عينها على دول الجوار.. لماذا توسع سلطنة عمان أنشطة استخباراتها بالمنطقة؟

12

طباعة

مشاركة

إستراتيجية الحياد والبعد عن الأزمات التي عرفت بها سلطنة عمان خلال تاريخها، تتبدل رويدا رويدا، إذ كشفت تقارير دولية عن توسع دور المخابرات العمانية في الصراع اليمني المشتعل منذ سنوات.

ومنذ تولي هيثم بن طارق قيادة البلاد مطلع عام 2020، بات الجهاز الأمني العماني يتحرك وفق قواعد مختلفة أرساها السلطان الجديد، ورجله المقرب سلطان النعماني، رئيس جهاز المخابرات. 

وكان السلطان هيثم قد انتقد في بداية عهده التدخلات الخارجية في شؤون البلدان، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، ما عد إشارة إلى الوضع بالجار اليمن الذي تشتبك فيه كل من السعودية والإمارات وإيران.

دور متمدد 

وفي 21 يوليو/ تموز 2022، نشرت "مجلة إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في الشؤون الاستخباراتية تقريرا عن تمدد دور المخابرات العمانية في المنطقة. 

وقالت إن "رئيس جهاز المخابرات العماني سلطان النعماني، يحاول إنقاذ وقف إطلاق النار في اليمن". 

وأضافت أنه "بالرغم من المنافسة السياسية في عمان، لا يزال محمد النعماني ثابتا في منصبه كرئيس استخبارات السلطان هيثم بن طارق، وقد صدرت له مؤخرا تعليمات بمواصلة وساطته مع السعودية بشأن الحرب في اليمن". 

ونقلت المجلة الفرنسية عن مصادر خاصة لم تسمها، أن "سلطان النعماني يقود بنفسه مفاوضات سرية بين السعودية والمتمردين الحوثيين في اليمن لتمديد وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في أبريل/ نيسان 2022 وينتهي مطلع أغسطس/ آب من العام ذاته". 

ويضع النعماني المقرب بشدة من السلطان هيثم، وفق إنتيليجنس أونلاين، خططا لإدارة المفاوضات الصعبة. 

وأوضحت أنه "يحاول إنشاء منطقة عازلة بطول 3000 كيلومتر وعرض 30 كيلومترا على الحدود بين السعودية واليمن". 

واستدركت المجلة الفرنسية بالقول: "لكن هذا يعتمد على تقدم المحادثات بين الرياض وطهران راعية مليشيا الحوثي، التي تجري برعاية من بغداد منذ شهور".

وتستضيف بغداد منذ 2021، مباحثات بين إيران والسعودية جرى آخرها في أبريل/نيسان 2022، لإنهاء القطيعة الممتدة منذ عام 2016، والتوصل إلى تفاهمات بشأن الخلافات القائمة بينهما في عدة ملفات أبرزها الحرب باليمن.

جهاز قوي

وتبرز مهمة جهاز الاستخبارات العماني المعروف بـ"الأمن الداخلي"، في حماية الدولة، وضمان استقرارها ووحدتها، وكفالة الأمن والطمأنينة للمواطن والمقيم، إلى جانب توفير المعلومة الاستخبارية الدقيقة، وتقديمها لمتخذ القرار في الوقت المناسب، وفق موقع الشبيبة العماني.

وتأسست أول نواة للجهاز في عام 1954، ضمن قوات السلطان المسلحة، وفي العام ذاته تم إنشاء فرعين لهيئة الاستخبارات: أحدهما في نزوى، والآخر في صحار، أعقبها إنشاء فروع أخرى في الرستاق وظفار.

وفي 1 فبراير/ شباط 1973، تقرر إنشاء جهاز استخباري مستقل عن قوات السلطان المسلحة، ضمن جهود إنشاء مؤسسات الدولة الحديثة، وأطلق على المؤسسة الجديدة حينها "دائرة المخابرات العمانية".

وفي 1 فبراير 1986، تم تعديل التسمية إلى "جهاز الأمن الداخلي".

واستطاع الجهاز  منذ تأسيسه إفشال محاولات عديدة لضرب نظام الحكم في عمان، حيث كان للجهاز دور فعال في الكشف عن تلك المؤامرات والتحقيق فيها.

