بعد فتح العراق تحقيقا.. من يقف خلف تسريبات المالكي المحرضة على الصدر؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

ضجة سياسية وشعبية في العراق أثارتها تسريبات من تسجيلات صوتية منسوبة لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، هاجم فيها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وأكد أنه سيقاتل الأخير في النجف، وأنه "لا بد من إراقة الدماء للتخلص من مشروعه المدعوم بريطانيا".

التسريبات نشرها الصحفي العراقي المقيم في واشنطن علي فاضل، في 13 يوليو/تموز 2022، وقال إن التسجيل الكامل مدته ساعة، وإنه سينشره بشكل متقطع، مبديا استعداده لتدوين أقواله قضائيا، وذلك بعدما أعلنت السلطات القضائية العراقية فتح تحقيق بالموضوع.

محتوى التسريبات

خلال خمسة مقاطع نشرها فاضل حتى يوم 20 يوليو، قال المالكي إن "العلاقات جيدة مع قائد مليشيات عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، وإن الفتح (تحالف سياسي شيعي) والفصائل: كتائب حزب الله والعصائب وسيد الشهداء كلها تابعة لإيران".

وقال: "قائد عصائب أهل الحق قيس الخزعلي جيد، وهو من سيضرب معارضيه (الصدريين)، لكن الإخوة في تحالفي الفتح وبدر لا علاقة لهم، هم في عالمهم الخاص، مشغولون بالمزارع".

وأضاف المالكي: "الوضع الإيراني الآن بين فريقين: فريق الحرس الثوري والآخر فريق الاطلاعات (وزارة الامن والاستخبارات الإيرانية)".

وتابع: "الحرس الثوري لا يعطي الاطلاعات فرصة للتدخل بأي شيء، هو فقط من يقرر.. عندما زرت إيران (..) كلهم يقولون إن الموضوع (العراق) بيد قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني ويطلبون أن نركز جهودنا مع الحرس الثوري".

وفي تسجيل قبله، قال المالكي: "المرحلة المقبلة ستشهد قتالا بين الشيعة في العراق، والعشائر جاهزة لذلك".

وأكد "أخبرت (رئيس الوزراء مصطفى) الكاظمي بذلك، وكل واحد سيدافع عن نفسه، وأنا سأدافع عن نفسي، وقد تحدثت مع جماعة (لم يسمّها) بأن القضية قضية قتال، وأن مقتدى الصدر يريد الدم والذبح كما يتحدث هو بذلك".

وأردف: "قلت للكاظمي إن الجيش والشرطة لا يُعتمد عليهما، ولن يفعلوا شيئا، ولن أثق بك أو بجيشك".

وتابع المالكي، قائلا: "أعلم أن مقتدى الصدر سيستهدفني أولا، لأنني دمرته، ولن أبقي التشيع والعراق بيده، وفي حال عجزت وزارة الداخلية فلن أعجز".

وواصل القول: "لدي الآن 10 – 15 تجمعا لأُسلِحهم، وأبقيهم مستعدين للمرحلة الحرجة، وسأهجم على النجف في حال هجم مقتدى الصدر، فهو رجل حاقد".

المالكي قال أيضا: إن "العراق مقبل على حرب طاحنة، لا يخرج منها أحد، إلا في حال إسقاط مشروع مقتدى الصدر، ومسعود البارزاني (رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني)، ومحمد الحلبوسي (رئيس البرلمان)، فإذا أسقطنا مشروعهم نجا العراق، وإلا فإنه سيدخل في الدائرة الحمراء (الخطر)".

وكذلك، تابع المالكي: "أنا أعرفهم (الصدريين).. ضربتهم في كربلاء وفي البصرة وفي مدينة الصدر، جبناء، والآن صاروا أجبن لأنهم أكلوا الحرام.. فرهدوا (سرقوا) أموال الناس وأموال الدولة وقتلوا واستباحوا الدماء.. شكد (كم) قتل مقتدى الصدر من بغداد؟".

