وسط هيمنة إيران وروسيا.. ما جدية الجزائر بإعلانها شراكة طاقية مع نظام الأسد؟

12

طباعة

مشاركة

تصر الجزائر على محاولة مساندة النظام السوري، في استعادة "عافيته الاقتصادية"، بعد أن فشلت سياسيا في إعادته إلى الحضن العربي.

وبدأت الجزائر تبدي تقاربا أكبر مع نظام بشار الأسد، منذ أن حملت لواء إعادته لشغل مقعد الجامعة العربية التي طرد منها نهاية عام 2011 إثر قمعه ثورة السوريين.

 

لكن وفي خطوة متقدمة، بحث وزير الطاقة والمناجم الجزائري، محمد عرقاب، مع سفير النظام السوري لدى الجزائر نمير الغانم، إمكانيات الشراكة والاستثمار في مجال الطاقة.

وقالت الوزارة في مطلع سبتمبر/أيلول 2022، إن المحادثات ركزت على بحث إمكانيات الشراكة والاستثمار في مجال الطاقة، ولا سيما في مجال ​المحروقات​ وتسويق الغاز المسال.

وكذلك في مجال إنتاج ​الكهرباء​ والنقل والتحويل الكهربائي والصيانة والتكوين وتصنيع المعدات والطاقات المتجددة.

وأضافت الوزارة، أن المسؤولين أشارا إلى "فرص التعاون الكبيرة القائمة في قطاع المناجم، ولا سيما في مجال استغلال الفوسفات وتحويله".

وأكد عرقاب استعداد الجزائر لتطوير وتعميق التعاون الثنائي وتحديد المشاريع الملموسة، مبينا أنه جرى الاتفاق على تشكيل مجموعة عمل فنية من الوزارتين المسؤولتين عن الطاقة والمناجم، تكون مسؤولة عن وضع خريطة طريق لضمان تحقيق إنجازاتهما.

وتنتج الجزائر العضو في منظمة "أوبك" مليون برميل يوميا من الخام، كما تصدر أكثر من 42 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي والغاز المسال سنويا.

وتحتل الجزائر المركز الـ11 عالميا من حيث احتياطات الغاز الطبيعي المؤكدة، فضلا عن أنها تأتي في المرتبة الثالثة باحتياطي الغاز الصخري بعد كل من الصين والأرجنتين.

ومطلع فبراير/شباط 2022، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تخصيص ما يفوق 39 مليار دولار كاستثمارات في مشاريع المحروقات والطاقة في بلاده.

فشل سياسي

وعلى مدى أشهر، لم تدخر الجزائر التي تربطها علاقة وثيقة مع روسيا والنظام السوري، جهدا في إجراء زيارات إلى عدد من الدول العربية لإقناعها بالتصويت لصالح عودة الأسد إلى الجامعة، إلا أنها فشلت.

وفي حسم للمسألة، أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية، في 4 سبتمبر 2022، عدم مشاركة النظام السوري في أعمال القمة العربية القادمة المقرر عقدها في نوفمبر من العام المذكور.

وكان تبون أعلن في مقابلة مع وسائل إعلام محلية، في يوليو/تموز 2022، أن بلاده تسعى بجد لمشاركة النظام السوري في القمة العربية المرتقبة.

وقبل ذلك سعت الجزائر لتلميع صورة نظام الأسد، وذلك عبر زيارة وزير الخارجية رمطان لعمامرة في 24 يوليو/تموز للعاصمة السورية دمشق في زيارة عمل، التقى خلالها رئيس النظام بشار الأسد.

وسبق ذلك، إصدار وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية التابعة للنظام السوري، قرارا يقضي بتشكيل "مجلس الأعمال السوري الجزائري" برئاسة خالد زبيدي رجل الأعمال المقرب من بشار الأسد.

ووفق القرار الذي أعلن في 17 يوليو 2022، فإن المجلس يهدف لتفعيل دور القطاع الخاص في تطوير التعاون الاقتصادي بين النظام السوري والجزائر، بكل المجالات التجارية والصناعية والزراعية والسياحية وتطوير التعاون في المجال الاستثماري.

وبلغ حجم التبادل التجاري بين الجزائر وسوريا قبل عام 2011، ما يناهز حدود 600 مليون دولار سنويا.

وتصدر سوريا السلع الغذائية والأدوية والأقمشة والقمح والأنسجة والقطن والألبسة والأحذية وسلعا أخرى، إلى الجزائر، في حين تصدر الأخيرة المواد الكيماوية لسوريا.

وألمحت الجزائر وهي تجتهد في إعادة دمج النظام السوري بمحيطه العربي، إلى إمكانية عقد شراكة اقتصادية معه مجددا، على الرغم من عدم استقرار البلاد ومحاصرة الأسد بالعقوبات.

إذ سبق أن صرح وزير التجارة الجزائري كمال رزيق بالقول في فبراير/شباط 2021 إن "الجزائر تطمح أن تكون سوريا البوابة الآسيوية للمستثمرين الجزائريين".

 وأضاف قائلا: "سوريا في طور إعادة الإعمار، وبحاجة في الوقت الحالي إلى مستلزمات هذه العملية، والجزائر لديها الإمكانية والرغبة في المشاركة فيها".

معوقات كبيرة

ذهاب الجزائر أبعد من الواقع السوري السياسي والاقتصادي المعقد، وفتح الحديث عن استثمارات وشراكات مع نظام الأسد، يطرح كثيرا من التساؤلات المنطقية.

