اجتماع نظام الأسد و"العمال الكردستاني".. ما علاقته بتفاهمات تركيا وروسيا؟
في خطوة حملت في طياتها رسائل محلية ودولية، التقى وفد من حزب العمال الكردستاني "بي كا كا"، مع المسؤول الأول عن أمن النظام السوري، رئيس مكتب الأمن الوطني علي مملوك، في العاصمة دمشق.
وذكر موقع "باسنيوز" الكردي في 22 مايو/ أيار 2022، أن وفدا من "بي كا كا"، يترأسه القيادي "صبري أوك" زار أخيرا دمشق والتقى بمملوك، للتباحث حول أوضاع المناطق الخاضعة لسيطرة فروع الحزب بشمال شرقي سوريا وكذلك في حلب تحت عباءة قوات سوريا الديمقراطية "قسد".
وتعد قوات "ي ب ج" العمود الفقري لقوات "قسد"، المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني "ب ي د"، الفرع السوري من "بي كا كا".
وتصنف أنقرة وواشنطن وعواصم أوروبية عديدة "بي كا كا"، تنظيما إرهابيا، لاستهدافه الداخل التركي بهجمات مسلحة في العقود الأخيرة، وهو يمثل الأب الروحي لكل التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا والعراق التي تحلم بالانفصال وتأسيس دولة "كردستان" الكبرى.
وما زاد التكهنات حول الاجتماع، أنه جاء قبل يوم من إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن استعداد بلاده لإطلاق عملية عسكرية في المناطق التي يحتلها المسلحون الأكراد على الحدود، وسط أنباء عن تفاهم مع روسيا بشأن الخطوة.
علاقة وثيقة
واتفق الطرفان في الاجتماع على تهدئة الأوضاع في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعات المسلحة الكردية بسوريا والعمل معا وفق اتفاقات سابقة بين الجانبين، بحسب موقع "باسنيوز" المستقل، بينما لا ينشر النظام السوري عادة بيانات عن مثل هذه اللقاءات الأمنية.
وتجمع "بي كا كا" ونظام الأسدين حافظ وابنه بشار، عقود من التعاون وتقاطع المصالح، ظهرت نتائجها عقب اندلاع الثورة السورية في مارس/ آذار 2011.
واعترف الرجل الثاني في حزب العمال الكردستاني "جميل بايك"، خلال مقابلة مع صحيفة "النهار العربي" في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بأن علاقة التنظيم مع رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد وعائلته "كانت وثيقة ودافئة".
وبين حينها أنهم على استعداد لأن يكونوا طرفا في العلاقة بين القوات الكردية والنظام السوري "لأن الحل الأصح هو المصالحة بين الإدارة الكردية الذاتية وحكومة دمشق".
ولطالما لعبت فروع حزب العمال الكردستاني في سوريا، دورا أساسيا في تهجير العرب السنة من مدن وبلدات شرق البلاد بمساندة ودعم من النظام السوري برئاسة بشار الأسد.
وتسيطر فروع "بي كا كا" المنضوية تحت عباءة قسد في سوريا على 83 بالمئة من مساحة الحسكة الحدودية مع تركيا والعراق، الغنية بالنفط والأرض الزراعية، بينما النظام السوري يسيطر على 4 بالمئة فقط منها.
بينما تسيطر قوات المعارضة على 8 بالمئة، ويتبقى 5 بالمئة كمنطقة مشتركة بين النظام وقسد، وبذلك تكون تلك الفروع تستحوذ بدعم أميركي على قرابة 90 بالمئة من حقول النفط، و45 بالمئة من إنتاج الغاز بسوريا.
كذلك تسيطر مليشيا "ي ب ج" الكردية على مدينتي منبج وعين العرب (كوباني) الإستراتيجيتين بريف حلب فضلا عن تل رفعت غرب المحافظة وحي الشيخ مقصود داخل مدينة حلب.
وتسيطر "قسد" على 42 بالمئة من مساحة الرقة، وعلى كامل الضفة اليسرى من نهر الفرات بدير الزور من الحدود العراقية حتى الحدود الإدارية للحسكة.
بمعنى أن فروع "بي كا كا" تسيطر على ما يعادل ربع مساحة سوريا، ويقطن مناطقها نحو 2.5 مليون نسمة من إجمالي 22 مليونا لجأ منهم نحو 7 ملايين إلى الخارج منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011.
والعلاقة بين "قسد" والنظام السوري محصورة بتوريد القمح والنفط تهريبا إلى مناطقه، مقابل تسهيلات تجارية من الأخير وتقديم الكهرباء والخدمات لبعض مناطق "قسد".
كما يجري حوار سياسي "متقطع" بين الطرفين، برعاية روسية، لم يتم التوصل خلاله لأي تقدم، بينما قدم الروس مقترحا لدمج "قسد" مع قوات الأسد.