وبدأ العداء بين الرجلين في مارس/آذار 2008، عندما كان المالكي رئيسا للوزراء، وقاد آنذاك، عملية عسكرية ضارية سُمّيت "صولة الفرسان" استهدفت مليشيا "جيش المهدي" بزعامة الصدر، وتحولت خلالها مدينة البصرة العراقية إلى ساحة حرب حقيقية.

ونفى المالكي تحدثه بهذا الكلام، واتهم جهات بتلفيقها لإحداث فتنة مع الصدر، باستخدام تقنيات حديثة تفبرك الصوت.

فيما طالب الصدر من الأخير بأن يعتزل العمل السياسي ويسلم نفسه للقضاء، مؤكدا أنه "يبرأ أمام الله وأمام الشعب العراقي من أي تعد عليه (المالكي) ومن أي استعمال للعنف ضده".

تدبير مخابراتي

وعن توقيت التسريبات وأنها جاءت في وقت حساس بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان ومحاولة الإطار التنسيقي تشكيل الحكومة، قال الصحفي ناشر التسريبات علي فاضل خلال مقابلة تلفزيونية في 19 يوليو إنها "جاءت في وقتها المناسب ووصلت إلي خلال هذه المدة، ولا أستهدف شخص المالكي وإنما الطبقة السياسية الحالية برمتها".

وأوضح فاضل أن "التسريبات لن تنتهي بانتهاء التسجيل الخاص بالمالكي، وإنما هناك تسريبات أخرى على جميع قادة الصف الأول من السياسيين من مختلف المكونات العراقية، والبعض منهم يحث على القتل، وإبرام صفقات الفساد، وغيرها من الأمور".

وأشار الصحفي إلى أن "المالكي إذا عُرض على القضاء فسيعترف على أسماء أخرى من السياسيين، وأنا على استعداد لتدوين إفادتي أمام القضاء شريطة أن يكون في السفارة العراقية بواشنطن وبحضور الصحافة العالمية، لأنه لا يوجد ضمان من وجود شخصيات تنتمي إلى المليشيات متغلغلة في السفارة".

من جهته، ألمح ياسر صخيل صهر المالكي عبر "تويتر" في 14 يوليو 2022 إلى وقوف مصطفى الكاظمي وراء التسريبات للإطاحة بالمالكي، والحصول على ولاية جديدة.

وكتب صخيل في التغريدة التي حذفها لاحقا مخاطبا شخصا لم يذكره: "مهما فبركت وتآمرت كما فعلت بالأمس فلا تجديد ولا بيعة لك، ونحذرك من تكرار إشعال فتيل الفتنة، ودّع بسلام واحفظ ما بقي من ماء وجهك". ووضع وسما في ختام التغريدة: "لا تجديد لصاحب الفتنة".

ومن هذا المنطلق، رأى الكاتب وائل عصام خلال مقال نشرته صحيفة "القدس العربي" في 15 يوليو أن "تسجيلات المالكي الصوتية قد تكون سربت من جهاز المخابرات العراقية الذي ما زال يعمل تحت إشراف رئيسه السابق مصطفى الكاظمي".

ومن ثم وصلت التسجيلات إلى الأميركيين الذين ترتبط أجهزتهم الأمنية بعلاقات وثيقة مع جهاز المخابرات العراقية والكاظمي تحديدا، وفق تقديره.

وبرأي الكاتب فإنه "على عكس المتداول أن هناك من سجل بهاتفه الاجتماع، ومن ثم أوصله للناشط العراقي المقيم في أميركا علي فاضل، فإن قناعتي تميل إلى أن التسجيل حصل من خلال جهاز تنصت أو لاقطة صوتية مزروعة في مكان اللقاء".

