مختلفون لكن يرفضون القتال.. ما الخيارات أمام الليبيين لتجاوز الصراع؟

12

طباعة

مشاركة

تصاعدت أخيرا دعوات رفض القتال ونبذ العنف في ليبيا مع التمسك بالحلول السلمية والحوار الداخلي، أملا في إجراء انتخابات عامة وتسليم البلاد موحدة لحكومة ليبية متوافق عليها.

بينما لا يزال التنازع السياسي متواصلا بين حكومتي الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا بقيادة عبد الحميد الدبيبة، وحكومة وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا المعينة من قبل برلمان طبرق، مع إصرار الدبيبة على عدم تسليم السلطة إلا لجهة منتخبة.

ورغم حالة الانقسام السياسي، يرى مراقبون أن الشعب الليبي متمسك بالوحدة، ويريد الحفاظ على بلده موحدا، لذا يميل إلى مسار جديد يحقق له الانتخابات قد يكون عبر حكومة جديدة بدلا من الحاليتين المتناحرتين.

انقسام واضح

وخلال اجتماع مجلس الوزراء مطلع يونيو/ حزيران 2022 بالعاصمة طرابلس، أكد الدبيبة أن "كثيرا من الأطراف تتحدث عن الحرب والقتال ودخول طرابلس، لكن نحن مصممون على التمسك بشعار لا للحرب والقتال والاختلاف بين أبناء الشعب الليبي".

وأضاف: "لا يمكن أن نسهم في اندلاع حرب جديدة بين الليبيين، كفانا حربا، لنجلس ونناقش الانتخابات ونكوِّن قاعدة دستورية نتفق عليها لنذهب إلى انتخابات حقيقية هذه المرة تنهي المراحل المؤقتة".

من جانبه، قال رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، إن "خيار الاقتتال مرفوض رفضا باتا في وجود حلول سياسية، ومنها ممارسة الحكومة الليبية عملها من مدينة سرت"، التي قال إنها "المنطقة التي يمكن لكل الليبيين من الغرب والشرق والجنوب القدوم إليها دون خوف أو تردد".

وأضاف صالح خلال اجتماع بسرت في 31 مايو/ أيار 2022 بحضور باشاغا، أن "طرابلس تحت سيطرة مجموعات مسلحة، فلا يمكن دخول العاصمة، إلا بأحد مسارين، إما بالقتال أو بموافقة هذه المجموعات وستكون الحكومة تحت سيطرتها، لذلك فسرت الحل الضامن لعمل الحكومة، وتجنبا لإراقة الدماء".

ولم تتمكن حكومة باشاغا من دخول طرابلس مرتين، حيث حالت القوات الموالية لحكومة الدبيبة دون ذلك، وحدثت اشتباكات مسلحة في المرة الأخيرة انسحب على أثرها باشاغا وأعضاء حكومته إلى سرت وصرح بعدها رفضه اللجوء للقوة في دخول العاصمة.

ويتهم باشاغا، الدبيبة بتأجيج الموقف وأنه سبب ما آلت إليه الأمور من تعقيد بسبب ترشح الأخير للانتخابات الرئاسية، وعدم التزامه بقوانين مجلس النواب، ما أدى لفشل انتخابات ديسمبر/ كانون الأول 2021.

ويرى باشاغا ضرورة إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بشكل متزامن وألا يقتصر الأمر على الانتخابات البرلمانية لما قد يؤدي إلى كارثة في البلاد على حد قوله.

وقال باشاغا خلال كلمة له في سرت مع أعيان مصراتة في 4 يونيو 2022، إن المجتمع الدولي لم يكن راضيا على الاتفاق الليبي الليبي الذي جرى أخيرا وهناك أطراف غير راضية على المصالحة مع إخوتنا في الوطن.

حكومة مصغرة

من جانبه، أكد رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري رفضه حكومة باشاغا المكلفة من مجلس نواب طبرق بوصفها غير متوازنة، فضلا عن وجود ملاحظات بشأن تكليفها كما أنه لا يمكن لأي حكومة أن تباشر عملها من خارج طرابلس.

وأشار في مقابلة مع التلفزيون التركي في 3 يونيو 2022، إلى أن سرت تحديدا ليست آمنة ولا محايدة حيث يوجد بها عناصر مسلحة تابعة لمجموعات فاغنر الروسية ولن تستمر فيها الحكومة كثيرا .

كما أكد رئيس مجلس الدولة رفضه استخدام القوة وإدخال الشباب الليبي في الاقتتال لصالح الحكومتين، وهو ما يوجب التركيز على إنجاز القاعدة الدستورية لتجاوز المرحلة الانتقالية وإنهاء وجود حكومتين متصارعتين .

ويرى المشري إمكانية الخروج من الأزمة بتشكيل حكومة مصغرة قادرة على إنجاز الانتخابات، معتبرا وجود المجلس الرئاسي مهم جدا لحلحلة الأزمة لامتلاكه صفة القائد الأعلى للجيش.

دوليا، دعت تركيا وهي أحد الأطراف الفاعلة في ليبيا جميع الأطراف إلى ضبط النفس والامتناع عن الأعمال التي تؤدي لعدم الاستقرار وشددت على أن حل المشكلات بالحوار أمر ضروري.

وأكدت السفارة التركية في ليبيا في بيان نشرته منتصف مايو، على ضرورة منح الأولوية للخطوات القانونية التي ستقود ليبيا إلى انتخابات نزيهة وحرة، وشددت على دعم لجنة المسار الدستوري المشتركة بين مجلسي النواب والدولة برعاية الأمم المتحدة .

