هي عليه الآن. 

فمثلا تطور حجم الديون الخارجية على هذا النحو لم يكن له أي علاقة بثورة 25 يناير 2011.

والزيادة الضخمة في حجم الدين تزامنت مع تسلم السيسي للحكم، وإعلانه مشروعات دعائية، على رأسها تفريعة قناة السويس، والعاصمة الإدارية الجديدة وأطول سارية علم وأكبر مسجد وأعرض جسر.

وبحسب بيان البنك الدولي السنوي عن تطور ديون مصر، الصادر في مارس/ آذار 2022. 

فإنه وقت اندلاع ثورة يناير، كان الدين الخارجي لمصر يقدر بـ35.19 مليار دولار.

وحين تسلم السيسي الحكم في يونيو 2014 وصل إلى 41.47 مليار دولار.

وبلغ الدين الخارجي في عام 2022، بعد 8 سنوات من حكم السيسي 157.9 مليار دولار أي أنه تضاعف أكثر من 3 مرات. 

وعلى صعيد الفساد، فإن السيسي لم يقاومه طرفة عين، وهذا ما أثبته "مؤشر مدركات الفساد في العالم"، الصادر في ديسمبر/ كانون الأول 2021.

وأكد المؤشر الدولي عدم قدرة المنظومة الحاكمة في مصر على مكافحة الفساد في القطاعات الحكومية والعامة.

وكشف أن القاهرة على مدار السنوات الماضية (منذ عام 2012 وحتى 2021)، كانت تتقدم درجة وتتراجع درجات، حيث حصلت على 33 نقطة من مائة للعام الأخير. 

وقبعت في المنطقة الحمراء، عند مركز 117 من بين 180 دولة.

وعود الصبر 

أما مؤشر الناتج المحلي الإجمالي في العالم، الصدار في يناير/ كانون الثاني 2022، فذكر أن الناتج المحلي للعام الحالي (362 مليار دولار).

بينما كان إبان ثورة يناير 2011، يقدر بـ (272 مليار دولار) أي أنه لم يشهد إلا زيادة طفيفة جدا، لم يشعر المواطن بنتائجها وآثارها التي ابتلعت في ظل موجات التضخم والديون المتراكمة. 

وعلى مستوى العملة المحلية، فإنه عندما قامت ثورة 25 يناير 2011، كان الدولار الواحد يساوي (5.79 جنيهات)، وفي 13 سبتمبر/ أيلول 2022 بلغ سعر الدولار الواحد أمام الجنيه (19.34).

ورغم أن السيسي أطلق سلسلة من الوعود بالإصلاح وتحسين الأوضاع الاقتصادية للمواطن، فإن ذلك لم يحدث أبدا. 

وكان قد أكد السيسي في تدوينة عبر فيسبوك في 6 مايو/ آيار 2014، أنه "لا يمكن حل جميع المشكلات مرة واحدة والمواطن سيلمس التحسن خلال سنتين". 

وفي 28 ديسمبر/ كانون الثاني 2016 صرح: "اصبروا معانا 6 شهور بس (فقط) والحال هيتعدل". 

وفي 16 مايو/ أيار 2018، تحدث عن موجة غلاء الأسعار ووعد بتجاوزها، إذ قال: "اصبروا عليا كمان شويه". 

وفي 24 يوليو/ تموز 2018، جدد السيسي مطالبه بالصبر قائلا: "اصبروا وسترون العجب العجاب في مصر". 

بين مرسي والسيسي

صبر المصريين طال، لكن الحال صار من سيئ إلى أسوأ، وقارن كثيرون بين العام الذي حكم فيه الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي، وسنوات عبد الفتاح السيسي. 

فحين وقع الانقلاب العسكري على الرئيس مرسي، يوم 3 يوليو/ تموز 2013، كان الحد الأدنى للأجور في مصر 1200 جنيه، ما يعادل (185 دولارا). 

لكن الحد الأدنى للأجور خلال عام 2022، وصل إلى 2400 جنيه، ما يعادل (124 دولارا). 

وكان جل اهتمام الرئيس مرسي الأول الاكتفاء الذاتي من القمح، حيث اتبع إستراتيجية أدت إلى أن تقفز إنتاجية القمح في السنة المالية 2012/2013، من 7 ملايين طن إلى 9.5 ملايين طن بزيادة 30 بالمئة. 

في المقابل أشارت أرقام الإدارة العامة للتقديرات الإحصائية بشأن مساحات القمح لموسم 2021، إلى انخفاض الإنتاجية بمليون طن كاملة مقارنة لتصبح الإنتاجية 8.5 ملايين طن فقط.

