"لا رئاسة ولا حكومة".. صراع الصلاحيات يوسع الأزمة السياسية في لبنان

12

طباعة

مشاركة

بعد يوم واحد فقط من انتهاء المشاورات التقليدية مع الكتل النيابية والنواب المستقلين في لبنان، يومي 27 و28 يونيو/حزيران 2022، قدم رئيس الحكومة المكلف، نجيب ميقاتي، مسودة تشكيلته إلى رئيس الجمهورية، ميشال عون. 

ومع أن ميقاتي أبقى على حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها كما هي تقريبا، مع تعديلات محدودة، إلا أن عون رفض المسودة وطلب من الرئيس المكلف إدخال تعديلات عليها. 

الأمر الذي رفضه ميقاتي، وأدى إلى حصول سجال إعلامي بين الطرفين، حيث اتهم كل واحد منهما الآخر بـ"الاعتداء على صلاحيته الدستورية".

في موازاة ذلك، تزداد القناعة لدى الرأي العام اللبناني بصعوبة تشكيل حكومة جديدة، لا سيما مع اقتراب موعد بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للبلاد، في الأول من سبتمبر/أيلول 2022. 

وكذلك عدم اهتمام القوى والأحزاب بتشكيل حكومة من المفترض أن تتحول إلى تصريف الأعمال في اليوم الأخير من أكتوبر/تشرين الأول 2022، وبالتالي "لن تستطيع القيام بأي إصلاحات جوهرية".

خيارات ضيقة

وكان ميقاتي قد تم تكليفه بتشكيل حكومة جديدة في 23 يونيو 2022، رغم حصوله على أصوات أقل من نصف عدد نواب البرلمان في الاستشارات النيابية الملزمة التي كان منافسه الرئيس فيها الـ"لا أحد" أو الـ"لا تسمية".

وفي الاستشارات النيابية التقليدية غير الملزمة التي أجراها الرئيس المكلف، رفضت أغلب الكتل المشاركة في الحكومة.

وعليه، قرر ميقاتي الإبقاء على الحكومة الحالية، مكتفيا بأربعة تعديلات شملت حقيبة الطاقة التي نقلها من وصاية "التيار الوطني الحر" (حزب رئيس الجمهورية)، واقترح لها وزيرا سنيا مستقلا متخصصا في شؤون الطاقة هو "وليد سنو" الذي يعمل خارج لبنان. 

وكذلك أيضا حقيبة الاقتصاد والتجارة التي استبعد وزيرها الحالي، أمين سلام، الذي سماه رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، وذلك بعد إعلانه عن رغبته في ترؤس الحكومة في إطلالة إعلامية، الأمر الذي عده ميقاتي تحديا له. 

وهذان التعديلان بالتحديد كانا السبب في رفض رئيس الجمهورية التوقيع على المسودة الحكومية.

أما التعديلان الآخران فاقتصرا على توزير أحد نواب محافظة عكار بناء على تصويت كتلته (6 نواب) لميقاتي، وعلى توزير درزي مستقل مكان درزي كان من حصة أحد النواب الخاسرين في الانتخابات، وذلك بهدف الحصول على أصوات كتلة النائب تيمور جنبلاط (8 نواب) في جلسة الثقة، مع إبقائه حقيبة المالية في عهدة الشيعة.

وقال ميقاتي في حديث تلفزيوني عقب تقديمه المسودة الحكومية في 29 يونيو، أن "قرار تقديم التشكيلة الحكومية اتخذته ليلا (ليلة انتهاء مشاوراته مع نواب البرلمان)، وبخط يدي بعد أن تعفف الجميع عن المشاركة، وأصبحت الخيارات ضيقة".

وما كاد ميقاتي يغادر قصر الرئاسة حتى تسربت المسودة بالكامل إلى الإعلام عن طريق الفريق المعاون لرئيس الجمهورية، وذلك من أجل تحضير الرأي العام لنقضها ورفضها.

وتعقيبا على ذلك، قال الصحفي، عماد مرمل، في مقال نشره عبر صحيفة "الجمهورية" في 1 يوليو/تموز 2022، "ما لم يتنازل عنه عون خلال 5 سنوات و8 أشهر، لن يمنحه في الأشهر الأربعة الأخيرة من ولايته".