وتابع: "الجهة التي زرعتها هي المخابرات العراقية المرتبطة للآن بالكاظمي، ولجأ (الأخير) لذلك بعد أن وجد أن فرصه في البقاء كرئيس للوزراء تتداعى، وخصومه في الإطار ازدادوا قوة، وقد يمارسون تصفية حسابات معه بعد إبعاده من رئاسة الحكومة وانسحاب حليفه الأهم الصدر".

وأردف الكاتب، قائلا: "قد يكون لجأ إلى البحث في دفاتره العتيقة أمنيا، واستخدم ما تبقى لديه من أوراق، ليس لمصلحته وحسب، بل لمصلحة حليفه مقتدى الصدر، الذي سانده أمام الإطار الشيعي طوال ترؤسه الحكومة، فتسجيل كهذا يمكن أن يحرج المالكي ويضعف فرصه في تولي منصب رئاسة الوزراء، سواء الآن أو في الانتخابات المقبلة".

وأوضح عصام أن "التسجيلات جاءت مباشرة بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان، وبناء على هذه المعطيات التي اجتمعت لدى الجهاز الاستخباراتي، الذي امتلك التسجيل، جاء اختيار ناشط غير محسوب على الأطراف الشيعية ومقيم في أميركا الأقرب للكاظمي، لكي تبعد الأنظار عن نشاط المخابرات العراقية في التجسس على زعماء الإطار التنسيقي".

محاولة للتوسط

وبخصوص تداعيات هذه التسريبات على المشهد في العراق، توقع مصدر سياسي عراقي قريب من قوى الإطار التنسيقي طلب عدم الكشف عن اسمه أن "تمتص القوى الشيعية صدمة التسريبات، ولن يكون لها تأثير على مكانة المالكي عند الشيعة".

لكن الأخير سقط سياسيا ولا يمكن أن يتبوأ أي منصب في المستقبل"، وفق ما تحدث المصدر العراقي لـ"الاستقلال".

وأوضح أن "تغريدة الصدر الأخيرة التي طالب فيها المالكي بتسليم نفسه للقضاء، وتبرؤه من أي اعتداء قد يطاله مستقلا، ربما أرعبت القوى الشيعية".

لكن قوى الإطار التنسيقي ربما يكون قد اطلع على هذه التسريبات قبل نحو شهر من تسريبها على وسائل الإعلام حسبما قيل.

ولفت إلى أن "ردة فعل القوى المنتمية للإطار التنسيقي لم تكن بمستوى الحدث رغم أن المالكي نال من بعض قيادات الحشد الشعبي، ووصفهم بأنهم أمة الجبناء ومنشغلين بمزارعهم وفسادهم.

وهذا يدل على أنهم على اطلاع بالموضوع قبل تسريبه إلى وسائل الإعلام، وأن جميعهم لم يتحدثوا عن وجود فبركة وإنما طالبوا الصدر بتجاوز الموضوع تحاشيا للوقوع بالفتنة، كما قال.

وطالب زعيم تحالف "الفتح" هادي العامري زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في 20 يوليو بـ"الترفع" وعدم الأخذ بالتسريبات والتسجيلات الصوتية "غير المسؤولة" التي يراد منها الفرقة وزعزعة الاستقرار.

من جهته، قال المحلل السياسي المقرّب من دوائر القرار الشيعي، أمين ناصر، لموقع "الحرة عراق" في 14 يوليو إنه "مطلع على وجود مساع للوساطة جارية الآن على مستوى النجف وبعض القيادات والزعامات الروحية في كل من إيران ولبنان".

ويعتقد ناصر أن "الحلفاء الذين وردت أحزابهم وتياراتهم وجمهورهم والحشد في تسريبات المالكي لهم موقف متطابق مع التيار سيتم الإعلان عنه في الأيام المقبلة".

وتوقع المحلل أن ينتج عن الموقف "اعتكاف أو تنح للزعيم المالكي"، خاصة وسط "غليان جماهيري وغضب شعبي في شارع التيار تعيشه معظم مدن ومحافظات العراق الآن وتهديد بحرق أو إغلاق مقار حزب الدعوة التابعة للمالكي".