وفي السياق، كشفت المجلة الفرنسية أن التمدد العماني في اليمن يضع المزيد من الإشكاليات بين السلطنة وجارتها الإمارات بالتحديد. 

وقالت إن النعماني رئيس الاستخبارات العمانية يتعامل بانعدام ثقة مع مسؤولي الأمن الإماراتيين.

وتابعت: تحديدا الذين دعموا تأسيس المجلس الرئاسي الذي أنشئ في اليمن جنبا إلى جنب مع الرياض.

ولطالما خاضت المخابرات العمانية حربا ضروسا ضد الجواسيس الإماراتيين، وسبق أن كشفت عن تفكيك وحدات تجسس سرية خاصة تابعة للإمارات في السلطنة، كانت تريد بالبلاد السوء. 

خلية شرسة 

في 11 مارس/ آذار 2019 أعلن الصحفي العماني "المختار الهنائي" حضوره جلسات محكمة الجنايات بمسقط، التي نظرت في قضية أمنية تورط فيها 5 أشخاص من دولة الإمارات بينهم ضباط، إضافة إلى متهمين عمانيين مدنيين اثنين، بتهمة التجسس على السلطنة. 

وذكر الهنائي أنه ألقي القبض على المتهمين من قبل جهاز المخابرات، والتحقيق معهم ثم إحالتهم للادعاء العام.

ثم أصدرت محكمة الجنايات العمانية حكمها في قضية خلية التجسس الإماراتي، بإدانة الأشخاص الخمسة من دولة الإمارات وعماني واحد وبراءة آخر، حيث أدين أغلب المتهمين بالسجن 10 أعوام.

وكشفت الواقعة مدى إصرار أبوظبي على التجسس على جارتها، وحجم الأطماع التي تحملها تجاهها.

فضلا عن امتعاض القيادة الإماراتية من موقف مسقط المحايد في الأزمة الخليجية مع قطر (5 يونيو/ حزيران 2017- 5 يناير/ كانون الثاني 2021). 

فعوض أن تأخذ مسقط موقفا مساندا لطرف من الأطراف الخليجية المتنازعة، مثلما فعلت البحرين والإمارات اللتان وقفتا بجانب الرياض، بقيت مسقط محايدة.

وأكثر من ذلك حاولت أن تأخذ مبادرات من أجل إنهاء الخلافات التي نشبت بين الدوحة من جهة ودول الحصار من جهة أخرى.

وسبق أن تورطت الإمارات في محاولة تجسسية استهدفت رأس السلطة في البلاد السلطان الراحل قابوس بن سعيد. 

وأعلنت مسقط ذلك بشكل رسمي في أواخر يناير/ كانون الثاني 2011، إذ كشفت ضبط خلية تجسس إماراتية، تستهدف نظام الحكم في السلطنة.

ومع أن الإمارات نفت آنذاك صلتها بالأمر، إلا أن الخلية اخترقت مواقع عليا في الدولة بهدف إسقاط السلطان قابوس بن سعيد، والعمل على تنصيب شخص يوالي أبوظبي في الحكم.

لكن الحكومة العمانية أعلنت تفكيك شبكة التجسس التي تتبع جهاز أمن الدولة الإماراتي.

ولم تهدأ الأمور حينها إلا بعد تدخل أمير دولة الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح لاحتواء الأزمة، فاصطحب ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، إلى مسقط ليقدم اعتذارا مباشرا للسلطان قابوس. 

حينها أدركت السلطنة أن عليها إعادة هيكلة جهاز المخابرات، وتأسيسه بشكل قوي يناسب حجم التحديات والمواجهات، وفق مراقبين.

سلطان النعماني 

ومن أجل هذا الهدف، جاء على رأس جهاز المخابرات العمانية، رجل ذو ثقل في دولاب الدولة، هو سلطان بن محمد بن ختروش النعماني. 

والنعماني، هو وزير المكتب السلطاني، والمشرف على أجهزة المخابرات في البلاد، ويتولى بشكل متزايد قيادة جهاز الأمن في السلطنة.

وفي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2001، تمت ترقية النعماني من عميد أول إلى رتبة لواء. 

وفي 5 مارس/ آذار 2011 تم تعيينه وزيرا للمكتب السلطاني في عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد، وكذلك رقي إلى رتبة فريق أول.