وأضاف مرمل "لن يسمح عون لميقاتي باستضعافه أو إمساكه من اليد التي توجعه، ولن يعطيه فرصة أن يحقق ما عجز عنه (رئيس الحكومة المكلف السابق) سعد الحريري عندما كان رئيس أكبر كتلة نيابية في طائفته والمجلس".

وفي اليوم نفسه أبلغ عون، الرئيس المكلف رفضه للمسودة، عندما استقبله للمرة الثانية والأخيرة، طالبا منه إجراء تعديلات عليها، أو زيادة 6 وزراء سياسيين من دون حقائب مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.

وبذلك يستأثر عون بتسمية الثلاثة المسيحيين كون كل الأحزاب المسيحية رفضت المشاركة في الحكومة.

بيد أن الرئيس المكلف رفض التجاوب مع رئيس الجمهورية، ومنذ ذلك الوقت لم يحصل أي لقاء بينهما، بل على العكس اندلع سجال إعلامي قاس بينهما عبر المقربين، ومباشرة عبر مكتبيهما الإعلاميين.

تقاذف المسؤولية

واتهم رئيس الجمهورية الرئيس المكلف بـ"الاعتداء" على حقوق المسيحيين واللعب بالتوازنات الطائفية، وذلك من خلال قيامه باستبدال وزير ماروني بآخر سني. 

وكذلك بتعمد استهداف رئاسة الجمهورية عبر إجراء مداورة في حقيبة تعد من حصته مقابل إبقاء كل الحقائب الوازنة وبالتحديد المصنفة سيادية كما هي، غامزا من قناة وزارة المالية التي يستأثر بها الشيعة منذ عام 2013.

بدوره ميقاتي اتهم رئيس الجمهورية بمخالفة الدستور عبر إصراره على الشراكة الكاملة في تشكيل الحكومة، في حين أن الدستور يحصر صلاحية التشكيل بالرئيس المكلف فقط.

وفي بيان صادر عن مكتبه الإعلامي في 13 يوليو/تموز 2022، أكد ميقاتي أنه طلب موعدا من رئيس الجمهورية، لكن الأخير امتنع عن تحديده.

وأصر على أن المسودة التي قدمها هي "الإطار المناسب للبحث مع عون خاصة أنها تنسجم مع مسؤولياته وطروحاته والأهداف الواجب تحقيقها في هذه المرحلة الضيقة جدا، وهذا العمل هو ما يقتضيه الدستور، حيث إن رئيس الوزراء هو من يتحمل المسؤولية أمام مجلس النواب".

وعد ميقاتي أن "الإساءات المتكررة طوال الأيام الماضية إلى مقام رئاسة مجلس الوزراء، تمثل انحطاطا في مستوى التخاطب وتسيء للجميع".

وختم بيانه بالطلب من رئاسة الجمهورية "دحض ما ينسب إليها همسا أو مواربة، وهي المقام الأرفع في الدولة، وبوقف ممارسات وتدخلات بعض المحيطين بها والذين يمعنون في الإساءة والعرقلة".

وقال الكاتب السياسي، نقولا ناصيف، عبر صحيفة "الأخبار" المحلية في 12 يوليو/تموز 2022، إنه "لا تكهنات ولا توقعات جارية سوى القول أن لا حكومة جديدة ولا انتخابات رئاسية في موعدها".

وعد أن "ما يتردد سرا في الأروقة السياسية هو محاولة الاستفادة من المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ما بين 31 أغسطس/آب و31 أكتوبر/تشرين الأول لتنظيم خلاف من شقين يبدوان متلازمين:

بين عون وميقاتي حيال تأليف حكومة جديدة تحوطا من احتمال شغور رئاسة الجمهورية بعد انقضاء الولاية الحالية". 

وبين ميقاتي والثنائي الجديد المرشح أن يواجهه وهو "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" على مرحلة الشغور، خصوصا إذا قيض لحكومة تصريف الأعمال تولي صلاحيات رئيس الجمهورية.

ولفت ناصيف إلى أن "ليس رئيس الجمهورية وحده رفض مسودة الرئيس المكلف للحكومة الجديدة، بل انضم إليه حزب الله في رفضها". 

