دعوات أوروبية للتهدئة في مأرب.. مبادرة سلام أم لتمكين الحوثيين؟
فتحت التنازلات الحكومية المتواصلة والتواطؤ الأممي والغربي مع الحوثيين، شهية المليشيا لتحقيق المزيد من المكاسب وتوسيع رقعة سيطرتها على مناطق إستراتيجية جديدة.
وفي 4 يوليو/تموز 2022، حمل اتصال سفراء الاتحاد الأوروبي مع حسين العزي نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين، بعد تهديدات أطلقها بالسيطرة على محافظة مأرب (شمال شرقي صنعاء) الكثير من علامات الاستفهام بشأن جدية المطالب الأوروبية.
اتصال هام بين سفراء الاتحاد الأوروبي، فرنسا، المانيا والمبعوث السويدي مع حسين العزي، حثوا خلاله على التعاطي البناء مع المبعوث الأممي ومقترحاته، لا سيما بخصوص إعادة فتح الطرق حول تعز والخطاب العام الإيجابي. هناك فرصة سانحة لمواصلة تحقيق تطلعات اليمنيين الذين يريدون ويحتاجون السلام
— EUinYemen (@EUinYemen) July 4, 2022
ويأتي هذا في ظل تقاعس أوروبي عن ممارسة الضغط على الحوثيين، من أجل الاستجابة لدعوات السلام وتنفيذ بنود الهدنة الإنسانية، التي جرى تمديدها شهرين إضافيين مطلع يوليو/حزيران 2022، برعاية الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي قد أدرج الحوثيين على القائمة السوداء ضمن الجماعات الخاضعة للعقوبات، وذلك لتهديدها السلام والأمن والاستقرار، فإنه عبر سفرائه باليمن يجري محادثات مع قيادات المليشيا وسط غموض عن سر تلك اللقاءات.
والتقطت مليشيا الحوثي الصمت الغربي تجاه جرائمها، وعدته بمنزلة تشجيع لها على مواصلة مشروعها التوسعي الطائفي والتمادي في تهديد أمن اليمن والإقليم.
حرب الطاقة
آخرها ما صدر عن المليشيا من تهديدات، عبر حسين العزي، باقتحام مدينة مأرب والسيطرة على حقول النفط داخل المحافظة.
وقال العزي في تغريدة على حسابه في "تويتر"، "لن نترك نفط الشعب وغازه نهبا للفاسدين وإذا اختلفنا عن كلامنا فيا حما الشوارب"، في تهديد ضمني باقتحام مأرب.
( لن نترك نفط الشعب وغاز الشعب نهبا للفاسدين واذا اختلفنا عن كلامنا فيا حُمّا الشوارب )
— حسين العزي (@hussinalezzi5) July 4, 2022
إلى تنظيم الإخوان في مأرب وكل المرتزقة اللصوص وأعوانهم :
سننتزع حقنا من فم الأسد فما بالكم وهو فم ثعلبٍ رعديد .
وجاء تصريح القيادي الحوثي بعد زيادة سعرية أقرتها شركة النفط التابعة لهم على أسعار المحروقات، في العاصمة صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرتهم.
وعقب التهديد الحوثي، سارع سفراء الاتحاد الأوروبي ورؤساء بعثات فرنسا وألمانيا والمبعوث السويدي إلى اليمن بيتر سيمنبي، في 4 يوليو 2022، للاتصال بالمليشيا لحثهم على السلام.
ووفق ما ذكرته البعثة الأوروبية لدى اليمن في تغريدة نشرتها في حسابها على "تويتر"، دعا السفراء الأوروبيون مليشيا الحوثي إلى التهدئة في خطابها العام بخصوص الهدنة وإحلال السلام.
كما أكدوا أهمية استغلال الهدنة الجارية للدفع بالعملية السياسية، وتحقيق السلام، مضيفين: "هناك فرصة سانحة لمواصلة تحقيق تطلعات اليمنيين الذين يريدون ويحتاجون السلام".
وهو الاتصال الثاني بين البعثة الأوروبية والقيادي الحوثي. وسبق أن عقدت مباحثات عبر تقنية الفيديو، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، حيث ناقشوا أهم المتطلبات الضرورية لدعم بناء سلام حقيقي شامل ومستدام في اليمن.
وكانت المليشيا، المدعومة من إيران، أبلغت المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، تمسكها بمقترحها بشأن فتح طرق فرعية في تعز، ورفضها الواضح للمقترح الأممي الذي أعلن عقب انتهاء محادثات عمّان بين وفدي الحكومة والحوثيين في 6 يونيو/ حزيران 2022.
ويدعو المقترح الأممي المنقح لإعادة فتح 5 طرق بما فيها خط رئيس مؤد إلى تعز، بهدف رفع المعاناة عن المدنيين وتسهيل وصول السلع.
وبحسب متابعين، هناك توجه من المجتمع الدولي لإعادة تدوير مليشيا الحوثي، لتنتقل من المسرح العسكري إلى المسرح السياسي، غير أن ذلك يصطدم بموقفهم المتصلب والرافض لأي حلول لإنهاء الحرب عبر التفاوض.
وهو الأمر الذي دفع الأوروبيين والغرب إلى التواصل المباشر والمكثف مع الحوثيين في محاولة لإقناعهم بالقبول بالحل السياسي.