إلا أن هذا المقترح يرفضه قائد قسد مظلوم عبدي، الذي يطالب بأن تحافظ مليشياته على "وجودها التنظيمي العسكري وتحمي المناطق التي تنتشر فيها شمال وشرقي سوريا كجزء رسمي من الجيش السوري".
فراغ روسي
ويرى رئيس الهيئة السياسية في الحسكة المعارضة، المشكلة في تركيا، محمود الماضي، أن اللقاء الأخير بين صبري أوك، ومملوك جاء نتيجة للحرب في أوكرانيا وسحب روسيا لبعض من قواتها في عدد من المناطق في سوريا".
وأضاف ماضي لـ "الاستقلال"، أن "اللقاء يهدف للتنسيق والتعاون بين مليشيات قسد والأسد وملء الفراغ في بعض مناطق المنطقة الشرقية والجزيرة، فضلا عن التهدئة وإعادة التنسيق عقب سيطرة قسد على بعض المؤسسات التابعة لحكومة الأسد داخل الحسكة".
ولفت رئيس الهيئة السياسية في الحسكة المعارضة، إلى أن "قيادات العمال الكردستاني ترفض التصعيد ضد النظام السوري وتفضل التعاون معه في المنطقة وضد تركيا".
وعد ماضي، أن "استدعاء مكتب الأمن الوطني للنظام للحليف القديم بالتزامن مع رفض تركيا انضمام فنلندا والسويد لحلف شمال الأطلسي بسبب دعمهما لمليشيا بي كا كا، بهدف بعث رسائل دولية من النظام للخارج وبحث مزيد من الخيارات على الأرض السورية وأهمها ضد تركيا".
وربط مراقبون عسكريون لقاء قيادة حزب العمال الكردستاني بمخابرات الأسد بدمشق، بحديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لاحقا في 23 مايو 2022 عن عملية عسكرية جديدة تستهدف فروع "بي كا كا" المنتشرة بمحاذاة حدود تركيا الجنوبية، الواقعة شمالي سوريا.
وقال أردوغان في تصريحات عقب اجتماع حكومي: "سنبدأ قريبا باتخاذ خطوات تتعلق بالجزء المتبقي من الأعمال التي بدأناها لإنشاء مناطق آمنة على عمق 30 كيلومترا، على طول حدودنا الجنوبية مع سوريا".
وأشار الرئيس التركي إلى أن المناطق التي تعد مركز انطلاق للهجمات على تركيا والمناطق الآمنة، ستكون على رأس أولويات العمليات العسكرية، في إشارة إلى المناطق التي تسيطر عليها فروع "بي كا كا"، منوها إلى أن العمليات "ستبدأ بمجرد انتهاء تحضيرات الجيش والاستخبارات والأمن".
رسائل متعددة
في هذا السياق، يؤكد المتحدث باسم مجلس القبائل والعشائر السورية المعارضة "مضر حماد الأسعد"، أن "العلاقة بين بي كا كا والنظام السوري لم تنقطع؛ إذ يعد (ي ب ج) الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني جزءا من المنظومة الأمنية للنظام رغم وجود بعض المشكلات السطحية".
وأضاف المتحدث لـ"الاستقلال"، أن "النظام السوري هو من سلم محافظة الحسكة إلى (ي ب ج) منذ عام 2011، بما فيها من حقول غاز ونفط وصوامع الحبوب والدوائر الحكومية والمعبر مع العراق".
ومضى الأسعد يقول: "ولاحقا تولت هذه المليشيا مهمة إسكات الثورة السورية في الحسكة وملاحقة المعارضين للأسد ونفذت عمليات اغتيال لقيادات كردية مناوئة للأسد ومنخرطة في الثورة وتسليم بعض الثوار لمخابرات النظام السوري".
ورأى أن "لقاء قيادة بي كا كا مع علي مملوك التي لم تنقطع، كونه هو مسؤول عنها في سوريا، تحمل رسالة مزدوجة لتركيا والتحالف الدولي بأن حزب العمال الكردستاني لن يتخلى عن دعم النظام السوري".
وبحسب الأسعد المنحدر من الحسكة، فإن "بي كا كا يشكل ناطور النظام السوري بمنطقة الجزيرة والفرات، وهو من طلب منه التعامل مع التحالف الدولي بقيادة أميركا، من أجل سحب البساط من الجيش السوري الحر المعارض الذي كان الأساس المعتمد لإدارة المنطقة الشرقية من قبل التحالف".
وتابع قائلا: "النظام السوري طلب من بي كا كا الموافقة على كل شروط التحالف الدولي في سبيل تحصيل السلاح والدعم بدلا من ذهابه إلى المعارضة السورية في تلك المنطقة".
ولفت المتحدث الرسمي لمجلس القبائل والعشائر السورية، إلى أن "ما يجري في الحسكة من خلافات بين فروع بي كا كا والنظام السوري هي وهمية، من أجل إيهام الأهالي ومناصري الأكراد بشكل عام بأن حزب العمال الكردستاني ضد النظام، لكن الحقيقة هي أن هناك علاقة إستراتيجية بينهما".
وذهب الأسعد للقول: إن "النظام السوري في حالة من الضعف عقب انسحاب روسيا من بعض النقاط العسكرية في الشمال السوري وحلب والبادية السورية نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا".
وأردف: "وهذا يعني أن النظام السوري وبي كا كا أصبحا في حالة ضعف أيضا لكون موسكو هي من كانت تمنع أنقرة من الهجوم على مناطق سيطرة الحزب بسوريا".
وألمح الأسعد إلى أن "روسيا قد تخلت عن فروع حزب العمال الكردستاني، بسبب حاجتها الملحة لتركيا أمام منع بعض الدول من الانضمام إلى حلف الناتو كفنلندا والسويد".
ولهذا "باتت موسكو تنظر إلى أن علاقتها مع أنقرة ستستفيد منها أكثر من فروع بي كا كا بسوريا، ولهذا جرى انسحاب الروس أخيرا من تل رفعت ومنبج بريف حلب وبعض المناطق القريبة من الحدود التركية"، وفق الأسعد.
ضوء أخضر
وفي صورة تتوافق مع هذا الطرح، استشف المحلل السياسي التركي، إسماعيل كايا، أبعاد وحدود العملية العسكرية التركية المرتقبة التي تحدث عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وقال كايا على حسابه في تويتر: "يتوقع أن أردوغان يقصد بدرجة أساسية المنطقة الممتدة بين منطقتي عمليتي درع الفرات ونبع السلام وتشمل مناطق من ريفي حلب والرقة ومنها عين العرب ومنبج".
وزاد بالقول: "إذا تحدثنا عن كامل الحدود فإن ذلك يشمل المناطق الشمالية الشرقية من سوريا في ريفي الحسكة والقامشلي أيضا".
يتوقع أن أردوغان يقصد بدرجة أساسية المنطقة الممتدة بين منطقتي عمليتي درع الفرات ونبع السلام وتشمل مناطق من ريفي حلب والرقة ومنها عين العرب ومنبج
— Ismail Kaya (إسماعيل كايا) (@Ismail_kaya88) May 23, 2022
وإذا تحدثنا عن كامل الحدود فإن ذلك يشمل المناطق الشمالية الشرقية من سوريا في ريفي الحسكة والقامشلي أيضا https://t.co/jTc5WzEFxA
وتعد مدينة منبج الإستراتيجية الخاضعة حاليا لقوات "قسد" منذ أغسطس/آب من عام 2016، بمثابة شريان اقتصادي لأنها تربط مناطق سيطرتها في شرق الفرات (ديرالزور، الرقة، القامشلي، الحسكة) وقريبة من مدينة عين العرب على الحدود التركية.
كما أن تركيا تعد مدينة منبج التي تبعد عن حدودها 80 كيلومترا "حجر عثرة" أمام إتمام إنشاء منطقة آمنة في شرق الفرات، وتطالب أنقرة واشنطن بإخراج فروع "بي كا كا" منها كونهم يشكلون خطرا على حدودها.
وأطلقت تركيا بمساندة "الجيش الوطني السوري" ثلاث عمليات عسكرية بسوريا، الأولى عملية "درع الفرات"، في 24 أغسطس/آب 2016، وتركزت بريف حلب ضد تنظيم الدولة وطرد حينها من مدن "جرابلس، الباب، أعزاز"، وجرى تحرير 2055 كيلومترا مربعا من يد التنظيم.
كما أطلقت تركيا عمليتين عسكريتين حينما قررت قطع الطريق أمام محاولات قوات "ي ب ج" وصل شريط من القرى والمدن على الحدود السورية التركية مع بعضها تربط محافظات "الحسكة، الرقة، حلب"، لمنع قيام كيان كردي شمال سوريا على حدودها.
الأولى، حملت اسم "غصن الزيتون" في 20 يناير/كانون الثاني 2018، وجرى خلالها السيطرة على مدينة عفرين شمال حلب وتخليصها من عناصر "بي كا كا".
والثانية، في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019 وسميت "نبع السلام" وتركزت في محافظتي الحسكة والرقة، إذ أبعدت قوات "ي ب ج" مسافة 30 كيلومترا عن الحدود التركية.
وبسط حينها الجيش الوطني سيطرته على مساحة تزيد عن 4 آلاف كيلومتر مربع، بهدف إنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.
لكن تركيا إلى الآن ترى أن إقامة منطقة آمنة شمال سوريا على حدودها، لن تكون مكتملة الأركان، طالما يحيط بها ويقطعها مدن ما تزال تسيطر عليها فروع "بي كا كا".
إذ تهدد تلك الفروع أمن المنطقة الآمنة، كما تعبث راهنا بأمن مدن منطقة العمليات التركية الثلاث، عبر توجيه رمايات مدفعية وسيارات مفخخة وتنفيذ اغتيالات كما هو حاصل بمدن الباب وعفرين وأعزاز وجرابلس.