ثم أتى بيان 4 يوليو الصادر عن الحكومة والذي ينتقد إطلاق "حزب الله" ثلاث مسيرات والتنصل من أي مسؤولية عنها، كي يضاعف الحزب في ظنونه ومخاوفه من ميقاتي على أبواب مرحلة جديدة يفترض أنه سيكون على رأسها".

سحب الوزراء

ونقلت الصحفية، كريستال خوري، عن نائب مقرب من التيار الوطني الحر (لم تسمه)، في مقالة لها نشرتها في موقع "أساس ميديا"، في 10 يوليو/تموز 2022، أن "رئيس الحكومة المكلف هو الذي افتعل إشكالا مع الفريق العوني (حزب رئيس الجمهورية)" وذلك "من خلال التصويب على حقيبة الطاقة، سواء من خلال سحبها من حصة التيار الوطني الحر، أو من خلال السجال الكلامي الذي وقع بين الفريقين على الخلفية ذاتها، وقد افتعله ميقاتي أيضا".

وحسب النائب نفسه فإن "مبادرة رئيس حكومة تصريف الأعمال في هذا الاتجاه تعني أن الرجل غير مستعجل على التأليف وغير مكترث للضغط الذي تمارسه الرئاسة الأولى في سبيل تسريع مشاورات قيام آخر حكومات العهد".

وأشارت خوري إلى وجود "قطبية خفية تكمن وراء لهفة الفريق العوني (حزب رئيس الجمهورية) على إجراء تعديل جذري على الحكومة القائمة، وأن هذا التعديل يهدف إلى تطعيم الحكومة ببعض الوجوه السياسية العونية، حتى لو أكد التيار الوطني الحر أنه لن يمنح الحكومة الثقة".

وأرجعت خوري ذلك إلى أن "باسيل ما يزال يعتقد أن الشغور الرئاسي قد يحصل، وقد ترث هذه الحكومة صلاحيات رئيس الجمهورية، وقد يذهب رئيس الحكومة المكلف في توسيع نطاق تصريف الأعمال إلى حد الدعوة لعقد جلسات مجلس الوزراء، ولهذا يريد باسيل أن يكون حاضرا مباشرة على طاولة مجلس الوزراء عبر وزراء سياسيين لا تكنوقراط".

وهو ما ذهبت إليه الكثير من التسريبات والتقارير الصحفية خلال الأيام الأخيرة.

 وفي هذا السياق، قال النائب في "تكتل لبنان القوي"، غسان عطا الله، في حديث صحفي أنه "منذ البداية كنا ندرك أن ميقاتي يريد الحصول على التكليف لتضييع الوقت وعدم تأليف الحكومة بانتظار الانتخابات الرئاسية".

وشدد على "وجود فرق كبير بين حكومة أصيلة وكاملة الصلاحيات وبين حكومة تصريف أعمال"، مؤكدا "أننا لا نزال نبذل جهدنا للضغط داخليا وخارجيا لتأليف الحكومة، أما إذا وصلنا إلى حائط مسدود، فعندها سنتخذ قرارا باعتكاف الوزراء وعدم ذهابهم الى وزاراتهم، اعتراضا منهم على هذا الاستخفاف من قبل الرئيس المكلف".

من جانبه، قال الباحث السياسي، طلال الدهيبي، في حديث لـ"الاستقلال" أن "الهدف من هذه الخطوة في حال حصولها ليس تعطيل عمل مؤسسات الدولة، فهي شبه معطلة في ظل الإضراب المفتوح للموظفين على اختلاف فئاتهم منذ أسابيع". 

وتابع: "بل منع رئيس حكومة تصريف الأعمال من ممارسة الحكم باستخدام السلاح الطائفي الأكثر تأثيرا، بالنظر الى استئثار التيار الوطني الحر بأغلبية الوزراء المسيحيين في حكومة تصريف الأعمال". 

وخلص الدهيبي إلى أن حصول ذلك "سيدخل البلاد في أزمة دستورية وطائفية كبرى"، خاصة في حال ساند حزب الله حليفه وأقدم على سحب وزيريه من الحكومة أيضا، ما سيؤدي حتما إلى تعاظم حدة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد والمزيد من الانهيار في سعر صرف العملة المحلية".