كما أن السلطات المصرية رغم انحيازها سابقا لعقيلة صالح والجنرال الانقلابي خليفة حفتر، تدعم خيار السلام وتحتضن القاهرة جولات الحوار بين مجلسي الدولة والنواب لإعداد قاعدة انتخابية متوافق عليها من باب التفاوض والحوار .

وفي السياق، أكد وزير الشؤون الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، خلال اتصال مع نظيرته الليبية نجلاء المنقوش في 2 يونيو، ضرورة تعزيز الاستقرار في ليبيا مشيرا إلى أن "الحل الوحيد هو الحوار الوطني الليبي وصولا إلى اتفاق سياسي يمهد لمرحلة الاستقرار الدائم عبر انتخابات برلمانية ورئاسية".

ويرى محللون أن التصريحات المتبادلة بن أطراف الصراع الليبي الرافضة والمؤكدة لعدم الرغبة في الاقتتال تعكس رغبة حقيقية من الجميع بإحلال السلم في البلاد والذهاب إلى الاستقرار.

ويقول أستاذ العلوم السياسية المختص بالشأن الإفريقي خيري عمر، إن الليبيين على الأغلب تعلموا الدرس المستفاد على مدار السنوات السابقة المتمثل في عدم قدرة أي طرف على حسم النزاع عسكريا، وأن ما دار من اقتتال لم يؤد إلا إلى تآكل مقومات الدولة الليبية.

ويضيف لـ"الاستقلال"، أن الدرس المستفاد من الفشل العسكري في تحقيق أي نتائج ملموسة لصالح أي طرف أو الدولة جعلت الجميع يجنح بعيدا عن الحرب إلى السلم.

ويذهب عمر إلى أن تصريحات المشري حول إمكانية الذهاب لانتخابات بحكومة مصغرة يصب في اتجاه تركيز السلطة عند مجلسي النواب والأعلى للدولة.

ويشرح الخبير السياسي أن هذا الأمر قد يعمل على معالجة الأخطاء التي ظهرت سابقا وكانت سببا في فشل الانتخابات الأخيرة، وبينها الإطار الدستوري المتوافق عليه بين المجلسين.

ضبابية كبيرة

ووفقا لتقدير عمر فإن ما يذهب إليه المشري يقع في نقطة المنتصف بين الأطراف المتنازعة على السلطة في ليبيا، بحيث إن التوافق أو الاستقرار حول صلاحيات الجهة المختصة بالتشريع سوف يعيد الأوضاع إلى نصابها ويقلص فجوة الصراع بين الحكومتين المتنازعتين.

ويعتقد أن التوجه إلى تشكيل حكومة أخرى ليس مرجحا خلال الفترة القادمة خاصة حال لم يتم التوافق على قاعدة دستورية، فالخلاف يدور حول إمكانية إجراء الانتخابات وحتى إذا تم إزاحة الحكومتين لن تحل المشكلة.

ويضيف عمر، كما أن إعادة التشكيل الجزئي لحكومة باشاغا لتكون أكثر تمثيلا لليبيين قد يتحقق إذا تم مراجعة قوانين الانتخابات وصياغة القاعدة الدستورية وهو ما يسهل الأعباء وهو ما يقع على عاتق مجلسي الدولة والنواب.

من جانبه، رأى الأكاديمي والمحلل السياسي الليبي محمود الرملي، أن الموقف الليبي يتسم بالضبابية وهو ما يظهر في التصريحات والواقع السياسي ووجود حكومتين متصارعتين على البلاد، كلتاهما يدعي عدم شرعية الآخر.

وأضاف لـ"الاستقلال"، "كما يستمر الجدل والصراع السياسي فيما يتعلق ببرلمان يريد أن يستفرد بالسلطة ومجلس الدولة يحاول أن يكون جزءا مؤسسا فيها".

ولفت إلى أن الأمر يزداد ضبابية على الشعب الذي هو الخاسر الأكبر من الجوع وانقطاع الكهرباء والخدمات الأساسية وشح المحروقات وهو ما يعكس تناقضا كبيرا في التصريحات في أن الكل يريد ألا يكون هناك إراقة للدماء ولكن الكل لا يريد أيضا إنهاء ما يتعلق بالصراع وأسبابه.

وأوضح الرملي أن البرلمان عقد الأزمة بإنشاء حكومة موازية اتخذت من سرت مقرا لها في ظل وجود حكومة وطنية في الغرب الليبي جاء بتوافق واتفاقات أممية.

وأشار إلى أن حالة الضبابية وانعدام الرؤية والتعقيدات ستزداد في الفترة القادمة لأن الاتفاق السياسي سينتهي نهاية يونيو وهو ما يثير تساؤلا مهما إلى أين تسير البلاد؟

ومضى يقول: "هل تتجه إلى حالة فوضوية مطلقة أم إلى تعدد الرؤوس أو حكومة في الجنوب أيضا من قبل السيد علي زيدان وغيره وإمكانية وجود حكومة أخرى بعيدا عن الدبيبة وباشاغا؟"

وأكد الخبير الليبي أن تبعثر الجهود الأممية والدولية خاصة ما بعد حرب روسيا وأوكرانيا والتي أدت إلى انعدام التوافق على سيران المسار الليبي من خلال البعثة الأممية التي اختفت أو استيفاني ويليمز التي تريد أن تتسيد المشهد.

كما شدد على ضرورة الذهاب إلى إنشاء جسم تأسيسي جديد بدل هذا الصراع، حيث إن الليبيين لن يتمكنوا من إجراء الانتخابات ما لم يكون هناك قانون صادر عن جسم جديد، وهو ما لن يتحقق مع الأجسام الموجودة حاليا التي يعدها الليبيون أجساما ميتة.

وختم بالقول إن الشعب الليبي يتمسك بالتوحد كشعب واحد والحفاظ على بلادهم موحدة حتى في أقصى حالات الانقسام السياسي.