وأهم هذه الأسئلة: هل الجزائر جادة في الدخول باستثمارات في مجال الطاقة بسوريا بهذا التوقيت في ظل هيمنة إيران وروسيا عبر عقود طويلة الأجل في هذه المجالات؟

وبلغة الأرقام، فإن خسائر قطاع الكهرباء في سوريا منذ عام 2011 حتى 2020، وفق أرقام حكومية، بلغت 100 مليار دولار، فيما وصلت الخسائر المباشرة وغير المباشرة في القطاع النفطي إلى 95 مليار دولار.

كما أن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة أميركيا، تسيطر على قرابة 90 بالمئة من حقول النفط، و45 بالمئة من إنتاج الغاز بسوريا.

وتشرف روسيا على حقول النفط والغاز الواقعة في مناطق النظام السوري، إذ لا يتجاوز الإنتاج اليومي فيها 40 ألف برميل نفط يوميا، في وقت كان الإنتاج اليومي لسوريا قبل عام 2011، 300 ألف برميل يوميا.

أما قطاع الكهرباء في سوريا المنهار والذي يعجز النظام السوري على تحسينه إلى الآن، يأخذ طابعا تنافسيا بين موسكو وطهران، إذ يتبع النظام خطة تقنين في التيار الكهربائي، بحيث تصل ساعات القطع اليومي في مناطقه إلى 17 ساعة.

وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول 2021 وقعت وزارة كهرباء النظام السوري عقدا مع شركة "بيمانير" الإيرانية لإعادة تأهيل محطة محردة بريف حماة باستطاعة 576 ميغا واط، وبلغت قيمة العقد 99 مليونا ونصف المليون يورو وبمدة تنفيذ 26 شهرا.

وتبع ذلك بأيام، وتحديدا في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، اتفاق روسيا ونظام الأسد على تعزيز العمل المشترك في قطاع الكهرباء وتذليل المعوقات التي تعترض تنفيذه، إذ أبدت موسكو استعدادها لتقديم سبل الدعم كافة لقطاع الكهرباء السوري.

لكن ما هو لافت، أن الجزائر تحدثت عن مجال استغلال الفوسفات وتحويله في سوريا.

وبالرغم من أن سوريا كانت تأتي في المرتبة الخامسة على قائمة الدول المصدرة للفوسفات في العالم عام 2011، فإن روسيا هي التي تستولي على مناجمه حاليا.

وسبق لديمتري روغوزين نائب رئيس الوزراء الروسي، أن قال في ديسمبر/كانون الأول 2017، إن بلاده الدولة الوحيدة التي ستعمل في قطاع الطاقة السورية وإعادة بناء منشآت الطاقة.

وصدق بشار الأسد في 14 أبريل/نيسان 2018 على عقد مدته 50 عاما تستخرج بموجبه "ستروي ترانس غاز لوجستيك" الروسية، خامات الفوسفات من مناجم الشرقية الضخمة في تدمر وسط سوريا.

إذن الحلفاء

وفي هذا السياق، يرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي ورئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، أسامة القاضي، أن "الجزائر لا تستطيع الدخول إلى قطاع النفط والغاز والاستثمار في مجال الطاقة بسوريا، لمسألتين".

الأولى أن "الجزائر تحتاج إلى الموافقة الروسية مباشرة؛ لأن الروس عمليا هم المعنيون بالتنقيب عن النفط وبعض الثروات بسوريا ضمن عقود موقعة مع نظام الأسد منذ قبل عام 2017"، وفق ما قال القاضي لـ "الاستقلال".

وثانيا، وفق الأكاديمي هو "أن الشركات الجزائرية ستطبق عليها عقوبات صارمة وقد تجمد أرصدتها وأعمالها وقد لا تتحمل ذلك".

وبين القاضي أن "ما تفعله الجزائر تجاه النظام السوري مجرد تصريحات إعلامية، وهي تعول على المستقبل في حال أزيحت العقوبات الاقتصادية عن سوريا، وبدأت إعادة الإعمار ووقتها يمكن أن تكون جاهزة للشراكة في الاستثمار في مجال الطاقة بسوريا".

ولفت القاضي إلى أنه "في مجال الكهرباء وقعت إيران اتفاقيات مع نظام الأسد بمجال الكهرباء، ولذلك فإن الجزائر إذا أرادت الاستثمار في تلك المجالات فعليها أن تتحدث مع طهران وموسكو".

واستدرك قائلا: "وبالتالي فإن النظام السوري هو آخر جهة يمكن أن تتحدث معه الجزائر من أجل اتخاذ قرار بهذا الحجم في ظل التزام الأسد بعقود مع روسيا وإيران لمدة نصف قرن في قطاعي الكهرباء والنفط".

وبنظرة بانورامية على التغلغل الروسي والإيراني بسوريا، فإن نظام الأسد، منح طهران وموسكو عقودا في آبار النفط وحقول الفوسفات خلال العقد الأخير.

وكذلك في مجال الخدمات والبناء والمواصلات والزراعة والطرق والجسور، وبمشاريع البنى التحتية، إلى جانب عقود طويلة الأجل يصل بعضها إلى 50 عاما.

كما نجحت روسيا في توقيع ما يقارب 40 اتفاقا وصفقة تجارية مع النظام السوري خلال العقد الأخير، بينما تفوق العقود والمشاريع الإيرانية مثيلتها الروسية.

أما إيران فقد وقعت مع النظام السوري خلال عام 2019 نحو 35 اتفاقية، منها توقيع 23 فقط في يناير/كانون الثاني من العام المذكور دفعة واحدة، وسبق ذلك عشرات العقود والمذكرات والتفاهمات.