وعقب وفاة السلطان قابوس في يناير 2020، ترأس النعماني مجلس الدفاع العماني لاختيار من يتولى الحكم بدعوة مجلس العائلة المالكة إلى الانعقاد لتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم، ووقع الاختيار على هيثم بن طارق ليكون السلطان الجديد.

وفي أغسطس/ آب 2020 صدر مرسوم من السلطان هيثم بن طارق بتغيير وزاري موسع، واستمر النعماني في منصب وزير المكتب السلطاني، وأسند إليه قيادة مسؤولية أجهزة الأمن والاستخبارات. 

وجاء ذلك في وقت تعزز فيه السلطنة مكانتها إقليميا، أمام تغول الإمارات وتوسع السعودية. 

أيضا تحسبا للاضطرابات الداخلية والخصومات المستمرة داخل أجهزة الأمن.

حتى أن النعماني نفسه دخل في أتون المعارك عندما فقد كل من رئيس جهاز الأمن الداخلي سعيد بن علي الهلالي والمفتش العام للشرطة والجمارك حسن بن محسن الشريقي، اللذان يشرف على أنشطتهما ديوان السلطان، وسط شائعات عن قرب عزل النعماني من منصبه. 

حيث اعتقد البعض أن التغيير الوزاري الذي أجراه السلطان هيثم في 15 يونيو/ حزيران 2022 سيشمل النعماني، حين فقد عدد من الوزراء الرئيسين مناصبهم.

ومع ذلك، لم يقتصر النعماني على الاحتفاظ بمنصبه الذي يشغله منذ عام 2011 وحسب، بل كلفه السلطان بوظائف جديدة.

 فبالإضافة إلى دوره في الوساطة بات النعماني مسؤولا عن التفاوض حول القضايا الأمنية مع شركاء عمان الأجانب، كوزير الدفاع الصيني "وي فنغي" الذي زار مسقط في 28 أبريل/ نيسان 2022. 

الصدام مع السعودية 

تطور وصعود المخابرات العمانية، والدور الذي يلعبه رئيسها سلطان النعماني لا يزعج الإمارات فحسب، بل السعودية أيضا. 

ففي 2 مارس/ آذار 2020، نشر موقع "وطن" المختص بالشؤون الخليجية تقريرا عن تململ الرياض من النعماني وصعوده القوي داخل الدولة. 

وذكر أن موقف السعودية من سلطان النعماني، وتر علاقتها مع سلطان عمان هيثم بن طارق، وبات الموقف أكثر حساسية. 

وأكد أن الرياض عدت اختيار النعماني لرئاسة الاستخبارات استفزازا لها بسبب تطورات الأوضاع في محافظة المهرة، والدور القوي الذي يلعبه الجهاز الأمني العماني، والمضاد لمصالح السعودية والإمارات. 

وبحسب الصحيفة تعد الرياض المسؤول العماني سلطان النعماني، مقربا للغاية من طهران، وهو الذي يدعم تحركات القبائل المهرية ضد الوجود السعودي الإماراتي في المحافظة الحدودية.

وأنه عندما قاتلت قوات التحالف بقيادة السعودية في فبراير/ شباط 2020 داخل محافظة المهرة اليمنية، بالقرب من محافظة ظفار العمانية، ضد مقاتلي القبائل الذين يسيطرون على معبر "شحن" الحدودي بين عمان واليمن، تلقت دعما مخابراتيا عمانيا. 

الرياض حينها عدت أن القبائل المهرية قريبة من أجهزة المخابرات العمانية التي توجهها وتقدم لها كل أنواع الدعم الممكنة. 

وتستضيف السلطنة قادة حوثيين على أراضيها منذ عام 2018، وتقدم لهم التسهيلات وتسمح لهم بمغادرة مسقط إلى طهران واليمن والعودة بشكل طبيعي.

وكذلك تجري فيها اللقاءات الرسمية والسرية مع وفود الدول الأجنبية، وتسمح لهم بعمل لقاءات صحفية والتواصل السياسي مع جميع الأطراف الدولية.

وعقب اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء والسيطرة عليها في سبتمبر/أيلول 2014، وتدخل التحالف السعودي الإماراتي في مارس/آذار 2015، رفضت عمان أن تزج بنفسها في الحرب اليمنية وبقيت محايدة دون أن تغير من موقفها رغم تمديد زمن النزاع.