ما أدى إلى زيادة الكمية المستورة بالعملة الصعبة في عهد السيسي إلى 13 مليون طن.

وبالنسبة إلى قيمة الجنيه، فبينما استقر سعر صرفه عام مرسي عند حوالي 7.5 جنيهات للدولار الواحد، استمرت انخفاضات قيمة الجنيه في عهد السيسي لتفقد العملة المحلية أكثر من 100% من قيمتها خلال السنوات السابقة.

ليصل سعر الجنيه حاليا (سبتمبر 2022) عند حوالي 19.45 جنيها للدولار الواحد تقريبا رسميا، فيما يصرف بأكثر من ذلك بالسوق السوداء، وما زال الهبوط مستمرا. 

وكان قد رفض الدكتور مرسي وبإصرار المساس بأسعار السلع المدعمة، وحاول الحفاظ على الطبقات المتوسطة والكادحة خلال فترة حكمه.

لكن السيسي رفع الدعم بالكامل عن المحروقات والكهرباء، كما رفع أسعار الخدمات الحكومية، وفرض ضريبة القيمة المضافة.

وكذلك رفع الضرائب الجمركية ثلاث مرات متوالية، ورفع أسعار المواصلات العامة، وهي السياسات التي تسببت في رفع معدلات التضخم إلى ما يزيد على 33 بالمئة عام 2022، ما أدى إلى زيادة معدلات الفقر والعوز.

وبحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري (حكومي) لعام 2021، يقع 30 مليون مصري تحت مستوى خط الفقر، بنسبة تصل إلى 29.7 بالمئة. 

وكانت نسبة الفقر حين تسلم السيسي الحكم عام 2014، تقدر بـ 26.3 بالمئة. 

وعقب سنوات من انتخابه، تحولت وعود السيسي الحالمة من الطلب بالصبر، وأن مصر قادمة بقوة إلى نهضتها، إلى تصريحات على شاكلة "بكرا تشوفوا مصر" و"نحن في شبه دولة" و"احنا فقراء أوي".

عقلية الجنرال 

وفي رؤيته للمشهد، قال الباحث الاقتصادي أحمد محيي الدين، إنه "منذ تولي السيسي الحكم، دأب على أخذ قرارات اقتصادية منفردة، بداية من الاقتراض وتعويم الجنيه، وصولا إلى المشروعات الضخمة التي لا تتناسب مع واقع الإنتاج والموازنة المصرية". 

وأضاف محيي الدين لـ"الاستقلال": "كذلك فتح السيسي الباب على مصارعيه للاستحواذات الخليجية تحديدا، دون أن يكون لديه سوق قادر على المنافسة والموازنة في آن واحد، فأصبح عصب الاقتصاد في أياد خارجية". 

واستطرد: "تلك السياسات المتخبطة، خلقت سوقا مضطربا، ودولة غير مؤهلة لنهضة اقتصادية وتطور من أي نوع، وبالتالي دفع المواطن البسيط الثمن، وما يحدث نتيجة قرارات السيسي المنفردة، وليس للأمر علاقة بـ25 يناير، أو حتى العقود السابقة كما يروج النظام". 

وتساءل: "هل يجرؤ أحد من السياسيين والبرلمانيين في مصر أن يحاسب السيسي على القروض، هل يجرؤ أحد على سؤال أين ذهبت الـ46 مليار من مساعدات الخليج لمصر في بداية حكمه، هل يستطيع أحد محاسبته على المشروعات المليارية وعلى التضخم، وعلى ارتفاع الدين العام، وعلى ارتفاع معدلات الفقر، واستمرار العجز بالميزان التجاري؟".

"الإجابة واضحة، وبالتالي سنعرف لماذا وصلنا إلى هذا الحد؟ وأن الجنرال يغرد منفردا، لكنه مع ذلك يؤكد أننا أمام أزمة اقتصادية طاحنة، وأن معالمها المستقبلية ليست واضحة، بمعنى أن النزيف الاقتصادي لن يتوقف عند هذه الوضعية، بل سينتقل من سيئ إلى أسوأ، وهذا ما يجب للمواطن أن يعلمه" يضيف الباحث المصري.

وأكد محيي الدين أن "الاقتصاد الحر أو الحديث لا يعرف معامل الثبات، فهو إما في صعود تدريجي أو هبوط مستمر، وكل المعطيات تؤكد أن مؤشر الاقتصاد المصري في هبوط، ويحمل عوامل الانهيار".

ومضى يقول: "غالبا تتجه مصر إلى خيارات سيريلانكا أو الأرجنتين، من إفلاس أو اضطرابات اجتماعية وثورة جامحة جراء الأزمة".