تعبئة وتحشيد
وتأتي التهديدات الحوثية بالسيطرة على مأرب، بعد أيام من احتفاء المليشيا بتأهيل أكثر من 80 ألفا من الأطفال الذين استقطبتهم إلى المراكز الصيفية التابعة لها في العاصمة صنعاء.
وحول هذا الموضوع، قال الصحفي اليمني أحمد الزرقة، إن "معركة مأرب هي الوجهة القادمة للمليشيا التي تتفاوض مع السعودية في مسقط بخصوص التوصل لتسوية بين الطرفين وفق شروط الحوثيين ومن خلفهم طهران.
وقد تكون مأرب هي الجائزة التي تطالب بها المليشيا وتسعى منذ خمس سنوات للسيطرة عليها دون جدوى، وفق تقديره.
وأضاف في حديث لـ"الاستقلال" أن "تصريحات حسين العزي ما هي إلا وسيلة من وسائل الابتزاز التي يمارسها الحوثيون لرعاة الهدنة وأيضا هروب من استحقاقات السلام وتوقف الحرب".
ومضى الزرقة بالقول، "بالنسبة للحوثي فمأرب قد تكون الدجاجة التي تبيض ذهبا، والسيطرة عليها تعني التحكم بمنابع النفط والغاز وبالتالي ضمان حصوله على إمدادات تضمن دفع تكاليف أي حروب قادمة شرقا او جنوبا".
ويرى الصحفي اليمني، أن "التحالف السعودي الإماراتي لا تعنيه معركة مأرب ولا تعز ويهمه تحقيق مصالحه وضمان عدم وجود طرف قادر على هزيمة الحوثي وأيضا استمرار سيطرته على الممرات البحرية والمناطق الساحلية الحيوية في البلاد".
ويقف الأوروبيون والأميركيون والأمم المتحدة على المحك أمام صدق نواياهم بتطويع الحوثيين وإجبارهم على الالتزام ببنود الهدنة، التي تنتهي المرحلة الثانية منها نهاية يوليو/ تموز وسط أنباء عن استعدادات مكثفة من المليشيا لحرب واسعة.
ومنذ بداية فبراير/شباط 2021، كثف الحوثيون هجماتهم في مأرب للسيطرة عليها، كونها أهم معاقل الحكومة والمقر الرئيس لوزارة الدفاع، إضافة إلى تمتعها بثروات النفط والغاز واحتوائها على محطة الغاز التي كانت قبل الحرب تغذي معظم المحافظات بالتيار الكهربائي.
واستغل الحوثيون الهدنة للدفع بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى تخوم مأرب، شملت أسلحة ثقيلة ومتطورة نهبتها من مخازن الجيش اليمني.
استنزاف متواصل
وبينما صارت الحكومة اليمنية مكبلة باتفاقيات دولية، كاتفاق استوكهولم، الذي أوقف معركة الحديدة والساحل الغربي واتفاق الهدنة الأخير، يرفض الحوثيون تنفيذ جميع البنود والتي من بينها فك الحصار عن تعز، وتسليم الرواتب للموظفين من موارد ميناء الحديدة.
وما زال التدخل الإقليمي والدولي هو العامل الرئيس في الحرب الجارية في اليمن منذ 7 سنوات، وفي تحديد أهدافها ورهاناتها والمخرج منها.
إلى جانب أن السلطة الشرعية لا تملك الاستقلالية التامة في اتخاذ قرار الحسم العسكري مع الحوثيين بسبب سيطرة التحالف السعودي الإماراتي على القرار اليمني.
وهو الأمر الذي أدى إلى إطالة أمد الحرب وتفاقم الأزمة الإنسانية في البلد المنهك، الذي أصبح 80 بالمئة من سكانه البالغ عددهم 30 مليونا، بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة بحسب الأمم المتحدة.
وأدار التحالف السعودي الإماراتي معركة مأرب على شكل حرب استنزاف للطرفين، سقط فيها أبرز قيادات الجيش اليمني منهم قائد المنطقة العسكرية الثالثة اللواء الركن عبدالرب الشدادي.
وقائد قوات الأمن الخاصة العميد عبدالغني شعلان، وقائد المنطقة العسكرية السادسة اللواء الركن أمين الوائلي، ورئيس هيئة العمليات الحربية بوزارة الدفاع اليمنية اللواء ناصر الذيباني.
كما سقط من الحوثيين قيادات عسكرية رفيعة وعشرات الآلاف من عناصرهم، وتحولت مأرب إلى بؤرة استنزاف لمقاتليها على مدى سنوات.
ولم يزود التحالف الجيش اليمني في مأرب بأسلحة حديثة ومتطورة توازي أسلحة الحوثيين، وهو ما أدى إلى سيطرة المليشيا على عدد من مديريات المحافظة النفطية.
واستطاع الحوثيون خلال الأشهر الماضية، التقدم والسيطرة على عدة مديريات بينها العبدية ورحبة وماهلية، وباتوا على بعد 30 كليومترا من مشارف مدينة مأرب.
ويحكم الحوثيون في مناطق يسكن فيها قرابة 15 مليون نسمة يمثلون 50 بالمئة من إجمالي سكان البلاد.
فيما تسيطر الحكومة على مناطق يعيش فيها نحو 12 مليونا بنسبة 40 بالمئة، وبقية المناطق يقطن فيها قرابة 3 ملايين نسمة يمثلون 10 بالمئة من السكان، وهي تحت نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا.