اقتتال قبلي وفشل حكومي.. دارفور يتحول إلى "قنبلة موقوتة" قد تفجر السودان
السودان المشتعل بالأحداث شرقا وغربا، شهد حوادث مؤسفة مؤخرا في إقليم دارفور، إثر اشتباكات عنيفة بين قبيلتي القمر والرزيقات، نجم عنها قتلى وجرحى ونازحون بالآلاف.
ويحظى إقليم دارفور غربي البلاد بتاريخ مليء بالحروب الأهلية والعنف والقتل على أساس إثني، ويخشى مع اضطراب الحكومة المركزية في الخرطوم أن يصير الأمر إلى ما لا يحمد عقباه.
خاصة وأن الجيش والفرق الأمنية مشغولة بفض المظاهرات والاعتصامات من قبل قوى المعارضة التي تطالب بإسقاط انقلاب الجيش في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وعودة الحكم المدني.
عنف متصاعد
وبين حين وآخر تشهد مناطق متفرقة في دارفور صراعات دموية تتكرر شهريا بين القبائل العربية تارة والعربية والإفريقية تارة أخرى، ضمن نزاعات على الموارد والأرض والمياه ومسارات الرعي.
ووقعت آخر هذه الاشتباكات بين قبيلتي "القمر" و"الرزيقات" في الأسبوع الأول من يونيو/ حزيران 2022، بسبب نزاعات وخلافات على ملكية الأراضي في الإقليم.
وفي 14 يونيو 2022، قدرت الأمم المتحدة ضحايا الاشتباكات في إقليم دارفور غربي السودان، نتيجة الصراع بين "القمر والرزيقات"، بأكثر من 100 قتيل ونزوح أكثر من 50 ألف شخص من ديارهم.
وفي مؤتمر صحفي بالمقر الدائم للمنظمة في نيويورك، علق المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، على الأوضاع المأساوية هناك بالقول، إن "النساء والأطفال أجبروا على الفرار من منازلهم، ونهبت الديار والماشية من قبل المسلحين".
وأضاف: "نخطط مع شركائنا في المجال الإنساني لزيارة المنطقة إن سمح الوضع الأمني بذلك لتقييم الاحتياجات، وكذلك للمساعدة في تسجيل الأشخاص المتأثرين بالعنف".
وشدد على أن "العنف في دارفور والولايات الأخرى، سوف يمنع المزارعين من زراعة أراضيهم، الأمر الذي يؤدي مع بدء هطول الأمطار، إلى مزيد من انعدام الأمن الغذائي في المنطقة".
وفي 16 يونيو 2022، حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، من أن ثلث سكان السودان "يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي".
وأورد في بيان، "يواجه حاليا عدد قياسي يبلغ 15 مليون شخص في السودان، ثلث السكان، انعداما حادا في الأمن الغذائي".
وتفاقم الصراعات بين القبائل في دارفور من الأزمة السياسية والأمنية والاقتصادية الكبيرة التي تعاني منها البلاد حاليا بالفعل، وتجعل البلد المضطرب على المحك، في ظل غياب أفق للحل لدى حكومة الخرطوم.
إثنية خطرة
وتعد محلية كلبس التي تبعد حوالي 160 كلم شمال شرق مدينة الجنينة عاصمة ولاية دارفور، هي مسرح الاشتباكات الدائرة بين القمر والرزيقات.
وفي 13 يونيو، أعلن شيخ قبيلة القمر إبراهيم هاشم "سقوط العشرات من أبناء قبيلته مع حرق 14 قرية كاملة غربي دارفور".
وقال إن "هذا القتال الذي يدور على نطاق واسع جدا، الغرض منه إزاحة القمر عن أراضيهم".
والقمر من القبائل العربية التي جاءت إلى السودان مع الفتح الإسلامي للبلاد، ولهم فروع في مصر وليبيا، لكن الجزء الأكبر منهم استقر في دارفور، وتحديدا "كلبس" المتاخمة للحدود مع تشاد.
وقبيلة "الرزيقات" عربية أيضا يعود أصلها إلى قبائل "جهينة" الشهيرة في جزيرة العرب، وانتشرت أيضا في السودان، وهي موجودة بشكل أساسي في إقليم دارفور وكردفان وبعض المناطق شرق تشاد.
وتعد الرزيقات القبيلة الأكثر قوة ونفوذا في دارفور لما تملكه من مال وسلاح ورجال.
وتاريخيا كانت الرزيقات مدعومة من النظام السوداني بقيادة الرئيس السابق عمر البشير أثناء نزاع دارفور عام 2003، إذ انضمت خلال الحرب إلى القوات الحكومية ضمن مليشيات الجنجويد لمحاربة المتمردين.
وأصبح زعيمهم موسى هلال (معتقل حاليا) قائدا بارزا للجنجويد، كما أصبح مستشارا لوزير الداخلية السودانية آنذاك.
ويعد محمد حمدان دقلو "حميدتي" قائد قوات الدعم السريع، نائب رئيس المجلس السيادي السوداني، من أشهر أفراد قبيلة الرزيقات.
تاريخ دموي
لكن الأخطر أن صدامات دارفور لا تقف عند تلك القبيلتين فقط، ففي أبريل/ نيسان 2020، تكررت المعارك حيث قتل أكثر من 200 شخص في مواجهات بين قبائل عربية وقبيلة المساليت الإفريقية، داخل مدينة الجنينة.
وقتها أصدر مكتب الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة "أوتشا"، تقريرا عن أحداث مدينة الجنينة بشمال دارفور، أكد فيه "نزوح حوالي 40 ألفا".
ومع موجة العنف المتصاعدة آنذاك تظاهر الآلاف في العاصمة السودانية الخرطوم، لوقف العنف المسلح، والاقتتال القبلي في دارفور، الذي أوقع عشرات القتلى، وآلاف النازحين.
وحمل المتظاهرون الأعلام الوطنية، ولافتات تطالب بضرورة وقف الاقتتال القبلي، وتحقيق السلام، وردد المتظاهرون شعارات، "يا عنصري ومغرور .. كل البلد دارفور"، "لا للعنف.. نعم السلام".
وذلك لخشية الشعب السوداني من تكرار الأحداث الدموية التي شهدها الإقليم في 2003.
إذ اندلع نزاع في دارفور حمل خلاله أعضاء من الأقليات الإثنية السلاح ضد نظام الخرطوم، ما أدى إلى مقتل نحو 300 ألف شخص ونزوح 2.5 مليون من قراهم، وفق الأمم المتحدة.
ولا يقف خطر النزاع في دارفور على الحرب الأهلية فقط، لكنه باب لفرض وصاية أممية على البلاد.
ففي 24 مايو/أيار 2022، عقد مجلس الأمن الدولي، جلسة مفتوحة حول السودان، وأخرى عن نشاطات بعثة "يونيتامس" الأممية في الخرطوم، لمناقشة آخر تطورات الأوضاع هناك.
وتدخلت مستشارة السلام وحل النزاعات في مكتب الخرطوم وجنوب السودان كيمي لومباردو، ودعت إلى نشر قوات حفظ الأمن في دارفور فورا.
وهو ما شددت عليه وطالبت به السفارة الأميركية في الخرطوم عبر منشور رسمي "للتأكيد على دعم الولايات المتحدة للشعب السوداني ولمناقشة أولويات الأطراف المعنية، وحلول معالجة العنف المتزايد في دارفور"، كما زعمت.
وذكرت "أنها شددت في لقائها مع حاكم ولاية شمال دارفور على رغبة واشنطن في رؤية تحركات ملموسة للإسهام في سلام مستدام في دارفور.
وحثت على النشر الفوري لقوات حفظ أمن دارفور التي تشكلت لمعالجة قضايا الأمن، بما في ذلك حماية المدنيين.
شبح الحرب
وفي 10 يناير/ كانون الثاني 2022، نشرت صحيفة "نيغريسيا" الإيطالية، تقريرا لها عن أسباب تصاعد العنف في دارفور.
وأكدت الصحيفة أن الإقليم بات لا يعرف السلام نتيجة العنف والاقتتال القبلي المتصاعد.
وأوردت أن أهم أسباب ذلك الصراع، يكمن في التنافس للسيطرة على المناطق الغنية بالموارد داخل الإقليم وهي محل نزاع منذ ما يقرب من عشرين عاما.
واستنكرت الصحيفة الإيطالية ما وصفته بتهيئة الظروف لتجدد الأعمال العدائية والتي تسببت عام 2021 بفرار أكثر من 400 ألف شخص من أراضيهم.
وأرجعت جزءا من العنف الذي يشهده دارفور اليوم إلى الهجرة الموسمية التي تفاقمت بسبب تغير المناخ والتي تشق طريقها من وعلى طول الحدود مع تشاد إلى الجنوب نحو جمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان وشمالا باتجاه ليبيا.
وبحسب الصحيفة، تهدف الهجمات المستمرة ضد المدنيين إلى إجبار الفلاحين على مغادرة قراهم لإفساح المجال لمجتمعات البدو الرحل.
ناهيك عن أن الفلاحين يواجهون أيضا تهديدات مستمرة تتمثل في عمليات السرقة والجريمة التي تسببت في مزيد من زعزعة الاستقرار بإقليم دارفور.
وتؤكد هذه الأحداث الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات متضافرة بين وكالات الأمم المتحدة والشركاء الدوليين والسلطات السودانية لتجنب المزيد من التصعيد، ومنع تكرار وقوع حرب مروعة شبيهة بما حدث قبل عشرين عاما، وفق الصحيفة.
من جانبه، أكد السياسي السوداني الدكتور إبراهيم عبد القادر لـ"الاستقلال"، أن "اضطراب دارفور مؤشر خطير على فشل الدولة في السودان، وهو تكرار لمأساة الجنوب بحذافيرها".
وأضاف: "من الممكن مستقبلا أن نجد دعوات انفصال دارفور أصبحت واقعا وطور التنفيذ، كما حدث لجنوب السودان من قبل، خاصة وأن كثيرا من القبائل لا سيما الإفريقية تتبنى تلك الدعوات".
وذكر عبد القادر أنه، "بعد سقوط البشير والتاريخ الدموي الذي شهده الإقليم، كان هناك مقترح خطة للتنمية لإزالة أسباب الحنق والتوتر، وبدء صفحة جديدة، لكن ذلك لم يحدث".
وأورد أن "الحكومة السابقة بقيادة عبدالله حمدوك، والنظام الحالي بقيادة عبدالفتاح البرهان انشغلوا بتصفية الخصومات والتجاذبات الداخلية، بينما تركوا الإقليم يرزح في المعارك الطائفية وأحداث العنف على أساس قبلي".
وشدد: "بالتالي زادت معدلات الهجرة وتدمير القرى والبيوت والاستيلاء على الأراضي، وهو مؤشر خطير لا يهدد دارفور فحسب بل يهدد الدولة كلها".
واختتم بالقول: "المهمة الأساسية أمام أي نظام يحكم السودان مستقبلا، هي توحيد البلاد، وحل مشكلة دارفور ومناطق النزاع في شرق السودان، وبداية عهد جديد يرسخ لقوة الدولة، لا غيابها وأفولها".